الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٩
وَاسْتِثْنَاءُ رَأْسِهِ وَجِلْدِهِ وَأَطْرَافِهِ وَسَوَاقِطِهِ. وَجَوَّزَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ فَقَطْ، إِذْ لاَ ثَمَنَ لِلسَّوَاقِطِ هُنَاكَ، وَكَرِهَهُ فِي الْحَضَرِ، وَلأَِنَّ الْمُسَافِرَ لاَ يُمْكِنُهُ الاِنْتِفَاعُ بِالْجِلْدِ وَالسَّوَاقِطِ، وَالدَّلِيل عَلَى جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ الثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَرُّوا بِرَاعِي غَنَمٍ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعَامِرٌ فَاشْتَرَيَا مِنْهُ شَاةً. وَشَرَطَا لَهُ سَلَبَهَا أَيْ جِلْدَهَا وَأَكَارِعَهَا وَبَطْنَهَا (١) وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
وَمِمَّا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ مِنَ الاِسْتِثْنَاءِ مَا اعْتَبَرَهُ بَعْضُهُمْ شَرْطًا صَحِيحًا، فَأَجَازَهُ وَأَجَازَ الْبَيْعَ، وَاعْتَبَرَهُ غَيْرُهُمْ شَرْطًا فَاسِدًا، فَأَبْطَلَهُ وَأَبْطَل الْبَيْعَ.
وَمِثَال ذَلِكَ: مَنْ يَبِيعُ الدَّارَ وَيُسْتَثْنَى سُكْنَاهَا شَهْرًا مَثَلًا، فَأَجَازَ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ بَاعَ النَّبِيُّ ﷺ جَمَلًا، وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ أَيْ رُكُوبَهُ وَفِي لَفْظٍ: قَال: بِعْتُهُ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي (٢) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَيَبْطُل الشَّرْطُ وَالْبَيْعُ، لأَِنَّهُ شَرْطٌ غَيْرُ مُلاَئِمٍ (٣) .
_________
(١) حديث " أن النبي ﷺ لما هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مروا براعي غنم. . . " عزاه صاحب كشاف القناع (٣ / ١٧١ ط الرياض) إلى أبي الخطاب.
(٢) حديث جابر في اشتراط الحمل على الجمل. أخرجه البخاري (الفتح ٥ / ٣١٤ ط السلفية)، ومسلم (٣ / ١٢٢١ ط الحلبي) .
(٣) ابن عابدين ٤ / ٤٠ - ٤١، والهداية ٣ / ٢٥ - ٢٦، وجواهر الإكليل ٢ / ٧، والبهجة شرح التحفة ٢ / ٣٢، والفواكه الدواني ٢ / ٢٣٨، ونهاية المحتاج ٣ / ٤٤٥، وشرح روض الطالب ٢ / ١٥ - ١٧، والمهذب ١ / ٢٧٦، وحاشية الجمل ٣ / ٨٣، والمغني ٤ / ١١٣ وما بعدها، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٤٨.
بَيْعُ الأُْصُول:
٣٧ - الأُْصُول: جَمْعُ أَصْلٍ، وَهُوَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْمُرَادُ بِالأُْصُول هُنَا مَا عَبَّرَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ، بِقَوْلِهِ فِي " تَحْرِيرِهِ " الأُْصُول: الشَّجَرُ وَالأَْرْضُ (١) وَفِي شَرْحِ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ: الْمُرَادُ بِالأُْصُول هُنَا: أَرْضٌ وَدُورٌ وَبَسَاتِينُ (٢) .
وَقَدْ دَرَجَ الْفُقَهَاءُ عَلَى إِفْرَادِ فَصْلٍ بِعِنْوَانِ (بَيْعُ الأُْصُول) ذَاكِرِينَ فِيهِ مَا يَتْبَعُ هَذِهِ الأُْصُول فِي الْبَيْعِ وَمَا لاَ يَتْبَعُهَا. وَبَيَانُ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي.
