الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٦
كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَمْ لاَ. (١) وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لِلْوَارِثِ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى الاِسْتِحْقَاقِ. (٢)
وَأَمَّا إِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثٍ فَهُوَ بَاطِلٌ إِلاَّ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْوَرَثَةُ أَوْ يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:
إِنْ كَانَ مُتَّهَمًا فِي إِقْرَارِهِ كَأَنْ يُقِرَّ لِوَارِثٍ قَرِيبٍ مَعَ وُجُودِ الأَْبْعَدِ أَوِ الْمُسَاوِي، (٣) كَمَنْ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ عَمٍّ فَأَقَرَّ لاِبْنَتِهِ لَمْ يُقْبَل وَإِنْ أَقَرَّ لاِبْنِ عَمِّهِ قُبِل، لأَِنَّهُ لاَ يُتَّهَمُ فِي أَنَّهُ يُزْرِي ابْنَتَهُ وَيُوَصِّل الْمَال إِلَى ابْنِ عَمِّهِ. وَعِلَّةُ مَنْعِ الإِْقْرَارِ التُّهْمَةُ، فَاخْتَصَّ الْمَنْعُ بِمَوْضِعِهَا. (٤)
وَأَطَال الْمَالِكِيَّةُ فِي تَصْوِيرِ ذَلِكَ وَالتَّفْرِيعِ عَلَيْهِ.
وَقَالُوا: مَنْ مَرِضَ بَعْدَ الإِْشْهَادِ فِي صِحَّتِهِ لِبَعْضِ وَلَدِهِ فَلاَ كَلاَمَ لِبَقِيَّةِ أَوْلاَدِهِ إِنْ كَتَبَ الْمُوَثِّقُ أَنَّ الصَّحِيحَ قَبَضَ مِنْ وَلَدِهِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ فَقِيل: يَحْلِفُ مُطْلَقًا. وَقِيل: يَحْلِفُ إِنِ اتُّهِمَ الأَْبُ بِالْمَيْل إِلَيْهِ.
قَال الْمَوَّاقُ (٥): لاَ يُقْبَل إِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ. وَسُئِل الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، ثُمَّ
_________
(١) حاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٩ - ٤٠٠.
(٢) نهاية المحتاج ٥ / ٦٩ - ٧٠.
(٣) حاشية ابن عابدين ٤ / ٤٦١ - ٤٦٢، والهداية وتكملة الفتح ٧ / ٨، والبدائع ٧ / ٢٢٤، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٨ - ٣٩٩، وشرح الزرقاني ٦ / ٩٣ - ٩٤، وبلغة السالك ٢ / ١٩٠، ونهاية المحتاج ٥ / ٦٩ - ٧٠، والمهذب ٢ / ٣٤٥، والمغني ٥ / ٢١٤، والإنصاف ١٢ / ١٣٥ - ١٣٦.
(٤) حاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٨، والمغني ٥ / ٢١٤، وشرح الزرقاني ٦ / ٩٢، وبلغة السالك ٢ / ١٩٠.
(٥) التاج والإكليل ٥ / ٢١٨.
اعْتَرَفَ بِدَنَانِيرَ لِمُعَيَّنٍ: فَأَجَابَ إِنِ اعْتَرَفَ فِي صِحَّتِهِ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ يَمِينُ الْقَضَاءِ.
وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِبُطْلاَنِ الإِْقْرَارِ بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَلاَ إِقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ (١)، وَبِالأَْثَرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَال: " إِذَا أَقَرَّ الرَّجُل فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَهُوَ بَاطِلٌ إِلاَّ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْوَرَثَةُ. وَقَوْل الْوَاحِدِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ. وَلَمْ يُعْرَفْ لاِبْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَلأَِنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِهِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنَ التَّبَرُّعِ عَلَى الْوَارِثِ أَصْلًا، فَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِهِ إِبْطَال حَقِّ الْبَاقِينَ. (٢)
وَفِي كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ: لَوْ أَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ بِأَنَّهَا لاَ مَهْرَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا لَمْ يَصِحَّ، إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهَا أَخَذَتْهُ (٣) .
