الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٤
٣٦ - كَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حِل أَكْل الْبَهِيمَةِ الْمَوْطُوءَةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا إِذَا كَانَتْ مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: لِلْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَالصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي وَجْهٍ، وَهُوَ حُرْمَةُ أَكْلِهَا، وَذَلِكَ لأَِنَّهَا حَيَوَانٌ يَجِبُ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ كَسَائِرِ الْمَقْتُولاَتِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: لأَِحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَهِيَ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهَا وَلاَ يَحْرُمُ.
وَالثَّالِثُ: لأَِبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَهُوَ جَوَازُ أَكْلِهَا مَعَ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ. وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَْنْعَامِ (١)﴾ حَيْثُ جَاءَ ذِكْرُ الْحِل فِي الآْيَةِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يُفَصِّل بَيْنَ الْمَوْطُوءَةِ وَغَيْرِهَا، وَلأَِنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ مَعَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ (٢)﴾، وَلأَِنَّهَا حَيَوَانٌ مِنْ جِنْسٍ يَجُوزُ أَكْلُهُ، ذَبَحَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْل الذَّكَاةِ، فَحَل أَكْلُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يُفْعَل بِهِ هَذَا الْفِعْل (٣) .
_________
(١) سورة المائدة / ١.
(٢) سورة المائدة / ٣.
(٣) رد المحتار ٣ / ١٥٥، وفتح القدير ٥ / ٤٥، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٦، وتحفة المحتاج ٩ / ١٠٦، والقوانين الفقهية ص٣٥٨، والمغني ١٢ / ٢٥٣، وكشاف القناع ٦ / ٩٥، والدسوقي على الشرح الكبير ٤ / ٣١٦، وعارضة الأحوذي ٦ / ٢٣٩، وعقد الجواهر الثمينة ٣ / ٣٠٥، والخرشي ٨ / ٧٨، والحاوي للماوردي ١٧ / ٦٥.
سَابِعًا: الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ:
٣٧ - الشُّبْهَةُ فِي الأَْصْل: مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ. أَمَّا الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ: فَهُوَ الْوَطْءُ الْمَحْظُورُ الَّذِي لاَ يُوجِبُ حَدًّا، لِقِيَامِ شُبْهَةٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا انْتِفَاءُ قَصْدِ الزِّنَا.
وَلِلْفُقَهَاءِ تَقْسِيمَاتٌ لِلشُّبْهَةِ تُنْظَرُ فِي (زِنًا ف ١٥ - ٢١، شُبْهَة ف٣) .
أَحْكَامُ الْوَطْءِ:
أ - حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا فِي الْوَطْءِ:
٣٨ - لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا حَقُّ إِتْيَانِهَا وَقَضَاءِ وَطَرِهَا (١)، دَل عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ﵄ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ لَهُ: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْل؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ. قَال: فَلاَ تَفْعَل. صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا (٢) .
_________
(١) دليل الفالحين ١ / ٣٩٠.
(٢) حديث عبد الله بن عمرو: " ألم أخبر أنك تصوم النهار. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٢٩٩) ومسلم (٢ / ٨١٣) واللفظ للبخاري.
وَقَال لأَِبِي الدَّرْدَاءِ ﵁: " فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَل وَنَمْ، وَائْتِ أَهْلَكَ (١) .
٣٩ - أَمَّا ضَابِطُ هَذَا الْحَقِّ، وَحُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ، وَمَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ جِمَاعِ أَهْلِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَقَوْلٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ لِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَةَ زَوْجِهَا بِالْوَطْءِ، لأَِنَّ حِلَّهُ لَهَا حَقُّهَا، كَمَا أَنَّ حِلَّهَا لَهُ حَقُّهُ. وَإِذَا طَالَبَتْهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ بَابِ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ، وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ، وَقَالُوا: يَأْثَمُ الزَّوْجُ إِذَا تَرَكَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً مُتَعَنِّتًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَطْءِ (٢) .
وَالثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ، وَلاَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ قَضَاءً، وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ، لأَِنَّهُ حَقُّهُ، فَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ، وَلأَِنَّ فِي دَاعِيَةِ الطَّبْعِ مَا يُغْنِي عَنْ إِيجَابِهِ، وَلأَِنَّ الْجِمَاعَ
_________
(١) حديث: فصم وأفطر وكل ونم. أخرجه الدارقطني (٢ / ١٧٦ - ط دار المحاسن) من حديث أبي جحيفة، وأصله في صحيح البخاري (الفتح ٤ / ٢٠٩) .
(٢) البدائع ٢ / ٣٣١، وفتح القدير ٣ / ٣٠٢، والكفاية على الهداية ٣ / ٣٠٠، ورد المحتار ٢ / ٥٩٤، وفتح الباري ٩ / ٢٩٩.