٣٨ - بَيْعُ الأَْرْضِ: مَنْ بَاعَ أَرْضًا دَخَل فِيهَا الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ لاِتِّصَالِهَا بِهَا اتِّصَال قَرَارٍ، وَهِيَ مِنْ حُقُوقِهَا، وَهَذَا فِي جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ إِلاَّ فِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَقُل بِحُقُوقِهَا فَلاَ يَدْخُل الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ دُخُولُهُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ. كَمَا أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ فَسَّرُوا الشَّجَرَ الَّذِي يَتْبَعُ الأَْرْضَ بِالشَّجَرِ الرَّطْبِ، أَمَّا الْيَابِسُ فَلاَ يَدْخُل، عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ تَفَقُّهًا. وَقَال الإِْسْنَوِيُّ لاَ يَدْخُل جَزْمًا.
كَمَا يَدْخُل فِي بَيْعِ الأَْرْضِ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ وَالْمُثْبَتَةُ فِيهَا، لأَِنَّهَا مِنْ أَجْزَائِهَا، دُونَ الْمَدْفُونَةِ كَالْكَنْزِ فَلاَ تَدْخُل فِي الْبَيْعِ، وَتَكُونُ لِلْبَائِعِ، لَكِنْ قَال الْقَرَافِيُّ: لاَ تَدْخُل الْمَدْفُونَةُ إِلاَّ عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ مَنْ مَلَكَ ظَاهِرَ الأَْرْضِ مَلَكَ بَاطِنَهَا.
_________
(١) أسنى المطالب ٢ / ٩٥.
(٢) شرح منتهى الإرادات ٢ / ٢٠٦.
وَإِنْ كَانَ فِي الأَْرْضِ زَرْعٌ يُجَزُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَالأُْصُول لِلْمُشْتَرِي، وَالْجِزَّةُ الظَّاهِرَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ (١) .
٣٩ - وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَل فِي الْبَيْعِ بِنَاؤُهَا، وَفِنَاؤُهَا وَمَا فِيهَا مِنْ شَجَرٍ مَغْرُوسٍ، وَمَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا لِمَصْلَحَتِهَا، كَسَلاَلِمَ، وَرُفُوفٍ مُسَمَّرَةٍ، وَأَبْوَابٍ وَرَحًى مَنْصُوبَةٍ، وَلاَ يَتَنَاوَل مَا فِيهَا مِنْ كَنْزٍ مَدْفُونٍ وَلاَ مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا كَحَبْلٍ وَدَلْوٍ، وَلاَ مَا يُنْقَل كَحَجَرٍ وَخَشَبٍ. أَمَّا الْغَلْقُ الْمُثَبَّتُ فَيَدْخُل مِفْتَاحُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (٢) .
٤٠ - وَمَنْ بَاعَ شَجَرًا تَبِعَهُ الأَْغْصَانُ وَالْوَرَقُ وَسَائِرُ أَجْزَاءِ الشَّجَرِ، لأَِنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهَا خُلِقَ لِمَصْلَحَتِهَا، أَمَّا الأَْرْضُ الَّتِي هِيَ مَكَانُ غَرْسِهَا فَتَدْخُل أَيْضًا فِي بَيْعِهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنِ اشْتَرَاهَا لِلْقَرَارِ اتِّفَاقًا. وَلاَ تَدْخُل عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَعَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّ الاِسْمَ لاَ يَتَنَاوَلُهَا وَلاَ هِيَ تَبَعٌ لِلْمَبِيعِ.
وَإِنْ كَانَ فِي الشَّجَرِ أَوِ النَّخْل ثَمَرٌ فَالْمُؤَبَّرُ لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا
_________
(١) ابن عابدين ٤ / ٣٧، والدسوقي ٣ / ١٧٠، والفروق ٣ / ٢٨٣، ونهاية المحتاج ٤ / ١١٦ - ١٢٣، وشرح روض الطالب ٢ / ٩٦ - ٩٨، والمغني ٤ / ٨٥ - ٨٨، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ٢٠٧.
(٢) ابن عابدين ٤ / ٣٣، ومنح الجليل ٢ / ٧٢٥، ونهاية المحتاج ٤ / ١٢٧.
لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ (١) .
أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُؤَبَّرَةً فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، لأَِنَّ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ دَل عَلَى أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُؤَبَّرَةً فَهِيَ لِلْمُبْتَاعِ، وَلأَِنَّ ثَمَرَةَ النَّخْل كَالْحَمْل، لأَِنَّهُ نَمَاءٌ كَامِنٌ لِظُهُورِهِ غَايَةٌ. وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ تَدْخُل الثَّمَرَةُ مُؤَبَّرَةً أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ إِلاَّ بِالشَّرْطِ (٢) لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. لَكِنْ بِرِوَايَةٍ لَيْسَ فِيهَا التَّأْبِيرُ.
٤١ - وَمَنْ بَاعَ حَيَوَانًا تَبِعَهُ مَا جَرَى الْعُرْفُ بِتَبَعِيَّتِهِ لَهُ كَاللِّجَامِ وَالْمِقْوَدِ وَالسَّرْجِ، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْحَيَوَانِ كَالْبَرَّةِ (الْحَلْقَةُ الَّتِي فِي أَنْفِ الدَّابَّةِ) وَكَالنَّعْل الْمُسَمَّرِ، فَهَذَا يَدْخُل فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ تَبَعًا.
أَمَّا اللِّجَامُ وَالسَّرْجُ وَالْمِقْوَدُ، فَلاَ يَدْخُل فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ اقْتِصَارًا عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ (٣) .
بَيْعُ الثِّمَارِ:
٤٢ - يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ بَيْعُ الثِّمَارِ وَحْدَهَا مُنْفَرِدَةً عَنِ الشَّجَرِ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا إِلاَّ بَعْدَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا - مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي تَفْسِيرِ بُدُوِّ الصَّلاَحِ - هَل هُوَ ظُهُورُ النُّضْجِ وَالْحَلاَوَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا يَقُول الْجُمْهُورُ، أَوْ هُوَ أَمْنُ الْعَاهَةِ
_________
(١) حديث: " من باع نخلا قد أبرت. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٥ / ٣١٣ ط السلفية) .
(٢) الهداية ٣ / ٢٥، وابن عابدين ٤ / ٣٨، والفروق ٣ / ٢٨٥، ومنح الجليل ٢ / ٧٢٣، ونهاية المحتاج ٤ / ١٣٠، وشرح الروض ٢ / ١٠١، والمغني ٤ / ٨٧، ٩٣، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ٢٠٩.
(٣) ابن عابدين ٤ / ٣٨، والهداية ٣ / ٢٥، ونهاية المحتاج ٤ / ١٣٠، وشرح الروض ٢ / ١٠٠، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ٢١٣.
وَالْفَسَادِ كَمَا يَقُول الْحَنَفِيَّةُ.
وَدَلِيل الْجَوَازِ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ: نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا (١) . قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَمَفْهُومُهُ إِبَاحَةُ بَيْعِهَا بَعْدَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُول بِالْمَفْهُومِ. كَمَا أَنَّ الأَْصْل جَوَازُ كُل بَيْعٍ اسْتَكْمَل شُرُوطَهُ (٢) .
وَيَجُوزُ كَذَلِكَ بَيْعُ الثِّمَارِ بَعْدَ ظُهُورِهَا، وَقَبْل بُدُوِّ الصَّلاَحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَال، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ شَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْتَاجَ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لِلْبَيْعِ. وَالثَّانِي: أَنْ لاَ يَتَمَالأَ أَكْثَرُ أَهْل الْبَلَدِ عَلَى الدُّخُول فِي هَذَا الْبَيْعِ (٣) .
فَإِنْ بِيعَ الثَّمَرُ قَبْل بُدُوِّ الصَّلاَحِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ أَوْ عَلَى الإِْطْلاَقِ دُونَ بَيَانِ جَذٍّ وَلاَ تَبْقِيَةٍ فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) الْبَيْعُ بَاطِلٌ.
وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ شَرَطَ التَّرْكَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ قَطْعًا وَلاَ تَبْقِيَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ أَهْل الْمَذْهَبِ، إِذَا كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ. وَعَلَى الصَّحِيحِ إِنْ كَانَ لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ، لأَِنَّهُ مَالٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فِي ثَانِي الْحَال، إِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفِعًا بِهِ فِي الْحَال،
_________
(١) حديث: " النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٣٩٧ ط السلفية) .
(٢) ابن عابدين ٤ / ٣٨، والدسوقي ٣ / ١٧٦، ونهاية المحتاج ٤ / ١٤٢، والمغني ٤ / ٩٢.
