الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٦ الصفحة 16

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٦

أَقِطٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الأَْقِطُ، وَالإِْقْطُ، وَالأَْقْطُ، وَالأُْقْطُ: شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنَ اللَّبَنِ الْمَخِيضِ، يُطْبَخُ ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَمْصُل (أَيْ يَنْفَصِل عَنْهُ الْمَاءُ)، وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ أَقِطَةٌ (١) .

وَيُعَرِّفُهُ الْفُقَهَاءُ بِذَلِكَ أَيْضًا (٢) .

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

تَتَعَلَّقُ بِالأَْقِطِ أَحْكَامٌ مِنْهَا مَا يَلِي:

أ - زَكَاةُ الْفِطْرِ:

٢ - يَجُوزُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنَ الأَْقِطِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بِاعْتِبَارِهِ مِنَ الأَْقْوَاتِ، وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَال: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ - إِذْ كَانَ فِينَا النَّبِيُّ ﷺ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ. (٣)

_________

(١) لسان العرب.

(٢) مغني المحتاج ١ / ٤٠٦ ط مصطفى الحلبي، والشرح الصغير ١ / ٦٧٦ ط دار المعارف.

(٣) مغني المحتاج ١ / ٤٠٦، وكشاف القناع ٢ / ٢٥٣ ط النصر بالرياض، والدسوقي ١ / ٥٠٥ وحديث أبي سعيد الخدري ﵁ أخرجه البخاري (فتح الباري ٤ / ٣٧١ ط السلفية) .

أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ، وَلاَ يُجْزِئُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْهُ إِلاَّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، لأَِنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ يُوثَقُ بِهِ، وَجَوَازُ مَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، كَسَائِرِ الأَْعْيَانِ الَّتِي لَمْ يَقَعِ التَّنْصِيصُ عَلَيْهَا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ (١)

وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (زَكَاةُ الْفِطْرِ) .

ب - الْبَيْعُ:

٣ - يُعْتَبَرُ الأَْقِطُ مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّمَاثُل وَالتَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ إِنْ بِيعَتْ بِمِثْلِهَا.

وَالْفُقَهَاءُ يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ بَيْعِ الأَْقِطِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ. فَأَجَازَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لإِمْكَانِ التَّمَاثُل وَالتَّسَاوِي، وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيَّةُ لأَِنَّ أَجْزَاءَهُ مُنْعَقِدَةٌ، وَلأَِنَّهُ يُخَالِطُهُ الْمِلْحُ فَلاَ تَتَحَقَّقُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ. (٢)

وَفِيهِ تَفْصِيلٌ كَثِيرٌ يُنْظَرُ فِي (بَيْع، وَرِبًا) .

مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

٤ - تَتَعَدَّدُ مَوَاطِنُ أَحْكَامِ الأَْقِطِ، فَتَأْتِي فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَالرِّبَا، وَالسَّلَمِ، وَتُنْظَرُ فِي مَوَاطِنِهَا.

إِقْطَاعٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - مِنْ مَعَانِي الإِْقْطَاعِ فِي اللُّغَةِ: التَّمْلِيكُ

_________

(١) بدائع الصنائع ٢ / ٧٢، ٧٣ ط شركة المطبوعات العلمية ط أولى.

(٢) قليوبي ٢ / ١٧٢ ط الحلبي، والمغني ٤ / ٣٦ ط الرياض، والشرح الصغير ٣ / ٨٤.

وَالإِْرْفَاقُ، يُقَال اسْتَقْطَعَ الإِْمَامُ قَطِيعَةً فَأَقْطَعَهُ إِيَّاهَا: أَيْ سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ إِقْطَاعًا يَتَمَلَّكُهُ وَيَسْتَبِدُّ بِهِ وَيَنْفَرِدُ، وَيُقَال: أَقْطَعَ الإِْمَامُ الْجُنْدَ الْبَلَدَ: إِذَا جَعَل لَهُمْ غَلَّتَهَا رِزْقًا. (١)

وَهُوَ كَذَلِكَ شَرْعًا يُطْلَقُ عَلَى مَا يُقْطِعُهُ الإِْمَامُ، أَيْ يُعْطِيهِ مِنَ الأَْرَاضِي رَقَبَةً أَوْ مَنْفَعَةً لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ (٢) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ:

٢ - هُوَ كَمَا عَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: عِمَارَةُ الأَْرْضِ الْخَرِبَةِ الَّتِي لاَ مَالِكَ لَهَا وَلاَ يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ (٣) .

