الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٦ الصفحة 10

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٦

يَكُونَ الْمُقِرُّ مَعْلُومًا حَتَّى لَوْ قَال رَجُلاَنِ: لِفُلاَنٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنَّا أَلْفُ دِرْهَمٍ لاَ يَصِحُّ، لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لاَ يَتَمَكَّنُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنَ الْمُطَالَبَةِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَال أَحَدُهُمَا: غَصَبَ وَاحِدٌ مِنَّا، أَوْ زَنَا، أَوْ سَرَقَ، أَوْ شَرِبَ، أَوْ قَذَفَ، لأَِنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَيُجْبَرَانِ عَلَى الْبَيَانِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: الْعَقْل:

١٣ - وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا. فَلاَ يَصِحُّ إِقْرَارُ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالنَّائِمِ وَالسَّكْرَانِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي بَيَانُهُ.

إِقْرَارُ الْمَعْتُوهِ:

١٤ - لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَعْتُوهِ وَلَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ، لأَِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، فَلاَ يَلْتَزِمُ بِشَيْءٍ فِيهِ ضَرَرٌ (١) إِلاَّ إِذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِالْمَال، لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ: كَالدُّيُونِ، وَالْوَدَائِعِ، وَالْعَوَارِيِّ، وَالْمُضَارَبَاتِ، وَالْغُصُوبِ، فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ. لاِلْتِحَاقِهِ فِي حَقِّهَا بِالْبَالِغِ الْعَامِل. بِخِلاَفِ مَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ: كَالْمَهْرِ، وَالْجِنَايَةِ، وَالْكَفَالَةِ، حَيْثُ لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِهَا لأَِنَّهَا لاَ تَدْخُل تَحْتَ الإِْذْنِ (٢) .

إِقْرَارُ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ:

١٥ - النَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إِقْرَارُهُمَا كَإِقْرَارِ الْمَجْنُونِ،

_________

(١) التلويح ٣ / ١٦٦، وشرح المنار لابن ملك ص ٩٥٠.

(٢) تبيين الحقائق ٥ / ٣، والهداية ونتائج الأفكار ٦ / ٢٨٤، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٤٤٩ - ٤٥٠.

لأَِنَّهُمَا حَال النَّوْمِ وَالإِْغْمَاءِ لَيْسَا مِنْ أَهْل الْمَعْرِفَةِ وَالتَّمْيِيزِ، وَهُمَا شَرْطَانِ لِصِحَّةِ الإِْقْرَارِ. (١)

إِقْرَارُ السَّكْرَانِ:

١٦ - السَّكْرَانُ مَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ بِشُرْبِ مَا يُسْكِرُ، وَإِقْرَارُ السَّكْرَانِ جَائِزٌ بِالْحُقُوقِ كُلِّهَا إِلاَّ الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ، وَالرِّدَّةُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ. (٢) وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُزَنِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي ثَوْرٍ إِذَا كَانَ سُكْرُهُ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ، لأَِنَّهُ لاَ يُنَافِي الْخِطَابَ، إِلاَّ إِذَا أَقَرَّ بِمَا يَقْبَل الرُّجُوعَ كَالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، لأَِنَّ السَّكْرَانَ يَكَادُ لاَ يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَأُقِيمَ السُّكْرُ مَقَامَهُ فِيمَا يَحْتَمِل الرُّجُوعَ فَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.

وَإِنْ سَكِرَ بِطَرِيقٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ، كَمَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ مُكْرَهًا لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَكَذَا مَنْ شَرِبَ مَا لاَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْكِرٌ فَسَكِرَ بِذَلِكَ. (٣)

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ السَّكْرَانَ لاَ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ، لأَِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُكَلَّفًا إِلاَّ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي الْمَال. وَكَمَا لاَ يَلْزَمُهُ إِقْرَارُهُ - لاَ تَلْزَمُهُ الْعُقُودُ، بِخِلاَفِ جِنَايَاتِهِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ.

وَقَال جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ: إِقْرَارُ السَّكْرَانِ صَحِيحٌ، وَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي كُل مَا أَقَرَّ بِهِ، سَوَاءٌ وَقَعَ الاِعْتِدَاءُ فِيهَا عَلَى حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَوْ عَلَى حَقِّ الْعَبْدِ، لأَِنَّ

_________

(١) المصادر السابقة.

