الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٩
أَمَّا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُفَصَّلٍ، وَالْمَبِيعُ مِمَّا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ، لَكِنْ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي حَال النَّقْصِ، وَهُوَ خِيَارُ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ.
وَذَلِكَ لأَِنَّ مَا لاَ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ يُعْتَبَرُ التَّقْدِيرُ فِيهِ كَالْجُزْءِ، وَمَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ يُعْتَبَرُ التَّقْدِيرُ فِيهِ كَالْوَصْفِ. وَالْوَصْفُ لاَ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ بَل يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ (١) .
هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى: أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ الْمُقَدَّرِ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ إِجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ الزِّيَادَةِ، وَلاَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ، وَهُنَاكَ ضَرَرٌ فِي الشَّرِكَةِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِالنِّسْبَةِ لِمَا زَادَ (٢) .
وَلِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ كَوْنِ النَّقْصِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. . فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَاقِي بِمَا يَنُوبُهُ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي بَيْنَ أَخْذِهِ بِمَا يَنُوبُهُ، أَوْ رَدِّهِ. وَقِيل: إِنَّ
_________
(١) المجلة مادة (٢٢٣ - ٢٢٩)، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٣٠، والدرر شرح الغرر ٢ / ١٤٧، ومنح الجليل ٢ / ٥٠٥ و٦٦٩، وجواهر الإكليل ٢ / ٤٧ - ٤٨، والحطاب ٤ / ٢٩٩، ومغني المحتاج ٢ / ١٧ - ١٨، ونهاية المحتاج ٣ / ٤٠٠ و٤ / ٦١، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٦٦، والمغني ٤ / ١٤٦ - ١٤٧.
(٢) نهاية المحتاج ٣ / ٤٠٠، ومغني المحتاج ٢ / ١٧ - ١٨، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٦٦، والمغني ٤ / ١٤٦.
ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ لِلْمَبِيعِ، فَإِنْ وَجَدَهُ أَكْثَرَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ وَجَدَهُ أَقَل كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ رَدِّهِ (١) .
وَمُقَابِل الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي ظُهُورِ الزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ: صِحَّةُ الْبَيْعِ لِلإِْشَارَةِ تَغْلِيبًا. ثُمَّ لِلشَّافِعِيَّةِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ قَابَل الْبَائِعُ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ، كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ الصُّبْرَةَ بِمِائَةٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ، فَفِي حَال الزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِمَنْ عَلَيْهِ الضَّرَرُ.
أَمَّا إِنْ قَابَل الأَْجْزَاءَ بِالأَْجْزَاءِ كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ الصُّبْرَةَ كُل صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ صَاعٍ، فَإِذَا ظَهَرَتْ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عِنْدَ الإِْسْنَوِيِّ، وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْنَ النُّقْصَانِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا، وَبَيْنَ الزِّيَادَةِ فَفِيهِ الْخِلاَفُ السَّابِقُ، وَهُوَ بُطْلاَنُ الْبَيْعِ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ صِحَّتُهُ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ (٢) .
وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ إِذَا قَال: بِعْتُكَ هَذِهِ الأَْرْضَ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، فَبَانَ أَحَدَ عَشَرَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: الْبَيْعُ بَاطِلٌ، لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ إِجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا بَاعَ عَشَرَةً، وَلاَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَى الْكُل وَعَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي الشَّرِكَةِ أَيْضًا.
_________
(١) منح الجليل ٢ / ٥٠٥، والحطاب ٤ / ٢٩٩، والشرح الصغير ٢ / ١٣ ط الحلبي.
(٢) مغني المحتاج ٢ / ١٨، والمهذب ١ / ٧١.
