الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٤
الثَّانِي: يَرَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ، وَابْنُ عُلَيَّةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَابْنُ حَزْمٍ وَالشَّوْكَانِيُّ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَطَاوُسٍ وَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَخِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ الطَّلاَقَ الْمُحَرَّمَ لاَ يَقَعُ؛ لأَِنَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ نَهَى عَنْهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُخَالِفٌ لأَِمْرِهِ فَكَانَ مَرْدُودًا بَاطِلًا.
وَلأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ فِي قُبُل الْعِدَّةِ، فَإِذَا بَطَل فِي غَيْرِهِ لَمْ يَقَعْ، كَالْوَكِيل إِذَا أَوْقَعَهُ فِي زَمَنٍ أَمَرَهُ مُوَكِّلُهُ بِإِيقَاعِهِ فِي غَيْرِهِ (١) .
ح - أَثَرُ الْوَطْءِ فِي إِيجَابِ حَدِّ الزِّنَا:
٦٣ - الْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِحَدِّ الزِّنَا - كَمَا قَال التَّمْرَتَاشِيُّ - هُوَ إِدْخَال قَدْرِ حَشَفَةٍ مِنْ ذَكَرِ مُكَلَّفٍ نَاطِقٍ طَائِعٍ فِي قُبُل مُشْتَهَاةٍ، خَالٍ عَنْ مِلْكِ الْوَاطِئِ وَشُبْهَتِهِ، فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ. (٢)
وَالتَّفْصِيل فِي (زِنى ف١، ٧، ١١، ٢٨)
ط - أَثَرُ الْوَطْءِ فِي إِيجَابِ الْغُسْل:
٦٤ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْل عَلَى الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ، وَذَلِكَ بِأَنْ
_________
(١) مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٣ / ٥، ٦٦، ٧٠ - ٧٢، الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية ص٢٥٦، المحلى ١٠ / ٦١ - ٦٣ وما بعدها، زاد المعاد ٥ / ٢١٨ / ٢٢٣، نيل الأوطار ٤ / ٢٢٤ - ٢٢٦، والمغني ١٠ / ٣٢٧.
(٢) حاشية ابن عابدين ٤ / ٥٠٤ ط الحلبي.
تَغِيبَ الْحَشَفَةُ بِكَمَالِهَا فِي الْفَرْجِ (١)، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل (٢)، وَمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَْرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل. زَادَ فِي رِوَايَةٍ: " وَإِنْ لَمْ يُنْزِل " (٣) .
(ر: غُسْل ف ٩ - ١٠، إِكْسَال ف٤)
ي - أَثَرُ الْوَطْءِ فِي تَحْلِيل الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لِزَوْجِهَا:
٦٥ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا بَعْدَ الدُّخُول لاَ تَحِل لِمُطَلِّقِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِل لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ (٤)﴾ . وَجَمَاهِيرُ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى عَدَمِ حِلِّهَا لِلأَْوَّل حَتَّى يَطَأَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي
_________
(١) رد المحتار ١ / ١٠٩، ٢١١، تبيين الحقائق ١ / ١٦، ١٧، المجموع للنووي ٢ / ١٣٠، ١٣٢، شرح النووي على مسلم ٤ / ٣٦، ٤١، القوانين الفقهية ص٣٢، المفهم للقرطبي ٢ / ٦٠٠، التفريع لابن الجلاب ١ / ١٩٧، عقد الجواهر الثمينة ١ / ٦٤، شرح منتهى الإرادات ١ / ٧٥، ٧٦، والمغني ١ / ٢٠٤، الحاوي الكبير ١٣ / ٢١٤.
(٢) حديث عائشة: " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ". أخرجه الشافعي في الأم (١ / ٣٩ - ط المعرفة) وأصله في صحيح مسلم (١ / ٢٧٢) .
(٣) حديث أبي هريرة: إذا جلس بين شعبها الأربع. . أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٣٩٥)، ومسلم (١ / ٢٧١) .
(٤) سورة البقرة / ٢٣٠.
وَطْئًا يُوجَدُ فِيهِ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يُنْزِل؛ لِلآْيَةِ (١) .
وَيَرَى سَعِيدُ بْنُ الْمَسَيَّبِ أَنَّهُ إِذَا تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا لاَ يُرِيدُ بِذَلِكَ إِحْلاَلَهَا لِلأَْوَّل، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الأَْوَّل.
التَّفْصِيل فِي (تَحْلِيل ف٦ - ٩، عُسَيْلَة ف٢) .
