الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٥
تَصَرُّفَاتٍ خَاصَّةٍ، كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالظِّهَارِ، وَالْقَتْل الْخَطَأِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي أَبْوَابِهِ.
وَمَنْعُ التَّصَرُّفِ بِنَزْعِ الْيَدِ لإِيقَافِ الضَّرَرِ: وَإِيقَافُ الضَّرَرِ يَعْنِي الإِْصْلاَحَ. وَنَزْعُ الْيَدِ يَكُونُ إِصْلاَحًا فِي أَحْوَالٍ مِنْهَا: عَزْل الْقَاضِي، الَّذِي لاَ يُحْسِنُ الْقَضَاءَ، وَإِنْهَاءُ حَضَانَةِ الأُْمِّ إِذَا تَزَوَّجَتْ، وَالْحَجْرُ عَلَى، السَّفِيهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي أَبْوَابِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
ز - الْوِلاَيَةُ وَالْوِصَايَةُ وَالْحَضَانَةُ: وَهِيَ مَا شُرِعَتْ إِلاَّ لإِصْلاَحِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ، أَوْ إِصْلاَحِ مَالِهِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَفِي الْحَجْرِ، وَفِي الْحَضَانَةِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
ح - (الْوَعْظُ): كَوَعْظِ الزَّوْجَةِ الَّتِي يُخَافُ نُشُوزُهَا، قَال تَعَالَى: ﴿وَاَللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ. . .﴾ (١) الآْيَةَ. وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ بَابَ الْعِشْرَةِ، وَكَالأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ عُمُومًا، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي كُتُبِ الآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ.
ط - (التَّوْبَةُ) وَهِيَ تُصْلِحُ شَأْنَ الإِْنْسَانِ، وَتَمْحُو الذَّنْبَ الَّذِي ارْتَكَبَهُ، وَتَفْصِيل الْكَلاَمِ عَنْهَا فِي بَابِ الْقَذْفِ، وَفِي كُتُبِ الآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ.
ي - (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ): وَيَتِمُّ إِصْلاَحُ الأَْرْضِ بِإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ فِيهَا، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي كِتَابِ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
وَفِي الْجُمْلَةِ: كُل مَا يُؤَدِّي إِلَى الْكَفِّ عَنِ الْمَعَاصِي، أَوْ إِلَى فِعْل الْخَيْرِ، فَهُوَ إِصْلاَحٌ.
_________
(١) سورة النساء / ٣٤.
أَصَمُّ
التَّعْرِيفُ:
١ - الأَْصَمُّ: مَنْ بِهِ صَمَمٌ، وَالصَّمَمُ: فِقْدَانُ السَّمْعِ، وَيَأْتِي وَصْفًا لِلأُْذُنِ وَلِلشَّخْصِ، فَيُقَال: رَجُلٌ أَصَمُّ، وَامْرَأَةٌ صَمَّاءُ، وَأُذُنٌ صَمَّاءُ، وَالْجَمْعُ صُمٌّ. (١)
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
يَتَعَلَّقُ بِالأَْصَمِّ أَوِ الصَّمَّاءِ عِدَّةُ أَحْكَامٍ أَهَمُّهَا مَا يَلِي:
فِي الْعِبَادَاتِ:
٢ - هَل يُجْتَزَأُ بِالصُّمِّ فِي الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ لِسَمَاعِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ؟ عَلَى اخْتِلاَفِ الْمَذَاهِبِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يُجْتَزَأُ بِهِمْ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ اشْتَرَطُوا أَلاَّ يَكُونَ فِي الْحَدِّ الأَْدْنَى مَنْ هُوَ أَصَمُّ، وَيَجْتَزِئُ الْحَنَابِلَةُ بِهِمْ إِنْ لَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ كَذَلِكَ.
وَيَرَى الْحَنَابِلَةَ وَالشَّافِعِيَّةُ صِحَّةَ الصَّلاَةِ خَلْفَ الأَْصَمِّ، وَإِمَامَتُهُ صَحِيحَةٌ.
وَلاَ يَنْبَغِي ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلإِْمَامِ الرَّاتِبِ، لأَِنَّهُ قَدْ يَسْهُو فَيُسَبَّحُ لَهُ فَلاَ يَسْمَعُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لإِفْسَادِ الصَّلاَةِ (٢) .
