الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٦
التَّصَرُّفُ فِي الأَْرَاضِيِ الأَْمِيرِيَّةِ:
١٩ - يَجُوزُ لِلإِْمَامِ أَنْ يَدْفَعَ الأَْرْضَ الأَْمِيرِيَّةَ لِلزِّرَاعَةِ، إِمَّا بِإِقَامَتِهِمْ مَقَامَ الْمُلاَّكِ فِي الزِّرَاعَةِ وَإِعْطَاءِ الْخَرَاجِ، أَوَإِجَارَتِهَا لِلزُّرَّاعِ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ، وَعَلَى هَذَا اتَّفَقَ الأَْئِمَّةُ.
وَأَمَّا إِقْطَاعُهَا أَوْ تَمْلِيكُهَا: فَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، لأَِنَّهُ صَارَ مِلْكًا عَامًّا لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يُجِيزَ مِنْ بَيْتِ الْمَال مَنْ لَهُ غَنَاءٌ فِي الإِْسْلاَمِ، كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَل مَا يَرَاهُ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَصْلَحَ، وَالأَْرْضُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَال. (١)
وَعَلَى هَذَا فَمَنْ يُلْغِي إِقْطَاعَهَا لاَ يُجِيزُ تَمْلِيكَهَا، أَوْ إِرْثَهَا أَوْ إِرْثَ اخْتِصَاصِهَا، وَإِنَّمَا مَنَافِعُهَا هِيَ الَّتِي تُمْلَكُ فَقَطْ. فَلَهُ إِيجَارُهَا، وَلِلإِْمَامِ إِخْرَاجُهَا عَنْهُ مَتَى شَاءَ، غَيْرَ أَنَّهُ جَرَى الرَّسْمُ فِي الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنِ ابْنٍ انْتَقَل الاِخْتِصَاصُ لِلاِبْنِ مَجَّانًا، وَإِلاَّ فَلِبَيْتِ الْمَال، وَلَوْ لَهُ بِنْتٌ أَوْ أَخٌ لأَِبٍ لَهُ أَخْذُهَا بِالإِْجَارَةِ الْفَاسِدَةِ. وَهَذَا إِذَا كَانَتِ الأَْرَاضِي الأَْمِيرِيَّةُ عَامِرَةً، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ مَوَاتًا فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِالإِْحْيَاءِ، وَتُؤْخَذُ بِالإِْقْطَاعِ كَمَا سَبَقَ، وَتُورَثُ عَنْهُ إِذَا مَاتَ، وَيَصِحُّ بَيْعُهَا، وَعَلَيْهِ وَظِيفَتُهَا مِنْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ (٢) وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ - (أَرْضُ الْحَوْزِ) .
_________
(١) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٤ / ٦٨، والأحكام السلطانية للماوردي ص ٢٩٢، ٢٩٣، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ٢١٥، ٢١٦، والخراج لأبي يوسف ص٦٣، وابن عابدين ٣ / ٢٦٥.
(٢) الدر المنتقى ١ / ٦٧١، ٦٧٢، وابن عابدين ٣ / ٢٥٦، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص٢١٨.
إِقْطَاعُ الْمَرَافِقِ:
٢٠ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلإِْمَامِ إِقْطَاعُ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ وَمَا لاَ غِنَى عَنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْمِلْحِ وَالْقَارِ وَنَحْوِهَا. وَكَذَلِكَ مَا قَرُبَ مِنَ الْعَامِرِ، وَتَعَلَّقَتْ بِهِ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ طُرُقٍ وَسَيْل مَاءٍ وَمَطْرَحِ قُمَامَةٍ وَمَلْقَى تُرَابٍ وَآلاَتٍ، فَلاَ يَجُوزُ إِقْطَاعُهُ، بِغَيْرِ خِلاَفٍ، وَكَذَلِكَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ مَصَالِحُ الْقَرْيَةِ، كَفِنَائِهَا وَمَرْعَى مَاشِيَتِهَا وَمُحْتَطَبِهَا وَطُرُقِهَا وَمَسِيل مَائِهَا، لاَ يَجُوزُ إِقْطَاعُهُ (١) .
