الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٤ الصفحة 3

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٤

ثَوَابُ الْوَطْءِ الْمَشْرُوعِ:

٨ - وَرَدَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ. (١) قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ، وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَال: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَل كَانَ لَهُ أَجْرٌ (٢) .

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاهِيرُ أَهْل الْعِلْمِ إِلَى ثَوَابِ الرَّجُل عَلَى جِمَاعِهِ لِحَلِيلَتِهِ إِذَا قَارَنَتْهُ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ كَإِعْفَافِ نَفْسِهِ أَوْ حَلِيلَتِهِ عَنْ إِتْيَانِ مُحَرَّمٍ، أَوْ قَضَاءِ حَقِّهَا مِنْ مُعَاشَرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهِ، أَوْ طَلَبِ وَلَدٍ صَالِحٍ يُوَحِّدُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَقُومُ بِنَشْرِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَيَحْمِي بَيْضَةَ الإِْسْلاَمِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَْغْرَاضِ الْمَبْرُورَةِ (٣) .

٩ - أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْوِ الْمُجَامِعُ غَيْرَ قَضَاءِ شَهْوَتِهِ

_________

(١) أي فيه أجر وحسنة مثل ماله في الصدقة إذا تصدق بها. (انظر بهجة النفوس ٤ / ١٦٩) قال ابن حجر الهيتمي: وتسميته صدقة من مجاز المشابهة، أي إن له أجرا كأجر الصدقة في الجنس، لأن الجميع صادر عن رضا الله تعالى مكافأة على طاعته. (فتح المبين ص٢٠٥) .

(٢) حديث: " وفي بضع أحدكم صدقة ". أخرجه مسلم (٢ / ٦٩٧ - ٦٩٨) .

(٣) فتح المبين للهيتمي ص٢٠٥، والمبين المعين للملا علي القاري ص١٤١، وجامع العلوم والحكم ٢ / ٦٢، والنووي على مسلم ٧ / ٩٢، ودليل الفالحين ١ / ٣٤٩، والمغني ١٠ / ٢٤١.

وَنَيْل لَذَّتِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثَوَابِ جِمَاعِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِبَعْضِ أَهْل الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ مَال ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَهُوَ أَنَّهُ يُثَابُ وَيُؤْجَرُ فِي جِمَاعِ حَلِيلَتِهِ مُطْلَقًا دُونَ أَنْ يَنْوِيَ شَيْئًا (١)، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ: بِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ (٢) حَيْثُ دَل ظَاهِرُ إِطْلاَقِهِ عَلَى أَنَّ الإِْنْسَانَ يُؤْجَرُ فِي جِمَاعِ حَلِيلَتِهِ مُطْلَقًا، إِذْ إِنَّهُ كَمَا يَأْثَمُ فِي الزِّنَا الْمُضَادِّ لِلْوَطْءِ الْحَلاَلِ، فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ فِي فِعْل الْحَلاَل (٣) .

وَالثَّانِي: لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ - مَال إِلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ - وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَنْوِ بِجِمَاعِ حَلِيلَتِهِ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ زَوْجِهِ أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ فَلاَ أَجْرَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَطْءِ، وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ ﵁ مِنَ التَّصْرِيحِ بِالاِحْتِسَابِ لِنَيْل الثَّوَابِ، وَنَصُّهَا: قُلْتُ: نَأْتِي شَهْوَتَنَا وَنُؤْجَرُ؟ قَال: أَرَأَيْتَ لَوْ جَعَلْتَهُ فِي حَرَامٍ أَكُنْتَ تَأْثَمُ؟ قَال: قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: فَتَحْتَسِبُونَ بِالشَّرِّ وَلاَ تَحْتَسِبُونَ بِالْخَيْرِ؟ (٤) .

_________

(١) جامع العلوم والحكم ٢ / ٦٢، ٦٥، ٦٦، وفتح المبين ص٢٠٥، والمبين المعين ص١٤٢.

(٢) حديث: " وفي بعض أحدكم. . . " (سبق تخريجه ف٨) .

(٣) جامع العلوم والحكم ٢ / ٦٦.

(٤) حديث: " نأتي شهوتنا ونؤجر؟ . . . " أخرجه أحمد (٥ / ١٥٤) .

وَوَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁: لَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ (١) .

وَوَرَدَ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً " (٢) . فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يُؤْجَرُ فِيهَا إِذَا احْتَسَبَهَا (٣) . وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الإِْنْفَاقِ الْوَاجِبِ مُشْتَرَطًا، فَأَوْلَى فِي الْجِمَاعِ الْمُبَاحِ (٤) .

آدَابُ الْوَطْءِ وَمُسْتَحَبَّاتُهُ:

١٠ - لَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ لِلْوَطْءِ آدَابًا وَمُسْتَحَبَّاتٍ، فَقَالُوا:

أَ - يُسْتَحَبُّ الْبَدَاءَةُ بِالتَّسْمِيَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:؟ ﴿وَقَدِّمُوا لأَِنْفُسِكُمْ (٥)﴾ قَال عَطَاءٌ: هُوَ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ (٦) .

_________

(١) حديث: " لست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله ". أخرجه البخاري (الفتح ٨ / ١٠٩) ومسلم (٣ / ١٢٥١) .

(٢) حديث: " إذا أنفق المسلم نفقة على أهله. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٩٧) ومسلم (٢ / ٧٩٥) من حديث أبي مسعود الأنصاري.

(٣) جامع العلوم والحكم ٢ / ٦٣.

(٤) فتح المبين ص٢٠٦.

(٥) سورة البقرة / ٢٢٣.

(٦) المغني ١٠ / ٢٣١، وكشاف القناع ٥ / ٢١٦، جواهر الإكليل ١ / ١٧، ومختصر منهاج القاصدين ص١٠٤، وبهجة النفوس ٣ / ٢٣٥، والمفهم للقرطبي ٤ / ١٥٩، والمدخل لابن الحاج ٢ / ١٨٦، وإحياء علوم الدين ٢ / ٤٦، وانظر عشرة النساء للمناوي ص٨٧، وتفسير القرطبي ٣ / ٩٦، والأذكار للنووي ص٢٥٢.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَال: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا (١) .

ب - كَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ الاِنْحِرَافُ عَنِ الْقِبْلَةِ، فَلاَ يَسْتَقْبِلْهَا بِالْوِقَاعِ إِكْرَامًا لَهَا (٢) .

ج - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُلاَعَبَةِ وَالضَّمِّ وَالتَّقْبِيل (٣) . فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمُوَاقَعَةِ قَبْل الْمُلاَعَبَةِ (٤) . وَذَلِكَ لِتَنْهَضَ شَهْوَتُهَا، فَتَنَال مِنْ

_________

(١) حديث: " لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٦ / ٣٣٧) ومسلم (٢ / ١٠٥٨) واللفظ لمسلم.

(٢) المجموع ٢ / ٨٠، وجواهر الإكليل ١ / ١٨، والمغني ١٠ / ٢٣٢، وكشاف القناع ٥ / ٢١٦، وإحياء علوم الدين ٢ / ٤٦، وإتحاف السادة المتقين ٥ / ٣٧٢.

(٣) الآداب الشرعية لابن مفلح ٢ / ٣٨٩، والمغني ١٠ / ٢٣٢، والإحياء ٢ / ٤٦، ومختصر منهاج القاصدين ص١٠٤، وإتحاف السادة المتقين ٥ / ٣٧٢، وكشاف القناع ٥ / ٢١٦، والمدخل لابن الحاج ٢ / ١٨٦.

(٤) حديث جابر: " نهى رسول الله ﷺ عن المواقعة قبل الملاعبة ". أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (١٣ / ٢٢١ - ط الخانجي)، وترجم الذهبي لأحد رواته في ميزان الاعتدال (١ / ٦٦٢ - ط الحلبي) ونقل عن الخليلي أنه قال عنه: ضعيف جدا، روى متونا لا تعرف. وعن الحاكم أنه أسقط حديثه بروايته لهذا الحديث.

لَذَّةِ الْجِمَاعِ مِثْل مَا نَالَهُ (١) .

د - وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُل مُرَاعَاةُ التَّوَافُقِ مَعَ حَلِيلَتِهِ فِي قَضَاءِ الْوَطَرِ، لأَِنَّ فِي تَعَجُّلِهِ فِي قَضَاءِ وَطَرِهِ قَبْل قَضَاءِ حَاجَتِهَا ضَرَرًا عَلَيْهَا وَمَنْعًا لَهَا مِنْ قَضَاءِ شَهْوَتِهَا (٢) .

فَقَدْ رَوَى أَنَسٌ ﵁ مَرْفُوعًا: إِذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَصْدُقْهَا، ثُمَّ إِذَا قَضَى حَاجَتَهُ قَبْل أَنْ تَقْضِيَ حَاجَتَهَا فَلاَ يُعْجِلْهَا حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا (٣) .

قَال الْغَزَالِيُّ: ثُمَّ إِذَا قَضَى وَطَرَهُ فَلْيَتَمَهَّل عَلَى أَهْلِهِ حَتَّى تَقْضِيَ هِيَ أَيْضًا نَهْمَتَهَا، فَإِنَّ إِنْزَالَهَا رُبَّمَا يَتَأَخَّرُ، فَتَهِيجُ شَهْوَتُهَا، ثُمَّ الْقُعُودُ عَنْهَا إِيذَاءٌ لَهَا، وَالاِخْتِلاَفُ فِي طَبْعِ الإِْنْزَال يُوجِبُ التَّنَافُرَ مَهْمَا كَانَ الزَّوْجُ سَابِقًا إِلَى الإِْنْزَالِ، وَالتَّوَافُقُ فِي وَقْتِ الإِْنْزَال أَلَذُّ عِنْدَهَا (٤) .

هـ - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَغَطَّى هُوَ وَأَهْلُهُ بِثَوْبٍ (٥)،

_________

(١) المغني ١٠ / ٢٣١.

(٢) المغني ١٠ / ٢٣٣، وكشاف القناع ٥ / ٢١٧، وعشرة النساء للمناوي ص٨٩، والمدخل لابن الحاج ٢ / ١٨٧.

(٣) حديث: " إذا جامع أحدكم أهله. . . ". أخرجه أبو يعلى في المسند (٧ / ٢٠٨ - ٢٠٩ - ط دار المأمون)، وقال الهيتمي في مجمع الزوائد (٤ / ٢٩٥): فيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات.

(٤) إحياء علوم الدين ٢ / ٤٦، وانظر مختصر منهاج القاصدين ص١٠٤.

(٥) الإحياء ٢ / ٤٦، وإتحاف السادة المتقين ٥ / ٣٧٢، وعشرة النساء للمناوي ص٨٨، والمدخل ٢ / ١٨٦.

حَيْثُ رَوَى عُتْبَةُ بْنُ عَبْدٍ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ، وَلاَ يَتَجَرَّدَا تَجَرُّدَ الْعَيْرَيْنِ (١) .

وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُعَرِّيَ الرَّجُل امْرَأَتَهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ (٢) .

وكَمَا يُسْتَحَبُّ غَضُّ الصَّوْتِ وَعَدَمُ الإِْكْثَارِ مِنَ الْكَلاَمِ عِنْدَ الْجِمَاعِ (٣)، وَيُكْرَهُ لِلرَّجُل وَطْءُ حَلِيلَتِهِ بِحَيْثُ يَرَاهُمَا أَوْ يَسْمَعُ حِسَّهُمَا أَوْ يُحِسُّ بِهِمَا أَحَدٌ غَيْرَ طِفْلٍ لاَ يَعْقِلُ، وَلَوْ رَضِيَ الزَّوْجَانِ. وَذَلِكَ إِذَا كَانَا مَسْتُورِي الْعَوْرَةِ، وَإِلاَّ حَرُمَ مَعَ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (٤) .

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَطَأُ الرَّجُل أَمَتَهُ بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ كَمَا لاَ يَحِل لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَةِ أَمَتِهِ، وَلاَ بِحَضْرَةِ الضَّرَّةِ.

وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ: يُكْرَهُ لِلرَّجُل وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَةِ أَمَتِهِ أَوْ ضَرَّتِهَا (٥) .

_________

(١) حديث: " إذا أتى أحجكم أهل فليستتر ". أخرجه ابن ماجه (١ / ٦١٩)، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (١ / ٣٣٧ - ط دار الجنان) .

(٢) الذخيرة ٤ / ٤١٨.

(٣) الإحياء ٢ / ٤٦، وإتحاف السادة المتقين ٥ / ٣٧٢، والمغني ١٠ / ٢٣٣، ٢٣٤، وكشاف القناع ٥ / ٢١٧.

(٤) كشاف القناع ٥ / ٢١٧، والحاوي للماوردي ١١ / ٤٣١.

(٥) فتح القدير ٤ / ٣٩٧، والفتاوى الهندية ٥ / ٣٢٨، ودرر الحكام شرح غرر الأحكام ١ / ٤١٦.

ز - وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَامِعَ مَرَّةً ثَانِيَةً أَنْ يَغْسِل فَرْجَهُ وَيَتَوَضَّأَ، وَالْغُسْل أَفْضَل (١)؛ لِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ (٢) .

وَعَنْ أَنَسٍ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ (٣) .

وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ طَافَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ، يَغْتَسِل عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُول اللَّهِ! أَلاَ تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا؟ قَال: هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ (٤) .

١١ - قَال الْغَزَالِيُّ: وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنِ اسْتَحَبَّ الْجِمَاعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهُ (٥) وَذَلِكَ تَحْقِيقًا لأَِحَدِ

_________

(١) رد المحتار ١ / ١١٨، ومختصر اختلاف الفقهاء للطحاوي ١ / ١٧٦، والنووي على مسلم ٣ / ٢١٧، والمغني ١٠ / ٢٣٣، ٣٣٤، وكشاف القناع ٥ / ٢١٨، والإحياء ٢ / ٤٧، ومختصر منهاج القاصدين ص١٠٤، والحاوي ١١ / ٤٣٠، والمدخل لابن الحاج ٢ / ١٨٨.

(٢) حديث: " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ ". أخرجه مسلم (١ / ٢٤٩) .

(٣) حديث: " أن النبي ﷺ كان يطوف على نسائه بغسل واحد ". أخرجه مسلم (١ / ٢٤٩) .

(٤) حديث: " أن النبي ﷺ طاف ذات يوم على نسائه ". أخرجه أبو داود (١ / ١٤٩) .

(٥) إحياء علوم الدين ٢ / ٤٦.

التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْل الْمُصْطَفَى ﷺ: مَنِ اغْتَسَل يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ - كَانَ لَهُ بِكُل خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا (١) .

التَّحَدُّثُ عَنِ الْوَطْءِ وَإِفْشَاءُ سِرِّهِ:

١٢ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ التَّحَدُّثِ عَنِ الْوَطْءِ وَإِفْشَاءِ سِرِّهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ - قَال عَنْهُ الْمَرْدَاوِيُّ: هُوَ الصَّوَابُ - وَالنَّوَوِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ الْمُفَاخَرَةُ بِالْجِمَاعِ وَإِفْشَاءُ الرَّجُل مَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُل يُفْضِي (٢) إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا (٣) .

وَبِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الشِّيَاعُ حَرَامٌ (٤) . قَال ابْنُ

_________

(١) حديث: " من اغتسل يوم الجمعة ". أخرجه الترمذي (٢ / ٣٦٨) من حديث أوس بن أوس، وقال: حديث حسن.

(٢) أي يصل، وهو كناية عن الجماع، كما في قوله تعالى:؟ وقد أفضى بعضكم إلى بعض ". (المفهم للقرطبي ٤ / ١٦١) .

(٣) حديث: " إن من أشر الناس عند الله منزلة ". أخرجه مسلم (٢ / ١٠٦٠) .

(٤) حديث: الشياع حرام ". أخرجه أحمد (٣ / ٢٩) وأبو يعلى في المسند (٢ / ٥٢٩ - ط دار المأمون) من حديث أبي سعيد، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٢٩٥) وقال: رواه أبو يعلى، وفيه دراج وثقه ابن معين وضعفه جماعة.

لَهِيعَةَ: يَعْنِي بِهِ الَّذِي يَفْتَخِرُ بِالْجِمَاعِ.

وَعَدَّهُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَالْهَيْتَمِيُّ وَابْنُ عِلاَّنَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْكَبَائِرِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَحَدُّثُ الزَّوْجَيْنِ بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا وَلَوْ لِضَرَّتِهَا.

وَهَذَا مَا عَزَاهُ الْهَيْتَمِيُّ إِلَى النَّوَوِيِّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَقَال: مَحَل الْحُرْمَةِ فِيمَا إِذَا ذَكَرَ حَلِيلَتَهُ بِمَا يَخْفَى كَالأَْحْوَال الَّتِي تَقَعُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْجِمَاعِ وَالْخَلْوَةِ، وَالْكَرَاهَةُ فِيمَا إِذَا ذَكَرَ مَا لاَ يَخْفَى مُرُوءَةً، وَمِنْهُ ذِكْرُ مُجَرَّدِ الْجِمَاعِ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ (١) .

مَوَانِعُ الْوَطْءِ الْمَشْرُوعِ:

مَوَانِعُ الْوَطْءِ الْمَشْرُوعِ تِسْعَةٌ، اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى سِتَّةٍ مِنْهَا: وَهِيَ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالاِعْتِكَافُ وَالصَّوْمُ وَالإِْحْرَامُ وَالظِّهَارُ قَبْل التَّكْفِيرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ثَلاَثَةٍ مِنْهَا: وَهِيَ الاِسْتِحَاضَةُ، وَعَدَمُ الاِغْتِسَال بَعْدَ الطُّهْرِ مِنَ الْحَيْضِ، وَالإِْقَامَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

_________

(١) حاشية ابن عابدين ١ / ٢٣٣، والإنصاف ٨ / ٣٦٠، وكشاف القناع ٥ / ١٩٤، والزواجر ٢ / ٢٩، ٣٠، ودليل الفالحين ٣ / ١٥٣ - ١٥٤، وشرح النووي على مسلم ١٠ / ٢٦٠.

أَوَّلًا: الْحَيْضُ:

١٣ - اتَّفَقَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى حُرْمَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ فِي الْفَرْجِ (١)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ (٢)﴾ . وَمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال فِي شَأْنِ الاِسْتِمْتَاعِ بِالْحُيَّضِ: اصْنَعُوا كُل شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ (٣) .

وَلِلتَّفْصِيل فِي الْمَسَائِل الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَوْضُوعِ وَلِمَعْرِفَةِ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي كَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ وَحُكْمِ مُسْتَحِل وَطْءِ الْحَائِضِ. (ر. حَيْض ف٤٢ - ٤٤) .

ثَانِيًا: النِّفَاسُ:

١٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ وَطْءِ النُّفَسَاءِ فِي الْفَرْجِ، وَأَنَّ حُكْمَ دَمِ النِّفَاسِ (٤) فِي حَظْرِ الْوَطْءِ وَفِي اقْتِضَاءِ الْغُسْل بَعْدَهُ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ - حُكْمُ الْحَيْضِ اتِّفَاقًا وَاخْتِلاَفًا (٥) .

_________

(١) تبيين الحقائق ١ / ٥٧، والمجموع للنووي ٢ / ٣٥٩، والحاوي للماوردي ١ / ٤٧١، وبداية المجتهد ١ / ٥٦، والمغني ١ / ٣٨٦، والذخيرة للقرافي ١ / ٣٧٦، وعقد الجواهر الثمينة ١ / ٩٢.

(٢) سورة البقرة / ٢٢٢.

(٣) حديث: " اصنعوا كل شيء إلا النكاح ". أخرجه مسلم (١ / ٢٤٦) من حديث أنس بن مالك.

(٤) وهو الدم الخارج من الفرج بسبب الولادة من غير مرض خارج عنها. (عقد الجواهر الثمينة لابن شاس ١ / ٩٩) .

(٥) رد المحتاج ١ / ١٩٩، ٢٠٠، وتبيين الحقائق ١ / ٦٨، والذخيرة ١ / ٣٧٥، وعقد الجواهر الثمينة ١ / ٩٢، والحاوي للماوردي ١ / ٥٣٤، والمجموع ٢ / ٥٢٠.