ك - أَثَرُ الْوَطْءِ فِي التَّحْرِيمِ بِالْمُصَاهَرَةِ:
٦٣ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل بِسَبَبِ الْمُصَاهَرَةِ - عَلَى التَّأْبِيدِ - أُمُّ زَوْجَتِهِ (وَإِنْ عَلَتْ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ) بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ، سَوَاءٌ وَطِئَهَا أَمْ لَمْ يَطَأْهَا، وَكَذَلِكَ زَوْجَاتُ الأَْبْنَاءِ (وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ ابْنُ صُلْبِهِ وَابْنُهُ مِنَ الرِّضَاعِ وَابْنُ ابْنِهِ وَابْنُ ابْنَتِهِ) وَزَوْجَاتُ الآْبَاءِ (وَيَتَنَاوَل آبَاءَ الآْبَاءِ وَآبَاءَ الأُْمَّهَاتِ وَإِنْ عَلَوْا) سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ الْعَقْدِ وَطْءٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
أَمَّا الرَّبَائِبُ - جُمْعُ رَبِيبَةٍ - وَهِيَ: بِنْتُ امْرَأَةِ الرَّجُل مِنْ غَيْرِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ يُرَبِّيهَا فِي حِجْرِهِ غَالِبًا، فَحُرْمَتُهُنَّ مُقَيَّدَةٌ بِأَمْرَيْنِ: عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى الأُْمِّ، وَالدُّخُول
_________
(١) رد المحتار ٢ / ٥٣٧، والحاوي الكبير ١٣ / ٢١٤، ٢١٥، وبداية المجتهد ٢ / ٨٧، وعقد الجواهر الثمينة ٢ / ٤٨، ٤٩، والقوانين الفقهية ص٢١٥، وشرح منتهى الإرادات ٣ / ١٨٧، والمغني ١٠ / ٥٤٨، ٥٤٩.
بِهَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدِ الدُّخُول بَعْدَ الْعَقْدِ، لَمْ يُثْبُتِ التَّحْرِيمُ (١) .
وَالتَّفْصِيل فِي (رَبِيبَةٍ ف٢، وَمُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ ف٩)
ل - أَثَرُ الْوَطْءِ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَاتِ:
(١) وَطْءُ الْحَائِضِ:
٦٧ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ الْحَائِضَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ إِنْ كَانَ الْجِمَاعُ فِي أَوَّل الْحَيْضِ، وَبِنِصْفِ دِينَارٍ إِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ: أَوْ فِي وَسَطِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِذَا كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ، وَإِذَا كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ (٢) .
وَالثَّانِي: لِلْحَنَابِلَةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ وَطِئَ الْحَائِضَ، وَهُوَ دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ عَلَى سَبِيل التَّخْيِيرِ، أَيُّهُمَا
_________
(١) أحكام القرآن لابن العربي ١ / ٣٧٦ وما بعدها، أحكام القرآن للكيا الهراسي ٢ / ٢٣٣، ٢٣٧ - ٢٤٧، الحاوي الكبير ١١ / ٢٨٢ - ٢٨٨، المغني لابن قدامة ٩ / ٥١٥ - ٥١٩.
(٢) حديث: " إذا كان دما أحمر فدينار. . . " أخرجه الترمذي (١ / ٢٤٥)، وضعفه النووي في المجموع (٢ / ٣٦٠) .
٤٠٢ أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: " يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفٍ دِينَارٍ " (١) .
وَالثَّالِثُ: لِلْمَالِكِيَّةِ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَحْمَدِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إِلاَّ التَّوْبَةُ وَالاِسْتِغْفَارُ وَتَرْكُ الْعَوْدِ، وَهُوَ قَوْل الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرَّابِعُ: لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ: إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا (٢) .
(٢) الْوَطْءُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ:
٦٨ - ذَهَبَ جَمَاهِيرُ أَهْل الْعِلْمِ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ عَلَى مَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي فَرْجِهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا، أَنْزَل أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
_________
(١) حديث: يتصدق بدينار أو بنصف دينار. . . أخرجه أبو داود (١ / ١٨١ - ١٨٢) والحاكم (١ / ١٧٢) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(٢) رسائل ابن عابدين ١ / ١١٤، المجموع ٢ / ٣٥٩ - ٣٦٠، مغني المحتاج ١ / ١١٠، والقوانين الفقهية ص٤٥، المغني لابن قدامة ١ / ٢٣٥، الإنصاف ١ / ٣٥١، والمحلى لابن حزم ٢ / ١٨٧.
النَّبِيِّ ﷺ فَقَال: إِنَّ الآْخَرَ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ، فَقَال: أَتَجِدُ مَا تُحَرِّرُ رَقَبَةً؟ قَال: لاَ، قَال: فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَال: لاَ. قَال: أَفَتَجِدُ مَا تُطْعِمُ بِهِ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَال: لاَ، قَال: فَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، وَهُوَ الزَّبِيلُ، قَال: أَطْعِمْ هَذَا عَنْكَ. قَال: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا؟ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْل بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا، قَال: فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ (١) .
وَحُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ لاَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِ قَضَائِهَا، فَلاَ تَجِبُ فِي أَدَائِهَا كَالصَّلاَةِ.
وَقَدْ أُجِيبَ عَنِ اسْتِدْلاَلِهِمْ بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ اعْتِبَارُ الأَْدَاءِ فِي ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ؛ لأَِنَّ الأَْدَاءَ يَتَعَلَّقُ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ يَتَعَيَّنُ بِهِ، وَالْقَضَاءُ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، وَالصَّلاَةُ لاَ يَدْخُل فِي جُبْرَانِهَا الْمَالُ، بِخِلاَفِ مَسْأَلَتِنَا، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: أَمَّا إِذَا جَامَعَهَا نَاسِيًا لِصَوْمِهِ، فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (٢) .
(ر: صَوْم ف٦٨، كَفَّارَة ف٢٠ وَمَا بَعْدَهَا)
_________
(١) حديث أبي هريرة: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: إن الآخر وقع على امرأته في رمضان. . . أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١٧٣)، ومسلم (٢ / ٧٨١ - ٧٨٢)، واللفظ للبخاري.
(٢) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٢، ٣٢٧، الحاوي للماوردي ٣ / ٢٧٦، ٢٨٤، بداية المجتهد ١ / ٣٠١، ٣٠٣، المغني ٤ / ٣٧٢، ٣٧٤.
(٣) الْوَطْءُ فِي إِحْرَامِ الْحَجِّ:
٦٩ - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِذَا جَامَعَ أَهْلَهُ قَبْل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ ذَبْحُ الْهَدْيِ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ. وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ شَاةٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بَدَنَةٌ.
أَمَّا إِذَا جَامَعَهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْل التَّحَلُّل الأَْوَّلِ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَلَوْ جَامَعَهَا بَعْدَ التَّحَلُّل الأَْوَّل فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجَزَاءِ الْوَاجِبِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ، وَقَال مَالِكٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ (١) .
(ر: إِحْرَام ف ١٧٠ - ١٧٥)
م - أَثَرُ الْوَطْءِ فِي إِبْطَال الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالاِعْتِكَافِ:
(١) أَثَرُهُ فِي إِبْطَال الصَّوْمِ:
٧٠ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ عَامِدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَسَدَ صَوْمُهُ، سَوَاءٌ أَنْزَل أَوْ لَمْ يُنْزِل. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ خِلاَفًا فِي أَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ، فَأَنْزَل أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ، أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ. وَقَدْ
_________
(١) العيني على الكنز ١ / ١٠٢، ١٠٣، المجموع ٧ / ٣٨١، ٣٩٣، نهاية المحتاج ٢ / ٤٥٦، مطالب أولي النهى ٢ / ٣٥٠، المغني ٥ / ١٦٦ وما بعدها، المنتقى للباجي ٣ / ٣، ٩، ١٠.
دَلَّتِ الأَْخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ (١) .
أَمَّا إِذَا جَامَعَهَا نَاسِيًا، فَلاَ يَفْسُدُ صَوْمُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمْ؛ لأَِنَّهُ مَعْنًى حَرَّمَهُ الصَّوْمُ، فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، لَمْ يُفْسِدْهُ كَالأَْكْل.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَعَطَاءٌ: يَفْسُدُ صَوْمُهُ كَالْعَامِدِ؛ لأَِنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ تُحَرِّمُ الْوَطْءَ، فَاسْتَوَى فِيهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ كَالْحَجِّ، وَلأَِنَّ إِفْسَادَ الصَّوْمِ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ، لاَ تُسْقِطُهُ الشُّبْهَةُ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ، كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ (٢) .
(٢) أَثَرُهُ فِي إِبْطَال الْحَجِّ:
٧١ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ فِي حَالَةِ الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ إِذَا وَقَعَ قَبْل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَيَجِبُ عَلَى الْوَاطِئِ الاِسْتِمْرَارُ فِي حَجِّهِ الْفَاسِدِ إِلَى نِهَايَتِهِ، ثُمَّ قَضَاؤُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ يُفْسِدُ الْحَجَّ إِذَا وَقَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَبَعْدَ التَّحَلُّل الأَْوَّل.