إِجَارَةُ الإِْقْطَاعَاتِ وَإِعَارَتُهَا:
٢١ - مَا أَقْطَعَهُ الإِْمَامُ لِلنَّاسِ مِلْكًا، أَوِ اشْتُرِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَال شِرَاءً مُسَوِّغًا، فَلاَ خَفَاءَ فِي جَوَازِ إِجَارَتِهِ وَإِعَارَتِهِ، حَيْثُ صَارَ مِلْكًا لِلأَْشْخَاصِ يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ، وَمَنْ أَقْطَعَهُ الإِْمَامُ أَرْضًا إِقْطَاعَ انْتِفَاعٍ فِي مُقَابَلَةِ خِدْمَةٍ عَامَّةٍ يُؤَدِّيهَا، وَبِعِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ: فِي مُقَابَلَةِ اسْتِعْدَادِهِ لِمَا أُعِدَّ لَهُ، فَإِنَّ لِلْمُقْطَعِ إِجَارَتَهَا وَإِعَارَتَهَا، لأَِنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكَ مَنْفَعَةٍ.
وَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ، أَوْ أَخْرَجَ الإِْمَامُ الأَْرْضَ الْمُقْطَعَةَ مِنْهُ انْفَسَخَتِ الإِْجَارَةُ، لاِنْتِقَال الْمِلْكِ إِلَى غَيْرِ الْمُؤَجِّرِ. (٢)
اسْتِرْجَاعُ الإِْقْطَاعَاتِ:
٢٢ - إِذَا أَقْطَعَ الإِْمَامُ أَرْضًا مَوَاتًا، وَتَمَّ إِحْيَاؤُهَا، أَوْ لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ الْمُقَرَّرَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِلإِْحْيَاءِ، فَلَيْسَ لَهُ
_________
(١) قليوبي وعميرة ٣ / ٨٩، ٩٠، ومطالب أولي النهى ٤ / ١٨٠، وابن عابدين ٥ / ٢٧٨، والمغني ٥ / ٥٦٦، ٥٨٠ ط السعودية.
(٢) ابن عابدين ٣ / ٢٦٦، وقليوبي وعميرة ٣ / ٩٢.
اسْتِرْجَاعُ الإِْقْطَاعِ مِنْ مُقْطَعِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الإِْقْطَاعُ مِنْ بَيْتِ الْمَال بِشِرَاءٍ مَسُوغٍ أَوْ بِمُقَابِلٍ، لأَِنَّهُ فِي الأَْوَّل يَكُونُ تَمْلِيكًا بِالإِْحْيَاءِ، وَفِي الثَّانِي يَكُونُ تَمْلِيكًا بِالشِّرَاءِ فَلاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُهُ مِنْهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ. (١)
تَرْكُ عِمَارَةِ الأَْرْضِ الْمُقْطَعَةِ:
٢٣ - لاَ يُعَارِضُ الْمُقْطَعُ إِذَا أَهْمَل أَرْضَهُ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ قَبْل طُول انْدِرَاسِهَا. وَقَدَّرَ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ بِثَلاَثِ سِنِينَ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْمَالِكِيَّةِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْل ذَلِكَ كَانَتْ مِلْكًا لِلْمُقْطَعِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ:
إِنْ أَحْيَاهَا عَالِمًا بِالإِْقْطَاعِ كَانَتْ مِلْكًا لِلْمُقْطَعِ، وَإِنْ أَحْيَاهَا غَيْرَ عَالِمٍ بِالإِْقْطَاعِ، خُيِّرَ الْمُقْطَعُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَإِعْطَاءِ الْمُحْيِي نَفَقَةَ عِمَارَتِهِ، وَبَيْنَ تَرْكِهَا لِلْمُحْيِي وَالرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الأَْرْضِ الْمُحْيَاةِ. وَقَال سَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ مُحْيِيهَا وَلَوْ طَال انْدِرَاسُهَا، وَإِنْ أَعْمَرَهَا غَيْرُهُ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الأَْوَّل.