_________
(١) حديث: " لا وصية لوارث ولا إقرار له بالدين " بهذا اللفظ أخرجه الدارقطني (٤ / ١٥٢ - ط دار المحاسن) وفي إسناده نوح بن دراج وهو متهم بالكذب. وميزان الاعتدال للذهبي (٤ / ٢٧٦ ط الحلبي) . وأما الجزء الأول من الحديث " لا وصية لوارث " فقد أخرجه الترمذي (٤ / ٤٣٣ ط إستانبول)، والنسائي (٦ / ٢٤٧) وقال الترمذي: هو حديث حسن صحيح. وقال ابن حجر في الفتح: لقد جنح الشافعي في الأم إلى أن هذا المتن متواتر، فقال. وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي ﷺ قال عام الفتح: " لا وصية لوارث " (فتح الباري ٥ / ٣٧٢ ط السلفية) .
(٢) شرح الزرقاني ٦ / ٩٤، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٩ - ٤٠١.
(٣) الإنصاف ١٢ / ١٣٧.
إِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِالإِْبْرَاءِ:
٢٥ - إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ أَنَّهُ أَبْرَأَ فُلاَنًا مِنَ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فِي صِحَّتِهِ لاَ يَجُوزُ، لأَِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ إِنْشَاءَ الإِْبْرَاءِ لِلْحَال، فَلاَ يَمْلِكُ الإِْقْرَارَ بِهِ، بِخِلاَفِ الإِْقْرَارِ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ، لأَِنَّهُ إِقْرَارٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ إِنْشَاءَ الْقَبْضِ فَيَمْلِكُ الإِْخْبَارَ عَنْهُ بِالإِْقْرَارِ. (١) وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ. وَيَقْرُبُ مِنْهُمُ الشَّافِعِيَّةُ إِذْ يَقُولُونَ: إِذَا أَبْرَأ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ أَحَدَ مَدْيُونَيْهِ، وَالتَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةٌ بِالدُّيُونِ، لَمْ يَنْفُذْ إِبْرَاؤُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ. (٢) بَيْنَمَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ فِي بَابِ الإِْقْرَارِ: وَإِنْ أَبْرَأَ إِنْسَانٌ شَخْصًا مِمَّا قَبْلَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُل حَقٍّ لَهُ عَلَيْهِ، أَوْ أَبْرَأَهُ وَأَطْلَقَ بَرِئَ مُطْلَقًا مِمَّا فِي الذِّمَّةِ وَغَيْرِهَا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا (٣) . وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ بِإِطْلاَقِهَا شَامِلَةٌ لِلْمَرِيضِ وَلِلصَّحِيحِ، وَشَامِلَةٌ لِلإِْبْرَاءِ مِنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ وَغَيْرِهِ.
الرُّكْنُ الثَّانِي: الْمُقَرُّ لَهُ، وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ:
الْمُقَرُّ لَهُ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْحَقُّ الْمُقَرُّ بِهِ، وَيَحِقُّ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ أَوِ الْعَفْوُ عَنْهُ (٤)
وَاشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ مَا يَأْتِي:
الشَّرْطُ الأَْوَّل: أَلاَّ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ مَجْهُولًا:
٢٦ - فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ
_________
(١) البدائع ٧ / ٢٢٨.
(٢) الموسوعة الفقهية ج١ بحث (إبراء) ص ١٧٠.
(٣) الشرح الصغير ٣ / ٥٣٨.
(٤) المهذب ٢ / ٣٤٥، والمغني ٥ / ١٥٣.
يُطَالِبَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ حَمْلًا. كَأَنْ يَقُول: عَلَيَّ أَلْفٌ لِفُلاَنٍ، أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ لِحَمْل فُلاَنَةَ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيل الإِْقْرَارِ لِلْحَمْل. أَوْ يَكُونُ مَجْهُولًا جَهَالَةً غَيْرَ فَاحِشَةٍ، كَأَنْ يَقُول: عَلَيَّ مَالٌ لأَِحَدِ هَؤُلاَءِ الْعَشَرَةِ، أَوْ لأَِحَدِ أَهْل الْبَلَدِ، وَكَانُوا مَحْصُورِينَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالنَّاطِفِيِّ وَخُوَاهَرْ زَادَهْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. (١)
الإِْقْرَارُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ:
٢٧ - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَهَالَةَ الْفَاحِشَةَ بِالْمُقَرِّ لَهُ لاَ يَصِحُّ مَعَهَا الإِْقْرَارُ، لأَِنَّ الْمَجْهُول لاَ يَصْلُحُ مُسْتَحِقًّا، إِذْ لاَ يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى الْبَيَانِ، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُسْتَحِقِّ، فَلاَ يُفِيدُ الإِْقْرَارُ شَيْئًا.
وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْجَهَالَةُ غَيْرَ فَاحِشَةٍ بِأَنْ قَال: عَلَيَّ أَلْفٌ لأَِحَدِ هَذَيْنِ أَوْ لأَِحَدِ هَؤُلاَءِ الْعَشْرِ: أَوْ لأَِحَدِ أَهْل الْبَلَدِ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ، فَهُنَاكَ اتِّجَاهَانِ:
الأَْوَّل: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ النَّاطِفِيُّ وَخُوَاهَرْ زَادَهْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. أَنَّ هَذَا الإِْقْرَارَ صَحِيحٌ، لأَِنَّهُ قَدْ يُفِيدُ وُصُول الْحَقِّ إِلَى الْمُسْتَحِقِّ بِتَحْلِيفِ الْمُقِرِّ لِكُل مَنْ حَصَرَهُمْ، أَوْ بِتَذَكُّرِهِ، لأَِنَّ الْمُقِرَّ قَدْ يَنْسَى، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ مُغْنِي ابْنِ قُدَامَةَ، لأَِنَّهُ مَثَّل بِالْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ.
وَالثَّانِي: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ: مِنْ أَنَّ أَيَّ جَهَالَةٍ تُبْطِل الإِْقْرَارَ، لأَِنَّ الْمَجْهُول لاَ يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا، وَلاَ يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى الْبَيَانِ، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّعِي. (٢)
_________
(١) نهاية المحتاج ٥ / ٧٢، وابن عابدين ٤ / ٤٥٠.
(٢) المغني ٥ / ١٦٥ وابن عابدين ٤ / ٤٥٠
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِلْمُقِرِّ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ بِهِ حِسًّا وَشَرْعًا:
٢٨ - فَلَوْ أَقَرَّ لِبَهِيمَةٍ أَوْ دَارٍ، بِأَنَّ لَهَا عَلَيْهِ أَلْفًا وَأَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ الإِْقْرَارُ، لأَِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْل الاِسْتِحْقَاقِ.
أَمَّا لَوْ ذَكَرَ سَبَبًا يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَال: عَلَيَّ كَذَا لِهَذِهِ الدَّابَّةِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا، أَوْ لِهَذِهِ الدَّارِ بِسَبَبِ غَصْبِهَا أَوْ إِجَارَتِهَا، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذَا الإِْقْرَارَ صَحِيحٌ، وَيَكُونُ الإِْقْرَارُ فِي الْحَقِيقَةِ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ أَوِ الدَّارِ وَقْتَ الإِْقْرَارِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمِرْدَاوِيِّ، كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْفُرُوعِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ. لَكِنَّ جُمْهُورَ الْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الإِْقْرَارَ لاَ يَصِحُّ، لأَِنَّ هَذَا الإِْقْرَارَ وَقَعَ لِلدَّارِ وَلِلدَّابَّةِ، وَهُمَا لَيْسَتَا مِنْ أَهْل الاِسْتِحْقَاقِ. (١)
