الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٩ الصفحة 3

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٩

فِيهِ لَيْسَ بِمَالٍ فَلاَ يُقَابَل بِهِ، أَيْ لاَ تَجُوزُ الْمُبَادَلَةُ بِهِ. وَهُوَ شَرْطُ انْعِقَادٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَالْمَال مَا يَمِيل إِلَيْهِ الطَّبْعُ، وَيَجْرِي فِيهِ الْبَذْل وَالْمَنْعُ، فَمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْمُبَادَلَةِ بِعِوَضٍ، وَالْعِبْرَةُ بِالْمَالِيَّةِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، فَالْمَيْتَةُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ لَيْسَا بِمَالٍ (١) .

أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِمَنْ يَلِي الْعَقْدَ:

٣٠ - وَذَلِكَ إِذَا كَانَ يَبِيعُ بِالأَْصَالَةِ. وَاعْتَبَرَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا الشَّرْطَ مِنْ شُرُوطِ الاِنْعِقَادِ، وَقَسَمُوهُ إِلَى شِقَّيْنِ:

الأَْوَّل: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا فِي نَفْسِهِ، فَلاَ يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْكَلأَِ مَثَلًا، لأَِنَّهُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ، وَلَوْ كَانَتِ الأَْرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِلْكَ الْبَائِعِ فِيمَا يَبِيعُهُ لِنَفْسِهِ، فَلاَ يَنْعَقِدُ بَيْعُ مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا، وَإِنْ مَلَكَهُ بَعْدُ، إِلاَّ السَّلَمَ، وَالْمَغْصُوبَ بَعْدَ ضَمَانِهِ، وَالْمَبِيعَ بِالْوَكَالَةِ، أَوِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ، كَالْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ (٢) .

وَقَدِ اسْتَدَل لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ بَيْعِ مَا لاَ يَمْلِكُهُ الإِْنْسَانُ بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ﵁: لاَ تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ (٣) وَفِي بَيْعِ

_________

(١) ابن عابدين ٤ / ١٠٠، والبدائع ٥ / ١٤٩، والدسوقي ٣ / ١٠، والقليوبي ٢ / ٥٧، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٤٢.

(٢) ابن عابدين ٤ / ٦، ١٠٦، والبدائع ٥ / ١٤٦، والفروق للقرافي ٣ / ٢٤٠، والقليوبي ٢ / ١٦٠، وكشاف القناع ٣ / ١٦٠.

(٣) حديث " لا تبع ما ليس عندك " أخرجه الترمذي (٤ / ٤٣٠ تحفة الأحوذي) وحسنه.

الْفُضُولِيِّ خِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعُ الْفُضُولِيِّ) .

أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ:

٣١ - وَهُوَ شَرْطُ انْعِقَادٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ الْجَمَل الشَّارِدِ، وَلاَ بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَلاَ السَّمَكِ (١) فِي الْمَاءِ، لِنَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (٢) .

أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِكُلٍّ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ:

٣٢ - وَهَذَا الشَّرْطُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ شَرْطُ صِحَّةٍ، لاَ شَرْطُ انْعِقَادٍ، فَإِذَا تَخَلَّفَ لَمْ يَبْطُل الْعَقْدُ، بَل يَصِيرُ فَاسِدًا.

وَيَحْصُل الْعِلْمُ بِكُل مَا يُمَيِّزُ الْمَبِيعَ عَنْ غَيْرِهِ، وَيَمْنَعُ الْمُنَازَعَةَ، فَبَيْعُ الْمَجْهُول جَهَالَةً تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَبَيْعِ شَاةٍ مِنَ الْقَطِيعِ (٣) .

هَذَا وَقَدْ زَادَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي شُرُوطِ الْمَبِيعِ: اشْتِرَاطَ طَهَارَةِ عَيْنِهِ.

كَمَا ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ شَرْطَيْنِ آخَرِينَ هُمَا:

أَنْ لاَ يَكُونَ الْبَيْعُ مِنَ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَأَنْ لاَ يَكُونَ الْبَيْعُ مُحَرَّمًا (٤) .

_________

(١) ابن عابدين ٤ / ٦، والدسوقي ٣ / ١١ - ١٢، والفروق ٣ / ٢٤٠، وهامش الفروق ٣ / ٢٣٨، ٢٧١، والقليوبي ٢ / ١٥٨، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٤٥.