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَاعْتَبَرُوا الْقُدْرَةَ عَلَى الإِْحْيَاءِ بَدَلًا مِنْهَا. فَإِنْ مَضَى زَمَانٌ يَقْدِرُ عَلَى إِحْيَائِهَا فِيهِ قِيل لَهُ: إِمَّا أَنْ تُحْيِيَهَا فَتَقِرَّ فِي يَدِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ يَدَكَ عَنْهَا لِتَعُودَ إِلَى حَالِهَا قَبْل الإِْقْطَاعِ. وَقَدِ اعْتَبَرَ الْحَنَابِلَةُ الأَْعْذَارَ الْمَقْبُولَةَ مُسَوِّغًا لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ بِدُونِ إِحْيَاءٍ، إِلَى أَنْ يَزُول الْعُذْرُ. وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ عُمَرَ ﵁ جَعَل أَجَل الإِْقْطَاعِ إِلَى ثَلاَثِ سِنِينَ.
_________
(١) المغني ٥ / ٥٦٩، وابن عابدين ٥ / ٢٧٨، والتاج والإكليل على الحطاب ٦ / ١٢، والدسوقي ٤ / ٦٩، ٧٠، وقليوبي وعميرة ٣ / ٩٠، ٩١.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ التَّأْجِيل لاَ يَلْزَمُ، وَتَأْجِيل عُمَرَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِسَبَبٍ اقْتَضَاهُ. (١)
وَقْفُ الإِْقْطَاعَاتِ:
٢٤ - إِنَّ وَقْفَ الإِْقْطَاعِ يَدُورُ صِحَّةً وَعَدَمًا عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِيَّةِ وَعَدَمِهِ لِلْوَاقِفِ، فَمَنْ أَثْبَتَهَا لَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ حَكَمَ بِصِحَّةِ وَقْفِ الإِْقْطَاعِ، وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْهَا لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ. عَلَى أَنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَقِفَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَال عَلَى جِهَةٍ أَوْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، مَعَ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مَا يَقِفُهُ، إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ. (٢)
الإِْقْطَاعُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ:
٢٥ - الأَْصْل فِي إِقْطَاعِ التَّمْلِيكِ: أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدًا عَنِ الْعِوَضِ، فَإِنْ أَقْطَعَهُ الإِْمَامُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ كَذَا أَوْ كُل عَامٍ كَذَا - جَازَ وَعُمِل بِهِ، وَمَحَل الْعِوَضِ الْمَأْخُوذِ بَيْتُ مَال الْمُسْلِمِينَ، لاَ يَخْتَصُّ الإِْمَامُ بِهِ، لِعَدَمِ مِلْكِهِ لِمَا أَقْطَعَهُ، وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَرَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، حَيْثُ إِنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَفْعَل مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ. وَهُنَاكَ رَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ بِخِلاَفِهِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الإِْقْطَاعَ عَطِيَّةٌ وَهِبَةٌ وَصِلَةٌ وَلَيْسَ بَيْعًا، وَالأَْثْمَانُ مِنْ صِفَةِ الْبَيْعِ. (٣)
_________
(١) الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ٢١٣، والأحكام السلطانية للماوردي ص ٢١٧ ط التوفيقية، والدسوقي ٤ / ٦٦، وابن عابدين ٥ / ٢٧٨.
(٢) ابن عابدين ٢٦٦، و٣٩٢، وتحفة المحتاج ٢١٤ و٦ / ٢٣٧ ط دار صادر، والدسوقي ٤ / ٦٨ ط عيسى الحلبي، والمغني ٥ / ٤٢٧ ط مكتبة القاهرة.
(٣) الخراج لأبي يوسف ص ٦٩، والدسوقي ٤ / ٦٨، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ٢١٦، والأحكام السلطانية للماوردي ص ٢٢٠.
أَقْطَعُ
التَّعْرِيفُ:
١ - الأَْقْطَعُ لُغَةً: مَقْطُوعُ الْيَدِ (١) .
وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ: يُسْتَعْمَل فِي مَقْطُوعِ الْيَدِ أَوِ الرِّجْل. (٢) وَفِي الْعَمَل النَّاقِصِ أَوْ قَلِيل الْبَرَكَةِ (٣) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٢ - كُل أَمْرٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ (٤) كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ.