(٢) الهداية وتكملة الفتح ٦ / ٢٨٤.

(٣) تبيين الحقائق ٥ / ٣ - ٤، والمهذب ٢ / ٧٧، ٣٤٤، وأسنى المطالب ٣ / ٢٨٣، والدر المختار وحاشية ابن عابدين ٤ / ٤٦٩، والبحر الرائق ٥ / ٧، والمغني ٨ / ١٩٥.

الْمُتَعَدِّيَ بِسُكْرِهِ يَجِبُ أَنْ يَتَحَمَّل نَتِيجَةَ عَمَلِهِ، تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَجَزَاءً لِمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيُذْهِبُ عَقْلَهُ. (١)

١٧ - أَمَّا مَنْ تَغَيَّبَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ فَلاَ يُلْزَمُ بِإِقْرَارِهِ، سَوَاءٌ أَقَرَّ بِمَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ خَالِصًا أَوْ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ أَيْضًا.

وَكَذَا فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُ السَّكْرَانِ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، قَال ابْنُ مُنَجَّا: إِنَّهَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَجَاءَ فِي أَوَّل كِتَابِ الطَّلاَقِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ فِي أَقْوَال السَّكْرَانِ وَأَفْعَالِهِ خَمْسَ رِوَايَاتٍ أَوْ سِتَّةً، وَأَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِعِبَارَتِهِ. (٢)

(إِقْرَارُ السَّفِيهِ:

١٨ - السَّفِيهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِالْمَال، لأَِنَّهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ الْمَحْضَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَإِنَّمَا قُبِل الإِْقْرَارُ مِنَ الْمَأْذُونِ لِلضَّرُورَةِ.

وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ سَفِيهًا أَوْ ذَا غَفْلَةٍ وَحُجِرَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَوِ اعْتُبِرَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ الْمَالِيَّةِ الضَّارَّةِ يَأْخُذُ حُكْمَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، فَإِذَا تَزَوَّجَ وَأَقَرَّ بِأَنَّ الْمَهْرَ الَّذِي قَرَّرَهُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْل فَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَهَكَذَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَرُدُّ كُل تَصَرُّفَاتِهِ الْمَالِيَّةِ الضَّارَّةِ. (٣)

_________

(١) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٧، والمهذب ٢ / ٧٧، ٣٤٤، وأسنى المطالب ٣ / ٢٨٣.

(٢) الإنصاف ١٢ / ١٣٢، وكشاف القناع ٦ / ٤٥٤.

(٣) البدائع ٧ / ١٧١، والهداية ونتائج الأفكار ٦ / ٢٨٣، وشرح المنار ص ٩٨٩، والتوضيح والتلويح ٣ / ٣١٨، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٧.

وَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لاَ بُدَّ مِنَ الْحُكْمِ بِهِ وَلاَ يَكُونُ تِلْقَائِيًّا بِسَبَبِ السَّفَهِ فَإِنَّ السَّفِيهَ الْمُهْمَل - أَيِ الَّذِي لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ - يَصِحُّ إِقْرَارُهُ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِنِكَاحٍ، وَلاَ بِدَيْنٍ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إِلَى مَا قَبْل الْحَجْرِ، أَوْ إِلَى مَا بَعْدَهُ، وَلاَ يُقْبَل إِقْرَارُهُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ فِي حَال الْحَجْرِ، وَكَذَا بِإِتْلاَفِ مَال الْغَيْرِ، أَوْ جِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَال فِي الأَْظْهَرِ. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ يُقْبَل، لأَِنَّهُ إِذَا بَاشَرَ الإِْتْلاَفَ يَضْمَنُ، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ قُبِل إِقْرَارُهُ، وَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِمَا بِالْمَال، وَسَائِرُ الْعُقُوبَاتِ مِثْلُهُمَا لِبُعْدِ التُّهْمَةِ، وَلَوْ كَانَ الْحَدُّ سَرِقَةً قُطِعَ، وَلاَ يَلْزَمُهُ الْمَال. (١)

وَذَكَرَ الأَْدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ السَّفِيهَ إِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ طَلاَقٍ لَزِمَ - وَيُتْبَعُ بِهِ فِي الْحَال - وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ أُخِذَ بِهِ بَعْدَ رَفْعِ الْحَجْرِ عَنْهُ.

وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ: صِحَّةُ إِقْرَارِ السَّفِيهِ بِالْمَال سَوَاءٌ لَزِمَهُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ لاَ، وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ، وَقِيل: لاَ يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَهُوَ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُقْنِعِ فِي بَابِ الْحَجْرِ، وَاخْتَارَهُ هُوَ وَالشَّارِحُ (٢) .

الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْبُلُوغُ.

١٩ - أَمَّا الْبُلُوغُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الإِْقْرَارِ (٣) فَيَصِحُّ إِقْرَارُ الصَّبِيِّ الْعَاقِل الْمَأْذُونِ لَهُ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ، لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ، وَيَصِحُّ

_________

(١) نهاية المحتاج ٤ / ٣٥٨.

(٢) الإنصاف ١٢ / ١٢٨ - ١٢٩.

(٣) البدائع ٥ / ٢٢٢ - ٢٢٣، وتبيين الحقائق ٥ / ٤، ونهاية المحتاج ٤ / ٣٠٧، ومواهب الجليل ٥ / ٢١٦، والمغني ٥ / ١٤٩ - ١٥٠.

إِقْرَارُهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ دُونَ مَا زَادَ، وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الأَْصْحَابِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَال الشَّافِعِيُّ: لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِحَالٍ لِعُمُومِ الْخَبَرِ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ، عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ (١) وَلأَِنَّهُ لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّهُ لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَأْذُونِ لَهُ إِلاَّ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ الْمَحْضَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ. (٢) وَيُقْبَل إِقْرَارُ الصَّبِيِّ بِبُلُوغِهِ الاِحْتِلاَمَ فِي وَقْتِ إِمْكَانِهِ، إِذْ لاَ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ إِلاَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا ادِّعَاءُ الصَّبِيَّةِ الْبُلُوغَ بِرُؤْيَةِ الْحَيْضِ. (٣) وَلَوِ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ قُبِل بِبَيِّنَةٍ، وَقِيل: يُصَدَّقُ فِي سِنٍّ يُبْلَغُ فِي مِثْلِهَا، وَهِيَ تِسْعُ سِنِينَ، وَقِيل: عَشْرُ سِنِينَ، وَقِيل: اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَيَلْزَمُهُ بِهَذَا الْبُلُوغِ مَا أَقَرَّ بِهِ. (٤)

وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِيمَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ، فَادَّعَى أَنَّهُ بَالِغٌ، بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَمْ يُقِرَّ بِالْبُلُوغِ إِلَى حِينِ الإِْسْلاَمِ فَقَدْ حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ قَبْل الإِْقْرَارِ بِالْبُلُوغِ. وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا إِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بَعْدَ أَنِ ارْتَجَعَهَا، وَقَال: هَذَا يَجِيءُ فِي كُل مَنْ أَقَرَّ

_________

(١) حديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . " أخرجه أبو داود (٤ / ٥٦٠ ط عزت عبيد دعاس) وقواه ابن حجر كما في فيض القدير (٤ / ٣٦ ط المكتبة التجارية) .

(٢) البدائع ٧ / ٢٢٢، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٧، ونهاية المحتاج ٥ / ٦٦، والإنصاف ١٢ / ١٢٨ - ١٢٩، والمغني ٥ / ١٥٠.

(٣) التاج والإكليل ٥ / ٢١٦، ونهاية المحتاج ٥ / ٦٦.

(٤) الإنصاف ١٢ / ١٣١ - ١٣٢.

بِالْبُلُوغِ بَعْدَ حَقٍّ ثَبَتَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، مِثْل الإِْسْلاَمِ، وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ تَبَعًا لأَِبِيهِ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: فَهْمُ الْمُقِرِّ لِمَا يُقِرُّ بِهِ.