الإِْقْرَارُ لِلْحَمْل:
٢٩ - إِنْ أَقَرَّ لِحَمْل امْرَأَةٍ عَيَّنَهَا بِدَيْنٍ أَوْ عَيَّنَ فَقَال: عَلَيَّ كَذَا، أَوْ عِنْدِي كَذَا لِهَذَا الْحَمْل وَبَيَّنَ السَّبَبَ فَقَال: بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، كَانَ الإِْقْرَارُ مُعْتَبَرًا وَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ لإِمْكَانِهِ. وَكَانَ الْخَصْمُ فِي ذَلِكَ وَلِيَّ الْحَمْل عِنْدَ الْوَضْعِ، إِلاَّ إِذَا تَمَّ الْوَضْعُ لأَِكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ - مِنْ حِينِ الاِسْتِحْقَاقِ مُطْلَقًا - الَّتِي هِيَ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْل - كَمَا يَرَى فَرِيقٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ - أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ - الَّتِي هِيَ أَقَل مُدَّةِ الْحَمْل - وَهِيَ فِرَاشٌ لَمْ يُسْتَحَقَّ، لاِحْتِمَال حُدُوثِ الْحَمْل بَعْدَ الإِْقْرَارِ. وَلاَ
_________
(١) نهاية المحتاج ٧ / ٧٣، وحاشية قليوبي على المنهاج ٣ / ٤، والمهذب ٢ / ٢٤٦، والشرح الصغير ٣ / ٥٢٦، وحاشية الدسوقي ٣ / ٤٩٨، والإنصاف ١٢ / ١٤٥، والمغني ٥ / ١٥٣ - ١٥٤، وكشاف القناع ٦ / ٤٥٩، والدر المختار وحاشية ابن عابدين ٤ / ٤٥٥.
يَصِحُّ الإِْقْرَارُ (١) إِلاَّ لِحَمْلٍ يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ عِنْدَ الإِْقْرَارِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا وَضَعَتْهُ لأَِقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لأَِكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى سَنَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِلَى أَرْبَعَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَيَنُصُّ الْمَالِكِيَّةُ: وَلَزِمَ الإِْقْرَارُ لِلْحَمْل، وَإِنْ كَانَ الإِْقْرَارُ أَصْلُهُ وَصِيَّةٌ فَلَهُ الْكُل، وَإِنْ كَانَ بِالإِْرْثِ مِنَ الأَْبِ - وَهُوَ ذَكَرٌ - فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهَا النِّصْفُ، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ إِنْ أَسْنَدَهُ إِلَى وَصِيَّةٍ، وَأَثْلاَثًا إِنْ أَسْنَدَهُ إِلَى إِرْثٍ، إِلاَّ إِذَا كَانَتْ جِهَةُ التَّوْرِيثِ يَسْتَوِي فِيهَا الذَّكَرُ وَالأُْنْثَى كَالإِْخْوَةِ لأُِمٍّ، وَإِنْ أَسْنَدَ السَّبَبَ إِلَى جِهَةٍ لاَ تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ كَقَوْلِهِ: بَاعَنِي شَيْئًا فَلَغْوٌ لِلْقَطْعِ بِكَذِبِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِنْ أَطْلَقَ الإِْقْرَارَ وَلَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى شَيْءٍ صَحَّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، لإِطْلاَقِهِمُ الْقَوْل بِصِحَّةِ الإِْقْرَارِ بِحَال حَمْل امْرَأَةٍ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ. (٢) وَقَال أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: لاَ يَصِحُّ إِلاَّ أَنْ يُسْنِدَهُ إِلَى سَبَبٍ مِنْ إِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَقِيل: لاَ يَصِحُّ مُطْلَقًا. قَال فِي النُّكَتِ: وَلاَ أَحْسِبُ هَذَا قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ.
وَصَحَّ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَيُحْمَل عَلَى الْمُمْكِنِ فِي حَقِّهِ، صَوْنًا لِكَلاَمِ الْمُكَلَّفِ عَنِ الإِْلْغَاءِ مَا أَمْكَنَ. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَصِحُّ، إِذِ الْمَال لاَ يَجِبُ إِلاَّ بِمُعَامَلَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ، وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ فِي حَقِّهِ، فَحُمِل الإِْطْلاَقُ عَلَى الْوَعْدِ. (٣) وَقَال
_________
(١) الهداية وتكملة الفتح ٦ / ٣٠٤، والبدائع ٧ / ٢٢٣، وحاشية الدسوقي ٣ / ٤٠١.