٣ - وَالْمُكَلَّفُ إِنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدِ أَوِ الرِّجْل يَسْقُطُ عَنْهُ الْجِهَادُ إِنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ، لأَِنَّهُ إِذَا سَقَطَ عَنِ الأَْعْرَجِ فَالأَْقْطَعُ أَوْلَى، وَلأَِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الْمَشْيِ، وَالْيَدَيْنِ لِيَتَّقِيَ بِأَحَدِهِمَا وَيَضْرِبَ بِالأُْخْرَى. (٥)
_________
(١) المصباح المنير مادة: " قطع ".
(٢) حاشية أبي السعود على ملا مسكين ٢ / ٤١٨ ط جمعية المعارف، والقليوبي ٤ / ٢١٦ ط الخليج، والكافي لابن قدامة ٣ / ٢٥٢.
(٣) الشرح الصغير ١ / ٣ ط دار المعارف، وشرح الروض ١ / ٣ ط الميمنية، ومنار السبيل شرح الدليل ١ / ٥ ط مؤسسة دار السلام.
(٤) المراجع السابقة. وحديث: " كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع ". أخرجه عبد القادر الرهاوي كما في فيض القدير (٥ / ١٣ - ط المكتبة التجارية) ونقل المناوي عن ابن حجر أنه قال: فيه مقال.
(٥) حاشية أبي السعود على ملا مسكين ٢ / ٤١٨، والدسوقي ٢ / ١٧٥ نشر دار الفكر، والقليوبي ٤ / ٢١٦، والكافي لابن قدامة ٣ / ٢٥٢.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَجْعَل بَعْضَ الأَْمْرَاضِ الَّتِي تُصِيبُ الْيَدَ أَوِ الرِّجْل عُذْرًا يَمْنَعُ الْخُرُوجَ لِلْقِتَال كَذَلِكَ.
٤ - وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ غَسْل الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْل (ر: وُضُوء، غُسْل) .
٥ - وَقَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْل صِفَةُ نَقْصٍ فِي إِمَامِ الصَّلاَةِ، وَلِذَلِكَ كَرِهَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِمَامَتَهُ لِغَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهَا، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي شُرُوطِ الإِْمَامَةِ. (١)
٦ - وَإِنْ قَطَعَ الأَْقْطَعَ مِنْ غَيْرِهِ عُضْوًا مُمَاثِلًا لِلْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ أَوْ غَيْرَ مُمَاثِلٍ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (قِصَاص) . وَكَذَلِكَ إِذَا سَرَقَ فَفِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ تَفْصِيلٌ: (ر: سَرِقَة) .
إِقْعَاءٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الإِْقْعَاءُ عِنْدَ الْعَرَبِ: إِلْصَاقُ الأَْلْيَتَيْنِ بِالأَْرْضِ، وَنَصْبُ السَّاقَيْنِ وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الأَْرْضِ، وَقَال ابْنُ الْقَطَّاعِ: أَقْعَى الْكَلْبُ: جَلَسَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَنَصَبَ فَخِذَيْهِ، وَأَقْعَى الرَّجُل: جَلَسَ تِلْكَ الْجِلْسَةَ. (٢)
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي الإِْقْعَاءِ تَفْسِيرَانِ:
الأَْوَّل: نَحْوُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
_________
(١) المغني ٢ / ١٩٥، والخرشي ٢ / ٢٧، والزرقاني على خليل ٨ / ١٨.
(٢) المصباح ومختار الصحاح مادة: " قعي ".
الطَّحَاوِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. (١)
وَالثَّانِي: أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الأَْرْضِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. (٢)
وَجِلْسَةُ الإِْقْعَاءِ غَيْرُ التَّوَرُّكِ وَالاِفْتِرَاشِ، فَالاِفْتِرَاشُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ بِحَيْثُ يَلِي ظَهْرُهَا الأَْرْضَ وَيَنْصِبَ يُمْنَاهُ، (٣) وَيُخْرِجَهَا مِنْ تَحْتِهِ، وَيَجْعَل بُطُونَ أَصَابِعِهَا عَلَى الأَْرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا لِتَكُونَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ. (٤)
وَالتَّوَرُّكُ إِفْضَاءُ أَلْيَةِ وَوَرِكِ وَسَاقِ الرِّجْل الْيُسْرَى لِلأَْرْضِ، وَنَصْبُ الرِّجْل الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَبَاطِنِ إِبْهَامِ الْيُمْنَى لِلأَْرْضِ، فَتَصِيرُ رِجْلاَهُ مَعًا مِنَ الْجَانِبِ الأَْيْمَنِ (٥) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٢ - الإِْقْعَاءُ بِالْمَعْنَى الأَْوَّل مَكْرُوهٌ فِي الصَّلاَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، (٦) لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنِ الإِْقْعَاءِ فِي الصَّلاَةِ. (٧) وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الإِْقْعَاءُ بِهَذِهِ
_________
(١) شرح الروض ١ / ١٤٧، والجمل على المنهج ١ / ٣٤١، وابن عابدين ١ / ٤٣٢ ط بولاق الأولى، وجواهر الإكليل ١ / ٥٤ نشر مكة.
(٢) جواهر الإكليل ١ / ٥٤، والخرشي مع حاشية العدوي ١ / ٢٩٣ نشر دار صادر، وابن عابدين ١ / ٤٣٢. وشرح الروض ١ / ١٤٧، والمغني ١ / ٥٢٤ ط الرياض.
(٣) الجمل على المنهج ١ / ٣٨٣.
(٤) المغني ١ / ٥٢٣.
(٥) جواهر الإكليل ١ / ٥١.
(٦) شرح الروض ١ / ١٤٧، وابن عابدين ١ / ٣٥٠. والمغني ١ / ٥٢٤.
(٧) شرح الروض ١ / ١٤٧. وحديث " نهى عن الإقعاء في الصلاة " أخرجه الحاكم (١ / ٢٧٢ - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
الصُّورَةِ حَرَامٌ، وَلَكِنْ لاَ تَبْطُل بِهِ الصَّلاَةُ. (١)
وَأَمَّا الإِْقْعَاءُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَمَكْرُوهٌ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، إِلاَّ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. (٢) اسْتَدَل الْحَنَابِلَةُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ بِمَا رَوَاهُ الْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لاَ تُقْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. (٣)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الإِْقْعَاءُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ سُنَّةٌ، فَفِي مُسْلِمٍ الإِْقْعَاءُ سُنَّةُ نَبِيِّنَا ﷺ (٤) وَفَسَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِهَذَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالإِْمْلاَءِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، (٥) وَنُقِل عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَال: لاَ أَفْعَل وَلاَ أَعِيبُ مَنْ فَعَلَهُ، وَقَال: الْعَبَادِلَةُ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ. (٦)
أَمَّا الإِْقْعَاءُ فِي الأَْكْل فَلاَ يُكْرَهُ (٧)، رَوَى أَنَسٌ
_________
(١) جواهر الإكليل ١ / ٥٤، وحاشية الدسوقي والشرح الكبير ١ / ٢٣٤.
(٢) ابن عابدين ١ / ٤٣٢، وجواهر الإكليل ١ / ٥٤، الخرشي ١ / ٢٩٣ والمغني ١ / ٥٢٤.
(٣) المغني ١ / ٥٢٤ وحديث " لا تقع بين السجدتين " أخرجه ابن ماجه (١ / ٢٨٩ - ط الحلبي) والترمذي (٢ / ٧٢ - ط الحلبي) وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه من حديث علي إلا من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي، وقد ضعف أهل العلم الحارث الأعور.
(٤) حديث: " الإقعاء سنة نبينا ﷺ " أخرجه مسلم (١ / ٣٨٠ - ٣٨١ - ط الحلبي)
(٥) شرح الروض ١ / ١٤٧.
(٦) المغني ١ / ٥٢٤.
(٧) دليل الفالحين ٣ / ٢٣٢ ط مصطفى الحلبي الثالثة.
