الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٤ الصفحة 5

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٤

وَإِنَّمَا أُتِيَتْ عَلَى خِلاَفِ الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَالذَّكَرُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ وَطْؤُهُ، فَكَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَغْلَظَ مِنْ عُقُوبَةِ الزِّنَا (١) .

الرَّابِعُ: لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُقْتَل اللُّوطِيُّ بِالسَّيْفِ كَالْمُرْتَدِّ، مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ. وَهُوَ قَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ﵃ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ.

قَال ابْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ هَذَا سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ (٢) .

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: فَاقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ. حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ بَيْنَ مُحْصَنٍ وَغَيْرِ مُحْصَنٍ. وَلأَِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ كُلَّمَا تَغَلَّظَتْ، تَغَلَّظَتْ عُقُوبَتُهَا، وَوَطْءُ مَنْ لاَ يُبَاحُ بِحَالٍ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنْ وَطْءِ مَنْ يُبَاحُ فِي بَعْضِ الأَْحْوَالِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ حَدُّهُ أَغْلَظَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا (٣) .

_________

(١) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٤ / ٣٢٠، والخرشي ٨ / ٨٢، والقوانين الفقهية ص٣٦٠، والمعونة للقاضي عبد الوهاب ٣ / ١٤٠٠، والكافي لابن عبد البر ص٥٧٤، والمغني ١٢ / ٣٤٩، والإنصاف ١٠ / ١٧٦، وتحريم الغناء والسماع للطرطوشي ص٢٥٧، والزواجر ٢ / ١٤٢، والحاوي للماوردي ١٧ / ٦١ - ٦٢، وسنن البيهقي ٨ / ٢٣٢.

(٢) روضة المحبين ص٣٧٢.

(٣) الحاوي الكبير ١٧ / ٦٢، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٤، والزواجر ٢ / ١٤٢، وسنن الترمذي مع العارضة ٦ / ٢٤١، والمغني ١٢ / ٣٤٩.

الْخَامِسُ: يُحْرَقُ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ بِالنَّارِ.

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وابْنِ الزُّبَيْرِ ﵃، فَقَدْ رَوَى صَفْوَانُ بْنُ سَلِيمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ﵁ أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ ضَوَاحِي الْعَرَبِ رَجُلًا يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، فَكَتَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَشَارَ أَبُو بَكْرٍ ﵁ الصَّحَابَةَ فِيهِ، فَكَانَ عَلِيٌّ أَشَدَّهُمْ قَوْلًا فِيهِ، فَقَال: مَا فَعَل هَذَا إِلاَّ أُمَّةٌ مِنَ الأُْمَمِ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَل اللَّهُ بِهَا، أَرَى أَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ. فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى خَالِدٍ بِذَلِكَ فَحَرَقَهُ.

وَنَقَل ابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ: لَوْ رَأَى الإِْمَامُ تَحْرِيقَ اللُّوطِيِّ فَلَهُ ذَلِكَ (١) .

السَّادِسُ: يُعْلَى اللُّوطِيُّ أَعْلَى الأَْمَاكِنِ مِنَ الْقَرْيَةِ ثُمَّ يُلْقَى مَنْكُوسًا فَيُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ (٢) قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً (٣)﴾ .

وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄.

ثَالِثًا: وَطْءُ الْحَلِيلَةِ فِي الدُّبُرِ:

٢٤ - ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْل الْعِلْمِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى

_________

(١) المغني ١٢ / ٣٤٩ - ٣٥٠، والإنصاف ١٠ / ١٧٧، والمبسوط ٩ / ٧٨ - ٧٩.

(٢) المبسوط للسرخسي ٩ / ٧٩، والحاوي ١٧ / ٦١.

(٣) سورة هود / ٨٢.

حُرْمَةِ إِتْيَانِ الزَّوْجَةِ أَوِ الأَْمَةِ فِي دُبُرِهَا. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ﵃. وَبِهِ قَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَطَاوُوسٌ وَالثَّوْرِيُّ (١) .

قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ (٢) . وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَطْءُ الْحَلِيلَةِ فِي الدُّبُرِ لَمْ يُبَحْ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ (٣) .

وَقَدْ نَصَّ جَمْعٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَبَائِرِ الإِْثْمِ وَالْفَوَاحِشِ، مِنْهُمُ ابْنُ النَّحَّاسِ وَالْهَيْتَمِيُّ وَابْنُ الْقَيِّمِ (٤) .

٢٥ - وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ فِي وَطْئِهَا، لأَِنَّ كَوْنَ الزَّوْجَةِ أَوِ الأَْمَةِ مَحَل اسْتِمْتَاعِ الرَّجُل فِي الْجُمْلَةِ أَوْرَثَ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ، وَلَكِنَّهُ

_________

(١) العناية على الهداية ٥ / ٤٣، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٤، وتحفة المحتاج ٩ / ١٠٤، وكشاف القناع ٦ / ٩٥، والذخيرة ٤ / ٤١٦، والحاوي للماوردي ١١ / ٤٣٣، وأعلام الموقعين ٤ / ٣٤٥، ٣٤٦، وأسنى المطالب ٤ / ١٢٦، والخرشي ٨ / ٧٦، والدسوقي على الشرح الكبير ٢ / ٢١٥، ٤ / ٣١١، ومختصر الفتاوى المصرية ص٤٢٧، ٤٩٠، والإرشاد للأفقهسي ١ / ٦٢٦، والمدخل لابن الحاج ٢ / ١٩٢ وما بعدها، وشرح معاني الآثار ٣ / ٤٦، والمغني ١٠ / ٢٢٦.

(٢) الحاوي ١١ / ٤٣٣.

(٣) زاد المعاد ٤ / ٢٥٧.

(٤) الزواجر ٢ / ٣٠، وإعلام الموقعين ٤ / ٤٠٢، تنبيه الغافلين لابن النحاص ٢٤٨، والدقوسي ٤ / ٣١٣، ٢ / ٢١٥.

يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْل الْعِلْمِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مُطْلَقًا، وَوَافَقَهُمْ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ إِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَلاَ تَعْزِيرَ. وَقَال الْهَيْتَمِيُّ: وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِمَا بَعْدَ مَنْعِ الْحَاكِمِ لَهُ، وَالأَْوَّل أَوْجَهُ.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ (١) .

وَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَطَاوَعَتْهُ فِي دُبُرِهَا، وَجَبَ أَنْ يُعَاقَبَا عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةً تَعْزِيرِيَّةً تَزْجُرُهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِيَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْفَاجِرِ وَبَيْنَ مَنْ يَفْجُرُ بِهِ (٢) . وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ شُرْطِيَّ الْمَدِينَةِ سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ رُفِعَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا. فَقَال لَهُ: أَرَى أَنْ تُوجِعَهُ ضَرْبًا فَإِنْ عَادَ إِلَى ذَلِكَ فَفَرِّقْ بَيْنَهُمَا (٣) .

أَدِلَّةُ اللِّوَاطِ:

٢٦ - وَقَدِ احْتَجَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ إِتْيَانِ هَذِهِ الْفِعْلَةِ وَأَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ بِالْمَنْقُول وَالْمَعْقُول:

_________

(١) رد المحتار ٣ / ١٥٥، وبدائع الفوائد ٤ / ١٠٠، وتحفة المحتاج ٩ / ١٠٤، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٤، والخرشي ٨ / ٧٦، وروضة الطالبين ١٠ / ٩١، والعناية على الهداية ٥ / ٤٣، وأسنى المطالب ٤ / ١٢٦، والحاوي للماوردي ١١ / ٤٤٢، والمغني ١٠ / ٢٢٨.

(٢) مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية ص٣٧، ٤٩١، والفتاوى الكبرى لابن تيمية ٣ / ١٧٤، والاختيارات الفقهية ص٢٤٦.