مِنْ دَوَاعِي الشَّهْوَةِ وَخُلُوصِ الْمَحَبَّةِ الَّتِي لاَ يُقْدَرُ عَلَى تَكَلُّفِهَا بِالتَّصَنُّعِ.
وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لاَ يُعَطِّلَهَا مِنَ الْجِمَاعِ تَحْصِينًا لَهَا، لأَِنَّهُ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلأَِنَّ تَرْكَهُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى الإِْضْرَارِ بِهَا أَوْ فَسَادِهَا (١) .
قَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: الرَّجُل مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجِمَاعِ وَتَرْكِهِ، وَفِعْل مَا الأَْصْلَحُ لِلزَّوْجَيْنِ أَفْضَل (٢) . وَقَال الْغَزَالِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَهَا فِي كُل أَرْبَعِ لَيَالٍ مَرَّةً، فَهُوَ أَعْدَلُهُ، إِذْ عَدَدُ النِّسَاءِ أَرْبَعَةٌ، فَجَازَ التَّأْخِيرُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ. نَعَمْ، يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ أَوْ يَنْقُصَ بِحَسَبِ حَاجَتِهَا فِي التَّحْصِينِ، فَإِنَّ تَحْصِينَهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ بِالْوَطْءِ، وَذَلِكَ لِعُسْرِ الْمُطَالَبَةِ وَالْوَفَاءِ. وَاخْتَارَ قَوْل الْقَمُولِيِّ: أَنَّهُ يُكْرَهُ الإِْعْرَاضُ عَنْهُنَّ، وَقَوَّى الْوَجْهَ الْمُحَرِّمَ لِذَلِكَ (٣) .
وَالثَّالِثُ: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْجِمَاعَ وَاجِبٌ عَلَى الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ فِي الْجُمْلَةِ إِذَا انْتَفَى الْعُذْرُ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ حَيْثُ تَضَرَّرَتْ بِتَرْكِهِ. فَإِذَا شَكَتْ
_________
(١) مغني المحتاج ٣ / ٢٥١، وتحفة المحتاج ٧ / ٤٤٠، والحاوي الكبير ١٢ / ٢١٢، وفتح الباري ٩ / ٢٩٩، وأسنى المطالب ٣ / ٢٢٩، والوسيط للغزالي ٥ / ٢٨٥.
(٢) قواعد الأحكام ص٣٥١.
(٣) إحياء علوم الدين ٢ / ٤٦، وتحفة المحتاج ٧ / ١٤٤.
قِلَّتَهُ قُضِيَ لَهَا بِلَيْلَةٍ فِي كُل أَرْبَعٍ عَلَى الرَّاجِحِ (١) .
وَرَوَى أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ: اخْتُلِفَ فِي أَقَل مَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الرَّجُل مِنَ الْوَطْءِ، فَقَال بَعْضُهُمْ: لَيْلَةٌ مِنْ أَرْبَعٍ، أَخَذَهُ مِنْ أَنَّ لِلرَّجُل أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنَ النِّسَاءِ. وَقِيل: لَيْلَةٌ مِنْ ثَلاَثٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْل حَظِّ الأُْنْثَيَيْنِ (٢)﴾ . وَقَضَى عُمَرُ بِمَرَّةٍ فِي الطُّهْرِ، لأَِنَّهُ يُحْبِلُهَا (٣) .
وَالرَّابِعُ: لِلْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ فِي كُل أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالُوا: لأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، لَمْ يَصِرْ بِالْيَمِينِ عَلَى تَرْكِهِ وَاجِبًا، كَسَائِرِ مَا لاَ يَجِبُ، وَلأَِنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الزَّوْجَيْنِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَهُوَ مُفْضٍ إِلَى دَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ عَنِ الْمَرْأَةِ كَإِفْضَائِهِ إِلَى دَفْعِ ذَلِكَ عَنِ الرَّجُلِ، فَيَكُونُ الْوَطْءُ حَقًّا لَهُمَا جَمِيعًا، وَلأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهِ حَقٌّ لَمَا وَجَبَ اسْتِئْذَانُهَا فِي الْعَزْل كَالأَْمَةِ.
وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ ثُلْثَ سَنَةٍ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ فِي حَقِّ الْمُولِي ذَلِكَ،
_________
(١) الزرقاني على خليل ٤ / ٥٦، والقوانين الفقهية ص٢١٦، والذخيرة ٤ / ٤١٦.
(٢) سورة النساء / ١١.
(٣) حاشية البناني على الزرقاني ٤ / ٥٦.
فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. . وَأَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ تَرَكَهُ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْل عُذْرِهِ.