ب - أَعْطِيَاتُ السُّلْطَانِ:

٣ - الْعَطَاءُ وَالْعَطِيَّةُ: اسْمٌ لِمَا يُعْطَى، وَالْجَمْعُ عَطَايَا وَأَعْطِيَةٌ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَعْطِيَاتٌ. وَأَعْطِيَاتُ السُّلْطَانِ: مَا يُعْطِيهِ لأَِحَدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ مِنْ بَيْتِ الْمَال مَعَ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ.

وَعَلَى هَذَا قَدْ يَكُونُ الإِْقْطَاعُ عَطَاءً، وَقَدْ يَنْفَصِل الْعَطَاءُ، فَيَكُونُ فِي الأَْمْوَال الْمَنْقُولَةِ غَالِبًا (٤) .

ج - الْحِمَى:

٤ - الْمَشْرُوعُ مِنْهُ: أَنْ يَحْمِيَ الإِْمَامُ أَرْضًا مِنَ

_________

(١) لسان العرب وتاج العروس والمصباح المنير مادة: " قطع ".

(٢) ابن عابدين ٣ / ٣٩٢ ط بولاق.

(٣) البجيرمي على الخطيب ٣ / ١٩٢.

(٤) لسان العرب في المادة، والفروق في اللغة ١٦٢، ١٦٥، وابن عابدين ٥ / ٤١١، والزاهر ص ٢٦٣ فقرة - ٥٦٩.

الْمَوَاتِ، يَمْنَعُ النَّاسَ رَعْيَ مَا فِيهَا مِنَ الْكَلأَِ لِتَكُونَ خَاصَّةً لِبَعْضِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كَمَوَاشِي الصَّدَقَةِ.

د - الإِْرْصَادُ:

٥ - الإِْرْصَادُ لُغَةً: الإِْعْدَادُ، وَاصْطِلاَحًا: تَخْصِيصُ الإِْمَامِ غَلَّةَ بَعْضِ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَال لِبَعْضِ مَصَارِفِهِ. وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (إِرْصَاد) . فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِْقْطَاعِ أَنَّ الإِْرْصَادَ لاَ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُرْصَدِ لَهُ، بِحَيْثُ يَتَوَارَثُهُ أَوْلاَدُهُ أَوْ يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ كَمَا شَاءُوا. (١)

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

٦ - الإِْقْطَاعُ جَائِزٌ بِشُرُوطِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ إِقْطَاعَ تَمْلِيكٍ أَمْ إِقْطَاعَ إِرْفَاقٍ، وَدَلِيل ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ رَكْضَ فَرَسِهِ مِنْ مَوَاتِ النَّقِيعِ، وَكَذَلِكَ فَعَل الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ. (٢)

أَنْوَاعُ الإِْقْطَاعِ:

الإِْقْطَاعُ نَوْعَانِ:

٧ - النَّوْعُ الأَْوَّل: إِقْطَاعُ الإِْرْفَاقِ (أَوِ الإِْمْتَاعِ أَوِ الاِنْتِفَاعِ) .

_________

(١) ابن عابدين ٣ / ٢٦٦، ٣٩٢ ط بولاق، ولسان العرب والمصباح في المادة.

(٢) الأحكام السلطانية للماوردي ١٩٠، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ٢١١ وحديث " أقطع الرسول ﷺ الزبير ركض فرسه من موات النقيع " أخرجه أبو داود (٣ / ٤٥٣ - ط عزت عبيد دعاس) وقال ابن حجر في التلخيص (٣ / ٦٤ - ط دار المحاسن): فيه العمري الكبير وفيه ضعف.

وَهُوَ: إِرْفَاقُ النَّاسِ بِمَقَاعِدِ الأَْسْوَاقِ، وَأَفْنِيَةِ الشَّوَارِعِ، وَحَرِيمِ الأَْمْصَارِ، وَمَنَازِل الْمُسَافِرِينَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ (١) . وَهُوَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:

الْقِسْمُ الأَْوَّل:

٨ - مَا يَخْتَصُّ الإِْرْفَاقُ فِيهِ بِالصَّحَارَى وَالْفَلَوَاتِ. حَيْثُ مَنَازِل الْمُسَافِرِينَ وَحُلُول الْمِيَاهِ، وَذَلِكَ ضَرْبَانِ:

(أَحَدُهُمَا): أَنْ يَكُونَ لاِجْتِيَازِ السَّابِلَةِ وَاسْتِرَاحَةِ الْمُسَافِرِينَ فِيهِ. وَهَذَا لاَ نَظَرَ لِلسُّلْطَانِ فِيهِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ، وَاَلَّذِي يَخُصُّ السُّلْطَانَ مِنْ ذَلِكَ إِصْلاَحُ عَوْرَتِهِ وَحِفْظُ مِيَاهِهِ، وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ نُزُولِهِ، وَيَكُونُ السَّابِقُ إِلَى الْمَنْزِل أَحَقَّ بِحُلُولِهِ فِيهِ مِنَ الْمَسْبُوقِ حَتَّى يَرْتَحِل عَنْهُ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ مِنَى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ. (٢) فَإِنْ نَزَلُوهُ سَوَاءً، عُدِل بَيْنَهُمْ نَفْيًا لِلتَّنَازُعِ.

(وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ نُزُولُهُمْ لِلاِسْتِيطَانِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلِلإِْمَامِ مَنْعُهُمْ أَوْ تَرْكُهُمْ حَسَبَ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. (٣)

الْقِسْمُ الثَّانِي:

٩ - وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ وَالأَْمْلاَكِ. يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الاِرْتِفَاقُ مُضِرًّا بِهِمْ مُنِعَ اتِّفَاقًا، إِلاَّ أَنْ يَأْذَنُوا بِدُخُول الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ.

_________

(١) الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٨٧ ط مصطفى الحلبي، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ٢٠٨، والمغني لابن قدامة ٥ / ٥٧٧ ط الرياض، والدسوقي ٤ / ٦٧ ط دار الفكر.

(٢) حديث: " منى مناخ من سبق ". أخرجه الترمذي (٣٣ / ٢٢٨ - ط الحلبي) وأعله المناوي في الفيض (٦ / ٢٤٤ - ط المكتبة التجارية) بجهالة أحد رواته.

(٣) الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٨٧، والمغني ٥ / ٥٧٧

فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُضِرٍّ بِهِمْ فَفِي إِبَاحَةِ ارْتِفَاقِهِمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ أَرْبَابِهَا اتِّجَاهَانِ:

الأَْوَّل: أَنَّ لَهُمْ الاِرْتِفَاقَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ أَرْبَابُهَا، لأَِنَّ الْحَرِيمَ (وَهُوَ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْل الدُّورِ مِنْ أَمَاكِنَ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لأَِحَدٍ) يُعْتَبَرُ مِرْفَقًا إِذَا وَصَل أَهْلُهُ إِلَى حَقِّهِمْ مِنْهُ سَاوَاهُمُ النَّاسُ فِيمَا عَدَاهُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ.

الثَّانِي: لاَ يَجُوزُ الاِرْتِفَاقُ بِحَرِيمِهِمْ إِلاَّ عَنْ إِذْنِهِمْ، لأَِنَّهُ تَبَعٌ لأَِمْلاَكِهِمْ فَكَانُوا بِهِ أَحَقَّ، وَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ أَخَصَّ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ:

١٠ - هُوَ مَا اخْتَصَّ بِأَفْنِيَةِ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ، فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى نَظَرِ السُّلْطَانِ، وَفِي حُكْمِ نَظَرِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ نَظَرَهُ فِيهِ مَقْصُورٌ عَلَى كَفِّهِمْ عَنِ التَّعَدِّي، وَمَنْعِهِمْ مِنَ الإِْضْرَارِ، وَالإِْصْلاَحِ بَيْنِهِمْ عِنْدَ التَّشَاجُرِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ نَظَرَهُ فِيهِ نَظَرُ مُجْتَهِدٍ فِيمَا يَرَاهُ صَالِحًا، فِي إِجْلاَسِ مَنْ يَجْلِسُ، وَمَنْعِ مَنْ يَمْنَعُهُ، وَتَقْدِيمِ مَنْ يُقَدِّمُهُ. (١)