(٣) المراجع السابقة.
فَإِنْ شَرَطَ التَّرْكَ فَسَدَ الْبَيْعُ (١) .
فَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ الأَْصْل جَازَ بِالاِتِّفَاقِ، لأَِنَّهَا تَكُونُ تَبَعًا لأَِصْلٍ (٢) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (ثِمَارٌ) .
رَابِعًا: حُضُورُ الْمَبِيعِ وَغِيَابُهُ
أ - حُضُورُ الْمَبِيعِ:
٤٣ - مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الإِْشَارَةَ إِلَى الْمَبِيعِ هِيَ أَقْوَى طُرُقِ التَّعْرِيفِ وَالتَّعْيِينِ، وَلِذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي حَضْرَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (مَجْلِسِ الْعَقْدِ) وَتَمَّ تَعْيِينُهُ بِالإِْشَارَةِ بِحَيْثُ عَرَفَهُ الْمُشْتَرِي وَرَآهُ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لاَزِمٌ إِذَا خَلاَ مِنْ سَبَبٍ خَاصٍّ (لاَ يَتَّصِل بِرُؤْيَةِ الْمَبِيعِ) مِنَ الأَْسْبَابِ الَّتِي يَنْشَأُ بِهَا الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي.
حَتَّى لَوِ اقْتَرَنَتِ الإِْشَارَةُ بِالْوَصْفِ، وَكَانَ الْوَصْفُ مُغَايِرًا لِمَا رَآهُ الْمُشْتَرِي وَرَضِيَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بَعْدَئِذٍ بِالْوَصْفِ، مَا دَامَ الْعَقْدُ قَدْ تَمَّ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَالرِّضَا. وَيُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ التَّالِيَةِ (الْوَصْفُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ، وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ) . وَهَذَا بِخِلاَفِ التَّغَايُرِ بَيْنَ اسْمِ الْمَبِيعِ وَالإِْشَارَةِ إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ هَذِهِ الْفَرَسَ، وَأَشَارَ إِلَى نَاقَةٍ مَثَلًا، فَالتَّسْمِيَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ؛ لأَِنَّ الاِسْمَ يُحَدَّدُ بِهِ جِنْسُ الْمَبِيعِ، فَهَذَا غَلَطٌ فِي الْجِنْسِ لاَ فِي الْوَصْفِ، وَالْغَلَطُ فِي الْجِنْسِ غَيْرُ مُغْتَفَرٍ، لأَِنَّهُ يَكُونُ بِهِ الْمَبِيعُ مَعْدُومًا.
_________
(١) الهداية ٣ / ٢٥، وجواهر الإكليل ٢ / ٦٠، ونهاية المحتاج ٤ / ١٤٤، والمغني ٤ / ٩٣.
(٢) المجلة مادة (٦٥)، والفواكه الدواني ٢ / ١٢١، والفروق ٣ / ٢٤٧، وتهذيب الفروق ٣ / ٢٤٩.
وَقَدْ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ: بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْجِنْسَ فِي الْبَيْعِ، بِأَنْ قَال: بِعْتُكَ ثَوْبًا امْتَنَعَ إِجْمَاعًا (١) .
وَهَذَا إِذَا كَانَ الْوَصْفُ مِمَّا يُدْرِكُهُ الْمُشْتَرِي، أَمَّا لَوْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِ، أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى اخْتِبَارٍ، كَالْوَصْفِ لِلْبَقَرَةِ بِأَنَّهَا حَلُوبٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ فَوَاتَ الْوَصْفِ هُنَا مُؤَثِّرٌ، إِنْ كَانَ قَدِ اشْتُرِطَ فِي الْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا مُشَارًا إِلَيْهِ. لأَِنَّ الْوَصْفَ هُنَا مُعْتَبَرٌ مِنَ الْبَائِعِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى فَوَاتِهِ خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي يُسَمَّى: خِيَارَ فَوَاتِ الْوَصْفِ (٢) .
وَيَسْتَوِي فِي اسْتِحْقَاقِ الْخِيَارِ بِفَوَاتِ الْوَصْفِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (خِيَارِ الْوَصْفِ) .
ب - غِيَابُ الْمَبِيعِ:
٤٤ - إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا، فَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْوَصْفِ الْكَاشِفِ لَهُ، عَلَى النَّحْوِ الْمُبَيَّنِ فِي عَقْدِ السَّلَمِ، وَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ دُونَ وَصْفٍ، بَل يُحَدَّدُ بِالإِْشَارَةِ إِلَى مَكَانِهِ أَوْ إِضَافَتِهِ إِلَى مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِالْوَصْفِ، وَهُوَ هُنَا غَيْرُ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ السَّابِقِ، فَإِذَا تَبَيَّنَتِ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الْمَبِيعِ بَعْدَ مُشَاهَدَتِهِ وَبَيْنَ الْوَصْفِ لَزِمَ
_________
(١) المجلة مادة (٢٠٨)، ومنح الجليل ٢ / ٦٧٨ - ٦٧٩، وجواهر الإكليل ٢ / ٤٩، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٤٦، وكشاف القناع ٣ / ٢٧١، وخبايا الزوايا ص ٢١٠، ونهاية المحتاج ٣ / ٣٩٦ و٤٠١، والمهذب ١ / ٢٩٤.
(٢) فتح القدير ٥ / ١٣٦ ط بولاق.
الْبَيْعُ، وَإِلاَّ كَانَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْخُلْفِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ لِلْمُشْتَرِي هُنَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ سَبْقِ وَصْفِهِ أَوْ عَدَمِهِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي (خِيَارُ الْوَصْفِ، وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ) .
لَكِنْ إِنْ تَمَّ الشِّرَاءُ عَلَى أَسَاسِ النَّمُوذَجِ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمَبِيعُ عَنْهُ، فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ رُؤْيَةٍ (١) .
وَبَيْعُ الْغَائِبِ مَعَ الْوَصْفِ صَحِيحٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي الْجُمْلَةِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) فَقَدْ أَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَلَوْ لَمْ يَسْبِقْ وَصْفُهُ. وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ لاَ بُدَّ مِنَ الْوَصْفِ لأَِنَّ لِلْمُشْتَرِي هُنَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ عَلَى كُل حَالٍ، سَوَاءٌ مَعَ الْوَصْفِ وَالْمُطَابَقَةِ، أَوِ الْمُخَالَفَةِ، وَمَعَ عَدَمِ الْوَصْفِ. وَهُوَ خِيَارٌ حُكْمِيٌّ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى اشْتِرَاطٍ (٢) . وَأَجَازَهُ الْحَنَابِلَةُ مَعَ الْوَصْفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ لِصِحَّةِ السَّلَمِ، وَقَصَرُوا الْخِيَارَ عَلَى حَال عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ (٣) .
وَأَجَازَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِثَلاَثَةِ شُرُوطٍ:
أ - أَلاَّ يَكُونَ قَرِيبًا جِدًّا بِحَيْثُ تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ؛ لأَِنَّ بَيْعَهُ غَائِبًا فِي هَذِهِ الْحَال عُدُولٌ عَنِ الْيَقِينِ إِلَى تَوَقُّعِ الضَّرَرِ فَلاَ يَجُوزُ.
ب - أَلاَّ يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا، لِتَوَقُّعِ تَغَيُّرِهِ قَبْل التَّسْلِيمِ، أَوْ لاِحْتِمَال تَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ.
ج - أَنْ يَصِفَهُ الْبَائِعُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ
_________
(١) المجلة مادة (٣٢٣ - ٣٣٥) .
(٢) المراجع السابقة للحنفية.
(٣) المغني ٣ / ٥٨٠ - ٥٨٣، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٤٦.
الأَْغْرَاضُ بِهَا وَهِيَ صِفَاتُ السَّلَمِ. وَالأَْظْهَرُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ، وَهُوَ: مَا لَمْ يَرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا، لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (١) .
أَمَّا الْبَيْعُ عَلَى الْبَرْنَامَجِ، وَهُوَ الدَّفْتَرُ الْمُبَيَّنَةُ فِيهِ الأَْوْصَافُ، أَوْ عَلَى الأُْنْمُوذَجِ بِأَنْ يُرِيَهُ صَاعًا وَيَبِيعَهُ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مِثْلُهُ فَقَدْ أَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ صَوَّبَهُ الْمِرْدَاوِيُّ - لِمَا سَبَقَ - وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالأَْصَحُّ لِلْحَنَابِلَةِ مَنْعُهُ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِيمَا لَوْ قَال مَثَلًا: بِعْتُكَ الْحِنْطَةَ الَّتِي فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَهَذَا أُنْمُوذَجُهَا، وَيَدْخُل الأُْنْمُوذَجُ فِي الْبَيْعِ (٢) .
وَلِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِيمَا إِذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْعَدْل الْمَبِيعِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ أَقَل أَوْ أَكْثَرُ، وَتَفْصِيلُهُ فِي (ظُهُورُ الْمَبِيعِ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا) .
خَامِسًا: ظُهُورُ النُّقْصَانِ أَوِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ:
٤٥ - يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي الْمَبِيعِ إِذَا ظَهَرَ فِيهِ نُقْصَانٌ أَوْ زِيَادَةٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ عَلَى أَسَاسِ الْمِقْدَارِ،
_________
(١) القليوبي ٢ / ١٦٤، ومغني المحتاج ٢ / ١٦، ونهاية المحتاج ٣ / ٤٠١.
(٢) شرح منتهى الإرادات ٢ / ١٤٦، والقليوبي ٢ / ١٦٣ - ١٦٥، ومغني المحتاج ٢ / ١٩، والفروع ٤ / ٢١، والإنصاف ٤ / ٢٩٥.
وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيل بَيْعِ الْجُزَافِ (أَوِ الْمُجَازَفَةِ) وَهُوَ مَا يُسَمَّى أَيْضًا (بَيْعَ الصُّبْرَةِ) وَمِنْهُ بَعْضُ صُوَرِ الْبَيْعِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ أَوِ الأُْنْمُوذَجِ، حَيْثُ يَظْهَرُ الْقَدْرُ مُخَالِفًا لِمَا كُتِبَ فِي الْبَرْنَامَجِ.
أ - بَيْعُ الْجُزَافِ:
٤٦ - إِذَا كَانَ الْبَيْعُ جُزَافًا فَلاَ أَثَرَ لِظُهُورِ النَّقْصِ أَوِ الزِّيَادَةِ عَمَّا تَوَقَّعَهُ الْمُشْتَرِي أَوِ الْبَائِعُ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (بَيْعِ الْجُزَافِ) .
ب - بَيْعُ الْمُقَدَّرَاتِ:
٤٧ - إِذَا ظَهَرَ نَقْصٌ أَوْ زِيَادَةٌ فِيمَا بِيعَ مُقَدَّرًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ ذَرْعٍ أَوْ عَدٍّ، فَيُنْظَرُ فِي الْمَبِيعِ، هَل هُوَ مِمَّا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ أَوْ لاَ يَضُرُّهُ؟ كَمَا يُنْظَرُ فِي أَسَاسِ الثَّمَنِ الَّذِي تَمَّ عَلَيْهِ الْبَيْعُ هَل هُوَ مُجْمَلٌ أَوْ مُفَصَّلٌ عَلَى أَجْزَاءٍ؟ .
فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لاَ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ كَالْمَكِيلاَتِ بِأَنْوَاعِهَا، وَكَذَلِكَ بَعْضُ الْمَوْزُونَاتِ كَالْقَمْحِ، وَالْمَذْرُوعَاتِ كَالْقُمَاشِ الَّذِي يُبَاعُ بِالذِّرَاعِ، دُونَ نَظَرٍ إِلَى مَا يَكْفِي لِلثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَكَذَلِكَ الْمَعْدُودَاتُ الْمُتَقَارِبَةُ. فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَبِيعِ هِيَ لِلْبَائِعِ، وَالنَّقْصُ عَلَى حِسَابِهِ، وَلاَ حَاجَةَ فِي هَذِهِ الْحَال لِلنَّظَرِ إِلَى تَفْصِيل الثَّمَنِ أَوْ إِجْمَالِهِ.
وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُفَصَّلًا، كَمَا لَوْ قَال: كُل ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ، وَلاَ حَاجَةَ لِلنَّظَرِ إِلَى كَوْنِهِ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ أَوْ لاَ.