الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٤
تَحْرِيمُ إِتْيَانِ الْحَلِيلَةِ فِي دُبُرِهَا.
وَأَمَّا اسْتِدْلاَلُهُمْ بِالآْيَةِ الثَّانِيَةِ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ ﴿إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ إِتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي فَرْجِهَا دُونَ دُبُرِهَا.
وَأَمَّا تَأْوِيل مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ لِلآْيَةِ، فَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الآْيَةِ: ﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ (١)﴾ مِمَّا قَدْ أَحَل لَكُمْ مِنْ جِمَاعِهِنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ، وَقَالُوا: هَذَا التَّأْوِيل أَوْلَى مِنْ تَأْوِيل مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الأَْحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدَل بِهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (٢) .
رَابِعًا: وَطْءُ الأَْجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا:
٢٩ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حُرْمَةِ وَطْءِ الأَْجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا، وَأَنَّهُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا (٣)، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ (٤) . وَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: مَلْعُونٌ مَنْ
_________
(١) سورة الشعراء / ١٦٦.
(٢) شرح معاني الآثار ٣ / ٤٥، وتفسير القرطبي ٣ / ٩٤.
(٣) الزواجر ٢ / ١٤٠، والهداية مع الفتح ٥ / ٤٣، وكشاف القناع ٦ / ٩٥.
(٤) حديث: " لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر " تقدم تخريجه فقرة (٢٤) .
أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا (١) .
٣٠ - غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي عُقُوبَةِ مُرْتَكِبِ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
الأَْوَّل: لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ فِيهِ حَدَّ الزِّنَا، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا، إِذْ هُوَ قَضَاءٌ لِشَهْوَةٍ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى، عَلَى سَبِيل الْكَمَالِ، عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا، بِقَصْدِ سَفْحِ الْمَاءِ. وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَالأَْوْزَاعِيِّ (٢) .
الثَّانِي: لأَِبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ فِي وَطْءِ الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا، نَظَرًا لاِخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ فِي مُوجِبِهِ مِنَ الإِْحْرَاقِ بِالنَّارِ وَهَدْمِ الْجِدَارِ وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ بِاتِّبَاعِ الأَْحْجَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِضَاعَةُ الْوَلَدِ وَاشْتِبَاهُ الأَْنْسَابِ،
_________
(١) حديث: " معلون من أتى امرأة في دبرها ". تقدم تخريجه، فقرة (٢٤) .
(٢) تحريم الغناء والسماع للطرطوشي ص٢٥٧، ٢٥٨، وكشاف القناع ٦ / ٩٥، والمغني لابن قدامة ١٢ / ٣٤٠، وشرح منتهى الإرادات ٣ / ٣٤٥، ورد المحتار ٣ / ١٥٥، والهداية مع فتح القدير ٥ / ٤٣، والحاوي الكبير ١١ / ٤٤٢، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٤، والدسوقي على الشرح الكبير ٤ / ٣١٤، وشرح الخرشي ٨ / ٧٦.
وَكَذَلِكَ لِنُدْرَةِ وُقُوعِهِ لاِنْعِدَامِ الدَّاعِي مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْجِبِلَّةُ السَّلِيمَةُ، وَالدَّاعِي إِلَى الزِّنَا مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَلَكِنْ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ لِقُبْحِهِ وَفُحْشِهِ (١) .
الثَّالِثُ: لِلْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ اللِّوَاطِ، يُرْجَمَانِ جَمِيعًا، أُحْصِنَا أَمْ لَمْ يُحْصَنَا (٢) . وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ: يُحَدُّ حَدَّ اللِّوَاطِ، وَهُوَ الْقَتْل بِكُل حَالٍ (٣) .
الرَّابِعُ: لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقَتْل بِالسَّيْفِ حَدًّا كَالْمُرْتَدِّ، بِكْرًا كَانَ أَمْ ثَيِّبًا (٤) .
خَامِسًا: وَطْءُ الْمَيْتَةِ:
٣١ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حُرْمَةِ وَطْءِ الْمَيْتَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي حَيَاتِهَا زَوْجَتَهُ أَمْ أَجْنَبِيَّةً عَنْهُ. وَعَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ مِنْ كَبَائِرِ الإِْثْمِ وَالْفَوَاحِشِ (٥) .
لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي عُقُوبَةِ الْفَاعِل عَلَى مَذْهَبَيْنِ:
_________
(١) مغني المحتاج ٤ / ١٤٤، والحاوي ١٧ / ٥٨، ورد المحتار ٣ / ١٥٥، والهداية مع فتح القدير ٥ / ٤٣.
(٢) عقد الجواهر الثمينة ٣ / ٣٠٥، والقوانين الفقهية ص٣٦٠.