٢٠ - لاَ بُدَّ لِلُزُومِ الإِْقْرَارِ وَاعْتِبَارِهِ - أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ مَفْهُومَةً لِلْمُقِرِّ فَلَوْ لُقِّنَ الْعَامِّيُّ كَلِمَاتٍ عَرَبِيَّةً لاَ يَعْرِفُ مَعْنَاهَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِهَا، لأَِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْرِفْ مَدْلُولَهَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ قَصْدُهَا، لأَِنَّ الْعَامِّيَّ - غَيْرَ الْمُخَالِطِ لِلْفُقَهَاءِ - يُقْبَل مِنْهُ دَعْوَى الْجَهْل بِمَدْلُول كَثِيرٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْفُقَهَاءِ، بِخِلاَفِ الْمُخَالِطِ فَلاَ يُقْبَل مِنْهُ فِيمَا لاَ يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ مَعْنَاهُ. وَبِالأَْوْلَى لَوْ أَقَرَّ الْعَرَبِيُّ بِالْعَجَمِيَّةِ أَوِ الْعَكْسِ وَقَال: لَمْ أَدْرِ مَا قُلْتُ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، لأَِنَّهُ أَدْرَى بِنَفْسِهِ، وَالظَّاهِرُ مَعَهُ (١) .

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: الاِخْتِيَارُ.

٢١ - وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ الاِخْتِيَارُ، مَدْعَاةً لِلصِّدْقِ، فَيُؤَاخَذُ بِهِ الْمُكَلَّفُ بِلاَ حَجْرٍ، أَيْ حَال كَوْنِهِ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. فَإِذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِل طَوَاعِيَةً بِحَقٍّ لَزِمَهُ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ بِمَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْتِزَامُهُ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ بِيَدِهِ وَوِلاَيَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ، وَلَوْ عَلَى مُوَكِّلِهِ أَوْ مُورَثِهِ أَوْ مُوَلِّيهِ. (٢) .

_________

(١) المنثور في القواعد للزركشي ٢ / ١٣ - ١٤.

(٢) البدائع ٧ / ٢٢٢، وتبيين الحقائق ٥ / ٣ - ٤، والهداية ونتائج الأفكار ٦ / ٢٨٤، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٤٤٩، والشرح الصغير بحاشية الصاوي ٣ / ٥٢٥، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٧، ومواهب الجليل ٥ / ٢١٦، ونهاية المحتاج ٤ / ٣٠٧ والإنصاف ١٢ / ١٢٥ - ١٢٦، والمغني ٥ / ١٤٩ - ١٥٠.

الشَّرْطُ السَّادِسُ: عَدَمُ التُّهْمَةِ.

٢٢ - وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ لِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي إِقْرَارِهِ، لأَِنَّ التُّهْمَةَ تُخِل بِرُجْحَانِ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ فِي إِقْرَارِهِ، لأَِنَّ إِقْرَارَ الإِْنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ شَهَادَةٌ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ (١) وَالشَّهَادَةُ عَلَى نَفْسِهِ إِقْرَارٌ. وَالشَّهَادَةُ تَرِدُ بِالتُّهْمَةِ (٢) . وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: مَا لَوْ أَقَرَّ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ صَدَاقَةٌ أَوْ مُخَالَطَةٌ. (٣)

٢٣ - وَمِمَّنْ يُتَّهَمُ فِي إِقْرَارِهِ الْمَدِينُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، لإِحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ الَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَهُوَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُفْلِسِ.

بَل صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ - أَلاَّ يَكُونَ مُتَّهَمًا - إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ وَالصَّحِيحِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، لإِحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ الَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ. (٤)

وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُفْلِسَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فَلَّسَ فِيهِ مُتَّهَمٌ فِي إِقْرَارِهِ، فَلاَ يُقْبَل إِقْرَارُهُ لأَِحَدٍ، حَيْثُ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي فَلَّسَ فِيهِ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ، لأَِنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى ضَيَاعِ مَال الْغُرَمَاءِ، وَلاَ يَبْطُل الإِْقْرَارُ، بَل هُوَ لاَزِمٌ يُتْبَعُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَيُؤَاخَذُ بِهِ الْمُقِرُّ فِيمَا يَجِدُّ لَهُ مِنْ مَالٍ فَقَطْ، وَلاَ يُحَاصُّ الْمُقَرُّ لَهُ الْغُرَمَاءَ بِالدَّيْنِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْمُفْلِسُ. (٥)

_________

(١) سورة النساء / ١٣٥.

(٢) البدائع ٧ / ٢٢٣، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٧، والشرح الصغير ٣ / ٥٢٧، والتاج والإكليل ٥ / ٢١٦، والمهذب ٢ / ٣٤٥، وكشاف القناع ٦ / ٤٥٥.

(٣) الدسوقي ٣ / ٣٩٨.

(٤) حاشية الدسوقي ٣ / ٣٨٧.

(٥) بلغة السالك على الشرح الصغير ٣ / ١٩٠، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٨، وانظر حاشية ابن عابدين عند الكلام عن إقرار المريض المدين ٤ / ٤٦١ - ٤٦٣.

وَنَقَل الْقَاضِي عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْمُفْلِسَ إِذَا أَقَرَّ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ، يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ الَّذِي بِالْبَيِّنَةِ، لأَِنَّهُ أَقَرَّ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِتَرِكَتِهِ، فَوَجَبَ أَلاَّ يُشَارِكَ الْمُقَرُّ لَهُ مَنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ بِبَيِّنَةٍ، كَغَرِيمِ الْمُفْلِسِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا قَال النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. (١)

وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ، فَقَالُوا: لَوْ أَقَرَّ الْمُفْلِسُ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْل الْحَجْرِ، فَالأَْظْهَرُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ لاِنْتِفَاءِ التُّهْمَةِ الظَّاهِرَةِ، وَقِيل: لاَ يُقْبَل إِقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ، لِئَلاَّ يَضُرَّهُمْ بِالْمُزَاحَمَةِ، وَلأَِنَّهُ رُبَّمَا وَاطَأَ الْمُقَرَّ لَهُ.

وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إِلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ لَمْ يُقْبَل فِي حَقِّهِمْ، بَل يُطَالَبُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ. وَلَوْ لَمْ يُسْنِدْ وُجُوبَهُ إِلَى مَا قَبْل الْحَجْرِ وَلاَ لِمَا بَعْدَهُ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ - عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ - تَنْزِيلُهُ عَلَى الأَْقَل، وَهُوَ جَعْلُهُ كَالْمُسْنَدِ إِلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ. (٢)

إِقْرَارُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ:

٢٤ - وَمِمَّنْ يُتَّهَمُ فِي إِقْرَارِهِ: الْمَرِيضُ مَرَضَ مَوْتٍ فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ فِي مُصْطَلَحِ (مَرَضِ الْمَوْتِ) وَإِنْ كَانَ الأَْصْل أَنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ صِحَّةِ الإِْقْرَارِ فِي الْجُمْلَةِ. (٣)

إِذِ الصِّحَّةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْمُقِرِّ لِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ، لأَِنَّ صِحَّةَ إِقْرَارِ الصَّحِيحِ بِرُجْحَانِ جَانِبِ الصِّدْقِ، وَحَال الْمَرِيضِ أَدَل عَلَى الصِّدْقِ، فَكَانَ إِقْرَارُهُ أَوْلَى

_________

(١) المغني ٥ / ٢١٣ ط الرياض.

(٢) نهاية المحتاج ٤ / ٣٠٧، والمهذب ٢ / ٣٤٥.

(٣) البدائع ٧ / ٢٢٣.

بِالْقَبُول. (١) غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فِي صِحَّتِهِ: بِشَيْءٍ مِنَ الْمَال، أَوِ الدَّيْنِ، أَوِ الْبَرَاءَاتِ، أَوْ قَبْضِ أَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ، فَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ جَائِزٌ، لاَ تَلْحَقُهُ فِيهِ تُهْمَةٌ، وَلاَ يُظَنُّ فِيهِ تَوْلِيجٌ، وَالأَْجْنَبِيُّ وَالْوَارِثُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَكَذَا الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَالْعَدُوُّ وَالصَّدِيقُ. (٢)

وَيَقُول الْحَطَّابُ: مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فِي صِحَّتِهِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ، قُدِّمَ الْمُقَرُّ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ، وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الإِْقْرَارِ. قَال ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ، الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَوَقَعَ فِي الْمَبْسُوطِ لاِبْنِ كِنَانَةَ وَالْمَخْزُومِيِّ وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ فِي صِحَّتِهِ إِذَا لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَيِّنَةً حَتَّى هَلَكَ إِلاَّ أَنْ يُعْرَفَ سَبَبُ ذَلِكَ، فَإِنْ عُرِفَ ذَلِكَ فَبِهَا وَإِلاَّ فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ سَبَبٌ فَلاَ شَيْءَ لَهُ، لأَِنَّ الرَّجُل يُتَّهَمُ أَنْ يُقِرَّ بِدَيْنٍ فِي صِحَّتِهِ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ وَرَثَتِهِ عَلَى أَلاَّ يَقُومَ بِهِ حَتَّى يَمُوتَ. وَقِيل: إِنَّهُ نَافِذٌ وَيُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ فِي الْفَلَسِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ، وَقَال ابْنُ رُشْدٍ: لاَ يُحَاصُّ بِهِ عَلَى قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ ثَبَتَ مَيْلُهُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِالْيَمِينِ، وَاخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ إِبْطَال الإِْقْرَارِ بِالدَّيْنِ مُرَاعَاةً لِقَوْل الْمَدَنِيِّينَ. (٣)

وَعَلَى هَذَا فَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ مَرَضَ مَوْتٍ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصُ مَقْبُولٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إِقْرَارُهُ بِدَيْنٍ لأَِجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ كُل مَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ أَقَرَّ بِهَا فِي حَال صِحَّتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ،

_________

(١) البدائع ٧ / ٢٢٣، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٨.

(٢) شرح الزرقاني ٦ / ٩٤.

(٣) مواهب الجليل ٥ / ٢٢١ - ٢٢٢.

وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ إِبْطَال حَقِّ الْغَيْرِ وَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى مِنَ الْوَرَثَةِ، لِقَوْل عُمَرَ: إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ، وَلأَِنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنَ الْحَوَائِجِ الأَْصْلِيَّةِ، وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ. وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ يُقْبَل، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَهُمْ لاَ يَصِحُّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ. (١)

قَال ابْنُ قُدَامَةَ: أَجْمَعَ كُل مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ إِقْرَارَ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِهِ لِغَيْرِ وَارِثٍ جَائِزٌ، وَحَكَى أَصْحَابُنَا رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لاَ يُقْبَل، لأَِنَّهُ إِقْرَارٌ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَشْبَهَ الإِْقْرَارَ لِوَارِثٍ. وَقَال أَبُو الْخَطَّابِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: إِنَّهُ لاَ يُقْبَل إِقْرَارُهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ، لأَِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ عَطِيَّةِ ذَلِكَ الأَْجْنَبِيِّ، كَمَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ عَطِيَّةِ الْوَارِثِ، فَلاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِمَا لاَ يُمْلَكُ عَطِيَّتُهُ بِخِلاَفِ الثُّلُثِ فَمَا دُونَ. (٢) وَالْمَقْصُودُ بِالأَْجْنَبِيِّ هُنَا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَارِثٍ فِي الْمُقِرِّ فَيَشْمَل الْقَرِيبَ غَيْرَ الْوَارِثِ. وَيُصَرِّحُ الْمَالِكِيَّةُ بِذَلِكَ فَيَقُولُونَ: إِنْ أَقَرَّ لِقَرِيبٍ غَيْرِ وَارِثٍ كَالْخَال أَوْ لِصِدِّيقٍ مُلاَطِفٍ أَوْ مَجْهُولٍ حَالُهُ - لاَ يُدْرَى هَل هُوَ قَرِيبٌ أَمْ لاَ - صَحَّ الإِْقْرَارُ إِنْ كَانَ لِذَلِكَ الْمُقِرِّ وَلَدٌ وَإِلاَّ فَلاَ، وَقِيل: يَصِحُّ.

وَأَمَّا لَوْ أَقَرَّ لأَِجْنَبِيٍّ غَيْرِ صَدِيقٍ كَانَ الإِْقْرَارُ لاَزِمًا

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٤ / ٤٦١ - ٤٦٢، والبدائع ٧ / ٢٢٤، وفتح القدير ٧ / ٧، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٩٨ - ٣٩٩، وشرح الزرقاني ٦ / ٩٢ - ٩٤، وبلغة السالك ٢ / ١٩٠، ونهاية المحتاج ٥ / ٦٩، والمهذب ٢ / ٣٤٥، والمغني ٥ / ٢١٣، والإنصاف ١٢ / ١٣٤.

(٢) المغني ٥ / ٢١٤.