الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٤
وَالأَْقَارِبِ الأَْبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لَهُمْ، يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ، لِقَوْل رَسُول اللَّهِ ﷺ: اصْنَعُوا لأَِهْل جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ (١)، وَلأَِنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ، وَفِيهِ إِظْهَارُ الْمَحَبَّةِ وَالاِعْتِنَاءِ.
وَقَالُوا: يُلِحُّ - مُقَدِّمُ الطَّعَامِ - عَلَيْهِمْ فِي الأَْكْل لأَِنَّ الْحُزْنَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْعُفُونَ.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ بَأْسَ بِالْقَسَمِ عَلَيْهِمْ إِذَا عَرَفَ أَنَّهُمْ يَبَرُّونَ بِقَسَمِهِ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ: إِنِ اجْتَمَعَ أَهْل الْمَيِّتِ عَلَى مُحَرَّمٍ مِنْ نَدْبٍ وَلَطْمٍ وَنِيَاحَةٍ فَلاَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْنَعَ لَهُمْ طَعَامٌ وَيُبْعَثَ بِهِ إِلَيْهِمْ، بَل يَحْرُمُ إِرْسَال الطَّعَامِ إِلَيْهِمْ لأَِنَّهُمْ عُصَاةٌ (٢) .
إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَضِيمَةِ:
٥ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَضِيمَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ إِجَابَتَهَا مُسْتَحَبَّةٌ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
_________
(١) حديث: اصنعوا لأهل جعفر طعاما. . . أخرجه الترمذي (٣ / ٣١٤)، وحسنه.
(٢) فتح القدير ٢ / ٤٧٣، والفواكه الدواني على رسالة القيرواني ١ / ٣٣٢، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير ١ / ٥٦١، وحاشية الدسوقي ١ / ٤١٩، وروضة الطالبين للنووي ٢ / ١٤٥، ونهاية المحتاج للرملي ٣ / ٤١، والمجموع شرح المهذب ٥ / ٣١٩ - ٣٢٠، ومغني المحتاج ١ / ٣٦٧ - ٣٦٨، والمغني لابن قدامة ٢ / ٥٥٠، ومطالب أولي النهى ١ / ٩٢٩.
وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، وَذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهَا مُبَاحَةٌ (١) .
الأَْكْل مِنْ طَعَامِ الْوَضِيمَةِ:
٦ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الأَْكْل مِنْ طَعَامِ الْوَضِيمَةِ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ بَأْسَ بِالأَْكْل مِنْهُ (٢) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: مَا يَصْنَعُهُ أَهْل الْمَيِّتِ مِنَ الطَّعَامِ وَيَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَيْهِ لاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ الأَْكْل مِنْهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الَّذِي صَنَعَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ بَالِغًا رَشِيدًا فَلاَ حَرَجَ فِي الأَْكْل مِنْهُ (٣) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: كُرِهَ لِلنَّاسِ غَيْرَ الْضُّيُوفِ الأَْكْل مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي يَصْنَعُهُ أَهْل الْمَيِّتِ لِلضُّيُوفِ، وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مِنَ التَّرِكَةِ وَفِي مُسْتَحِقِّيهَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ - حَرُمَ فِعْل الطَّعَامِ، وَحَرُمَ الأَْكْل مِنْهُ، لأَِنَّهُ مَالٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، أَوْ مَال الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ (٤) .
_________
(١) البناية في شرح الهداية للعيني ٩ / ٢٠٢، وحاشية الطحطاوي على الدر ٤ / ١٧٥، ومواهب الجليل ٤ / ٣، وحاشية الدسوقي ٢ / ٣٣٧، ومغني المحتاج ٣ / ٢٤٥، وتحفة المحتاج ٣ / ٢٠٧، والشرح الصغير ٢ / ٤١٩، ومطالب أولي النهى ٥ / ٢٣٤، وكشاف القناع ٥ / ١٦٨.
(٢) الفتاوى الهندية ٥ / ٣٤٤.
(٣) الفواكه الدواني ١ / ٣٣٢.
(٤) مطالب أولي النهى ١ / ٩٣٠.
الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَنَقْل الطَّعَامِ إِلَيْهِ:
٧ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِيمَا اسْتَظْهَرَهُ الْهَيْتَمِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الذَّبْحَ عِنْدَ الْقَبْرِ وَنَقْل الطَّعَامِ إِلَيْهِ مِنَ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ مِنْ فِعْل الْجَاهِلِيَّةِ وَمُخَالِفٌ لِقَوْل رَسُول اللَّهِ ﷺ: لاَ عَقْرَ فِي الإِْسْلاَمِ (١)، قَال الْعُلَمَاءُ: الْعَقْرُ: الذَّبْحُ عَلَى الْقَبْرِ. وَلِمَا فِيهِ مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْمُبَاهَاةِ وَالْفَخْرِ لأَِنَّ السُّنَّةَ فِي أَفْعَال الْقُرَبِ الإِْسْرَارُ بِهَا دُونَ الْجَهْرِ (٢) .
وَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: يَحْرُمُ الذَّبْحُ وَالتَّضْحِيَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَلَوْ نَذَرَهُ نَاذِرٌ لَمْ يَفِ بِهِ، وَلَوْ شَرَطَهُ وَاقِفٌ فَشَرْطُهُ فَاسِدٌ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: وَمِنَ الْمُنْكَرِ وَضْعُ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ عَلَى الْقَبْرِ لِيَأَخُذَهُ النَّاسُ، وَإِخْرَاجُ الصَّدَقَةِ مَعَ الْجِنَازَةِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ لَمْ يَفْعَلْهَا السَّلَفُ، هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٌ وَإِلاَّ فَحَرَامٌ إِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنَ التَّرِكَةِ.
وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الصَّدَقَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ، فَإِنَّهَا مُحْدَثَةٌ، الأَْوْلَى تَرْكُهَا؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَشُوبُهَا رِيَاءٌ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِيهَا، وَنَقَل أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ:
_________
(١) حديث: " لا عقر في الإسلام. . . "، أخرجه أبو داود (٣ / ٥٥١) من حديث أنس بن مالك.
(٢) تبيين الحقائق ١ / ٢٤٦، والمجموع ٥ / ٣٢٠، وتحفة المحتاج ٣ / ٢٠٨، والفواكه الدواني ١ / ٣٣٢، ومواهب الجليل ٢ / ٢٤٨، وكشاف القناع ٢ / ١٤٩، والإنصاف ٢ / ٥٦٩، ٥٧٠، ومطالب أولي النهى ١ / ٩٣٠ - ٩٣١.
لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الصَّدَقَةِ لِلْمَيِّتِ (١) .
وَطْءٌ
التَّعْرِيفُ ِ:
١ - الْوَطْءُ لُغَةً: الْعُلُوُّ عَلَى الشَّيْءِ. يُقَال: وَطِئْتُهُ بِرِجْلِي، أَطَؤُهُ، وَطْئًا: أَيْ عَلَوْتُهُ.
وَكَذَلِكَ يُطْلَقُ الْوَطْءُ عَلَى الْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ إِيلاَجُ ذَكَرٍ فِي فَرْجٍ، لِيَصِيرَا بِذَلِكَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ. فَيُقَال: وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَطْأً، أَيْ جَامَعَهَا؛ لأَِنَّهُ اسْتِعْلاَءٌ (٢) .
_________
(١) مطالب أولي النهى ١ / ٩٣٠ - ٩٣١.
(٢) المغرب، والمصباح المنير، ولسان العرب، والقاموس المحيط، والنهاية لابن الأثير ٥ / ٢٠٠ وما بعدها.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (١) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - النِّكَاحُ:
٢ - أَصْل النِّكَاحِ فِي اللُّغَةِ: الضَّمُّ وَالْجَمْعُ. وَيُطْلَقُ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ حَقِيقَةً عَلَى الْوَطْءِ، وَمَجَازًا عَلَى الْعَقْدِ، لأَِنَّهُ سَبَبُ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ (٢) .