(٣) بدائع الفوائد لابن القيم ٤ / ١٠١.
(٤) الحاوي للماوردي ١١ / ٤٤٢.
(٥) الزواجر للهيتمي ٢ / ١٤٣.
أَحَدُهُمَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمُعْتَمَدِ، وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى وَاطِئِ الْمَيْتَةِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ وَطْءَ الْمَيْتَةِ كَلاَ وَطْءٍ، لِوُقُوعِهِ فِي عُضْوٍ مُسْتَهْلَكٍ، وَلأَِنَّ وَطْأَهَا لاَ يُشْتَهَى، بَل هُوَ مِمَّا تَنْفِرُ مِنْهُ الطِّبَاعُ وَتَعَافُهُ الأَْنْفُسُ، فَلاَ حَاجَةَ إِلَى شَرْعِ الزَّجْرِ عَنْهُ بِحَدٍّ، وَالْحَدُّ إِنَّمَا يَجِبُ زَجْرًا. . . وَلَكِنْ يَجِبُ تَعْزِيرُ الْفَاعِل لِهَذِهِ الْفَاحِشَةِ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُبَالَغُ فِي تَعْزِيرِهِ (١) .
وَالثَّانِي: لِلْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْل الأَْوْزَاعِيِّ. وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجِ آدَمِيَّةٍ، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْحَيَّةِ، وَلأَِنَّهُ أَعْظَمُ ذَنْبًا وَأَكْبَرُ إِثْمًا، لِضَمِّهِ إِلَى الْفَاحِشَةِ هَتْكَ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ. غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجَةَ حَال مَوْتِهَا، وَصَرَّحُوا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى زَوْجِهَا بِوَطْئِهَا (٢) .
(ر: زِنًا ٢٣) .
_________
(١) بدائع الصنائع ٧ / ٣٤، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٥، وأسنى المطالب ٤ / ١٢٥، والمغني لابن قدامة ١٢ / ٣٤٠، ٣٤١، وكشاف القناع ٦ / ٩٥، وفتح القدير ٥ / ٤٥.
(٢) الخرشي ٨ / ٧٦، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٥، والقوانين الفقهية ص٣٥٩، والمغني ١٢ / ٣٤٠، والداء والدواء لابن القيم ص٣٠٣.
سَادِسًا: وَطْءُ الْبَهِيمَةِ:
٣٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ وَطْءِ الْبَهِيمَةِ، لِدُخُولِهِ تَحْتَ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ ﴿إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (١)﴾ .
وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: أَرْبَعَةٌ يُصْبِحُونَ فِي غَضَبِ اللَّهِ وَيُمْسُونَ فِي سَخَطِ اللَّهِ، وَعَدَّ مِنْهُمُ: الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ (٢) . وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنَ الْبَهَائِمِ (٣) . قَال الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى حُرْمَةِ إِتْيَانِ الْبَهَائِمِ (٤) . وَنَصَّ جَمْعٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَبَائِرِ الإِْثْمِ وَالْفَوَاحِشِ (٥) .
_________
(١) سورة المؤمنون / ٥ - ٦.
(٢) حديث: " أربعة يصبحون في غضب الله. . ". أخرجه الطبراني في الأوسط (٧ / ٤٣٩ - ط المعارف)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٢٧٣): رواه الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن سلام الخزاعي عن أبيه، قال البخاري: لا يتابع على حديثه هذا.
(٣) حديث: " ملعون من أتى شيئا من البهائم. . . ". أخرجه الطبراني في الأوسط (٩ / ٢٢٦ - ط المعارف)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٢٧٢) فيه محرز بن هارون ويقال محرر وقد ضعفه الجمهور وحسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(٤) التفسير الكبير ٢٣ / ١٣٣، وانظر نيل الأوطار ٧ / ١١٩.
(٥) الزواجر ٢ / ١٣٩، وتنبيه الغافلين لابن النحاس ص٢٨٧.
٣٣ - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عُقُوبَةِ آتِي الْبَهِيمَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي قَوْلٍ لَهُمَا: وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا، فَيُرْجَمُ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَيُجْلَدُ إِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ. وَذَلِكَ لأَِنَّهُ إِيلاَجٌ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا، كَالْقُبُل مِنَ الْمَرْأَةِ، فَوَجَبَ بِهِ حَدُّ الزِّنَا (١) .
الثَّانِي: رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُقْتَل فِي كُل حَالٍ، مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ رَجْمًا بِالْحِجَارَةِ، وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ يُقْتَل صَبْرًا بِالسَّيْفِ. لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ (٢)، وَلأَِنَّهُ وَطْءٌ لاَ يُبَاحُ بِحَالٍ، فَكَانَ فِيهِ الْقَتْل كَاللُّوطِيِّ (٣) .