فَإِنْ أَصَرَّ الزَّوْجُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ حَتَّى انْقَضَتِ الأَْرْبَعَةُ الأَْشْهُرِ بِلاَ عُذْرٍ، فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِطَلَبِهَا، كَالْمُولِي وَالْمُمْتَنِعِ عَنِ النَّفَقَةِ وَلَوْ قَبْل الدُّخُول. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ (١) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَظَاهِرُ قَوْل أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّهُ لَوْ ضُرِبَتْ لَهُ الْمُدَّةُ لِذَلِكَ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَكُنْ لِلإِْيلاَءِ أَثَرٌ، وَلاَ خِلاَفَ فِي اعْتِبَارِهِ (٢) .
وَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ الْقَيِّمِ: يَجِبُ عَلَى الرَّجُل وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ، أَيْ بِقَدْرِ حَاجَتِهَا وَقُدْرَتِهِ - كَمَا يُطْعِمُهَا وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا بِقَدْرِ حَاجَتِهَا وَقُدْرَتِهِ - مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِمَرَّةٍ فِي كُل شَهْرٍ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أُسْبُوعٍ أَوْ يَوْمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ لأَِنَّ دَلاَلَةَ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَدَمُ تَقْدِيرِ ذَلِكَ، أَوْ أَيِّ شَيْءٍ مِمَّا يُوجِبُهُ عَقْدُ النِّكَاحِ عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ. وَالرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ، قَال تَعَالَى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْل الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (٣)﴾، وَقَال ﷺ لِهِنْدٍ زَوْجَةِ أَبِي
_________
(١) كشاف القناع ٥ / ١٩٢، والمغني ١٠ / ٢٤٠.
(٢) المغني ١٠ / ٢٤٠.
(٣) سورة البقرة / ٢٢٨.
سُفْيَانَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ (١) .
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَهَا بِالْمَعْرُوفِ، كَمَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيَكْسُوهَا وَيُعَاشِرُهَا بِالْمَعْرُوفِ، بَل هَذَا عُمْدَةُ الْمُعَاشَرَةِ وَمَقْصُودُهَا، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ ﷾ أَنْ يُعَاشِرَهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَالْوَطْءُ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الْمُعَاشَرَةِ وَلاَ بُدَّ، قَالُوا: وَعَلَيْهِ أَنْ يُشْبِعَهَا وَطْئًا إِذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُشْبِعَهَا قُوتًا، وَكَانَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُرَجِّحُ هَذَا الْقَوْل وَيَخْتَارُهُ (٢) .
فَإِنْ تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي الْوَطْءِ الْمُسْتَحَقِّ لَهَا، فَرَضَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَحَالَةِ الزَّوْجَيْنِ، كَمَا يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى وَسَائِرَ حُقُوقِهَا (٣) .
ثُمَّ قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَحُصُول الضَّرَرِ لِلزَّوْجَةِ بِتَرْكِ الْوَطْءِ مُقْتَضٍ لِلْفَسْخِ بِكُل حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ بِقَصْدٍ مِنَ الزَّوْجِ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَلَوْ مَعَ قُدْرَتِهِ وَعَجْزِهِ، كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى لِلْفَسْخِ بِتَعَذُّرِهِ فِي الإِْيلاَءِ إِجْمَاعًا (٤) .
_________
(١) حديث: " خذي ما يكفيك وولدكب المعروف. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٧٠٥) ومسلم (٣ / ١٣٣٨) من حديث عائشة بلفظ: " خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك " واللفظ للبخاري.
(٢) روضة المحبين لابن القيم ص٢١٧.
(٣) مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٨ / ٣٨٣، ٣٨٤، ٢٩ / ١٧٣، ٣٢ / ٢٧١، وروضة المحبين ص٢١٥ وما بعدها.
(٤) الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية ص٢٤٧.
ب - حَقُّ الرَّجُل عَلَى زَوْجَتِهِ فِي الْوَطْءِ:
٤٠ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَالِبَ زَوْجَتَهُ بِالْوَطْءِ مَتَى شَاءَ إِلاَّ عِنْدَ اعْتِرَاضِ أَسْبَابٍ شَرْعِيَّةٍ مَانِعَةٍ مِنْهُ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالظِّهَارِ وَالإِْحْرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ طَالَبَهَا بِهِ وَانْتَفَتِ الْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الاِسْتِجَابَةُ (١) . قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُطِيعَهُ إِذَا طَلَبَهَا إِلَى الْفِرَاشِ، وَذَلِكَ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَيْهَا (٢) .