وَالثَّانِيَةُ: الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَلاَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَالْعَيْبِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ بَيْنَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ زَائِدًا، وَبَيْنَ تَسْلِيمِ الْعَشَرَةِ، فَإِنْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ فَلاَ خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، لأَِنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، وَإِنْ أَبِي تَسْلِيمَهُ زَائِدًا فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ، وَالأَْخْذِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَقِسْطِ الزَّائِدِ، فَإِنْ رَضِيَ بِالأَْخْذِ أَخَذَ الْعَشَرَةَ، وَالْبَائِعُ شَرِيكٌ لَهُ بِالذِّرَاعِ. وَهَل لِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ الْفَسْخُ لأَِنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي الْمُشَارَكَةِ. وَالثَّانِي: لاَ خِيَارَ لَهُ، وَقَوَّاهُ ابْنُ قُدَامَةَ، وَإِنْ بَانَ الْمَبِيعُ تِسْعَةً فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَبْطُل الْبَيْعُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِيَةُ: الْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإِْمْسَاكِ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الثَّمَنِ.
وَإِنِ اشْتَرَى صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ، فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ، رَدَّ الزَّائِدَ وَلاَ خِيَارَ لَهُ هَاهُنَا لأَِنَّهُ ضَرَرٌ فِي الزِّيَادَةِ. وَإِنْ بَانَتْ تِسْعَةً أَخَذَهَا بِقِسْطِهَا مِنَ الثَّمَنِ.
وَمَتَى سُمِّيَ الْكَيْل فِي الصُّبْرَةِ لاَ يَكُونُ قَبْضُهَا إِلاَّ بِالْكَيْل، فَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً رَدَّ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً أَخَذَهَا بِقِسْطِهَا مِنَ الثَّمَنِ. وَهَل لَهُ الْفَسْخُ فِي حَالَةِ النُّقْصَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: لَهُ الْخِيَارُ. وَالثَّانِي: لاَ خِيَارَ لَهُ (١) .
_________
(١) المغني ٤ / ١٤٦ - ١٤٧.
الثَّمَنُ وَأَحْكَامُهُ وَأَحْوَالُهُ
أَوَّلًا: تَعْرِيفُ الثَّمَنِ:
٤٨ - الثَّمَنُ هُوَ مَا يَبْذُلُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ عِوَضٍ لِلْحُصُول عَلَى الْمَبِيعِ، وَالثَّمَنُ أَحَدُ جُزْأَيِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ - وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ - وَهُمَا مِنْ مُقَوِّمَاتِ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَلِذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ هَلاَكَ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ قَبْل الْقَبْضِ يَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ فِي الْجُمْلَةِ (١) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمَقْصُودَ الأَْصْلِيَّ مِنَ الْبَيْعِ هُوَ الْمَبِيعُ؛ لأَِنَّ الاِنْتِفَاعَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالأَْعْيَانِ، وَالأَْثْمَانُ وَسِيلَةٌ لِلْمُبَادَلَةِ (٢)، وَلِذَا اعْتَبَرُوا التَّقَوُّمَ فِي الثَّمَنِ شَرْطَ صِحَّةٍ، وَهُوَ فِي الْمَبِيعِ شَرْطُ انْعِقَادٍ، وَهِيَ تَفْرِقَةٌ خَاصَّةٌ بِهِمْ دُونَ الْجُمْهُورِ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُتَقَوَّمٍ لَمْ يَبْطُل الْبَيْعُ عِنْدَهُمْ، بَل يَنْعَقِدُ فَاسِدًا، فَإِذَا أُزِيل سَبَبُ الْفَسَادِ صَحَّ الْبَيْعُ.
كَمَا أَنَّ هَلاَكَ الثَّمَنِ قَبْل الْقَبْضِ لاَ يَبْطُل بِهِ الْبَيْعُ، بَل يَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ بَدَلَهُ. أَمَّا هَلاَكُ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يَبْطُل بِهِ الْبَيْعُ (٣) . وَالثَّمَنُ غَيْرُ الْقِيمَةِ؛ لأَِنَّ الْقِيمَةَ هِيَ: مَا يُسَاوِيهِ الشَّيْءُ فِي تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ (أَهْل
_________
(١) جواهر الإكليل ١ / ٣٠٥، ومنح الجليل ٢ / ١٠٠ و٣ / ٦١٦، وشرح الروض ٢ / ٦٤، والمجموع ٩ / ٢٦٩، والقليوبي ٢ / ٣، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٨٩، والإفصاح ١ / ٣٣٧.