_________
(١) لسان العرب، والمصباح المنير مادة: " صمم "
(٢) منتهى الإرادات ١ / ٢٥٧، ومغني المحتاج ١ / ٢٤١ ط مصطفى الحلبي، والحطاب ٢ / ١١٣ ط النجاح ليبيا.
فِي الْمُعَامَلاَتِ:
أ - قَضَاءُ الأَْصَمِّ وَشَهَادَتُهُ:
٣ - لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الأَْصَمُّ الْقَضَاءَ، وَإِذَا وُلِّيَ يَجِبُ عَزْلُهُ، لأَِنَّ فِي تَوْلِيَتِهِ ضَيَاعَ حُقُوقِ النَّاسِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. (١)
أَمَّا شَهَادَتُهُ فَمَا يَتَّصِل بِالسَّمْعِ كَالأَْقْوَال فَلاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ فِيهِ، وَأَمَّا مَا يَرَاهُ مِنَ الأَْفْعَال كَالأَْكْل وَالضَّرْبِ، فَهَذَا تُقْبَل شَهَادَتُهُ فِيهِ. (٢)
ب - الْجِنَايَةُ عَلَى السَّمْعِ:
٤ - تَجِبُ الدِّيَةُ بِذَهَابِ مَنْفَعَةِ السَّمْعِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ: وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ، (٣) وَلأَِنَّ عُمَرَ ﵁ قَضَى فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا، فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَنِكَاحُهُ وَعَقْلُهُ، بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ وَالرَّجُل حَيٌّ (٤) . هَذَا مَعَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَعَدَمِهِ (٥) .
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٥ - يَتَعَلَّقُ بِالأَْصَمِّ أَحْكَامٌ مُتَعَدِّدَةٌ، مِثْل حُكْمِ
_________
(١) ابن عابدين ٤ / ٣١٥، والحطاب ٦ / ١٠٠، ومنتهى الإرادات ٣ / ٤٦٥، ونهاية المحتاج ٨ / ٢٢٦.
(٢) ابن عابدين ٤ / ٣٨٥، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٣٣ ط دار المعرفة بيروت، ومنتهى الإرادات ٣ / ٥٥٢، والمهذب ٢ / ٣٣٦ ط دار المعرفة.
(٣) حديث: " في السمع الدية ". أخرجه البيهقي (٨ / ٨٥ - ط دائرة المعارف العثمانية) وضعف إسناده.
(٤) الأثر عن عمر ﵁. أخرجه البيهقي (٨ / ٩٨ - ط دائرة المعارف العثمانية) . وعبد الرزاق (١٠ / ١٢ - ط المجلس العلمي) وإسناده متصل ورجاله ثقات. وانظر التلخيص لابن حجر (٤ / ٣٥ - ٣٦ ط دار المحاسن) .
(٥) المهذب ٢ / ٢٠٢، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٦٨، ومنتهى الإرادات ٣ / ٣١٧، والاختيار ٥ / ٤٣ ط المعرفة - بيروت.
سُجُودِ التِّلاَوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْصَمِّ، سَوَاءٌ كَانَ تَالِيًا أَوْ مُسْتَمِعًا، وَمِثْل عُقُودِ الأَْصَمِّ، مِنْ نِكَاحٍ وَبَيْعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَتُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهَا.
أَصِيلٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الأَْصِيل فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ أَصْلٍ، وَأَصْل الشَّيْءِ أَسَاسُهُ وَمَا يَسْتَنِدُ وُجُودُ ذَلِكَ الشَّيْءِ إِلَيْهِ، وَيُطْلَقُ الأَْصِيل عَلَى الأَْصْل. (١) وَيَأْتِي بِمَعْنَى الْوَقْتِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. (٢)
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ اللُّغَوِيَّيْنِ، فَيُطْلِقُونَهُ فِي الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ عَلَى الْمُطَالَبِ ابْتِدَاءً بِالْحَقِّ، وَفِي الْوَكَالَةِ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ ابْتِدَاءً.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٢ - يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ تَبَعًا لِلاِسْتِعْمَالاَتِ الْفِقْهِيَّةِ، فَالْحَوَالَةُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الأَْصِيل عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (٣) لأَِنَّ مَعْنَاهَا نَقْل الْحَقِّ، وَذَلِكَ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِفَرَاغِ ذِمَّةِ الأَْصِيل، وَأَمَّا الْكَفَالَةُ فَلاَ تُوجِبُ بَرَاءَةَ
_________
(١) المفردات للأصبهاني، والمصباح المنير، والكليات لأبي البقاء، والفروق في اللغة، والصحاح مادة: (أصل) .
(٢) مختار الصحاح.
(٣) المبسوط ١٩ / ١٦٠ - ١٦١، وجواهر الإكليل ٢ / ١٠٨ ط دار المعرفة، ومغني المحتاج ٢ / ١٩٥، والمغني ٤ / ٥٢١ - ٥٢٢ ط الرياض.
الأَْصِيل، (١) لأَِنَّ مَعْنَاهَا ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَفِيهَا حُلُول الْوَكِيل مَحَل الأَْصِيل فِي الْجُمْلَةِ، وَتَفْصِيل كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِهِ.
أَضَاحِي
انْظُرْ: أُضْحِيَّةٌ
إِضَافَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الإِْضَافَةُ: مَصْدَرٌ فِعْلُهُ أَضَافَ، عَلَى وَزْنِ أَفْعَل.
وَمِنْ مَعَانِي الإِْضَافَةِ فِي اللُّغَةِ: ضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى الشَّيْءِ، أَوْ إِسْنَادُهُ أَوْ نِسْبَتُهُ.
وَالإِْضَافَةُ عِنْدَ النُّحَاةِ: ضَمُّ اسْمٍ إِلَى اسْمٍ عَلَى وَجْهٍ يُفِيدُ تَعْرِيفًا أَوْ تَخْصِيصًا. (٢)
وَالإِْضَافَةُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ هِيَ: نِسْبَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ، بِحَيْثُ لاَ تُعْقَل إِحْدَاهُمَا إِلاَّ مَعَ الأُْخْرَى، كَالأُْبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ.
أَمَّا الإِْضَافَةُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: فَلاَ تُخْرَجُ فِي مَعْنَاهَا عَنِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ الإِْسْنَادُ وَالنِّسْبَةُ وَضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى الشَّيْءِ.
_________
(١) المبسوط ١٩ / ١٦٠ - ١٦١.
(٢) الصحاح للجوهري، والقاموس المحيط، والمصباح المنير ولسان العرب مادة (ضيف) .
٢ - وَيُقْصَدُ بِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَل إِرْجَاءُ آثَارِ التَّصَرُّفِ إِلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَل الَّذِي حَدَّدَهُ الْمُتَصَرِّفُ، فَالإِْضَافَةُ تُؤَخِّرُ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ السَّبَبُ، فَيَتَحَقَّقُ السَّبَبُ الْمُضَافُ قَبْل تَحَقُّقِ الْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ بِلاَ مَانِعٍ. وَعَدَمُ الْمَانِعِ وَهُوَ التَّكَلُّمُ بِالسَّبَبِ بِلاَ تَعْلِيقٍ يَقْتَضِي تَحَقُّقَهُ، غَايَةُ الأَْمْرِ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الإِْضَافَةِ تَأْخِيرُ الْحُكْمِ الْمُسَبَّبِ إِلَى وُجُودِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي هُوَ كَائِنٌ لاَ مَحَالَةَ، إِذِ الزَّمَانُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، فَالإِْضَافَةُ إِلَيْهِ إِضَافَةٌ إِلَى مَا قُطِعَ بِوُجُودِهِ، وَفِي مِثْلِهِ يَكُونُ الْغَرَضُ مِنَ الإِْضَافَةِ تَحْقِيقُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ. (١)
وَإِذَا كَانَتِ الإِْضَافَةُ بِمَعْنَى الضَّمِّ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ، فَتُحَال أَحْكَامُهَا حِينَئِذٍ إِلَى مُصْطَلَحِ (زِيَادَةٌ) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّعْلِيقُ:
٣ - التَّعْلِيقُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ رَبْطُ حُصُول مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُول مَضْمُونِ جُمْلَةٍ أُخْرَى. وَبَعْضُ صُوَرِ التَّعْلِيقِ تُسَمَّى يَمِينًا مَجَازًا. (٢)
هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي فَتْحِ الْغَفَّارِ الْفَرْقَ مِنْ وَجْهَيْنِ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالإِْضَافَةِ الَّتِي بِمَعْنَى إِسْنَادِ الْحُكْمِ إِلَى زَمَنٍ آخَرَ، وَلَكِنْ لَمْ يَسْلَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنَ الاِعْتِرَاضِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ، وَهِيَ إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِهَا الْبِرَّ أَفَادَتِ انْتِفَاءَ الْمُعَلَّقِ، وَلاَ يُفْضِي
_________
(١) تيسير التحرير ١ / ١٢٩.