_________
(١) مغني المحتاج ٤ / ١٤٥، وأسنى المطالب ٤ / ١٢٥، والداء والدواء ص٣٠٣، والتفسير الكبير للرازي ٢٣ / ١٣٣، ومعالم السنن للخطابي ٦ / ٢٧٥، وعارضة الأحوذي ٦ / ٢٣٩، والحاوي للماوردي، ونيل الأوطار ٧ / ١١٨ - ١١٩، والمحلى ١١ / ٣٨٦.
(٢) حديث: " من أتى بهيمة فاقتلوه. . . ". أخرجه أبو داود (٤ / ٦٠٩) .
(٣) المغني ١٢ / ٣٥٢، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٥، وعارضة الأحوذي ٦ / ٢٣٩، والداء والدواء لابن القيم ص٣٠٣، وأسنى المطالب ٤ / ١٢٥، وزاد المعاد ٥ / ٤١، والأشراف للقاضي عبد الوهاب ٢ / ٢٢١، والحاوي ١٧ / ٦٣.
الثَّالِثُ: لِلزُّهْرِيِّ، وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ أَدْنَى الْحَدَّيْنِ، أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَنْ فَيُجْلَدُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا مِائَةً (١) .
الرَّابِعُ: لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْظْهَرِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْئِهَا، وَلُزُومِ التَّعْزِيرِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لِلإِْمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ إِذَا اعْتَادَ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ، وَقَال الْبِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْتَل فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لِصِدْقِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُبَالَغُ فِي تَعْزِيرِهِ (٢) . وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْئِهَا:
بِأَنَّهُ قَدْ أَتَى مُنْكَرًا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُول: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ ﴿إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ؟ الْعَادُونَ (٣)، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنِ أَحَدٍ مِنَ الأَْئِمَّةِ أَنَّهُ لاَ يَحِل أَنْ تُؤْتَى الْبَهِيمَةُ أَصْلًا، فَفَاعِل ذَلِكَ فَاعِل مُنْكَرٍ، وَقَدْ أَمَرَ الرَّسُول ﷺ
_________
(١) عارضة الأحوذي ٦ / ٢٣٩، ومعالم السنن ٦ / ٢٧٦.
(٢) رد المحتار ٣ / ١٥٥، وفتح القدير والكفاية ٥ / ٤٥، ومختصر اختلاف الفقهاء للطحاوي ٣ / ٣٠٤، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٦، وأسنى المطالب ٤ / ١٢٥، وتحفة المحتاج ٩ / ١٠٦، وكشاف القناع ٦ / ٩٥، والقوانين الفقهية ص٣٥٨، وعقد الجواهر الثمينة ٣ / ٣٠٥، والمغني ١٢ / ٣٥١، والخرشي ٨ / ٧٨، والحاوي ١٧ / ٦٣.
(٣) سورة المؤمنون / ٥ - ٦.
بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ (١)، فَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ (٢) .
وَبِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْئِهَا شَيْءٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَلاَ يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي فَرْجِ الآْدَمِيِّ، لأَِنَّهُ لاَ حُرْمَةَ لَهَا، وَلَيْسَ وَطْؤُهَا بِمَقْصُودٍ يَحْتَاجُ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ إِلَى الْحَدِّ، فَإِنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَأْبَاهُ، وَالنُّفُوسَ تَعَافُهُ، وَعَامَّتَهَا تَنْفِرُ مِنْهُ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى زَجْرٍ عَنْهُ بِحَدٍّ، وَيَكْفِي فِيهِ التَّعْزِيرُ (٣) .
تَمْكِينُ الْمَرْأَةِ حَيَوَانًا مِنْ نَفْسِهَا:
٣٤ - ثُمَّ إِنَّ فِي حُكْمِ إِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ مَا لَوْ مَكَّنَتِ الْمَرْأَةُ حَيَوَانًا - كَكَلْبٍ وَقِرْدٍ وَنَحْوِهِمَا - مِنْ نَفْسِهَا فَوَطِئَهَا، أَوْ أَدْخَلَتْ هِيَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (٤) .
قَتْل الَّدابَّةِ الْمَوْطُوءَةِ: ٣٥ - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ كَذَلِكَ فِي قَتْل الدَّابَّةِ الَّتِي أَتَاهَا الآْدَمِيُّ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
_________
(١) حديث تغيير المنكر باليد. أخرجه مسلم (١ / ٦٩) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٢) المحلى ابن حزم ١١ / ٣٨٨.