(٣) المدخل لابن الحاج ٢ / ١٩٨.

فَأَمَّا الْمَنْقُول: فَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِل عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ.

وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَل اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ (١) .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا (٢) .

وَبِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁، قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ (٣) .

وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ. . . ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: لاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ (٤) .

وَأَمَّا الْمَعْقُول: َلأَِنَّهُ إِتْيَانٌ فِي دُبُرٍ، فَوَجَبَ أَنْ

_________

(١) حديث: " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها. . . ". أخرجه الترمذي (١ / ٢٤٣) ثم نقل عن البخاري أنه ضعف إسناده، والرواية الأخرى لأبي داود (٤ / ٢٢٦) .

(٢) حديث: " معلون من أتى امرأة في دبرها ". أخرجه أحمد (٢ / ٤٧٩) .

(٣) حديث: " لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر ". أخرجه الترمذي (٤ / ٤٦٠) وقال: حديث حسن غريب.

(٤) حديث خزيمة بن ثابت: " إن الله لا يستحي من الحق ". أخرجه النسائي في السنن الكبرى (٥ / ٣١٦ - ط العلمية)، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (٣ / ٢٥٣ - ط دار ابن كثير): رواه ابن ماجه والنسائي بأسانيد أحدها جيد.

يَكُونَ مُحَرَّمًا كَاللِّوَاطِ (١) . قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: فَإِنَّ الدُّبُرَ لَمْ يَتَهَيَّأْ لِهَذَا الْعَمَلِ، وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي هُيِّئَ لَهُ الْفَرْجُ، فَالْعَادِلُونَ عَنْهُ إِلَى الدُّبُرِ خَارِجُونَ عَنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ جَمِيعًا (٢) .

وَلأَِنَّ الدُّبُرَ مَحَل أَذًى، فَوَجَبَ أَنْ تَحْرُمَ الإِْصَابَةُ فِيهِ كَالْحَيْضِ (٣)، بَل هُوَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، لأَِنَّ الأَْذَى فِي الْحَيْضِ عَارِضٌ، أَمَّا الأَْذَى فِيهِ فَهُوَ لاَزِمٌ دَائِمٌ (٤) . قَال ابْنُ الْحَاجِّ الْمَالِكِيُّ: قَال عُلَمَاؤُنَا: إِذَا مُنِعَ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ فِي حَال الْحَيْضِ مِنْ أَجْل الأَْذَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُل هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ (٥)﴾، وَهِيَ أَيَّامٌ يَسِيرَةٌ مِنَ الشَّهْرِ غَالِبًا، فَمَا بَالُكَ بِمَوْضِعٍ لاَ تُفَارِقُهُ النَّجَاسَةُ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ (٦)؟ وَلأَِنَّ لِلْمَرْأَةِ حَقًّا عَلَى الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ، وَوَطْؤُهَا فِي دُبُرِهَا يُفَوِّتُ حَقَّهَا، وَلاَ يَقْضِي وَطَرَهَا، وَلاَ يُحَصِّل مَقْصُودَهَا، بَل يَضُرُّهَا لِتَحْرِيكِ بَاعِثِ شَهْوَتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنَال غَرَضَهَا (٧) .

_________

(١) الحاوي للماوردي ١١ / ٤٣٧.

(٢) زاد المعاد ٤ / ٢٦٢.

(٣) زاد المعاد ٤ / ٢٦٢.

(٤) زاد المعاد ٤ / ٢٦٢.

(٥) سورة البقرة / ٢٢٢.

(٦) المدخل ٢ / ١٩٤.

(٧) المدخل ٢ / ١٩٤، وزاد المعاد ٤ / ٢٦٤.

وَلاِنْدِرَاجِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ (١)﴾ . قَال الْقَرَافِيُّ: وَتَلَطُّخُ الإِْنْسَانِ بِالْعَذِرَةِ مِنَ الدُّبُرِ مِنْ أَخْبَثِ الْخَبَائِثِ، وَلاَ يَمِيل إِلَى ذَلِكَ مِنَ الذُّكُورِ وَالإِْنَاثِ إِلاَّ النُّفُوسُ الْخَبِيثَةُ، خَسِيسَةُ الطَّبْعِ، بَهِيمَةُ الأَْخْلاَقِ، وَالنُّفُوسُ الشَّرِيفَةُ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ (٢) .

٢٧ - وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَنَافِعٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلٍ، وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَنُسِبَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ، وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبَ - أَنَّ إِتْيَانَ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا حَلاَلٌ (٣)؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ ﷺ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا، فَأَنْزَل اللَّهُ تَعَالَى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (٤)﴾ (٥) .

_________

(١) سورة الأعراف / ١٥٧.

(٢) الذخيرة ٤ / ٤١٨.

(٣) المغني ١٠ / ٢٢٦، والحاوي للماوردي ١١ / ٤٣٣، والتلخيص الحبير ٣ / ١٨١ - ١٨٢، والمدخل لابن الحاج ٢ / ١٩٢، وشرح معاني الآثار ٣ / ٤٠ وما بعدها، والأشراف لابن المنذر ص١٥٧، ومواهب الجليل ٣ / ٤٠٧، وتفسير القرطبي ٣ / ٩٣.

(٤) سورة البقرة / ٢٢٣.

(٥) حديث ابن عمر أن رجلا أتى امرأة في دبرها. أخرجه النسائي في السنن الكبرى (٥ / ٣١٦ - ط العلمية) .

كَمَا اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ ﴿إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (١)﴾ .

وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ يَتَأَوَّل فِيهِ قَوْل اللَّهِ ﷿: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ ﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ (٢)﴾ . حَيْثُ قَال: فَتَقْدِيرُهُ: تَتْرُكُونَ مِثْل ذَلِكَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ، وَلَوْ لَمْ يُبَحْ مِثْل ذَلِكَ مِنَ الأَْزْوَاجِ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُبَاحُ مِنَ الْمَوْضِعِ الآْخَرِ مِثْلًا لَهُ حَتَّى يُقَال تَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَتَتْرُكُونَ مِثْلَهُ مِنَ الْمُبَاحِ (٣) .

٢٨ - وَقَدْ رَدَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى الاِسْتِدْلاَل بِالآْيَةِ الأُْولَى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (٤)﴾، بِأَنَّ " أَنَّى " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَل بِهَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى " مِنْ أَيْنَ " لاَ بِمَعْنَى " أَيْنَ "، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ. قَال اللَّهُ ﷿: ﴿يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا (٥)﴾، بِمَعْنَى مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّهُ قَال لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: قَدْ أَكْثَرَ عَلَيْكَ الْقَوْلُ، أَنَّكَ تَقُول عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنْ

_________

(١) سورة المؤمنون / ٥.

(٢) سورة الشعراء / ١٦٥.

(٣) تفسير القرطبي ٣ / ٩٣ - ٩٤.

(٤) سورة البقرة / ٢٢٣.

(٥) سورة آل عمران / ٣٧.

يُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهَا، قَال نَافِعٌ: لَقَدْ كَذَبُوا عَلَيَّ، وَلَكِنْ سَأُخْبِرُكَ كَيْفَ كَانَ الأَْمْرُ، إِنَّ ابْنَ عُمَرَ عَرَضَ الْمُصْحَفَ يَوْمًا وَأَنَا عِنْدَهُ حَتَّى بَلَغَ ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ قَال: يَا نَافِعُ، هَل تَدْرِي مَا أَمْرُ هَذِهِ الآْيَةِ؟ إِنَّا كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نُجَبِّي النِّسَاءَ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ وَنَكَحْنَا نِسَاءَ الأَْنْصَارِ أَرَدْنَا مِنْهُنَّ مِثْل مَا كُنَّا نُرِيدُ مِنْ نِسَائِنَا، فَإِذَا هُنَّ قَدْ كَرِهْنَ ذَلِكَ وَأَعْظَمْنَهُ، وَكَانَتْ نِسَاءُ الأَْنْصَارِ إِنَّمَا يُؤْتَيْنَ عَلَى جُنُوبِهِنَّ، فَأَنْزَل اللَّهُ تَعَالَى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ (١) .

وَقَال ابْنُ الْحَاجِّ: الدُّبُرُ اسْمٌ لِلظَّهْرِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٢)﴾، وَقَال: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ (٣)﴾، أَيْ ظَهْرَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُؤْتَى مِنْ قُبُلٍ وَمِنْ دُبُرٍ. يَعْنِي: أَنَّهَا تُؤْتَى مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا فِي قُبُلِهَا (٤) .

وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ﵁ أَنَّ سَائِلًا سَأَل رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: حَلاَلٌ، ثُمَّ دَعَاهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَقَال: كَيْفَ قُلْتَ؟ فِي أَيِّ الْخُرْبَتَيْنِ أَوْ فِي أَيِّ الْخُرْزَتَيْنِ، أَوْ فِي

_________

(١) تفسير القرطبي ٣ / ٩٢ - ٩٣، والمحلى ١٠ / ٢٦٩. وأثر ابن عمر أخرجه النسائي في السنن الكبرى (٥ / ٣١٥ - ط العلمية) .

(٢) سورة القمر / ٤٥.

(٣) سورة الأنفال / ١٦.

(٤) المدخل ٢ / ١٩٤.

الْخُصْفَتَيْنِ؟ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فَنَعَمْ، أَمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلاَ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، لاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ (١) .

وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ فِي جَوَازِ إِتْيَانِ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، وَقَال فِيهِ: وَهَل يَفْعَل ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ كَمَا أَنْكَرَ ابْنُهُ سَالِمٌ نَقْل الإِْبَاحَةِ عَنْ أَبِيهِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ خِلاَفُ ذَلِكَ فِيمَا رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " لَقَدْ كَذَبُوا عَلَيَّ "، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحَدِيثِ بِنَصِّهِ (٢) .

وَمَا نُسِبَ لِمَالِكٍ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ عَكْسُ ذَلِكَ؛ حَيْثُ قَال مَالِكٌ لاِبْنِ وَهْبٍ وَعَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ لَمَّا أَخْبَرَاهُ: أَنَّ نَاسًا بِمِصْرَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْهُ أَنَّهُ يُجِيزُ ذَلِكَ، فَنَفَرَ مِنْ ذَلِكَ وَبَادَرَ إِلَى تَكْذِيبِ النَّاقِلِ، فَقَال: كَذَبُوا عَلَيَّ، كَذَبُوا عَلَيَّ، كَذَبُوا عَلَيَّ! ثُمَّ قَال: أَلَسْتُمْ عَرَبًا، أَلَمْ يَقُل اللَّهُ تَعَالَى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ وَهَل يَكُونُ الْحَرْثُ إِلاَّ فِي مَوْضِعِ الْمَنْبَتِ (٣) .

وَبِذَلِكَ ثَبَتَ بِالأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ

_________

(١) حديث خزيمة بن ثابت: أن رجلا سأل النبي ﷺ عن إتيان النساء في أدبارهن. . . أخرجه الشافعي في الأم (١٠ / ٣٢٢ - ط دار ابن قتيبة) وعنه أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٧ / ١٩٦) ثم نقل البيهقي عن الشافعي توثيق روايته.

(٢) شرح معاني الآثار ٣ / ٤٢، وتفسير القرطبي ٣ / ٩٣ - ٩٥، وتهذيب ابن القيم لمختصر سنن أبي داود ٣ / ٧٨، والمحلى ١٠ / ٦٩.

(٣) الذخيرة ٤ / ٤١٦، وتفسير القرطبي ٣ / ٩٤ - ٩٥.