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ٤٧٥، والدسوقي ٤ / ٦٧، ٦٨، والأحكام السلطانية للماوردي ص١٧٧، ١٨٨ والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ٢٠٩، ٢١٠ واللجنة تنبه إلى أن محل هذه التقسيمات والتفصيلات حيث لم يكن هناك تنظيم من ولي الأمر مراعى فيه المصلحة، وإلا فالواجب شرعا الالتزام بأمره، لأن طاعته فيما لا إثم فيه واجبة في كل تصرف منوط بالمصلحة.

النَّوْعُ الثَّانِي: إِقْطَاعُ التَّمْلِيكِ:

١١ - هُوَ تَمْلِيكٌ مِنَ الإِْمَامِ مُجَرَّدٌ عَنْ شَائِبَةِ الْعِوَضِيَّةِ بِإِحْيَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ. (١)

أَقْسَامُهُ وَحُكْمُ تِلْكَ الأَْقْسَامِ:

١٢ - يَنْقَسِمُ إِقْطَاعُ التَّمْلِيكِ فِي الأَْرْضِ الْمُقْطَعَةِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:

مَوَاتٍ، وَعَامِرٍ، وَمَعَادِنَ.

إِقْطَاعُ الْمَوَاتِ:

إِقْطَاعُ الْمَوَاتِ ضَرْبَانِ:

١٣ - الضَّرْبُ الأَْوَّل: مَا لَمْ يَزَل مَوَاتًا مِنْ قَدِيمِ الدَّهْرِ، فَلَمْ تَجْرِ فِيهِ عِمَارَةٌ وَلاَ يَثْبُتُ عَلَيْهِ مِلْكٌ، فَهَذَا يَجُوزُ لِلإِْمَامِ أَنْ يُقْطِعَهُ مَنْ يُحْيِيهِ وَمَنْ يُعَمِّرُهُ، وَقَدْ أَقْطَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رَكْضَ فَرَسِهِ مِنْ مَوَاتِ النَّقِيعِ، فَأَجْرَاهُ، ثُمَّ رَمَى بِسَوْطِهِ رَغْبَةً فِي الزِّيَادَةِ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَعْطُوهُ مُنْتَهَى سَوْطِهِ. (٢)

وَيَمْتَنِعُ بِهِ إِقْدَامُ غَيْرِ الْمُقْطَعِ عَلَى إِحْيَائِهِ، لأَِنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهُ بِالإِْقْطَاعِ نَفْسِهِ، خِلاَفًا لِلْحَنَابِلَةِ، فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ إِقْطَاعَ الْمَوَاتِ مُطْلَقًا لاَ يُفِيدُ تَمْلِيكًا، لَكِنَّهُ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَحْيَاهُ مَلَكَهُ بِالإِْحْيَاءِ لاَ بِالإِْقْطَاعِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الإِْقْطَاعُ مُطْلَقًا، أَوْ مَشْكُوكًا فِيهِ، فَإِنَّهُ يُحْمَل عَلَى إِقْطَاعِ الإِْرْفَاقِ، لأَِنَّهُ الْمُحَقَّقُ. (٣)

_________

(١) الدسوقي ٤ / ٦٨، والخراج ص ٦٦، والأحكام السلطانية للماوردي ص ١٩٠.

(٢) حديث: " أعطوه منتهى سوطه ". سبق تخريجه (ف / ٦) .

(٣) الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٩٠، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ٢١٢، وابن عابدين ٣ / ٢٦٥، والخراج ص ٦٥ ط السلفية القاهرة، وحاشية الدسوقي ٤ / ٦٨، والمغني ٥ / ٥٧٩، وحاشية قليوبي ٣ / ٧٩، وشرح العناية ٩ / ٤، ومنتهى الإيرادات ١ / ٥٤٤، ٥٤٥، والرهوني ٧ / ١٠٥، والهندية ٥ / ٣٨٦، ونهاية المحتاج ٥ / ٣٢٨ ط البابي الحلبي.