(٣) المغني ١٢ / ٣٥٢، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٥، والمعونة للقاضي عبد الوهاب ٣ / ١٤٠٠، والحاوي ١٧ / ٦٤.
(٤) رد المحتار ٣ / ١٥٥، وأسنى المطالب ٤ / ١٢٦، والدسوقي على الشرح الكبير ٤ / ٣١٦، وكشاف القناع ٦ / ٩٥.
أَحَدُهَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ، وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ قَتْل الْبَهِيمَةِ الْمَوْطُوءَةِ، وَذَلِكَ لِضَعْفِ الْحَدِيثِ الآْمِرِ بِقَتْلِهَا، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إِلاَّ لِمَأْكَلَةٍ (١) .
وَيُنْدَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ذَبْحُهَا ثُمَّ حَرْقُهَا إِذَا كَانَتْ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ، وَذَلِكَ لِقَطْعِ امْتِدَادِ التَّحَدُّثِ بِهِ كُلَّمَا رُئِيَتْ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَإِنْ كَانَتْ تُؤْكَل جَازَ أَكْلُهَا عِنْدَ الإِْمَامِ، وَقَال الصَّاحِبَانِ: تُحْرَقُ (٢) .
الثَّانِي: لِلْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَوْل الْمُقَابِل لِلأَْصَحِّ، وَهُوَ وُجُوبُ قَتْل الْبَهِيمَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْفَاعِل أَمْ لِغَيْرِهِ، مَأْكُولَةً أَمْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ. وَذَلِكَ لإِطْلاَقِ قَوْلِهِ ﷺ: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ (٣)، وَلأَِنَّ فِي بَقَائِهَا تَذْكَارًا لِلْفَاحِشَةِ، فَيُعَيَّرُ بِهَا (٤) .
_________
(١) حديث: أن النبي ﷺ نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكلة. ورد من حديث القاسم مولى عبد الرحمن مرسلا بلفظ لا تقتل بهيمة ليست لك بها حاجة. أخرجه أبو داود في المراسيل (ص٢٣٩، ٢٤٠ - ط الرسالة) .
(٢) رد المحتار ٣ / ١٥٥، وفتح القدير ٥ / ٤٥، والمحلى على المنهاج وحاشية القليوبي ٤ / ١٨٠، وتحفة المحتاج ٩ / ١٠٦، والدسوقي على الشرح الكبير ٤ / ٣١٦، والخرشي ٨ / ٧٨، والمعونة ٣ / ١٤٠١.
(٣) حديث: " من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه ". تقدم تخريجه فقرة (٣١) .
(٤) كشاف القناع ٦ / ٩٥، والمغني ١٢ / ٣٥٢، ٣٥٣، ومغني المحتاج ٢ / ١٤٦، والحاوي ١٧ / ٦٥، وعارضة الأحوذي ٦ / ٢٣٩.
الثَّالِثُ: تُقْتَل إِذَا كَانَتْ لِلْوَاطِئِ، وَلاَ تُقْتَل إِذَا كَانَتْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلٌ حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (١) .
الرَّابِعُ: لِلشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ ثَالِثٍ وَلِلْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ ذُبِحَتْ، وَإِلاَّ لَمْ تُقْتَل؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ نَهَى عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ (٢) .
وَعَلَى قَوْل مَنْ قَال بِوُجُوبِ قَتْل الْبَهِيمَةِ الْمَوْطُوءَةِ أَوْ نَدْبِهِ فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ لِلْفَاعِل ذَهَبَتْ هَدْرًا؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ لاَ يَضْمَنُ مَال نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْبَهِيمَةُ لِغَيْرِ الْوَاطِئِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَمَانِهَا.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْوَجْهِ الْقَائِل بِوُجُوبِ قَتْلِهَا، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ - إِلَى وُجُوبِ ضَمَانِهَا عَلَى الْفَاعِل؛ ِ لأَِنَّهَا أُتْلِفَتْ بِسَبَبِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهَا.
وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ غُرْمَ لِصَاحِبِهَا؛ لأَِنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ قَتْلَهَا لِلْمَصْلَحَةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَتِ الدَّابَّةُ لِغَيْرِ الْوَاطِئِ يُطَالَبُ صَاحِبُهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ تُذْبَحُ هَكَذَا (٣) .
_________
(١) الحاوي ١٧ / ٦٤.
(٢) مغني المحتاج ٤ / ١٤٦، وعارضة الأحوذي ٦ / ٢٣٩، والمغني ١٢ / ٣٥٢، والإنصاف ١٠ / ١٧٩.
(٣) ابن عابدين ٣ / ١٥٥، والحاوي ١٧ / ٦٤، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٦، وكشاف القناع ٦ / ٩٥، والإنصاف ١٠ / ١٧٩.