(٢) كشاف القناع ٦ / ٤٦٤.
(٣) الإنصاف ٥ / ٢٢٣، ١٢ / ١٥٦، ونهاية المحتاج ٥ / ٧٣ - ٧٤، والمهذب ٢ / ٣٤٥ - ٣٤٦، وتكملة الفتح على الهداية ٦ / ٣٠٤.
أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنْ أَجْمَل الإِْقْرَارَ لاَ يَصِحُّ، لأَِنَّ الإِْقْرَارَ الْمُبْهَمَ يَحْتَمِل الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ يَصِحُّ بِالْحَمْل عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالإِْرْثِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ بِالْحَمْل عَلَى الْبَيْعِ وَالْغَصْبِ وَالْقَرْضِ، كَمَا أَنَّ الْحَمْل فِي نَفْسِهِ مُحْتَمِلٌ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَالشَّكُّ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ يَمْنَعُ صِحَّةَ الإِْقْرَارِ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَوْلَى. وَقَال مُحَمَّدٌ: يَصِحُّ حَمْلًا لإِقْرَارِ الْعَاقِل عَلَى الصِّحَّةِ.
وَلَوِ انْفَصَل الْحَمْل مَيِّتًا فَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ لِلْحَمْل أَوْ وَرَثَتِهِ، لِلشَّكِّ فِي حَيَاتِهِ وَقْتَ الإِْقْرَارِ. فَيَسْأَل الْقَاضِي الْمُقِرَّ حِسْبَةً عَنْ جِهَةِ إِقْرَارِهِ مِنْ إِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لِيَصِل الْحَقُّ لِمُسْتَحِقِّهِ. وَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ قَبْل الْبَيَانِ بَطَل. وَإِنْ أَلْقَتْ حَيًّا وَمَيِّتًا جُعَل الْمَال لِلْحَيِّ. (١)
الإِْقْرَارُ لِلْمَيِّتِ:
٣٠ - لَوْ قَال: لِهَذَا الْمَيِّتِ عَلَيَّ كَذَا فَذَلِكَ إِقْرَارٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ إِقْرَارٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْوَرَثَةِ يَتَقَاسَمُونَهُ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ حَمْلًا ثُمَّ سَقَطَ مَيِّتًا بَطَل الإِْقْرَارُ، إِنْ كَانَ سَبَبُ الاِسْتِحْقَاقِ مِيرَاثًا أَوْ وَصِيَّةً، وَيَرْجِعُ الْمَال إِلَى وَرَثَةِ الْمُورَثِ، أَوْ وَرَثَةِ الْمُوصِي. (٢)
الإِْقْرَارُ بِالْحَمْل:
٣١ - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ: عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِحَمْل
_________
(١) البدائع ٧ / ٢٢٣، والدر المختار وحاشية ابن عابدين ٤ / ٤٥٥، وحاشية الدسوقي والشرح الكبير ٣ / ٤٠١، ومواهب الجليل ٥ / ٢٢٣، والمغني ٥ / ١٥٤، والإنصاف ١٢ / ١٥٦ - ١٥٨، وكشاف القناع ٦ / ٤٦٤.
(٢) نهاية المحتاج ٥ / ٧٥، وتكملة الفتح ٦ / ٣٠٥، والبدائع ٧ / ٢٢٣.