أَمَّا إِذَا جَامَعَ الْمُحْرِمُ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْل التَّحَلُّل الأَْوَّلِ، فَإِنَّهُ يَفْسُدُ حَجُّهُ فِي قَوْل جُمْهُورِ
_________
(١) المغني ٤ / ٣٧٢.
(٢) تبيين الحقائق ١ / ٣٢٢ وما بعدها، الحاوي الكبير ٣ / ٢٧٦، بداية المجتهد ١ / ٣٠١، ٣٠٣، المغني ٤ / ٣٧٢، ٣٧٤.
الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَفْسُدُ (١) .
التَّفْصِيل فِي (إِحْرَام ف١٧٠ - ١٧٥) .
ثَانِيًا: الْوَطْءُ بِالأَْقْدَامِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ أَحْكَامٍ:
أ - وَطْءُ الإِْنْسَانِ الْمُصْحَفَ:
٧٢ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا وَطِئَ الْمُصْحَفَ عَلَى قَصْدِ الإِْهَانَةِ وَالاِسْتِخْفَافِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا.
أَمَّا إِذَا فَعَل ذَلِكَ مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا فَلاَ يَكْفُرُ (٢) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (رِدَّة ف٢٠)
ب - وَطْءُ الْقَبْرِ:
٧٣ - الْقَبْرُ مُحْتَرَمٌ شَرْعًا تَوْقِيرًا لِلْمَيِّتِ، فَيُكْرَهُ وَطْؤُهُ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ فِي قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِمَا وَرَدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ:
_________
(١) العيني على الكنز ١ / ١٠٣، نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي عليه ٢ / ٤٥٦، المغني ٥ / ١٦٦ وما بعدها، وحاشية الدسوقي ٢ / ٦٨.
(٢) رد المحتار ١ / ١١٩، ٣ / ٥٦، وحاشية القليوبي ٤ / ١٧٦، وانظر الشرح الصغير للدردير ٤ / ٤٣٣، حاشية الدسوقي ٤ / ٣٠١، كشاف القناع ٦ / ١٦٨، شرح منتهى الإرادات ٣ / ٣٨٦، شرح النووي على مسلم ٧ / ٣٧، مختصر سنن أبي داود للمنذري ٤ / ٣٤٢.
" لأَنْ أَمْشِيَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ، أَوْ أَخْصِفَ نَعْلِيَ بِرِجْلِي، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ (١)، وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ أَنَّهُ قَال: " لأَنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ " (٢) . وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى كَرَاهَةِ الْوَطْءِ عَلَى الْقَبْرِ - وَلَوْ بِلاَ نَعْلٍ - إِلاَّ لِحَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ، بِأَنْ لاَ يَصِل إِلَى قَبْرِ مَيِّتِهِ إِلاَّ بِوَطْئِهِ (٣) .
أَمَّا الْمَشْيُ بَيْنَ الْقُبُورِ: فَلاَ يُكْرَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَوْ بِنَعْلٍ وَبِلاَ حَاجَةٍ (٤)، وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا كَانَ بِنَعْلٍ - إِلاَّ خَوْفَ نَجَاسَةٍ أَوْ شَوْكٍ أَوْ نَحْوِهِ - وَلاَ يُكْرَهُ إِذَا كَانَ بِخُفٍّ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِنَعْلٍ وَلاَ فِي مَعْنَاهُ، وَيَشُقُّ نَزْعُهُ (٥) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ
_________
(١) حديث عقبة بن عامر: لأن أمشي على جمرة. . . أخرجه ابن ماجه (١ / ٤٩٩)، وجود إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (٤ / ٢٨٠ - ط ابن كثير) .
(٢) أثر ابن مسعود: لأن أطأ على جمرة أحب إلي. . . أخرجه الطبراني في الكبير (٩ / ٢٢٢ - ط العراق)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٦١): فيه عطاء بن السائب وفيه كلام.
(٣) الروضة ٢ / ١٣٩، حاشية القليوبي ١ / ٣٤٢، كشاف القناع ٢ / ١٦٢، ١٦٤، شرح منتهى الإرادات ١ / ٣٥٢.
(٤) قليوبي وعميرة ١ / ٣٤٢، روضة الطالبين ٢ / ١٣٦.
(٥) شرح منتهى الإرادات ١ / ٣٥٢، كشاف القناع ٢ / ١٦٤.