وَيُطْلَقُ فِي الاِصْطِلاَحِ عَلَى عَقْدِ التَّزْوِيجِ حَقِيقَةً، وَعَلَى الْوَطْءِ مَجَازًا. وَقِيل: هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، لأَِنَّهُ سَبَبُ الْوَطْءِ. وَقِيل: هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ، فَيُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ حَقِيقَةً. وَقِيل: هُوَ حَقِيقَةٌ فِي مَجْمُوعِهِمَا، كَسَائِرِ الأَْلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ (٣) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالنِّكَاحِ هِيَ التَّرَادُفُ، إِذَا قِيل: إِنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ. وَالسَّبَبِيَّةُ إِذَا قِيل: إِنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ.
_________
(١) البحر الرائق ٥ / ٤.
(٢) معجم مقاييس اللغة، وطلبة الطلبة ص٣٨، المطلع ص٣١، ٣١٩، والمصباح المنير، والمغرب، والنهاية لابن الأثير ٥ / ١١٤، وتحرير ألفاظ التنبيه ص٢٤٩، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص٧١٠.
(٣) ابن عابدين ٣ / ٥ ط: حلبي الثانية.
ب - اللِّوَاطُ:
٣ - اللِّوَاطُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ لاَطَ، يُقَال: لاَطَ الرَّجُل وَلاَوَطَ: أَيْ عَمِل عَمَل قَوْمِ لُوطٍ، وَهُوَ إِتْيَانُ الذُّكُورِ (١) .
وَيُطْلَقُ فِي الاِصْطِلاَحِ عَلَى إِيلاَجِ ذَكَرٍ فِي دُبُرِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (٢) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْوَطْءِ وَاللِّوَاطِ أَنَّ الْوَطْءَ أَعَمُّ مِنَ اللِّوَاطِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَطْءِ: َتَعَلَّقُ بِالَوَطْءِ أَحْكَامٌ، مِنْهَا:
أَوَّلًا: الْوَطْءُ بِمَعْنَى الْجِمَاعِ.
أَقْسَامُ الْوَطْءِ:
٤ - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْوَطْءَ - بِمَعْنَى الْجِمَاعِ - إِلَى قِسْمَيْنِ: مَشْرُوعٍ، وَمَحْظُورٍ.
فَأَمَّا الْمَشْرُوعُ: فَهُوَ وَطْءُ الْحَلِيلَةِ، الَّتِي هِيَ الزَّوْجَةُ أَوِ السُّرِّيَّةُ. وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ التَّحْرِيمُ فِي بَعْضِ الأَْحْوَالِ، كَوَطْءِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا قَبْل التَّكْفِيرِ، وَفِي حَالَةِ الإِْحْرَامِ وَالصِّيَامِ وَالاِعْتِكَافِ.
_________
(١) الصحاح.
(٢) تحرير ألفاظ التنبيه ص٣٢٤، والمطلع للبعلي ص٣١، والمفردات، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٨٣، وكشاف القناع ٦ / ٩٤، ٩٥، ونهاية المحتاج ٧ / ٤٠٣، والبحر الرائق ٥ / ٤.
وَالتَّحْرِيمُ الْعَارِضُ فِي النَّظَرِ الْفِقْهِيِّ أَخَفُّ مِنَ اللاَّزِمِ.
وَأَمَّا الْوَطْءُ الْمَحْظُورُ: فَهُوَ مَا لاَزَمَهُ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَلاَلًا، كَوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي قُبُلِهَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا، وَفِيهِ حَدُّ الزِّنَا، (١) قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ فَفِي وَطْئِهَا حَقَّانِ، حَقٌّ لِلَّهِ وَحَقٌّ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَفِيهِ ثَلاَثُ حُقُوقٍ، وَإِنْ كَانَ لَهَا أَهْلٌ وَأَقَارِبُ يَلْحَقُهُمُ الْعَارُ بِذَلِكَ صَارَ فِيهِ أَرْبَعَةُ حُقُوقٍ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ صَارَ فِيهِ خَمْسَةُ حُقُوقٍ.
وَالثَّانِي: مَا لاَ سَبِيل إِلَى حِلِّهِ أَلْبَتَّةَ، كَاللِّوَاطَةِ وَوَطْءِ الْحَلِيلَةِ أَوِ الأَْجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا وَوَطْءِ الْبَهِيمَةِ. وَإِنَّ مِنْ أَفْحَشِ صُوَرِهِ وَأَفْظَعِهَا وَطْءَ الْمَحَارِمِ (٢) .
(أَ) الْوَطْءُ الْمَشْرُوعُ:
أَسْبَابُهُ:
٥ - أَسْبَابُ حِل الْوَطْءِ أَمْرَانِ: عَقْدُ النِّكَاحِ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ.
فَأَمَّا النِّكَاحُ، فَقَدْ شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَجَعَل حِل الْوَطْءِ وَالاِسْتِمْتَاعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَهَمَّ
_________
(١) زاد المعاد ٤ / ٢٦٤، ٢٦٥، وقواعد الأحكام ص٥٣٢، ٥٣٣، ٥٤٤.
(٢) زاد المعاد ٤ / ٢٦٤ - ٢٦٥.
أَحْكَامِهِ الأَْصْلِيَّةِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ كَمَا تَحِل لِزَوْجِهَا فَزَوْجُهَا يَحِل لَهَا. . وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُطَالِبَهَا بِالْوَطْءِ مَتَى شَاءَ إِلاَّ عِنْدَ اعْتِرَاضِ أَسْبَابٍ مَانِعَةٍ مِنَ الْوَطْءِ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالظِّهَارِ وَالإِْحْرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تُطَالِبَ زَوْجَهَا بِالْوَطْءِ، لأَِنَّ حِلَّهُ لَهَا حَقُّهَا، كَمَا أَنَّ حِلَّهَا لَهُ حَقُّهُ (١) . قَال اللَّهُ تَعَالَى:؟ ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ ﴿إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٢)﴾ .
وَفِي مَشْرُوعِيَّةِ النِّكَاحِ وَحِكْمَتِهِ (ر: نِكَاح ف٧) .
وَأَمَّا مِلْكُ الْيَمِينِ، فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ وَطْءِ الأَْمَةِ الْمَمْلُوكَةِ وَالتَّسَرِّي بِهَا، دُونَ حَاجَةٍ إِلَى عَقْدِ نِكَاحٍ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لأَِنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يُفِيدُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَإِبَاحَةَ الْبُضْعِ. (ر: تَسَرِّي ف ٦ - ٧)
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
٦ - ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ حُكْمَ وَطْءِ الْحَلِيلَةِ - الزَّوْجَةِ أَوِ السُّرِّيَّةِ - فِي الأَْصْل هُوَ الإِْبَاحَةُ، إِذْ هُوَ مِنَ الْمُسْتَلَذَّاتِ الَّتِي تَدْعُو إِلَيْهَا الطِّبَاعُ، وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الطَّاعَةِ أَوِ الْمَعْصِيَةِ فِي ذَاتِهِ (٣) .
_________
(١) بدائع الصناع ٢ / ٣٣١، وأنيس الفقهاء للقونوي ١٤٥.
(٢) سورة المؤمنون / ٥ - ٧.
(٣) أحكام القرآن للجصاص ٥ / ٩٢، والمفهم للقرطبي ٣ / ٥١، وجامع العلوم والحكم ٢ / ٦٥، والمبين المعين للملا علي القاري ص١٤٢، وفتح المبين للهيتمي ص٢٠٥، ٢٠٦، ودليل الفالحين ١ / ٣٥٠.
وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الاِسْتِحْبَابُ إِذَا قَارَنَتْهُ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، كَالاِسْتِعْفَافِ بِالْحَلاَل عَنِ الْحَرَامِ، وَالاِنْقِطَاعِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَطَلَبِ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ (١) .
وَفِي ذَلِكَ يَقُول النَّوَوِيُّ: إِنَّ الْمُبَاحَاتِ تَصِيرُ طَاعَاتٍ بِالنِّيَّاتِ الصَّادِقَاتِ، فَالْجِمَاعُ يَكُونُ عِبَادَةً إِذَا نَوَى بِهِ قَضَاءَ حَقِّ الزَّوْجَةِ وَمُعَاشَرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ صَالِحٍ، أَوْ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ إِعْفَافَ الزَّوْجَةِ، وَمَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنَ النَّظَرِ إِلَى حَرَامٍ أَوِ الْفِكْرِ فِيهِ أَوِ الْهَمِّ بِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الصَّالِحَةِ (٢) .
وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ، كَمَا إِذَا تَعَيَّنَ وَسِيلَةً لإِعْفَافِ النَّفْسِ أَوْ إِعْفَافِ الأَْهْل عَنِ الْحَرَامِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ التَّحْرِيمُ كَمَا فِي وَطْءِ الْحَائِضِ أَوِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا قَبْل التَّكْفِيرِ أَوْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَقَدْ تَعْرِضُ لَهُ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ اقْتِرَانِهِ بِوَصْفٍ يَقْتَضِيهَا (٣) .
_________
(١) النووي على مسلم ٧ / ٩٢، والمبين المعين ص١٤١، وفتح المبين ص٢٠٥، والمفهم للقرطبي ٣ / ٥١، وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص٣٣٢.
(٢) النووي على مسلم ٧ / ٩٢.
(٣) فليوبي وعميرة ٤ / ٣٧٣، والزرقاني على خليل ٨ / ٧٩، وبدائع الصنائع ٢ / ٣٣١، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٨٤، وزاد المعاد ٤ / ٢٦٤، ومجموع فتاوى ابن تيمية ٣٢ / ٢٧١، والاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية ص٢٤٦، وقواعد الأحكام ص٥٤٤.
مَقَاصِدُ الْوَطْءِ الشَّرْعِيَّةُ:
٧ - قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَأَمَّا الْجِمَاعُ وَالْبَاهُ، فَكَانَ هَدْيُ النَّبِيِّ ﷺ فِيهِ أَكْمَل هَدْيٍ، يَحْفَظُ بِهِ الصِّحَّةَ، وَتَتِمُّ بِهِ اللَّذَّةُ وَسُرُورُ النَّفْسِ، وَيُحَصِّل بِهِ مَقَاصِدَهُ الَّتِي وُضِعَ لأَِجْلِهَا، فَإِنَّ الْجِمَاعَ وُضِعَ فِي الأَْصْل لِثَلاَثَةِ أُمُورٍ هِيَ مَقَاصِدُهُ الأَْصْلِيَّةُ:
أَحَدُهَا: حِفْظُ النَّسْل وَدَوَامُ النَّوْعِ إِلَى أَنْ تَتَكَامَل الْعِدَّةُ الَّتِي قَدَّرَ اللَّهُ بُرُوزَهَا إِلَى هَذَا الْعَالَمِ.
الثَّانِي: إِخْرَاجُ الْمَاءِ الَّذِي يَضُرُّ احْتِبَاسُهُ وَاحْتِقَانُهُ بِجُمْلَةِ الْبَدَنِ.
الثَّالِثُ: قَضَاءُ الْوَطَرِ وَنَيْل اللَّذَّةِ وَالتَّمَتُّعُ بِالنِّعْمَةِ. وَهَذِهِ وَحْدَهَا هِيَ الْفَائِدَةُ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ، إِذْ لاَ تَنَاسُل هُنَاكَ، وَلاَ احْتِقَانَ يَسْتَفْرِغُهُ الإِْنْزَال. ثُمَّ قَال: وَمِنْ مَنَافِعِهِ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ النَّفْسِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْعِفَّةِ عَنِ الْحَرَامِ، وَتَحْصِيل ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ، فَهُوَ يَنْفَعُ نَفْسَهُ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ وَيَنْفَعُ الْمَرْأَةَ (١) .
_________
(١) زاد المعاد ٤ / ٢٤٩، ٢٥٠، وانظر الآداب الشرعية لابن مفلح ٢ / ٣٨٥، وقواعد الأحكام (ص٥٣ ط. دار الطباع بدمشق) .