فَرَسٍ أَوْ حَمْل شَاةٍ فَإِنَّ إِقْرَارَهُ صَحِيحٌ وَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، لأَِنَّ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْل، بِأَنْ تَكُونَ الْفَرَسُ أَوِ الشَّاةُ لِوَاحِدٍ، وَأَوْصَى بِحَمْلِهَا لِرَجُلٍ، وَمَاتَ وَالْمُقِرُّ وَارِثُهُ، وَقَدْ عَلِمَ بِوَصِيَّةِ مُورَثِهِ. (١)
الإِْقْرَارُ لِلْجِهَةِ:
٣٢ - الأَْصْل أَنَّهُ يَصِحُّ الإِْقْرَارُ لِمَنْ كَانَ لَدَيْهِ أَهْلِيَّةٌ مَالِيَّةٌ أَوِ اسْتِحْقَاقٌ كَالْوَقْفِ وَالْمَسْجِدِ، فَيَصِحُّ الإِْقْرَارُ لَهُمَا (٢) عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ لَهُ، وَيُصْرَفُ فِي إِصْلاَحِهِ وَبَقَاءِ عَيْنِهِ، كَأَنْ يَقُول نَاظِرٌ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ وَقْفٍ: تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِي مَثَلًا لِلْمَسْجِدِ أَوْ لِلْوَقْفِ كَذَا. (٣) فَإِنَّ الإِْقْرَارَ لِهَذَا وَمِثْلِهِ كَالطَّرِيقِ وَالْقَنْطَرَةِ وَالسِّقَايَةِ، يَصِحُّ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا، كَغَلَّةِ وَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، لأَِنَّهُ إِقْرَارٌ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ عَيَّنَ السَّبَبَ، وَيَكُونُ لِمَصَالِحِهَا، فَإِذَا أَسْنَدَهُ لِمُمْكِنٍ بَعْدَ الإِْقْرَارِ صَحَّ. (٤) وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ذَكَرَهُ التَّمِيمِيُّ: أَنَّ الإِْقْرَارَ لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ مِنِ الْجِهَاتِ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ مَعَ ذِكْرِ السَّبَبِ. (٥)
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَلاَّ يُكَذَّبَ الْمُقِرُّ فِي إِقْرَارِهِ:
٣٣ - يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ لِصِحَّةِ الإِْقْرَارِ أَلاَّ يُكَذِّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، فَإِنْ كَذَّبَهُ بَطَل إِقْرَارُهُ (٦) لأَِنَّ
_________
(١) الهداية والعناية وتكملة الفتح ٦ / ٣٠٨، والبدائع ٧ / ٢٢٤.
(٢) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٣ / ٢٩٨.
(٣) الشرح الصغير ٣ / ٢٥٦.
(٤) نهاية المحتاج ٥ / ٧٥، وكشاف القناع ٦ / ٤٥٩.
(٥) الإنصاف ١٢ / ١٤٦.
(٦) حاشية ابن عابدين ٤ / ٤٦٩، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٨، ونهاية المحتاج ٥ / ٧٥، وكشاف القناع ٦ / ٤٧٦.
الإِْقْرَارَ مِمَّا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إِلاَّ فِي بَعْضِ مَسَائِل: مِنْهَا الإِْقْرَارُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالنَّسَبِ وَوَلاَءِ الْعَتَاقَةِ وَالْوَقْفِ وَالطَّلاَقِ وَالْمِيرَاثِ وَالنِّكَاحِ وَإِبْرَاءِ الْكَفِيل وَإِبْرَاءِ الْمَدِينِ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَبْرِئْنِي (١) . فَلَوْ قَال الْمُقَرُّ لَهُ لِلْمُقِرِّ: لَيْسَ لِي عَلَيْكَ شَيْءٌ، أَوْ لاَ عِلْمَ لِي، وَاسْتَمَرَّ التَّكْذِيبُ فَلاَ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ.
وَالتَّكْذِيبُ يُعْتَبَرُ مِنْ بَالِغٍ رَشِيدٍ. (٢)
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ وَكَانَ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِعَيْنٍ - تُرِكَ الْمَال الْمُقَرُّ بِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فِي الأَْصَحِّ، لأَِنَّ يَدَهُ مُشْعِرَةٌ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا، وَالإِْقْرَارُ بِالطَّارِئِ عَارَضَهُ التَّكْذِيبُ فَسَقَطَ، فَتَبْقَى يَدُهُ عَلَى مَا مَعَهُ يَدَ مِلْكٍ لاَ مُجَرَّدَ اسْتِحْفَاظٍ. وَيُقَابِل الأَْصَحَّ أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْزِعُهُ مِنْهُ وَيَحْفَظُهُ إِلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ (٣) . وَإِذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ جِنْسًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ كَذَّبَ الْمُقِرَّ حَلَفَ الْمُقِرُّ. (٤)
أَمَّا إِذَا أَقَرَّ الْمُقِرُّ بِشَيْءٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إِقْرَارِهِ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ وَارِثُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - أَنَّ الْمُقِرَّ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا فِي إِقْرَارِهِ. وَقِيل: لاَ يَحْلِفُ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَقَرَّ فَمَاتَ فَقَال وَرَثَتُهُ: إِنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا فَلَمْ يَجُزْ إِقْرَارُهُ، وَالْمُقَرُّ لَهُ عَالِمٌ بِهِ لَيْسَ لَهُمْ تَحْلِيفُهُ، إِذْ وَقْتَ الإِْقْرَارِ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُمْ بِمَال الْمُقِرِّ فَصَحَّ الإِْقْرَارُ، وَحَيْثُ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ صَارَ حَقًّا لِلْمُقَرِّ لَهُ. (٥)
_________
(١) الدر المختار وحاشية ابن عابدين ٤ / ٤٦٩.
(٢) الشرح الصغير ٣ / ٥٢٦ - ٥٢٧، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٨.
(٣) نهاية المحتاج ٥ / ٧٥.
(٤) كشاف القناع ٦ / ٤٨٠.
(٥) حاشية ابن عابدين ٤ / ٤٥٧ - ٤٥٨.
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمُقَرُّ بِهِ:
٣٤ - الْمُقَرُّ بِهِ فِي الأَْصْل نَوْعَانِ: حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَقُّ الْعَبْدِ. (١) وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى نَوْعَانِ: حَقٌّ خَالِصٌ لِلَّهِ، وَحَقٌّ لِلَّهِ فِيهِ حَقٌّ وَلِلْعَبْدِ أَيْضًا.
وَلِصِحَّةِ الإِْقْرَارِ بِحَقِّ اللَّهِ شُرُوطٌ هِيَ: تَعَدُّدُ الإِْقْرَارِ، وَمَجْلِسُ الْقَضَاءِ، وَالْعِبَارَةُ. حَتَّى إِنَّ الأَْخْرَسَ إِذَا كَتَبَ الإِْقْرَارَ فِيمَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ بِيَدِهِ، أَوْ بِمَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إِقْرَارٌ بِهَذِهِ الأَْشْيَاءِ يَجُوزُ، بِخِلاَفِ الَّذِي اعْتُقِل لِسَانُهُ، لأَِنَّ لِلأَْخْرَسِ إِشَارَةً مَعْهُودَةً فَإِذَا أَتَى بِهَا يَحْصُل الْعِلْمُ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِمَنِ اعْتُقِل لِسَانُهُ، وَلأَِنَّ إِقَامَةَ الإِْشَارَةِ مَقَامَ الْعِبَارَةِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ، وَالْخَرَسُ ضَرُورَةٌ لأَِنَّهُ أَصْلِيٌّ، وَكَذَلِكَ فَإِنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإِْقْرَارِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الصَّحْوُ حَتَّى يَصِحَّ إِقْرَارُ السَّكْرَانِ، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ مُبَيَّنٌ فِي الْحُدُودِ، وَعِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ فَهُوَ الْمَال، مِنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَالنَّسَبِ وَالْقِصَاصِ وَالطَّلاَقِ وَالْعِتَاقِ وَنَحْوِهَا، وَلاَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإِْقْرَارِ بِهَا مَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإِْقْرَارِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. فَهِيَ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، بِخِلاَفِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالشَّرَائِطُ الْمُخْتَصَّةُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَرْجِعُ إِلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا عَلَى مَا سَبَقَ، وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إِلَى الْمُقَرِّ بِهِ، فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإِْقْرَارِ بِالْعَيْنِ وَالدَّيْنِ الْفَرَاغُ عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ.
فَإِنْ كَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغَيْرِ لَمْ يَصِحَّ، لأَِنَّ حَقَّ الْغَيْرِ مَعْصُومٌ مُحْتَرَمٌ، فَلاَ يَجُوزُ إِبْطَالُهُ مِنْ غَيْرِ
_________
(١) بدائع الصنائع ٧ / ٢٢٣، والمهذب ٢ / ٣٤٣.