١٤ - الضَّرْبُ الثَّانِي مِنَ الْمَوَاتِ: مَا كَانَ عَامِرًا فَخَرِبَ، فَصَارَ مَوَاتًا عَاطِلًا، وَذَلِكَ نَوْعَانِ:

(أَحَدُهُمَا) مَا كَانَ عَادِيًّا (أَيْ قَدِيمًا، جَاهِلِيًّا) فَهُوَ كَالْمَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عِمَارَةٌ وَيَجُوزُ إِقْطَاعُهُ. قَال ﷺ عَادِيُّ الأَْرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي (١)

(ثَانِيهِمَا) مَا كَانَ إِسْلاَمِيًّا جَرَى عَلَيْهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ خَرِبَ حَتَّى صَارَ مَوَاتًا عَاطِلًا، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ وَلاَ وَرَثَةُ مَالِكٍ. قَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى رَأْيِ الإِْمَامِ مُطْلَقًا.

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُمْلَكُ بِالإِْحْيَاءِ مُطْلَقًا، إِذَا كَانَتِ الأَْرْضُ غَيْرَ مُقْطَعَةٍ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ مُقْطَعَةً فَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا لاَ تُمْلَكُ بِالإِْحْيَاءِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَرْبَابُهُ مُلِكَ بِالإِْحْيَاءِ، بِشَرْطِ إِقْطَاعِ الإِْمَامِ لَهُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ. (٢)

إِقْطَاعُ الْعَامِرِ

إِقْطَاعُ الْعَامِرِ ضَرْبَانِ:

١٥ - الضَّرْبُ الأَْوَّل: مَا تَعَيَّنَ مَالِكُهُ فَلاَ نَظَرَ

_________

(١) حديث: " عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني " أخرجه الشافعي في مسنده (٢ / ١٣٣ - ط مكتب نشر الثقافة الإسلامية) وأعله ابن حجر بالإرسال (التلخيص (٣ / ٦٢ ط دار المحاسن) .

(٢) الفتاوى الهندية ٥ / ٣٨٦، والرهوني ٥ / ١٠٥ والأحكام السلطانية للماوردي ص ١٩٠، ١٩١، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ٢١٣.

لِلسُّلْطَانِ فِي إِقْطَاعِهِ اتِّفَاقًا، إِلاَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الأَْرْضِ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَال أَوِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. وَهَذَا إِذَا كَانَتْ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ لِمُسْلِمٍ أَمْ لِذِمِّيٍّ. فَإِنْ كَانَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ الَّتِي لاَ يَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا يَدٌ، فَأَرَادَ الإِْمَامُ إِقْطَاعَهَا عِنْدَ الظَّفَرِ جَازَ. وَقَدْ: سَأَل تَمِيمٌ الدَّارِيُّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يُقْطِعَهُ عُيُونَ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ بِالشَّامِ قَبْل فَتْحِهِ فَفَعَل. (١)

١٦ - الضَّرْبُ الثَّانِي مِنَ الْعَامِرِ: مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مَالِكُوهُ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ مُسْتَحِقُّوهُ: فَمَا اصْطَفَاهُ الإِْمَامُ لِبَيْتِ الْمَال، وَكَذَلِكَ كُل مَا دَخَل بَيْتَ الْمَال مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ، أَوْ مَا مَاتَ عَنْهُ أَرْبَابُهُ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ وَارِثٌ بِفَرْضٍ وَلاَ تَعْصِيبٍ فَفِي إِقْطَاعِهِ رَأْيَانِ:

الأَْوَّل: عَدَمُ الْجَوَازِ. وَهُوَ رَأْيُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِقْطَاعُ رَقَبَتِهِ لاِصْطِفَائِهِ لِبَيْتِ الْمَال، فَكَانَ بِذَلِكَ مِلْكًا لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ. فَجَرَى عَلَى رَقَبَتِهِ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُؤَبَّدِ.

