الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٩ الصفحة 6

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٩

وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ، لأَِنَّهُ إِذَا كَانَ هَالِكًا قُوبِلَتِ الزِّيَادَةُ بِمَعْدُومٍ، وَإِذَا كَانَ فِي حُكْمِ الْهَالِكِ - وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ - قُوبِلَتِ الزِّيَادَةُ بِمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ.

وَلاَ فَرْقَ فِيمَا لَوْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ بَعْدَ التَّقَابُضِ أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.

وَحُكْمُ الزِّيَادَةِ أَنَّهَا تَعْدِيلٌ لِلْعَقْدِ السَّابِقِ وَلَيْسَتْ هِبَةً، وَلِذَا لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الْقَبْضِ الْمَشْرُوطِ لِتَمَامِ الْهِبَةِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ. هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.

أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ بِانْقِضَاءِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ لاَ تُلْحَقُ، بَل هِيَ فِي حُكْمِ الْهِبَةِ. وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِكَ (١) .

ثَانِيًا: الْحَطُّ مِنَ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ

٥٥ - يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي الْحَطُّ مِنَ الْمَبِيعِ، وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ الْحَطُّ مِنَ الثَّمَنِ، إِذَا قَبِل الطَّرَفُ الآْخَرُ فِي مَجْلِسِ الْحَطِّ، وَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الْحَطُّ بَعْدَ التَّقَابُضِ أَوْ قَبْلَهُ، فَلَوْ حَطَّ الْمُشْتَرِي أَوِ الْبَائِعُ

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٤ / ١٦٧، وتهذيب الفروق ٣ / ٢٩٠، والشرح الصغير ٢ / ٧٨، وحاشية الدسوقي ٣ / ١٦٥، ومنح الجليل ٣ / ٦١٥، والمجموع ٩ / ٣٧٠، والمهذب ١ / ٢٩٦، وهامش شرح الروض ٢ / ٦٤، ونهاية المحتاج ٤ / ٤٤، والإفصاح ١ / ٣٤٧، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٥١ و٤٤٦.

بَعْدَ الْقَبْضِ كَانَ لِلآْخَرِ حَقُّ الاِسْتِرْدَادِ لِلْمَحْطُوطِ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ حَطِّ الْبَائِعِ مِنَ الثَّمَنِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَائِمًا؛ لأَِنَّ الْحَطَّ إِسْقَاطٌ، وَلاَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ.

أَمَّا فِي حَطِّ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الْمَبِيعِ عَنِ الْبَائِعِ، فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ دَيْنًا ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ لِيَقْبَل الْحَطَّ. أَمَّا لَوْ كَانَ عَيْنًا مُعَيَّنَةً فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ الْحَطُّ مِنَ الْمَبِيعِ حِينَئِذٍ؛ لأَِنَّ الأَْعْيَانَ لاَ تَقْبَل الإِْسْقَاطَ (١) (ر: إِبْرَاءٌ، وَإِسْقَاطٌ) .

ثَالِثًا: آثَارُ الزِّيَادَةِ أَوِ الْحَطِّ.

٥٦ - مِنَ الْمُقَرَّرِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ وَالْحَطَّ يَلْتَحِقَانِ بِأَصْل الْعَقْدِ السَّابِقِ بِطَرِيقِ الاِسْتِنَادِ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ. بِمَعْنَى أَنَّهُ تَثْبُتُ لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُقَسَّمًا عَلَى الأَْصْل وَالزِّيَادَةِ، وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ.

وَمِنْ آثَارِ ذَلِكَ:

أ - إِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْل الْقَبْضِ وَبَقِيَتِ الزِّيَادَةُ، أَوْ هَلَكَتِ الزِّيَادَةُ وَبَقِيَ الْمَبِيعُ، سَقَطَتْ حِصَّةُ الْهَالِكِ مِنَ الثَّمَنِ. وَهَذَا بِخِلاَفِ الزِّيَادَةِ النَّاشِئَةِ مِنَ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ.

_________

(١) شرح المجلة (المادة ٢٥٦)، والصاوي على الشرح الصغير ٢ / ٧٩، ومنح الجليل ٣ / ٤٢٥ - ٤٢٦، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٨٣، والمغني ٥ / ٦٥٨ - ٦٥٩ و٤ / ٥٤٢ - ٥٤٣، ومغني المحتاج ٢ / ٦٥ - ٦٦.

ب - لِلْبَائِعِ حَبْسُ جَمِيعِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ الأَْصْلِيَّ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ.