﵁ قَال: رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ جَالِسًا مُقْعِيًا يَأْكُل تَمْرًا. (١)
أَقْلَفُ
التَّعْرِيفُ:
١ - الأَْقْلَفُ: هُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ، (٢) وَالْمَرْأَةُ قَلْفَاءُ، وَالْفُقَهَاءُ يَخُصُّونَ أَحْكَامَ الأَْقْلَفِ بِالرَّجُل دُونَ الْمَرْأَةِ.
وَيُقَابِل الأَْقْلَفَ فِي الْمَعْنَى - الْمَخْتُونُ.
وَإِزَالَةُ الْقُلْفَةِ مِنَ الأَْقْلَفِ تُسَمَّى خِتَانًا فِي الرَّجُل، وَخَفْضًا فِي الْمَرْأَةِ.
حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ إِزَالَةَ الْقُلْفَةِ مِنَ الأَْقْلَفِ مِنْ سُنَنِ الْفِطْرَةِ، لِتَضَافُرِ الأَْحَادِيثِ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَْظَافِرِ، وَنَتْفُ الإِْبْطِ. (٣) كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (خِتَان) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِلَى أَنَّ الْخِتَانَ
_________
(١) عن أنس: " رأيت رسول الله ﷺ جالسا مقعيا يأكل تمرا. . . " أخرجه مسلم (٣ / ١٦١٦ - ط الحلبي) .
(٢) المصباح المنير، ومواهب الجليل ٢ / ١٠٥ طبع دار الفكر - بيروت.
(٣) تحفة الودود في أحكام المولود ص ١١٤ طبع مطبعة الإمام. وحديث: " الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب. . . " أخرجه مسلم (١ / ٢٢١ - ط الحلبي) .
فَرْضٌ. وَهُوَ قَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالشَّعْبِيِّ وَرَبِيعَةَ الرَّأْيِ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ الأَْقْلَفَ تَارِكُ فَرْضٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ (١)
٣ - يَخْتَصُّ الأَْقْلَفُ بِبَعْضِ الأَْحْكَامِ:
أ - رَدُّ شَهَادَتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ تَرْكُهُ الاِخْتِتَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ. وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبَيِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ الاِخْتِتَانِ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ فِسْقٌ، وَشَهَادَةُ الْفَاسِقِ مَرْدُودَةٌ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ شَهَادَتِهِ. (٢)
ب - جَوَازُ ذَبِيحَةِ الأَْقْلَفِ وَصَيْدِهِ، لأَِنَّهُ لاَ أَثَرَ لِلْفِسْقِ فِي الذَّبِيحَةِ وَالصَّيْدِ، وَلِذَلِكَ فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - إِلَى أَنَّ ذَبِيحَةَ الأَْقْلَفِ وَصَيْدَهُ يُؤْكَلاَنِ، لأَِنَّ ذَبِيحَةَ النَّصْرَانِيِّ تُؤْكَل فَهَذَا أَوْلَى.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ ذَبِيحَةَ الأَْقْلَفِ لاَ تُؤْكَل، وَقَدْ بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ. (٣)
_________
(١) انظر: تحفة الودود في أحكام المولود ص ١١٦، وأسنى المطالب ٤ / ١٦٤، والمغني ١ / ٨٥، وأسهل المدارك شرح إرشاد السالك ٣ / ٣٦٤ ط الثانية عيسى البابي الحلبي، والثمر الداني للآبي ص ٥٠٠ ط الثانية مصطفى البابي الحلبي، وحاشية ابن عابدين ٥ / ٤٧٨ طبعة بولاق الأولى.
(٢) الدر المختار بحاشية ابن عابدين ٤ / ٣٧٧، وأسهل المدارك ٣ / ٣٦٤، وأسنى المطالب ٤ / ٣٣٩، والبجيرمي على الخطيب ٤ / ٢٩٢، والمغني ٩ / ١٦٥، والإنصاف في مسائل الخلاف ٢ / ٢٥٦ - ٢٥٧ و١٢ / ٤٣، ٤٤.
(٣) ابن عابدين ٥ / ١٨٩، والتاج والإكليل ٣ / ٢٠٧، والمجموع ٩ / ٧٨ نشر المكتبة السلفية، والمغني ٨ / ٥٦٧، وتحفة الودود ص١٤٣.