الثَّانِي: الْجَوَازُ. وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يُجِيزَ مِنْ بَيْتِ الْمَال مَنْ لَهُ غَنَاءٌ فِي الإِْسْلاَمِ، وَمَنْ يَقْوَى بِهِ عَلَى الْعَدُوِّ، وَيَعْمَل فِي ذَلِكَ بِاَلَّذِي يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَصْلَحُ لأَِمْرِهِمْ، وَالأَْرْضُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَال يَصِحُّ تَمْلِيكُ رَقَبَتِهَا، كَمَا يُعْطَى الْمَال حَيْثُ ظَهَرَتِ الْمَصْلَحَةُ (٢) .

_________

(١) حديث: " أقطع تميم الداري " أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في الأموال (ص ٢٧٤ - ط المكتبة التجارية الكبرى) وفي إسناده إرسال.

(٢) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ٤ / ٦٨، والأحكام السلطانية للماوردي ص ٢٩٢، ٢٩٣، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص٢١٥، ٢١٦، والخراج لأبي يوسف ص ٦٣، وابن عابدين ٣ / ٢٦٥.

إِقْطَاعُ الْمَعَادِنِ

الْمَعَادِنُ هِيَ الْبِقَاعُ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ جَوَاهِرَ الأَْرْضِ. وَهِيَ ضَرْبَانِ: ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ.

١٧ - أَمَّا الظَّاهِرَةُ: فَمَا كَانَ جَوْهَرُهَا الْمُسْتَوْدَعُ فِيهَا بَارِزًا. كَمَعَادِنِ الْكُحْل، وَالْمِلْحِ، وَالنَّفْطِ، فَهُوَ كَالْمَاءِ الَّذِي لاَ يَجُوزُ إِقْطَاعُهُ، وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ، يَأْخُذُهُ مَنْ وَرَدَ إِلَيْهِ، لِمَا وَرَدَ أَنَّ أَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ اسْتَقْطَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ مِلْحَ مَأْرَبٍ فَأَقْطَعَهُ، فَقَال الأَْقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي وَرَدْتُ هَذَا الْمِلْحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُهُ، مَنْ وَرَدَهُ أَخَذَهُ وَهُوَ مِثْل الْمَاءِ الْعِدِّ بِالأَْرْضِ، فَاسْتَقَال أَبْيَضَ قَطِيعَةَ الْمِلْحِ. فَقَال: قَدْ أَقَلْتُكَ عَلَى أَنْ تَجْعَلَهُ مِنِّي صَدَقَةً. فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: هُوَ مِنْكَ صَدَقَةٌ، وَهُوَ مِثْل الْمَاءِ الْعِدِّ، مَنْ وَرَدَهُ أَخَذَهُ (١)

وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ أَجَازُوا إِقْطَاعَ الإِْمَامِ لِلْمَعَادِنِ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ.

١٨ - وَأَمَّا الْمَعَادِنُ الْبَاطِنَةُ: فَهِيَ مَا كَانَ جَوْهَرُهُ مُسْتَكِنًّا فِيهَا، لاَ يُوصَل إِلَيْهِ إِلاَّ بِالْعَمَل، كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ. فَهَذِهِ وَمَا أَشْبَهَهَا مَعَادِنُ بَاطِنَةٌ، سَوَاءٌ احْتَاجَ الْمَأْخُوذُ مِنْهَا إِلَى سَبْكٍ وَتَصْفِيَةٍ وَتَخْلِيصٍ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ. وَقَدْ أَجَازَ إِقْطَاعَهَا الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَمَنَعَ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الرَّأْيُ الرَّاجِحُ لِلشَّافِعِيَّةِ. (٢)

_________

(١) حديث: " استقطع أبيض بن حمال النبي ﷺ " أخرجه الشافعي في الأم (٤ / ٤٢ - شركة الطباعة الفنية) ويحيى بن آدم في الخراج. (ص ١١٠ - ط السلفيه) وصححه أحمد شاكر في التعليق عليه.

(٢) الأحكام للماوردي ص ١٩٧، ١٩٨، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ٢١٩، ٢٢٠، وقليوبي ٣ / ٩٤، ٩٥، وابن عابدين ٥ / ٢٧٩، والخرشي ٢ / ٢٠٨.