(٢) حاشية ابن عابدين ٢ / ٤٩٢.
إِلَى الْحُكْمِ، أَمَّا الإِْضَافَةُ فَهِيَ لِثُبُوتِ حُكْمِ السَّبَبِ فِي وَقْتِهِ، لاَ لِمَنْعِهِ، فَيَتَحَقَّقُ السَّبَبُ بِلاَ مَانِعٍ. إِذِ الزَّمَانُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ.
وَالْفَرْقُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّرْطَ عَلَى خَطَرِ (احْتِمَال الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ) وَلاَ خَطَرَ فِي الإِْضَافَةِ. (١) وَيُرْجَعُ إِلَى كُتُبِ الأُْصُول لِلاِعْتِرَاضَاتِ عَلَى هَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ، وَالأَْجْوِبَةِ عَنْهَا.
ب - التَّقْيِيدُ:
٤ - التَّقْيِيدُ فِي الْعُقُودِ هُوَ: الْتِزَامُ حُكْمٍ فِي التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ، لاَ يَسْتَلْزِمُهُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فِي حَال إِطْلاَقِهِ.
ج - الاِسْتِثْنَاءُ:
٥ - الاِسْتِثْنَاءُ: قَوْلٌ ذُو صِيَغٍ مَخْصُوصَةٍ مَحْصُورَةٍ، دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ لَمْ يَرُدَّ بِالْقَوْل الأَْوَّل. (٢)
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِْضَافَةِ: أَنَّ الْحُكْمَ فِي الاِسْتِثْنَاءِ يَثْبُتُ فِي الْحَال، فَلَوْ قَال الْمُقِرُّ: لِفُلاَنٍ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إِلاَّ ثَلاَثًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقِرًّا بِسَبْعٍ، بِخِلاَفِ الإِْضَافَةِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ عِنْدَ وُجُودِ الزَّمَنِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ الْحُكْمُ، كَمَا لَوْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّل الشَّهْرِ، فَإِنَّهَا لاَ تَطْلُقُ إِلاَّ إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ. أَمَّا الاِسْتِثْنَاءُ فَإِنَّ تَأْخِيرَ الْمُسْتَثْنَى عَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (أَيِ الْفَصْل) لِغَيْرِ عُذْرٍ يُبْطِلُهُ.
د - التَّوَقُّفُ:
٦ - الْمُرَادُ بِالتَّوَقُّفِ هُنَا: عَدَمُ نَفَاذِ حُكْمِ التَّصَرُّفِ الصَّادِرِ مِنْ ذِي أَهْلِيَّةٍ لَكِنْ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ فِيهِ. وَهُوَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْعُقُودِ الْقَابِلَةِ لَهُ، كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ وَالنِّكَاحِ، فَإِذَا بَاعَ الْفُضُولِيُّ أَوِ اشْتَرَى فَعِنْدَ
_________
(١) فتح الغفار على المنار ٢ / ٥٥، ٥٦، وتيسير التحرير ١ / ١٢٨.
(٢) المستصفى مع مسلم الثبوت ٢ / ١٦٣، والأحكام للآمدي ٢ / ٨٣، والمنهاج للبيضاوي مع شرح الأسنوي ٢ / ٩٣.
الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ يَكُونُ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا، لاَ يَنْفُذُ إِلاَّ بَعْدَ إِجَازَةِ الْمَالِكِ فِي الْبَيْعِ، وَالْمُشْتَرِي لَهُ فِي الشِّرَاءِ. (١)
هَذَا، وَإِنَّ بَيْنَ الْعُقُودِ الْمُضَافَةِ وَالْعُقُودِ الْمَوْقُوفَةِ شَبَهًا وَفَرْقًا، فَأَمَّا الشَّبَهُ: فَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِ الصِّيغَةِ، مَعَ تَأَخُّرِ الْحُكْمِ إِلَى الزَّمَنِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ فِي الْعَقْدِ الْمُضَافِ، أَوْ إِلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ فِي الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ.
وَأَمَّا الْفَرْقُ فَمِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ:
أَوَّلُهَا: أَنَّ تَرَاخِيَ الْحُكْمِ عَنِ الصِّيغَةِ فِي الْعَقْدِ الْمُضَافِ نَشَأَ مِنَ الصِّيغَةِ نَفْسِهَا، لأَِنَّ الإِْيجَابَ فِيهَا مُضَافٌ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، أَمَّا تَرَاخِي الْحُكْمِ فِي الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ فَلَيْسَ مَرْجِعُهُ الصِّيغَةَ، لأَِنَّهَا مُنَجَّزَةٌ،
وَإِنَّمَا مَرْجِعُهُ صُدُورُ التَّصَرُّفِ مِمَّنْ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ فِي الْعَقْدِ.
ثَانِيهَا: أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ يُنَفَّذُ بَعْدَ الإِْجَازَةِ مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ صُدُورِ التَّصَرُّفِ، لأَِنَّ الإِْجَازَةَ اللاَّحِقَةَ فِيهِ كَالإِْذْنِ السَّابِقِ. بِخِلاَفِ الْعَقْدِ الْمُضَافِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ عِنْدَ مَجِيءِ الزَّمَنِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ الْحُكْمُ.
ثَالِثُهَا: أَنَّ الْعَقْدَ الْمُضَافَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الزَّمَنِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ الإِْيجَابُ، مَا دَامَ صَحِيحًا. بِخِلاَفِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ، فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الإِْجَازَةِ وَالرَّدِّ فِيمَا إِذَا لَمْ يُجِزْهُ مَنْ لَهُ الْوِلاَيَةُ. فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ مَثَلًا لاَ يَنْفُذُ إِذَا لَمْ يُجِزْهُ الْمَالِكُ. (٢)
_________
(١) فتح القدير ٧ / ١٤٥، وبدائع الصنائع ٦ / ٣١٩، وجواهر الإكليل ٢ / ١٨٤، ومواهب الجليل ٤ / ٣٦٩.
(٢) بدائع الصنائع ٦ / ٣٠١٩، وقليوبي وعميرة ٢ / ١٦٠.
هـ - التَّعْيِينُ:
٧ - التَّعْيِينُ مَعْنَاهُ: التَّحْدِيدُ وَالاِخْتِيَارُ، فَمَنْ طَلَّقَ إِحْدَى نِسَائِهِ، وَلَمْ يُعَيِّنِ الْمُطَلَّقَةَ مِنْهُنَّ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّعْيِينُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ. فَلَوْ قَال عِنْدَ التَّعْيِينِ: هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ وَهَذِهِ، أَوْ بَل هَذِهِ، أَوْ ثُمَّ هَذِهِ، تَعَيَّنَتِ الأُْولَى، لأَِنَّ التَّعْيِينَ إِنْشَاءُ اخْتِيَارٍ، لاَ إِخْبَارٌ عَنْ سَابِقٍ، وَالْبَيَانُ عَكْسُهُ، فَهُنَاكَ شَبَهٌ بَيْنَ التَّعْيِينِ وَالإِْضَافَةِ مِنْ حَيْثُ تَرَاخِي حُكْمِ التَّصَرُّفِ إِلَى التَّعْيِينِ، أَوِ الزَّمَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ.
وَالتَّعْيِينُ يَأْتِي فِي خِصَال كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ مَنْ حَنِثَ، فَخُيِّرَ فِي الْكَفَّارَةِ بَيْنَ الإِْعْتَاقِ وَالإِْطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ، فَلاَ يَنْتَقِل إِلَى الصَّوْمِ إِلاَّ بَعْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى خَصْلَةٍ مِنْ تِلْكَ الْخِصَال الثَّلاَثَةِ. وَعِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى خَصْلَةٍ مِنْهَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُعَيِّنَهَا (١) .
شُرُوطُ الإِْضَافَةِ:
٨ - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإِْضَافَةِ ثَلاَثَةُ شُرُوطٍ:
الأَْوَّل: صُدُورُهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَهُوَ شَرْطٌ مُشْتَرَكٌ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ.
الثَّانِي: مُقَارَنَتُهَا لِلْعَقْدِ أَوِ التَّصَرُّفِ.
الثَّالِثُ: مُصَادَفَتُهَا مَحَلَّهَا الْمَشْرُوعَ مِنَ الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا. وَسَيَأْتِي تَفْصِيل هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ.
أَنْوَاعُ الإِْضَافَةِ:
٩ - (الإِْضَافَةُ) نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: الإِْضَافَةُ إِلَى الْوَقْتِ.
وَثَانِيهِمَا: الإِْضَافَةُ إِلَى الشَّخْصِ.
_________
(١) حاشية قليوبي وعميرة ٢ / ٥٣، ٣ / ٣٤٦، ٤ / ٢٥٣، ومسلم الثبوت ١ / ٦٩.
وَمَعْنَى الإِْضَافَةِ إِلَى الْوَقْتِ: تَأْخِيرُ الآْثَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْعَقْدِ إِلَى حُلُول الْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْعَقْدُ، فَإِنَّ مِنَ الْعُقُودِ مَا يَقْبَل الإِْضَافَةَ إِلَى الْوَقْتِ، وَمِنْهَا مَا لاَ يَقْبَل. وَمَعْنَى الإِْضَافَةِ إِلَى الشَّخْصِ، أَنْ يُنْسَبَ حُكْمُ التَّصَرُّفِ إِلَى شَخْصٍ مَعْلُومٍ.
النَّوْعُ الأَْوَّل
الإِْضَافَةُ إِلَى الْوَقْتِ
١٠ - الإِْضَافَةُ تَتْبَعُ طَبِيعَةَ التَّصَرُّفَاتِ، وَمِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا يُضَافُ إِلَى الْوَقْتِ، وَمِنْهَا مَا لاَ يُضَافُ إِلَيْهِ.
فَالتَّصَرُّفَاتُ الَّتِي تَصِحُّ إِضَافَتُهَا إِلَى الْوَقْتِ هِيَ: الطَّلاَقُ، وَتَفْوِيضُهُ، وَالْخُلْعُ، وَالإِْيلاَءُ، وَالظِّهَارُ، وَالْيَمِينُ، وَالنَّذْرُ، وَالْعِتْقُ، وَالإِْجَارَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ، وَالإِْيصَاءُ، وَالْوَصِيَّةُ، وَالْقَضَاءُ، وَالْمُضَارَبَةُ، وَالْكَفَالَةُ، وَالْوَقْفُ، وَالْمُزَارَعَةُ، وَالْوَكَالَةُ.
وَهُنَاكَ تَصَرُّفَاتٌ لاَ تَصِحُّ إِضَافَتُهَا إِلَى الْوَقْتِ كَالنِّكَاحِ، وَالْبَيْعِ، وَغَيْرِهِمَا.
التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي تَقْبَل الإِْضَافَةَ إِلَى الْوَقْتِ:
الطَّلاَقُ:
١١ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَضَافَ الطَّلاَقَ إِلَى الْمَاضِي وَقَعَ فِي الْحَال. وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَلْغُو. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى وُقُوعِ الطَّلاَقِ إِنْ نَوَاهُ، وَإِلاَّ فَهُوَ لَغْوٌ.
أَمَّا إِضَافَةُ الطَّلاَقِ إِلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَل فَالْجُمْهُورُ عَلَى وُقُوعِهِ فِي أَوَّل الْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أُضِيفَ إِلَى وَقْتٍ مُحَقَّقِ