ج - إِمْكَانُ الْبَيْعِ بِالأَْمَانَةِ مِنْ مُرَابَحَةٍ أَوْ تَوْلِيَةٍ أَوْ وَضِيعَةٍ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالثَّمَنِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ أَوِ الْحَطِّ.

د - إِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ، وَقُضِيَ بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ؟، رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ مِنْ أَصْلٍ وَزِيَادَةٍ. وَكَذَلِكَ فِي الرُّجُوعِ بِالْعَيْبِ.

هـ - فِي الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ، يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْعَقَارَ بِمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بَعْدَ الْحَطِّ. وَلَوْ زَادَ الْبَائِعُ شَيْئًا فِي الْمَبِيعِ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ أَصْل الْعَقَارِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ لاَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ. وَهَذَا بِالاِتِّفَاقِ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ يُلْحَقَانِ بِالْبَيْعِ، سَوَاءٌ أَحَدَثَ ذَلِكَ عِنْدَ التَّقَابُضِ أَمْ بَعْدَهُ.

وَالزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ تَكُونُ فِي حُكْمِ الثَّمَنِ الأَْوَّل، فَتُرَدُّ عِنْدَ الاِسْتِحْقَاقِ، وَعِنْدَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (١) .

وَيَجُوزُ حَطُّ كُل الثَّمَنِ عَنِ الْمُشْتَرِي، أَيْ هِبَتُهُ لَهُ، وَلِلْحَطِّ أَثَرُهُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَفِي الشُّفْعَةِ.

فَفِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، يَقُول الدَّرْدِيرُ وَالدُّسُوقِيُّ: يَجِبُ بَيَانُ هِبَةٍ لِبَعْضِ الثَّمَنِ إِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً بَيْنَ النَّاسِ، بِأَنْ تُشْبِهَ عَطِيَّةَ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ تُعْتَدْ

_________

(١) تهذيب الفروق ٣ / ٢٩٠، والدسوقي ٣ / ٣٥ - ٣٦.

(أَيْ لَمْ تَجْرِ بِهَا عَادَةٌ) أَوْ وَهَبَ لَهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ قَبْل النَّقْدِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَجِبِ الْبَيَانُ (١) .

وَفِي الشُّفْعَةِ، يَقُول الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: مَنِ اشْتَرَى شِقْصًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ وَضَعَ عَنْهُ الْبَائِعُ تِسْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الشِّقْصِ بَيْنَ النَّاسِ مِائَةَ دِرْهَمٍ إِذَا تَغَابَنُوا بَيْنَهُمْ، أَوِ اشْتَرَوْا بِغَيْرِ تَغَابُنٍ، وُضِعَ ذَلِكَ عَنِ الشَّفِيعِ؛ لأَِنَّ مَا أَظْهَرَا مِنَ الثَّمَنِ الأَْوَّل إِنَّمَا كَانَ سَبَبًا لِقَلْعِ الشُّفْعَةِ.

وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ مِائَةً، قَال ابْنُ يُونُسَ: أَرَادَ مِثْل أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ ثَلاَثَمِائَةٍ أَوْ أَرْبَعَمِائَةٍ، لَمْ يَحُطَّ لِلشَّفِيعِ شَيْئًا، وَكَانَتِ الْوَضِيعَةُ هِبَةً لِلْمُبْتَاعِ، وَقَال فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنْ حَطَّ عَنِ الْمُبْتَاعِ مَا يُشْبِهُ أَنْ يُحَطَّ فِي الْبُيُوعِ وُضِعَ ذَلِكَ عَنِ الشَّفِيعِ وَإِنْ كَانَ لاَ يُحَطُّ مِثْلُهُ فَهِيَ هِبَةٌ، وَلاَ يَحُطُّ عَنِ الشَّفِيعِ شَيْئًا (٢) .

وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ قَالُوا: إِنَّ الزِّيَادَةَ أَوِ الْحَطَّ فِي الثَّمَنِ أَوِ الْمُثَمَّنِ، إِنْ كَانَتْ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَلاَ تُلْحَقُ بِهِ؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ اسْتَقَرَّ بِالثَّمَنِ الأَْوَّل، وَالزِّيَادَةَ أَوِ الْحَطَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَرُّعٌ، وَلاَ تُلْحَقُ بِالْعَقْدِ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْل لُزُومِ الْعَقْدِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ، فَالصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ: أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ

_________

(١) الدسوقي ٣ / ١٦٥، ومنح الجليل ٢ / ٧١٨.

(٢) منح الجليل ٣ / ٦١٥، والدسوقي ٣ / ٤٩٥.

الشَّافِعِيِّ؛ لأَِنَّ الزِّيَادَةَ أَوِ الْحَطَّ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ تُلْتَحَقُ بِالْعَقْدِ، وَقِيسَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ خِيَارُ الشَّرْطِ بِجَامِعِ عَدَمِ الاِسْتِقْرَارِ. وَهَذَا أَحَدُ الأَْوْجُهِ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ.

وَفِي وَجْهٍ آخَرَ: لاَ يُلْحَقُ ذَلِكَ، وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي.

وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ: يُلْحَقُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَالْقَفَّال.

أَمَّا أَثَرُ ذَلِكَ فِي الْعُقُودِ. فَفِي الشُّفْعَةِ تَلْحَقُ الزِّيَادَةُ الشَّفِيعَ كَمَا تَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَلَوْ حُطَّ مِنَ الثَّمَنِ شَيْءٌ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ (١) . وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي (شفعة) .

وَفِي التَّوْلِيَةِ وَالإِْشْرَاكِ وَالْمُرَابَحَةِ. جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَوْ حُطَّ عَنِ الْمُوَلِّي - بِكَسْرِ اللاَّمِ الْمُشَدَّدَةِ - مِنَ الْبَائِعِ بَعْضُ الثَّمَنِ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ أَوْ قَبْلَهَا، وَلَوْ بَعْدَ اللُّزُومِ، انْحَطَّ عَنِ الْمَوْلَى - بِفَتْحِ اللاَّمِ - إِذْ خَاصَّةُ التَّوْلِيَةِ - وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا جَدِيدًا - التَّنْزِيل عَلَى الثَّمَنِ الأَْوَّل، فَإِنْ حُطَّ جَمِيعُهُ انْحَطَّ أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ قَبْل لُزُومِ التَّوْلِيَةِ، وَإِلاَّ - بِأَنْ كَانَ قَبْل التَّوْلِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْل لُزُومِهَا - بَطَلَتْ لأَِنَّهَا حَيْثُ بِيعَ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَقَايَلاَ بَعْدَ حَطِّهِ بَعْدَ اللُّزُومِ، لَمْ يَرْجِعِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ (٢) .

_________

(١) المجموع ٩ / ٣٦٩ - ٣٧٠، وحاشية الجمل ٣ / ٨٥، وأسنى المطالب ٢ / ٣٧.

(٢) نهاية المحتاج ٤ / ١٠٦ - ١٠٧، وحاشية الجمل ٣ / ١٧٧، وأسنى المطالب ٢ / ٩١ - ٩٣، والمهذب ١ / ٢٩٦.

وَالإِْشْرَاكُ وَالْمُرَابَحَةُ كَالتَّوْلِيَةِ فِي ذَلِكَ. وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي (مرابحة، تولية، إِشراك) .

وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ كُلِّهِ، ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ، فَالأَْوْجَهُ أَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ فِي الإِْبْرَاءِ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ بِشَيْءٍ، وَفِي الإِْبْرَاءِ مِنْ بَعْضِهِ إِلاَّ بِالْبَاقِي.

وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، فَقِيل: يَمْتَنِعُ الرَّدُّ، وَقِيل: يَرُدُّ، وَيُطَالِبُ بِبَدَل الثَّمَنِ، وَهُوَ الأَْوْجَهُ (١) .

وَالْحَنَابِلَةُ كَالشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ جَاءَ فِي شَرْحِ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ: مَا يُزَادُ فِي ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ (خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ) يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ، فَيُخْبِرُ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالإِْشْرَاكِ كَأَصْلِهِ.

وَمَا يُوضَعُ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ، فَيَجِبُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ كَأَصْلِهِ، تَنْزِيلًا لِحَال الْخِيَارِ مَنْزِلَةَ حَال الْعَقْدِ.

وَإِنْ حُطَّ الثَّمَنُ كُلُّهُ فَهِبَةٌ.

وَلاَ يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ مَا زِيدَ أَوْ حُطَّ بَعْدَ لُزُومِهِ فَلاَ يَجِبُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ (٢) .

وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ جَاءَ فِي شَرْحِ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ: يَأْخُذُ مُشْتَرٍ رَدَّ الْمَبِيعَ مَا دَفَعَهُ مِنْ

_________

(١) نهاية المحتاج ٤ / ٤٤.

(٢) شرح منتهى الإرادات ٢ / ١٨٣ - ١٨٤، والمغني ٤ / ٢٠٠ - ٢٠٧ ط الرياض.

ثَمَنٍ، أَوْ بَدَل مَا أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ مِنْهُ، أَوْ بَدَل مَا وَهَبَ لَهُ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنِهِ، كُلًّا كَانَ أَوْ بَعْضًا، لاِسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ اسْتِرْجَاعَ جَمِيعِ الثَّمَنِ (١) .

وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ فِي الشُّفْعَةِ: يَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِالثَّمَنِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، فَلَوْ تَبَايَعَا بِقَدْرٍ، ثُمَّ غَيَّرَاهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، ثَبَتَ ذَلِكَ التَّغْيِيرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لأَِنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ إِنَّمَا يَثْبُتُ إِذَا تَمَّ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالثَّمَنِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ حَال اسْتِحْقَاقِهِ، وَلأَِنَّ زَمَنَ الْخِيَارِ بِمَنْزِلَةِ حَالَةِ الْعَقْدِ، وَالتَّغْيِيرُ يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ فِيهِ، لأَِنَّهُمَا عَلَى اخْتِيَارِهِمَا فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ التَّغْيِيرُ فِي حَال الْعَقْدِ. فَأَمَّا إِذَا انْقَضَى الْخِيَارُ وَانْبَرَمَ الْعَقْدُ، فَزَادَا أَوْ نَقَصَا لَمْ يُلْحَقْ بِالْعَقْدِ؛ لأَِنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَهُ هِبَةٌ (٢) .

رَابِعًا: مَوَانِعُ الْتِحَاقِ الزِّيَادَةِ أَوِ الْحَطِّ فِي حَقِّ الْغَيْرِ

٥٧ - يَمْتَنِعُ الْتِحَاقُ الزِّيَادَةِ بِالثَّمَنِ، أَوِ الْتِحَاقِ الْحَطِّ بِهِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا - إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْتِحَاقِ الزِّيَادَةِ أَوِ الْحَطِّ بِالثَّمَنِ انْتِقَاصٌ مِنْ حَقِّ الْغَيْرِ ثَابِتٌ بِالْعَقْدِ، فَيُقْتَصَرُ حُكْمُ الاِلْتِحَاقِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ دُونَ الْغَيْرِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الإِْضْرَارِ بِهِ.

وَمِنْ آثَارِ هَذَا الْمَانِعِ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا زَادَ فِي الثَّمَنِ، وَكَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ

_________

(١) شرح منتهى الإرادات ٢ / ١٧٦.

(٢) المغني ٥ / ٣٤٩ ط الرياض.

بِالثَّمَنِ الأَْصْلِيِّ دُونَ الزِّيَادَةِ، سَدًّا لِبَابِ التَّوَاطُؤِ لِتَضْيِيعِ حَقِّ الشُّفْعَةِ.

أَمَّا الْحَطُّ مِنَ الثَّمَنِ فَيُلْتَحَقُ لِعَدَمِ إِضْرَارِهِ بِالشَّفِيعِ، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ.

الثَّانِي: إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى الاِلْتِحَاقِ بُطْلاَنُ الْبَيْعِ، كَمَا لَوْ شَمِل الْحَطُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ، لأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الإِْبْرَاءِ الْمُنْفَصِل عَنِ الْعَقْدِ، وَبِذَلِكَ يَخْلُو عَقْدُ الْبَيْعِ مِنَ الثَّمَنِ، فَيَبْطُل.

وَمِنْ آثَارِ هَذَا الْمَانِعِ: أَنَّهُ لَوْ حَطَّ الْبَائِعُ كُل الثَّمَنِ فِي الْعَقَارِ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الأَْصْلِيِّ؛ لأَِنَّ الْحَطَّ إِذَا اعْتُبِرَ إِبْرَاءً مُنْفَصِلًا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ خُلُوُّ الْبَيْعِ عَنِ الثَّمَنِ، ثُمَّ بُطْلاَنُهُ، وَبِذَلِكَ يَبْطُل حَقُّ الشَّفِيعِ، وَلِذَا يَبْقَى الْمَبِيعُ مُقَابَلًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِي حَقِّهِ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي بِالْحَطِّ، ضَرُورَةَ صِحَّةِ الإِْبْرَاءِ فِي ذَاتِهِ، وَهَذَا إِنْ حَطَّ الثَّمَنَ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَمَّا إِنْ حَطَّ قَبْلَهُ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِالْقِيمَةِ (١) .

خَامِسًا: مَئُونَةُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ

٥٨ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ الْكَيَّال لِلْمَبِيعِ، أَوِ الْوَزَّانِ أَوِ الذَّرَاعِ أَوِ الْعَدَّادِ تَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ وَكَذَلِكَ مَئُونَةُ إِحْضَارِهِ إِلَى مَحَل الْعَقْدِ إِذَا كَانَ غَائِبًا. إِذْ لاَ تَحْصُل التَّوْفِيَةُ إِلاَّ بِذَلِكَ.

_________

(١) شرح المجلة ٢ / ١٩٠ (المادة ٢٥٤ فما بعدها) وابن عابدين ٤ / ١٦٧ - ١٦٨، والمغني ٥ / ٣١٥، وشرح الروض ٢ / ٣٦٦.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ كَيْل الثَّمَنِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ عَدِّهِ، وَكَذَلِكَ مَئُونَةُ إِحْضَارِ الثَّمَنِ الْغَائِبِ تَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي، إِلاَّ فِي الإِْقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي أُجْرَةِ نَقَّادِ الثَّمَنِ (١)

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ ﵀.

فَفِي رِوَايَةِ رُسْتُمَ عَنْهُ: تَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لأَِنَّ النَّقْدَ يَكُونُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَلأَِنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ، لِيُمَيِّزَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ لِيَعْرِفَ الْمَعِيبَ لِيَرُدَّهُ. وَبِهَذَا قَال الشَّافِعِيَّةُ.

وَفِي الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ سَمَاعَةَ عَنْهُ: أَنَّهَا تَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي، لأَِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمِ الْجَيِّدِ الْمُقَدَّرِ، وَالْجُودَةُ تُعْرَفُ بِالنَّقْدِ، كَمَا يُعْرَفُ الْقَدْرُ بِالْوَزْنِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ.

وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ.

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ أُجْرَةَ النَّقَّادِ عَلَى الْبَاذِل، سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَائِعَ أَمِ الْمُشْتَرِيَ.

قَال الشِّرْبِينِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَأُجْرَةُ نَقَّادِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، ثُمَّ قَال: وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، لأَِنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ إِظْهَارُ عَيْبٍ إِنْ كَانَ لِيَرُدَّ بِهِ (٢) .

_________

(١) وهو الذي يرجع إليه في معرفة صحيح النقد من زائفه.

(٢) الهداية ٣ / ٢٧، والشرح الصغير ٢ / ٧٠ - ٧١ ط الحلبي، وجواهر الإكليل ٢ / ٥٠، ومغني المحتاج ٢ / ٧٣، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٩١ - ١٩٢، والمغني ٤ / ١٢٦.

سَادِسًا: هَلاَكُ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ كُلِّيًّا أَوْ جُزْئِيًّا قَبْل التَّسْلِيمِ:

٥٩ - مِنْ آثَارِ وُجُوبِ الْبَيْعِ: أَنَّ الْبَائِعَ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ هَذَا الْحَقُّ إِلاَّ بِالأَْدَاءِ، وَيَظَل الْبَائِعُ مَسْئُولًا فِي حَالَةِ هَلاَكِ الْمَبِيعِ، وَتَكُونُ تَبِعَةُ الْهَلاَكِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْهَلاَكُ بِفِعْل فَاعِلٍ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ.

وَهَذَا يَنْطَبِقُ عَلَى الثَّمَنِ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا، وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَزَمًا فِي الذِّمَّةِ، لأَِنَّ عَيْنَهُ فِي هَذِهِ الْحَال مَقْصُودَةٌ فِي الْعَقْدِ كَالْمَبِيعِ.

أَمَّا الثَّمَنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْبَائِعَ أَخْذُ بَدَلِهِ (١) .

وَالْهَلاَكُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلِّيًّا أَوْ جُزْئِيًّا:

فَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ قَبْل التَّسْلِيمِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَإِنَّهُ يَهْلِكُ عَلَى ضَمَانِ الْبَائِعِ، لِحَدِيثِ: نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ (٢) .

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ، وَذَلِكَ لاِسْتِحَالَةِ تَنْفِيذِ الْعَقْدِ (٣) . وَهَذَا

_________

(١) شرح منتهى الإرادات ٢ / ١٨٩ و٢٠٥، وجواهر الإكليل - ١ / ٣٠٦، ومنح الجليل ٢ / ١٠٠.

(٢) حديث: " نهى عن ربح ما لم يضمن " أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وأحمد في مسنده. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح وصححه الشيخ أحمد شاكر (سنن الترمذي ٣ / ٥٣٥ ط الحلبي، وجامع الأصول ١ / ٤٥٧ ومسند أحمد ١٠ / ١٦٠ ط دار المعارف) .

(٣) شرح المجلة (المادة ٢٩٣)، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٨٩، ومغني المحتاج ٢ / ٦٥، والقليوبي ٢ / ٢١٠ - ٢١١.