(٢) حديث " نهى النبي ﷺ عن بيع الغرر " سبق تخريجه (ف ٢٨) .

(٣) ابن عابدين ٤ / ٦، والدسوقي ٣ / ١٥، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٤٦، والقليوبي ٢ / ١٦١.

(٤) منح الجليل ٢ / ٤٧٥ - ٤٨٥، وجواهر الإكليل ٢ / ٤ - ٦، ومغني المحتاج ٢ / ١١، والقليوبي ٢ / ١٥٧.

وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تَنْدَرِجُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ شُرُوطٍ. وَيُنْظَرُ تَفْصِيل مُحْتَرَزَاتِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَخَلُّفِ كُلٍّ مِنْهَا فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) وَانْظُرْ أَيْضًا الْبُيُوعُ الْمُلَقَّبَةُ، كُلًّا فِي مَوْضِعِهِ.

الْمَبِيعُ وَأَحْكَامُهُ وَأَحْوَالُهُ

أَوَّلًا: تَعْيِينُ الْمَبِيعِ

٣٣ - لاَ بُدَّ لِمَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُشْتَرِي بِالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْمِقْدَارِ، فَالْجِنْسُ كَالْقَمْحِ مَثَلًا، وَالنَّوْعُ كَأَنْ يَكُونَ مِنْ إِنْتَاجِ بَلَدٍ مَعْرُوفٍ، وَالْمِقْدَارُ بِالْكَيْل أَوِ الْوَزْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا (١) .

وَتَعْيِينُ الْمَبِيعِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَنِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ، لأَِنَّهُ يَكُونُ بِتَمْيِيزِهِ عَنْ سِوَاهُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ ذَاتِهِ وَمِقْدَارِهِ، وَهَذَا التَّمْيِيزُ إِمَّا أَنْ يَحْصُل فِي الْعَقْدِ نَفْسِهِ بِالإِْشَارَةِ إِلَيْهِ، وَهُوَ حَاضِرٌ فِي الْمَجْلِسِ، فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُشْتَرِيَ سِوَاهُ مِنْ جِنْسِهِ إِلاَّ بِرِضَاهُ. وَالإِْشَارَةُ أَبْلَغُ طُرُقِ التَّعْرِيفِ (٢) .

وَإِمَّا أَنْ لاَ يُعَيِّنَ الْمَبِيعَ فِي الْعَقْدِ، بِأَنْ كَانَ غَائِبًا مَوْصُوفًا، أَوْ قَدْرًا مِنْ صُبْرَةٍ حَاضِرَةٍ فِي الْمَجْلِسِ، وَحِينَئِذٍ لاَ يَتَعَيَّنُ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ.

وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَمُقَابِل

_________

(١) شرح المجلة المادة (٢٠٤)، ومنح الجليل ٢ / ٤٨٦، والشرح الصغير ٢ / ٦ ط الحلبي، والقليوبي ٢ / ١٦١، وكشاف القناع ٣ / ١٦٣، والمجموع شرح المهذب ٩ / ٢٧٥ - ٢٧٦.

(٢) شرح المجلة مادة (٢٠٢)، والفواكه الدواني ٢ / ١٢١، والبهجة شرح التحفة ٢ / ٢٤، والقليوبي ٢ / ١٦٣، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٤٦.

الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَفِي الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ (١) .

وَمِنَ الْمَبِيعِ غَيْرِ الْمُتَعَيَّنِ بَيْعُ حِصَّةٍ عَلَى الشُّيُوعِ. سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ عَقَارٍ أَوْ مَنْقُولٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُشَاعُ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ أَوْ غَيْرَ قَابِلٍ لَهَا، فَإِنَّ الْمَبِيعَ عَلَى الشُّيُوعِ لاَ يَتَعَيَّنُ إِلاَّ بِالْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ (٢) .

وَمِمَّا يَتَّصِل بِالتَّعْيِينِ لِلْمَبِيعِ: بَيْعُ شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ عِدَّةِ أَشْيَاءَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ التَّعْيِينِ، أَيْ تَعْيِينِ مَا يَشْتَرِيهِ مِنْهَا، وَيُمْكِنُهُ بِذَلِكَ أَنْ يَخْتَارَ مَا هُوَ أَنْسَبُ لَهُ مِنْهَا. وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُول بِخِيَارِ التَّعْيِينِ.