(٢) المجلة مادة (١٥١) .
(٣) المجلة مادة (٢١٢)، وحاشية ابن عابدين ٤ / ١٠٤.
الْخِبْرَةِ)، أَمَّا الثَّمَنُ فَهُوَ كُل مَا يَتَرَاضَى عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَكْثَرَ مِنَ الْقِيمَةِ، أَمْ أَقَل مِنْهَا، أَمْ مِثْلَهَا (١) .
فَالْقِيمَةُ هِيَ الثَّمَنُ الْحَقِيقِيُّ لِلشَّيْءِ. أَمَّا الثَّمَنُ الْمُتَرَاضَى عَلَيْهِ فَهُوَ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى.
وَالسِّعْرُ هُوَ: الثَّمَنُ الْمُقَدَّرُ لِلسِّلْعَةِ.
وَالتَّسْعِيرُ: تَحْدِيدُ أَسْعَارِ بَيْعِ السِّلَعِ. وَقَدْ يَكُونُ التَّسْعِيرُ مِنَ السُّلْطَانِ، ثُمَّ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنَ الْبَيْعِ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهَا أَوْ أَقَل مِنْهَا (٢) .
حُكْمُ التَّسْعِيرِ:
٤٩ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي التَّسْعِيرِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِوَلِيِّ الأَْمْرِ ذَلِكَ، إِذَا كَانَ الْبَاعَةُ يَتَعَدَّوْنَ الْقِيمَةَ، وَعَجَزَ الْقَاضِي عَنْ صِيَانَةِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ بِالتَّسْعِيرِ بِمَشُورَةِ أَهْل الرَّأْيِ وَالْبَصَرِ، وَذَلِكَ لِفِعْل عُمَرَ ﵁ حِينَ مَرَّ بِحَاطِبٍ فِي السُّوقِ فَقَال لَهُ: إِمَّا أَنْ تَرْفَعَ السِّعْرَ وَإِمَّا أَنْ تَدْخُل بَيْتَكَ فَتَبِيعَ كَيْفَ شِئْتَ (٣) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ، وَكَرَاهَةِ الشِّرَاءِ بِهِ، وَحُرْمَةِ الْبَيْعِ
_________
(١) المجلة مادة (١٥٣)، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٥١ و١٦٦، وجواهر الإكليل ٢ / ٢١.
(٢) المجلة مادة (١٥٤) .
(٣) " أثر عمر رضي الله تعالى عنه. . . " أخرجه مالك في الموطأ، وقال عنه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (جامع الأصول ١ / ٥٩٤ ط الملاح) .
وَبُطْلاَنِهِ إِذَا كَانَ بِالإِْكْرَاهِ (١) . وَذَلِكَ لِحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ (٢) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَسْعِيرٌ)
ثَانِيًا: مَا يَصْلُحُ ثَمَنًا وَمَا لاَ يَصْلُحُ:
٥٠ - كُل مَا صَلَحَ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا صَلَحَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا، وَالْعَكْسُ صَحِيحٌ أَيْضًا، هَذَا مَا يُفْهَمُ مِنَ اتِّجَاهِ الْجُمْهُورِ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ عَكْسَ، فَمَا صَلَحَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا قَدْ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا (٣) .
وَالثَّمَنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَذَلِكَ كَالنُّقُودِ وَالْمِثْلِيَّاتِ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَذْرُوعٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارَبٍ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الأَْعْيَانِ الْقِيَمِيَّةِ كَمَا فِي بَيْعِ السَّلَمِ، إِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَال عَيْنًا مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ، وَكَمَا فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ.
وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ أَثْمَانٌ بِالْخِلْقَةِ، سَوَاءٌ كَانَا مَضْرُوبَيْنِ نُقُودًا أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ. وَكَذَلِكَ
_________
(١) المغني ٣ / ١٦٤ ط القاهرة، والفتاوى الهندية ٣ / ٣١٤، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٥٩، والكافي لابن عبد البر ٢ / ٧٣٠.
(٢) حديث: " إن الله هو المسعر. . " أخرجه الترمذي وأبو داود عن أنس رضي الله تعالى عنه. وقال عنه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: إسناده صحيح، وصححه الترمذي وابن حبان. (جامع الأصول ١ / ٥٩٥ بتحقيق الأرناؤوط) .
(٣) حاشية ابن عابدين ٤ / ١٦٥، وشرح المجلة المواد (١٥٢، ٢١١) للأتاسي (٢ / ١٠٥) وللمحاسني (١ / ١٩٣)، والفتاوى الهندية ٣ / ١٢٢، والبهجة شرح التحفة ٢ / ٨٦، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٤٢، وجواهر الإكليل ١ / ٣٠٥ و٢ / ٥.
الْفُلُوسُ أَثْمَانٌ، وَالأَْثْمَانُ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ (وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ الصَّرْفَ وَالْكِرَاءَ) فَلَوْ قَال الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ السِّلْعَةَ بِهَذَا الدِّينَارِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ، فَإِنَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَ سِوَاهُ؛ لأَِنَّ النُّقُودَ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ، وَهِيَ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَالَّذِي يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ يَحْصُل الْوَفَاءُ بِهِ بِأَيِّ فَرْدٍ مُمَاثِلٍ وَلاَ يَقْبَل التَّعْيِينَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ قِيَمِيًّا فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ؛ لأَِنَّ الْقِيَمِيَّاتِ لاَ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَلاَ يَحُل فَرْدٌ مِنْهَا مَحَل آخَرَ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي (١) .
ثَالِثًا: تَعْيِينُ الثَّمَنِ وَتَمْيِيزُهُ عَنِ الْمَبِيعِ
٥١ - لِتَمْيِيزِ الثَّمَنِ عَنِ الْمَبِيعِ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِالضَّابِطِ التَّالِي، وَهُوَ مُتَّفَقٌ مَعَ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ:
أ - إِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ نُقُودًا اعْتُبِرَتْ هِيَ الثَّمَنَ، وَمَا عَدَاهَا هُوَ الْمَبِيعَ مَهْمَا كَانَ نَوْعُهُ. وَلاَ يُنْظَرُ إِلَى الصِّيغَةِ، حَتَّى لَوْ قَال: بِعْتُكَ دِينَارًا بِهَذِهِ السِّلْعَةِ، فَإِنَّ الدِّينَارَ هُوَ الثَّمَنُ رَغْمَ دُخُول الْبَاءِ عَلَى (السِّلْعَةِ) وَهِيَ تَدْخُل عَادَةً عَلَى الثَّمَنِ (٢) .
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٥ / ٢٧٢ ط الحلبي الثانية، والمجلة ٢ / ٢٤٣، والفروق للقرافي ٣ / ٢٥٥، والمجموع ٩ / ٢٦٩، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ٢٠٥.
(٢) ابن عابدين ٤ / ١٩٥ ط بولاق و٥ / ٢٧٢ ط الحلبي، والفتاوى الهندية ٣ / ١٣ - ١٥، والبهجة شرح التحفة ٢ / ٢، ومغني المحتاج ٢ / ٧٠، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ٢٠٥.
ب - إِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَعْيَانًا قِيَمِيَّةً، وَالآْخَرُ أَمْوَالًا مِثْلِيَّةً مُعَيَّنَةً أَيْ مُشَارًا إِلَيْهَا، فَالْقِيَمِيُّ هُوَ الْمَبِيعُ، وَالْمِثْلِيُّ هُوَ الثَّمَنُ، وَلاَ عِبْرَةَ أَيْضًا بِمَا إِذَا كَانَتِ الصِّيغَةُ تَقْتَضِي غَيْرَ هَذَا.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الأَْمْوَال الْمِثْلِيَّةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ (أَيْ مُلْتَزَمَةٍ فِي الذِّمَّةِ) فَالثَّمَنُ هُوَ الْعِوَضُ الْمُقْتَرِنُ بِالْبَاءِ، كَمَا لَوْ قَال: بِعْتُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِرِطْلٍ مِنَ الأُْرْزِ، فَالأُْرْزُ هُوَ الثَّمَنُ لِدُخُول الْبَاءِ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَال: بِعْتُكَ رِطْلًا مِنَ الأُْرْزِ بِهَذِهِ السِّلْعَةِ، فَالسِّلْعَةُ هِيَ الثَّمَنُ، وَهُوَ مِنْ بَيْعِ السَّلَمِ لأَِنَّهُ بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلٍ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ.
ج - إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنَ الْعِوَضَيْنِ مَالًا مِثْلِيًّا، فَالثَّمَنُ هُوَ مَا اقْتَرَنَ بِالْبَاءِ كَمَا لَوْ قَال: بِعْتُكَ أُرْزًا بِقَمْحٍ، فَالْقَمْحُ هُوَ الثَّمَنُ.
د - إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنَ الْعِوَضَيْنِ مِنَ الأَْعْيَانِ الْقِيَمِيَّةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ وَمَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ (١) .
وَهَذَا التَّفْصِيل لِلْحَنَفِيَّةِ.
أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَإِنَّ الثَّمَنَ: هُوَ، مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لاَ مَانِعَ مِنْ كَوْنِ النُّقُودِ مَبِيعَةً؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنَ الْعِوَضَيْنِ مَبِيعٌ بِالآْخَرِ، وَفِي الْبَهْجَةِ: كُلٌّ مِنَ الْعِوَضَيْنِ ثَمَنٌ لِلآْخِرِ.
وَمِنْ أَحْكَامِ الثَّمَنِ عَدَا مَا سَبَقَتِ الإِْشَارَةُ إِلَيْهِ:
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٤ / ٢٢، ٢٤٣، ومنح الجليل ٢ / ٦٠١، والبهجة ٢ / ٨٦، والمجموع ٩ / ٢٦٩، ومغني المحتاج ٢ / ٧٠، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ٢٠٥.
أ - إِذَا تَنَازَعَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِيمَنْ يُسَلِّمُ أَوَّلًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوَّلًا قَبْل تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ.
ب - كُلْفَةُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكُلْفَةُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ.
ج - اشْتِرَاطُ الْقَبْضِ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الْعِوَضِ خَاصٌّ بِالْمَبِيعِ لاَ بِالثَّمَنِ، عَلَى تَفْصِيلٍ يُعْرَفُ فِي (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْل قَبْضِهِ)
د - تَأْجِيل الثَّمَنِ (رَأْسُ الْمَال) فِي بَيْعِ السَّلَمِ لاَ يَجُوزُ، بِخِلاَفِ الْمَبِيعِ فَهُوَ مُؤَجَّلٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ. وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ (١) . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (ثَمَن) .
رَابِعًا: إِبْهَامُ الثَّمَنِ
٥٢ - إِذَا بَيَّنَ ثَمَنًا وَأَطْلَقَ، فَلَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَهُ، كَمَا لَوْ قَال: بِكَذَا دِينَارًا، وَفِي بَلَدِ الْعَقْدِ أَنْوَاعٌ مِنَ الدَّنَانِيرِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْقِيمَةِ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الرَّوَاجِ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ. أَمَّا إِذَا كَانَ بَعْضُهَا أَرْوَجُ، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَيَنْصَرِفُ إِلَى الأَْرْوَجِ، كَمَا لَوْ قَال فِي الْكُوَيْتِ: بِعْتُكَ بِدِينَارٍ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَالثَّمَنُ دَنَانِيرُ كُوَيْتِيَّةٌ، لأَِنَّهَا أَرْوَجُ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الدَّنَانِيرِ الْمَوْجُودَةِ فِي مَحَل الْعَقْدِ (٢) .
هَذَا وَتَفْصِيل أَحْكَامِ الثَّمَنِ تُنْظَرُ فِي (ثَمَنٍ) .
_________
(١) الصاوي على الشرح الصغير ٢ / ٧١ - ٧٢ ط الحلبي، والمجموع ٩ / ٢٧٣، ومغني المحتاج ٢ / ٧٠ و٧٣ و٧٤، والمغني ٤ / ١٢٦ و٢١٨، و٢٢٠، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٩١.
(٢) المجلة مادة (٢٤١، ٢٤٤)، والكافي لابن عبد البر ٢ / ٧٢٦، والبهجة ٢ / ١١، والقليوبي ٢ / ١٦٢، ومغني المحتاج ٢ / ١٧، والإفصاح ١ / ٣٢٥.
خَامِسًا: تَحْدِيدُ الثَّمَنِ بِالنَّظَرِ إِلَى رَأْسِ الْمَال:
٥٣ - تَحْدِيدُ الثَّمَنِ إِمَّا أَنْ يُعْلَمَ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالإِْشَارَةِ، وَهِيَ أَبْلَغُ طُرُقِ التَّعْرِيفِ، سَوَاءٌ بَيَّنَ الْمِقْدَارَ أَمْ لَمْ يُبَيِّنْ. كَمَا لَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِصُرَّةٍ مِنَ الدَّنَانِيرِ، وَأَشَارَ إِلَيْهَا.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَحِينَئِذٍ لاَ بُدَّ مِنْ بَيَانِ نَوْعِهِ وَوَصْفِهِ وَقَدْرِهِ.
ثُمَّ إِنَّ الثَّمَنَ إِمَّا أَنْ لاَ يُبْنَى عَلَى ثَمَنِ الشِّرَاءِ (رَأْسُ مَال الْبَائِعِ) أَوْ يُبْنَى عَلَى ذَلِكَ بِلاَ رِبْحٍ وَلاَ خَسَارَةٍ، أَوْ بِرِبْحٍ مَعْلُومٍ، أَوْ بِخَسَارَةٍ مَعْلُومَةٍ.
فَالأَْوَّل، وَهُوَ مَا لاَ يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى ثَمَنِ الشِّرَاءِ، هُوَ: بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ، وَهُوَ الأَْغْلَبُ فِي الْبُيُوعِ.
أَمَّا النَّوْعُ الآْخَرُ فَهُوَ بَيْعُ الأَْمَانَةِ. وَيَنْقَسِمُ إِلَى: تَوْلِيَةٍ، وَهُوَ الْبَيْعُ بِمِثْل الثَّمَنِ الأَْوَّل. وَإِذَا كَانَ لِبَعْضِ الْمَبِيعِ بِنِسْبَتِهِ مِنَ الثَّمَنِ الأَْوَّل فَهُوَ إِشْرَاكٌ. وَإِنْ كَانَ بِرِبْحٍ فَهُوَ مُرَابَحَةٌ. أَوْ بِخَسَارَةٍ فَهُوَ وَضِيعَةٌ (١) . وَتَفْصِيل هَذِهِ الْبُيُوعِ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
أَحْكَامٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ
أَوَّلًا: الزِّيَادَةُ فِي الْمَبَيْعِ أَوِ الثَّمَنِ.
٥٤ - يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْمَبِيعِ. عَلَى أَنْ يَقْتَرِنَ ذَلِكَ بِقَبُول الطَّرَفِ الآْخَرِ فِي مَجْلِسِ الزِّيَادَةِ.
_________
(١) المجلة مادة (٢٣٩) وما بعدها، والفواكه الدواني ٢ / ١٠٩، والصاوي على الشرح الصغير ٢ / ٧٧ ط الحلبي.