وَقَدْ عَدَّ الذَّهَبِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْهَيْتَمِيُّ وَغَيْرُهُمُ امْتِنَاعَ الْمَرْأَةِ عَنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا إِذَا دَعَاهَا بِلاَ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ضَرْبًا مِنَ النُّشُوزِ، وَكَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ، وَذَلِكَ لِوُرُودِ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِيهِ (٣) .
وَمِمَّا وَرَدَ فِي ذَلِكَ: مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِذَا دَعَا الرَّجُل امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ (٤) . وَمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا
_________
(١) بدائع الصنائع ٢ / ٣٣١، ٣٣٤، وبهجة النفوس ٣ / ٢٢٩، والنووي على مسلم ١٠ / ٧، وفتح الباري ٩ / ٢٩٤.
(٢) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (ط. دار الريان) ٣ / ١٤٤، ومجموع فتاوى ابن تيمية ٣٢ / ٢٧٤، وانظر مختصر الفتاوى المصرية ص٤٤٣.
(٣) الكبائر للذهبي ص١٢٤، تنبيه الغافلين لابن النحاس ص١٣٥، ١٦٧، والزواجر ٢ / ٤٨، ٥٠.
(٤) حديث: " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٢٩٤) ومسلم (٢ / ١٠٦٠) واللفظ لمسلم.
بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ (١) وَمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁: قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلاَّ كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا (٢) .
وَفِيمَا ذُكِرَ مِنَ الأَْحَادِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ امْتِنَاعِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا إِذَا أَرَادَهَا، وَلاَ خِلاَفَ فِيهِ (٣) .
أَمَّا الرَّجُل فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الإِْجَابَةُ إِذَا دَعَتْهُ الْمَرْأَةُ لِلْوَطْءِ لأَِنَّهُ لَوْ أُجْبِرَ الرِّجَال عَلَى إِجَابَتِهِنَّ لَعَجَزُوا، إِذْ لاَ تُطَاوِعُهُمُ الْقُوَى فِي كُل آنٍ عَلَى إِجَابَتِهِنَّ، وَلاَ يَتَأَتَّى لَهُمْ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَْحْوَال لِضَعْفِ الْقُوَى وَعَدَمِ الاِنْتِشَارِ، وَالْمَرْأَةُ يُمْكِنُهَا التَّمْكِينُ فِي كُل وَقْتٍ وَحِينٍ. إِلاَّ أَنْ يَقْصِدَ الرَّجُل بِالاِمْتِنَاعِ مُضَارَّتَهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (٤) .
_________
(١) حديث: " إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٢٩٤) ومسلم (٢ / ١٠٥٩) واللفظ للبخاري.
(٢) حديث: " والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته. . . " أخرجه مسلم (٢ / ١٠٦٠) .
(٣) المفهم شرح مختصر مسلم للقرطبي ٤ / ١٦٠، وقواعد الأحكام في مصالح الأنام (ص٣٥١ ط. دار الطباع بدمشق) .
(٤) المرجعان السابقان.
ج - حَقُّ الزَّوْجَةِ فِي الْفُرْقَةِ لِعَجْزِ الزَّوْجِ عَنِ الْوَطْءِ:
٤١ - فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ فِي مَسْأَلَةِ حَقِّ الزَّوْجَةِ فِي طَلَبِ الْفُرْقَةِ بِسَبَبِ عَجْزِ الزَّوْجِ عَنِ الْوَطْءِ - لِجَبٍّ أَوْ خِصَاءٍ أَوْ عُنَّةٍ - بَيْنَ حَالَتَيْنِ: حَالَةِ الْعَجْزِ عَنِ الْوَطْءِ الْمُقَارِنِ لِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَحَالَةِ الْعَجْزِ الْحَادِثِ بَعْدَ الدُّخُول وَاسْتِقْرَارِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ. كَمَا فَرَّقُوا بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ عَالِمَةً بِالْعَيْبِ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ.
وَانْظُرِ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحَاتِ (طَلاَق ٩٣ - ١٠٦، عُنَّة ف ١٣ - ١٤، خِصَاء ف٧، جَبّ ف٥ - ٦) .
د - حَقُّ الزَّوْجِ فِي الْفَسْخِ إِذَا كَانَ بِالزَّوْجَةِ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ:
٤٢ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فِي الْفَسْخِ إِذَا كَانَ فِي الزَّوْجَةِ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ كَالرَّتَقِ وَالْقَرَنِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
وَالتَّفْصِيل فِي (رَتَق ف٤ - ٦، قَرَن ف٣، طَلاَق ف٩٣) .
هـ - حُكْمُ امْتِنَاعِ الرَّجُل عَنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ إِيلاَءً أَوْ مُظَاهَرَةً:
أَوَّلًا: الإِْيلاَءُ:
٤٣ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمُؤْلِي