الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٤ الصفحة 4

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٤

(ر: حَيْض ف ٤٢ - ٤٤)

ثَالِثًا: الاِسْتِحَاضَةُ:

١٥ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ إِلَى جَوَازِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ. وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَقَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَبِهِ أَقُول.

وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ (١)﴾ . وَهَذِهِ طَاهِرَةٌ مِنَ الْحَيْضِ، وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ ﵂ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُجَامِعُهَا، وَأَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ ﵂ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَغْشَاهَا (٢)، وَقَدْ سَأَلَتَا رَسُول اللَّهِ

_________

(١) سورة البقرة / ٢٢٢.

(٢) حديثا: " إن حمنة بنت جحش، وأم حبيبة كانتا تستحاضان ". أخرجهما أبو داود (١ / ٢١٦) من حديث عكرمة مرسلا.

ﷺ عَنْ أَحْكَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَلَوْ كَانَ وَطْؤُهَا حَرَامًا لَبَيَّنَهُ لَهُمَا. وَلأَِنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ كَالطَّاهِرِ فِي الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالاِعْتِكَافِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا، فَكَذَلِكَ فِي الْوَطْءِ، وَلأَِنَّهُ دَمُ عِرْقٍ، فَلَمْ يَمْنَعِ الْوَطْءَ كَالنَّاسُورِ، وَلأَِنَّ التَّحْرِيمَ بِالشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ بِتَحْرِيمٍ فِي حَقِّهَا، بَل وَرَدَ بِإِبَاحَةِ الصَّلاَةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ (١) .

الْقَوْل الثَّانِي: ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَابْنُ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَابْنُ عُلَيَّةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: " الْمُسْتَحَاضَةُ لاَ يَغْشَاهَا زَوْجُهَا " (٢) . وَلأَِنَّ بِهَا أَذًى فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا كَالْحَائِضِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ وَطْءَ الْحَائِضِ مُعَلِّلًا بِالأَْذَى بِقَوْلِهِ: ﴿قُل هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ (٣)﴾ .

فَأَمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ عَقِيبَ الأَْذَى مَذْكُورًا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، وَلأَِنَّ الْحُكْمَ إِذَا ذُكِرَ مَعَ وَصْفٍ يَقْتَضِيهِ وَيَصْلُحُ لَهُ عُلِّل بِهِ، وَالأَْذَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً

_________

(١) رد المحتار ١ / ١٩٨، وتبيين الحقائق ١ / ٦٨، والمجموع ٢ / ٣٧٢، والذخيرة ١ / ٣٩٠، وجواهر الإكليل ١ / ٣١، وبداية المجتهد ١ / ٦٣، وكشاف القناع ١ / ٢٥١، والمغني ١ / ٤٢١ - ط هجر.

(٢) أثر عائشة: " المستحاضة لا يغشاها زوجها ". أخرجه البيهقي في السنن (١ / ٣٢٩) .

(٣) سورة البقرة / ٢٢٢.

فَيُعَلَّل بِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ فَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ فِي حَقِّهَا (١) .

رَابِعًا: الاِعْتِكَافُ:

١٦ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ فِي الاِعْتِكَافِ حَرَامٌ، وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لَهُ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا إِذَا كَانَ عَامِدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ (٢)﴾ .

(وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي اعْتِكَاف ف٢٧) .

خَامِسًا: الصَّوْمُ:

١٧ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ الْوَطْءِ عَمْدًا عَلَى الصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ، وَمُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ، أَنْزَل أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، حَيْثُ وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّهُ قَال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، هَلَكْتُ! قَال: مَا لَكَ؟ قَال: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: هَل تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَال: لاَ، قَال: فَهَل تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَال: لاَ، قَال: فَهَل تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَال: لاَ. قَال: فَمَكَثَ النَّبِيُّ ﷺ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ، فَقَال: أَيْنَ السَّائِل؟ فَقَال: أَنَا. قَال:

_________

(١) المغني ١ / ٤٢٠ - ط هجر، وكشاف القناع ١ / ٢١٧، والذخيرة ١ / ٣٩٠، والمجموع ٢ / ٣٧٢.

(٢) سورة البقرة / ١٧٨.

خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ. فَقَال الرَّجُل: عَلَى أَفْقَرِ مِنِّي يَا رَسُول اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا - أَيِ الْحَرَّتَيْنِ - أَهْل بَيْتِ أَفْقَرُ مِنْ أَهْل بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَال: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ (١) .

(ر: صَوْم ف ٦٨، ٨٩) .

سَادِسًا: الإِْحْرَامُ:

١٨ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ الْوَطْءِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِنُسُكِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَال فِي الْحَجِّ (٢)﴾ . حَيْثُ جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الرَّفَثِ: أَنَّهُ مَا قِيل عِنْدَ النِّسَاءِ مِنْ ذِكْرِ الْجِمَاعِ وَقَوْل الْفُحْشِ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ تَكُونُ الآْيَةُ دَلِيلًا عَلَى تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِطَرِيقِ دَلاَلَةِ النَّصِّ، أَيْ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

كَمَا فُسِّرَ الرَّفَثُ أَيْضًا بِالْجِمَاعِ نَفْسِهِ، فَتَكُونُ الآْيَةُ نَصًّا فِيهِ (٣) .

وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ فِي حَالَةِ الإِْحْرَامِ جِنَايَةٌ تُفْسِدُ النُّسُكَ، إِذَا كَانَ الْوَطْءُ

_________

(١) حديث أبي هريرة: " بينما نحن جلوس عند النبي ﷺ ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١٦٣) ومسلم (٢ / ٧٨١ - ٧٨٢) واللفظ للبخاري.

(٢) سورة البقرة / ١٩٧.

(٣) تفسير البغوي ١ / ٢٢٦، وأحكام القرآن لابن العربي ١ / ١٣٣.

قَبْل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَلاَ يُفْسِدُهُ بَعْدَ التَّحَلُّل الأَْوَّل. وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ إِذَا كَانَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَقَبْل التَّحَلُّل الأَْوَّل.

(وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي إِحْرَام ف ١٧٠ - ١٧١) .

سَابِعًا: الظِّهَارُ:

١٩ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حُرْمَةِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ الْمَظَاهَرِ مِنْهَا قَبْل التَّكْفِيرِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا (١)﴾، وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵁: أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ، فَقَال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَلاَ تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ (٢) .

فَقَدْ أَمَرَهُ الرَّسُول ﷺ بِالاِسْتِغْفَارِ مِنَ الْوِقَاعِ، وَهُوَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الذَّنْبِ، فَدَل هَذَا عَلَى حُرْمَةِ الْوَطْءِ قَبْل التَّكْفِيرِ، كَمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ نَهَاهُ عَنِ الْعَوْدِ إِلَى الْوِقَاعِ حَتَّى يُكَفِّرَ، وَمُطْلَقُ النَّهْيِ يَدُل عَلَى تَحْرِيمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى حُرْمَةِ الْوِقَاعِ قَبْل التَّكْفِيرِ.

_________

(١) سورة المجادلة / ٣.

(٢) حديث ابن عباس: " أن رجلا ظاهر من امرأته. . . ". أخرجه أبو داود (٢ / ٦٦٦) والترمذي (٣ / ٤٩٣)، وقال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح، وذكر الزيلعي في نصب الراية (٣ / ٢٤٦ - ٢٤٧) طرق الحديث ثم قال: ولم أجد ذكر الاستغفار في شيء من طرق الحديث.

وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجَةِ تَمْكِينُهُ مِنْ نَفْسِهَا قَبْل أَنْ يُكَفِّرَ.

(ر: ظِهَار ف ٢٢) .

ثَامِنًا: وَطْءُ الْمُسْلِمِ حَلِيلَتَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ:

٢٠ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَطَأَ حَلِيلَتَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا نَسْلٌ؛ لأَِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّوَطُّنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. قَال ﷺ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُل مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ " قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، وَلِمَ؟ قَال: لاَ تَرَاءَى نَارُهُمَا (١) .

وَإِذَا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ رُبَّمَا يَبْقَى لَهُ نَسْلٌ فِيهَا فَيَتَخَلَّقُ وَلَدُهُ بِأَخْلاَقِ الْمُشْرِكِينَ، وَلأَِنَّ مَوْطُوءَتَهُ إِذَا كَانَتْ حَرْبِيَّةً فَإِذَا عَلِقَتْ مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ مَلَكُوهَا مَعَ مَا فِي بَطْنِهَا، فَفِي هَذَا تَعْرِيضُ وَلَدِهِ لِلرِّقِّ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ.

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَطَأُ الْمُسْلِمُ زَوْجَتَهُ فِي دَارِ

_________

(١) حديث: " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ". أخرجه الترمذي (٤ / ١٥٥) من حديث جرير بن عبد الله ثم نقل عن البخاري أنه صحح إرساله من حديث قيس بن أبي حازم.

الْحَرْبِ نَصًّا إِلاَّ لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا وُجِدَتِ الضَّرُورَةُ يَجِبُ الْعَزْل (١) .

(ب) الْوَطْءُ الْمَحْظُورُ

لِلْوَطْءِ الْمَحْظُورِ صُوَرٌ: مِنْهَا الزِّنَا، وَاللِّوَاطَةُ، وَوَطْءُ الْحَلِيلَةِ وَالأَْجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا، وَوَطْءُ الْمَيْتَةِ، وَوَطْءُ الْبَهِيمَةِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أَوَّلًا: الزِّنَا:

٢١ - الزِّنَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ، وَكَبِيرَةٌ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ (٢)، قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣)﴾ .

(ر: زِنًا ف ٥) .

ثَانِيًا: اللِّوَاطُ:

٢٢ - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ اللِّوَاطَ مُحَرَّمٌ مُغَلَّظُ التَّحْرِيمِ وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ (٤) . قَال

_________

(١) المبسوط ١٠ / ٧٤ - ٧٥، والدر المختار مع رد المحتار ٢ / ٢٨٩، والخرشي ٣ / ٢٢٦، وأسنى المطالب ٣٠ / ١٦١، ومغني المحتاج ٣ / ١٧٨، والإنصاف ٨ / ١٤، وشرح المنتهى ٣ / ٣.

(٢) رد المحتار ٣ / ١٤١، وفتح القدير ٥ / ٣١، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٣، وحاشة الدسوقي ٤ / ٣١٣.

(٣) سورة الإسراء / ٣٢.

(٤) الكبائر للذهبي ص٨١، والزواجر ٢ / ١٣٩، وتنبيه الغافلين لابن النحاس ص١٤١، والمغني ١٢ / ٣٤٨، ونيل الأوطار ٧ / ١١٧.

الْمَاوَرْدِيُّ: وَاللِّوَاطُ أَغْلَظُ الْفَوَاحِشِ تَحْرِيمًا (١) .

(ر: لِوَاط ف ٣) .

وَجَرِيمَةُ اللِّوَاطِ لَمْ يَعْمَلْهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ قَبْل قَوْمِ لُوطٍ؛ كَمَا قَال ﷿: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (٢)﴾ .

عُقُوبَةُ اللِّوَاطِ:

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عُقُوبَةِ مَنْ فَعَل فِعْل قَوْمِ لُوطٍ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ:

الأَْوَّل: لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَهُوَ أَنَّ حَدَّ اللِّوَاطِ - الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ - كَالزِّنَا، فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ، وَيُجْلَدُ الْبِكْرُ. وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ﵄.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِذَا أَتَى الرَّجُل الرَّجُل فَهُمَا زَانِيَانِ (٣)، وَلأَِنَّهُ وَطْءٌ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى طَبْعًا

_________

(١) الحاوي ١٧ / ٥٩، وانظر المبسوط ٩ / ٧٧، وتحريم الغناء والسماع للطرطوشي ص٢٥٧.

(٢) سورة الأعراف / ٨٠.

(٣) حديث: " إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان ". أخرج البيهقي في السنن (٨ / ٢٣٣)، ثم قال: هو منكر بهذا الإسناد. وذكر ابن حجر في التلخيص (٤ / ٥٥) أن في إسناده راويا متهما بالكذب.

مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ قِيَاسًا عَلَى قُبُل الْمَرْأَةِ، بَل هُوَ أَوْلَى بِالْحَدِّ، لأَِنَّهُ إِتْيَانٌ فِي مَحَلٍّ لاَ يُبَاحُ الْوَطْءُ فِيهِ بِحَالٍ، وَالْوَطْءُ فِي الْقُبُل يُبَاحُ فِي بَعْضِ الأَْحْوَال.

وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُحْصَنِ يُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ كَالزِّنَا (١) .

الثَّانِي: لأَِبِي حَنِيفَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْحَكَمِ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُودَعُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ. وَلَوِ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ أَوْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ، قَتَلَهُ الإِْمَامُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُحْصَنًا أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ، سِيَاسَةً.

وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ حَدُّ الزِّنَا، لأَِنَّهُ لَمْ يَنْطَلِقْ عَلَيْهِ اسْمُهُ، فَكَانَ كَالاِسْتِمْتَاعِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلأَِنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ لاَ يُسْتَبَاحُ بِعَقْدٍ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ حَدٌّ، كَالاِسْتِمْتَاعِ بِمِثْلِهِ مِنَ الزَّوْجَةِ، وَلأَِنَّ أُصُول الْحُدُودِ لاَ تَثْبُتُ قِيَاسًا. وَأَيْضًا: فَلأَِنَّهُ وَطْءٌ فِي مَحَلٍّ لاَ تَشْتَهِيهِ الطِّبَاعُ، بَل رَكَّبَهَا اللَّهُ عَلَى النَّفْرَةِ مِنْهُ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يَزْجُرَ الشَّارِعُ عَنْهُ بِالْحَدِّ، كَأَكْل الْعَذِرَةِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَشُرْبِ الْبَوْل. . . غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْصِيَةً مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي لَمْ يُقَدِّرِ

_________

(١) الأم ٧ / ١٨٣، ومغني المحتاج ٤ / ١٤٤، والحاوي الكبير ١٧ / ٦٢، وأسنى المطالب ٤ / ١٢٦، وكشاف القناع ٦ / ٩٤، والمغني ١٢ / ٣٤٩، ورد المحتار ٣ / ١٥٥، وتبيين الحقائق ٣ / ١٨٠، ومجمع الأنهر ١ / ٥٩٥.

الشَّارِعُ فِيهَا حَدًّا مُقَدَّرًا، كَانَ فِيهِ التَّعْزِيرُ (١) .

الثَّالِثُ: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ حَدَّ اللِّوَاطِ الرَّجْمُ مُطْلَقًا، فَيُرْجَمُ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَا مُحْصَنَيْنِ أَمْ غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ. وَهُوَ قَوْل عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ حَبِيبٍ وَرَبِيعَةَ وَإِسْحَاقَ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَل عَمَل قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ (٢) .

وَبِأَنَّهُ إِيلاَجٌ فِي فَرْجِ آدَمِيٍّ يُقْصَدُ الاِلْتِذَاذُ بِهِ غَالِبًا كَالْقُبُلِ، فَكَانَ الرَّجْمُ مُتَعَلِّقًا بِهِ كَالْمَرْأَةِ، وَلأَِنَّ الْحَدَّ فِي الزِّنَا إِنَّمَا وُضِعَ زَجْرًا وَرَدْعًا لِئَلاَّ يَعُودَ إِلَى مِثْلِهِ، وَوَجَدْنَا الطِّبَاعَ تَمِيل إِلَى الاِلْتِذَاذِ بِإِصَابَةِ هَذَا الْفَرْجِ كَمَيْلِهَا إِلَى الْقُبُلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مِنَ الرَّدْعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُبُلِ، بَل إِنَّ هَذَا أَشَدُّ وَأَغْلَظُ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الإِْحْصَانُ كَمَا اعْتُبِرَ الزِّنَا، إِذِ الْمَزْنِيُّ بِهَا جِنْسٌ مُبَاحٌ وَطْؤُهَا،

_________

(١) رد المحتار ٣ / ١٥٥، وفتح القدير مع الكفاية والعناية ٥ / ٤٣، ٤٤، والمبسوط ٩ / ٧٧ - ٧٩، والحاوي للماوردي ١٧ / ٦٠، ومجمع الأنهر ١ / ٥٩٥، وتبيين الحقائق ٣ / ١٨٠، والمحلى ١١ / ٣٨٢، والمغني ١٢ / ٣٥٠.

(٢) حديث: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ". أخرجه الترمذي (٤ / ٥٧) والحاكم (٤ / ٣٥٥) من حديث ابن عباس، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.