وَفِي جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ وَشُرُوطِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْخِيَارِ تَفْصِيلاَتٌ (٣) تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (خِيَارُ التَّعْيِينِ) .

ثَانِيًا: وَسِيلَةُ مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ وَتَعْيِينِهِ

٣٤ - إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ وَلَمْ تَتِمَّ مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ بِرُؤْيَتِهِ أَوِ الإِْشَارَةِ إِلَيْهِ عَلَى مَا سَبَقَ، فَإِنَّهَا تَتِمُّ بِالْوَصْفِ الَّذِي يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ، مَعَ بَيَانِ مِقْدَارِهِ. وَإِذَا كَانَ عَقَارًا كَانَ لاَ بُدَّ مِنْ بَيَانِ حُدُودِهِ، لاِخْتِلاَفِ قِيمَةِ الْعَقَارِ

_________

(١) شرح المجلة مادة (٢٠١)، وجواهر الإكليل ٢ / ٧ - ٩، وكشاف القناع ٣ / ١٦٣ - ١٦٨، والمغني ٤ / ١٤٣، ومغني المحتاج ٢ / ١٦ - ١٨.

(٢) شرح المجلة مادة (٢٢٠)، وأسهل المدارك ٢ / ٢٨١، وخبايا الزوايا مسألة ١٨٠ ص ١٩٩، ومغني المحتاج ٢ / ١٦، والقليوبي ٢ / ١٦١، وكشاف القناع ٣ / ١٧٠.

(٣) الهداية ٣ / ٣٠ - ٣١، وجواهر الإكليل ٢ / ٣٩، وكشاف القناع ٣ / ٢٠٥.

بِاخْتِلاَفِ جِهَتِهِ وَمَوْقِعِهِ. وَإِذَا كَانَ مِنَ الْمَكِيلاَتِ أَوِ الْمَوْزُونَاتِ أَوِ الْمَذْرُوعَاتِ أَوِ الْمَعْدُودَاتِ فَإِنَّهُ تَحْصُل مَعْرِفَتُهَا بِالْمِقْدَارِ الَّذِي تُبَاعُ بِهِ (١) . وَفِي ذَلِكَ بَعْضُ التَّفْصِيلاَتِ سَيَأْتِي بَيَانُهَا قَرِيبًا.

وَيَصِحُّ بَيْعُ الْجُزَافِ، وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِجْمَال الثَّمَنِ عَلَى الصُّبْرَةِ كُلِّهَا، فَيَصِحُّ بِاتِّفَاقٍ مَعَ مُرَاعَاةِ مَا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ شُرُوطٍ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ.

وَإِمَّا بِتَفْصِيلِهِ بِنَحْوِ: كُل صَاعٍ بِكَذَا، فَيَصِحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ، وَيَبْطُل فِيمَا سِوَاهُ، لِجَهَالَةِ الْمَجْمُوعِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ قَدَّرَ الصُّبْرَةَ كَأَنْ قَال: بِعْتُكَ الصُّبْرَةَ كُل صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ، صَحَّ الْبَيْعُ إِنْ خَرَجَتْ مِائَةٌ لِتَوَافُقِ الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيل، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِائَةً، بِأَنْ خَرَجَتْ أَقَل أَوْ أَكْثَرَ، فَفِي الصَّحِيحِ لاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ، لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ جُمْلَةِ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلِهِ، وَالْقَوْل الثَّانِي يَصِحُّ (٢) .

وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَكِيل بِالْوَزْنِ، وَعَكْسُهُ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ، أَيْ فِيمَا لاَ يَحْرُمُ

_________

(١) شرح المجلة مادة (٢٢٠)، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٢٨، والحطاب ٤ / ٢٩٦، والبهجة ٢ / ١٩، وكشاف القناع ٣ / ١٦٣، ومغني المحتاج ٢ / ١٨.

(٢) شرح المجلة مادة (٢٢٠)، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٢٨، ومنح الجليل ٢ / ٥٠٥، والشرح الصغير ٢ / ١٠ - ١١ ط الحلبي، ومغني المحتاج ٢ / ١٧ - ١٨، ونهاية المحتاج ٣ / ٣٩٩ - ٤٠٠، والمغني ٤ / ١٤٢، وكشاف القناع ٣ / ١٦٨.

التَّفَاضُل فِيهِ، لِلنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ.

وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِمِكْيَالٍ أَوْ مِيزَانٍ خَاصٍّ، كَحَجَرٍ مُعَيَّنٍ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا عَلَيْهِ عِنْدَ غَيْرِهِمَا.

أَمَّا الْبَيْعُ بِمِكْيَالٍ غَيْرِ مُنْضَبِطٍ، بِأَنْ كَانَ يَتَّسِعُ وَيَضِيقُ فَلاَ يَجُوزُ. مَعَ اسْتِثْنَاءِ بَيْعِ الْمَاءِ بِالْقِرَبِ، فَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِهِ كَمَا يَقُول الْحَنَفِيَّةُ (١) .

ثَالِثًا - شُمُول الْمَبِيعِ:

تَوَابِعُ الْمَبِيعِ:

٣٥ - يَقَعُ الْبَيْعُ عَلَى الْعَيْنِ وَمَنَافِعِهَا، وَلِذَا كَانَ مِنْ مُقْتَضَاهُ أَحْيَانًا أَنْ يَدْخُل فِي الْمَبِيعِ مَالُهُ صِلَةً بِهِ، لِتَحْقِيقِ الْمَنْفَعَةِ الْمُرَادَةِ مِنْهُ، أَوْ أَنْ يَقْضِيَ الْعُرْفُ بِشُمُول الْمَبِيعِ لأَِشْيَاءَ تَدْخُل فِيهِ وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ فِي الْعَقْدِ. كَمَا أَنَّهَا لاَ تَنْفَصِل عَنْهُ لاَ بِالاِسْتِثْنَاءِ.

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَدْخُل فِي الْمَبِيعِ مَا يَلِي:

أ - مَا يَتَنَاوَلُهُ مَدْلُول اسْمِ الْمَبِيعِ، بِحَيْثُ يُعْتَبَرُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِ. فَبَيْعُ الدَّارِ مَثَلًا يَدْخُل فِيهِ غُرَفُهَا، وَبَيْعُ الْخِزَانَةِ يَدْخُل فِيهِ الأَْدْرَاجُ.

ب - مَا لاَ يَقْبَل الاِنْفِكَاكَ عَنِ الْمَبِيعِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْغَرَضِ مِنَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ. فَبَيْعُ الْقُفْل يَدْخُل مَعَهُ الْمِفْتَاحُ.

ج - مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمَبِيعِ اتِّصَال قَرَارٍ، بِأَنْ كَانَ

_________

(١) شرح المجلة مادة (٢١٨)، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٢٧، والشرح الصغير ٢ / ١٢، ومنح الجليل ٢ / ٤٩٧، والحطاب ٤ / ٢٨٠، وشرح الروض ٢ / ١٢٩، وخبايا الزوايا ص ٢٠٧، والمغني ٤ / ٣١٨، وكشاف القناع ٣ / ١٧٣.

مَوْضُوعًا عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، كَبَيْعِ الدَّارِ تَدْخُل فِيهِ الأَْبْوَابُ وَالأَْحْوَاضُ.

د - مَا جَرَى الْعُرْفُ بِبَيْعِهِ مَعَ الْمَبِيعِ تَابِعًا لَهُ. كَالْخِطَامِ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَعِيرِ (١) .

فَالأَْصْل أَنَّ هَذِهِ الأُْمُورَ كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى الْعُرْفِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْبِلاَدِ، فَمَا جَرَى الْعُرْفُ فِي بَلَدٍ بِدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا دَخَل فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ هَذَا الْعُرْفُ فِي بَلَدٍ آخَرَ (٢) .

وَلِذَلِكَ يَقُول ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلًا عَنِ الذَّخِيرَةِ فِي بَيْعِ الدَّارِ: الأَْصْل أَنَّ مَا لاَ يَكُونُ مِنْ بِنَاءِ الدَّارِ وَلاَ مُتَّصِلًا بِهَا، لاَ يَدْخُل إِلاَّ إِذَا جَرَى الْعُرْفُ أَنَّ الْبَائِعَ لاَ يَمْنَعُهُ عَنِ الْمُشْتَرِي، فَالْمِفْتَاحُ يَدْخُل اسْتِحْسَانًا لاَ قِيَاسًا لِعَدَمِ اتِّصَالِهِ، وَقُلْنَا بِدُخُولِهِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ. ثُمَّ قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ شِرْبَ الدَّارِ يَدْخُل فِي دِيَارِنَا (دِمَشْقَ) لِلتَّعَارُفِ، بَل هُوَ أَوْلَى مِنْ دُخُول السَّلَمِ الْمُنْفَصِل فِي عُرْفِ مِصْرَ الْقَاهِرَةِ؛ لأَِنَّ الدَّارَ فِي دِمَشْقَ إِذَا كَانَ لَهَا مَاءٌ جَارٍ وَانْقَطَعَ عَنْهَا أَصْلًا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا، وَأَيْضًا إِذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ شِرْبَهَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ لاَ يَرْضَى بِشِرَائِهَا إِلاَّ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ لِلدَّارِ الَّتِي يَدْخُل فِيهَا شِرْبُهَا (٣) .

وَيَقُول الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ: مَا يَتْبَعُ الْعَقْدَ عُرْفًا، وَقَاعِدَةِ: مَا لاَ يَتْبَعُهُ - بَعْدَ أَنْ سَرَدَ

_________

(١) شرح المجلة المواد ٢١٩ - ٢٣٠ و٢٣٦، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٣٣ - ٣٤، ورسالته نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف (مجموعة رسائل ابن عابدين) .

(٢) الفروق ٣ / ٢٨٣، ومغني المحتاج ٢ / ٨٠ - ٨٦، والمهذب ١ / ٢٨٥، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ٢٠٦ - ٢٠٩.

(٣) ابن عابدين ٤ / ٣٤.

الأَْبْوَابَ فِي ذَلِكَ - قَال: وَهَذِهِ الأَْبْوَابُ الَّتِي سَرَدْتُهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعَوَائِدِ، غَيْرُ مَسْأَلَةِ الثِّمَارِ الْمُؤَبَّرَةِ بِسَبَبِ أَنَّ مُدْرَكَهَا النَّصُّ وَالْقِيَاسُ، وَمَا عَدَاهَا مُدْرَكُهُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ، فَإِذَا تَغَيَّرَتِ الْعَادَةُ أَوْ بَطَلَتْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْفَتَاوَى، وَحَرُمَتِ الْفَتْوَى بِهَا لِعَدَمِ مُدْرَكِهَا فَتَأَمَّل ذَلِكَ، بَل تَتْبَعُ الْفَتْوَى هَذِهِ الْعَوَائِدَ كَيْفَمَا تَقَلَّبَتْ، كَمَا تَتْبَعُ النُّقُودُ فِي كُل عَصْرٍ وَحِينٍ، وَكُل مَا صَرَّحَ بِهِ فِي النُّقُودِ وَاقْتَضَتْهُ اللُّغَةُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لاَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْعَوَائِدِ، وَلاَ يُقَال: إِنَّ الْعُرْفَ اقْتَضَاهُ (١) .

وَمَعْنَى شُمُول الْمَبِيعِ لِتِلْكَ الأَْشْيَاءِ أَنَّهَا تَدْخُل مَعَهُ بِالثَّمَنِ نَفْسِهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهَا حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ؛ لأَِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُل مَا يَدْخُل فِي الْمَبِيعِ تَبَعًا لاَ حِصَّةَ لَهُ مِنَ الثَّمَنِ (٢) .

وَيُعْتَبَرُ مِثْل ذَلِكَ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - مَا كَانَ وَصْفًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَبِيعِ، فَإِذَا تَلِفَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْل الْقَبْضِ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي إِسْقَاطُ شَيْءٍ فِي مُقَابِلِهِ مِنَ الثَّمَنِ، بَل يَتَخَيَّرُ بَيْنَ التَّمَسُّكِ بِالْعَقْدِ وَبَيْنَ الْفَسْخِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيل خِيَارِ فَوَاتِ الْوَصْفِ، وَذَلِكَ بِخِلاَفِ مَا لَوْ هَلَكَ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِ الْمَبِيعِ (لاَ مِنْ تَوَابِعِهِ) فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ إِسْقَاطِ مَا يَخُصُّهُ مِنَ الثَّمَنِ.

وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِنْ قَال بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ دَخَل فِيهَا مَا اتَّصَل بِهَا مِنَ الرُّفُوفِ الْمُسَمَّرَةِ وَالْخَوَابِي وَالأَْجَاجِينِ الْمَدْفُونَةِ فِيهَا، وَكُل مَا اتَّصَل بِهَا اتِّصَال اسْتِقْرَارٍ لِمَصْلَحَتِهَا.

_________

(١) الفروق للقرافي ٣ / ٢٨٨، الفرق (١٩٩) .

(٢) شرح المجلة مادة: (٢٣٤)

وَلاَ يَدْخُل الْمُنْفَصِل عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَأَحَدُ وَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَيَدْخُل حَجَرُ الرَّحَى السُّفْلاَنِيُّ إِنْ كَانَ مُتَّصِلًا، وَلاَ يَدْخُل الْحَجَرُ الْفَوْقَانِيُّ، وَلاَ مِثْل دَلْوٍ وَحَبْلٍ وَبَكْرَةٍ وَمِفْتَاحٍ (١) .

الاِسْتِثْنَاءُ مِنَ الْمَبِيعِ:

٣٦ - يَنْبَنِي حُكْمُ الاِسْتِثْنَاءِ مِنَ الْمَبِيعِ عَلَى نَصٍّ وَضَابِطٍ مَبْنِيٍّ عَلَيْهِ، مَعَ اتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ فِي بَعْضِ مَا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَسَائِل، وَاخْتِلاَفُهُمْ فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ بِسَبَبِ اخْتِلاَفِهِمْ فِي التَّوْجِيهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أَمَّا النَّصُّ فَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ الثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ (٢) .

وَأَمَّا الضَّابِطُ فَهُوَ أَنَّ كُل مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَمَا لاَ يَجُوزُ إِيقَاعُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ لاَ يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ.

وَلاَ بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُسْتَثْنَى مَعْلُومًا، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ مَجْهُولًا عَادَ عَلَى الْبَاقِي بِالْجَهَالَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ.

وَعَلَى ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْل مِنْ بَيْعِ الدَّابَّةِ، لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ، فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلاَّ فِيمَا نُقِل عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ بِصِحَّةِ اسْتِثْنَائِهِ، وَبِهِ قَال الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، لِمَا رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ بَاعَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا، وَلأَِنَّهُ

_________

(١) المهذب ١ / ٢٨٥، والمجموع ١١ / ٢٦٨، وكشاف القناع ٣ / ٢٧٥.

(٢) حديث " نهى رسول الله ﷺ عن الثنيا إلا أن تعلم ". أخرجه مسلم (٣ / ١١٧٥ ط الحلبي) .

يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي الْعِتْقِ، فَصَحَّ فِي الْبَيْعِ قِيَاسًا عَلَيْهِ.

وَهَكَذَا كُل مَجْهُولٍ لاَ يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ، كَاسْتِثْنَاءِ شَاةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ مِنْ قَطِيعٍ.

وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَائِطِ وَاسْتِثْنَاءُ شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ لأَِنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُول مِنَ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا، فَإِنْ عَيَّنَ الْمُسْتَثْنَى صَحَّ الْبَيْعُ وَالاِسْتِثْنَاءُ. وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

وَيَجُوزُ عِنْدَ الإِْمَامِ مَالِكٍ اسْتِثْنَاءُ نَخَلاَتٍ أَوْ شَجَرَاتٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِأَعْيَانِهَا، عَلَى أَنْ يَخْتَارَهَا، إِذَا كَانَ ثَمَرُهَا قَدْرَ الثُّلُثِ أَوْ أَقَل، وَكَانَتْ ثِمَارُ الْحَائِطِ لَوْنًا وَاحِدًا، لِخِفَّةِ الْغَرَرِ فِي ذَلِكَ.

وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ ثَمَرَةٍ وَاسْتِثْنَاءُ أَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ مِنْهَا، لِنَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ الثُّنْيَا، وَلأَِنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الاِسْتِثْنَاءِ مَجْهُولٌ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالشَّافِعِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ غَيْرَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَقَوْل الطَّحَاوِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَيَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الإِْمَامِ مَالِكٍ إِذَا كَانَ قَدْرَ ثُلُثٍ فَأَقَل، وَالْجَوَازُ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ سِيرِينَ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّهُ اسْتَثْنَى مَعْلُومًا.

وَيَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ جُزْءٍ مُشَاعٍ كَرُبُعٍ وَثُلُثٍ، لأَِنَّهُ لاَ يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةِ الْمُسْتَثْنَى وَلاَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَصَحَّ كَمَا لَوِ اشْتَرَى شَجَرَةً بِعَيْنِهَا.

وَقَال أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ: لاَ يَجُوزُ.

وَيَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بَيْعُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُول