الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٤
ز - اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْوَطْءِ أَوْ عَدَمِ حِلِّهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ:
فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ ذَلِكَ الاِشْتِرَاطِ بَيْنَ حَالَتَيْنِ، حَالَةِ اشْتِرَاطِ نَفْيِ حِل الْوَطْءِ، وَحَالَةِ اشْتِرَاطِ عَدَمِ فِعْلِهِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
٤٩ - إِذَا اشْتَرَطَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ نَفْيَ حِل الْوَطْءِ بَأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لاَ تَحِل لَهُ، فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ فِي بُطْلاَنِ هَذَا الشَّرْطِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَأْثِيرِهِ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ بُطْلاَنُ الشَّرْطِ وَالْعَقْدِ مَعًا، وَذَلِكَ لإِخْلاَل ذَلِكَ الشَّرْطِ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَلِلتَّنَاقُضِ، إِذْ لاَ يَبْقَى مَعَهُ لِلزَّوَاجِ مَعْنًى، بَل يَكُونُ كَالْعَقْدِ الصُّورِيِّ (١) .
وَالثَّانِي: لِلْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ فَاسِدٌ وَالْعَقْدَ صَحِيحٌ. إِذِ الْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النِّكَاحَ لاَ يَبْطُل بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا يَبْطُل الشَّرْطُ دُونَهُ (٢) .
_________
(١) تحفة المحتاج مع حاشية الشرواني عليه ٧ / ٣١٢، وعقد الجواهر الثمينة ٢ / ٤٩، والخرشي ٣ / ١٩٥، وتحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطاب ص٣٢٧، ٣٢٨، وكشاف القناع ٥ / ٩٧.
(٢) الهداية مع فتح القدير والعناية والكفاية ٣ / ١٥٢، ورد المحتار ٢ / ٢٩٥.
٥٣ - أَمَّا إِذَا شُرِطَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ عَدَمُ الْوَطْءِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحْنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ. أَمَّا بُطْلاَنُ الشَّرْطِ، فَلأَِنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَيَتَضَمَّنُ إِسْقَاطَ حُقُوقٍ تَجِبُ بِالْعَقْدِ لَوْلاَ اشْتِرَاطُهُ، وَأَمَّا بَقَاءُ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَلأَِنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَعُودُ إِلَى مَعْنًى زَائِدٍ فِي الْعَقْدِ فَلاَ يُبْطِلُهُ؛ وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النِّكَاحَ لاَ يَبْطُل بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا يَبْطُل الشَّرْطُ دُونَهُ (١) . وَالثَّانِي: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ فَاسِدٌ وَالْعَقْدَ فَاسِدٌ لِوُقُوعِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا (٢) .
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ، فَقِيل: يُفْسَخُ النِّكَاحُ قَبْل الدُّخُول وَبَعْدَهُ. وَقِيل: يُفْسَخُ قَبْل الدُّخُولِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ، وَيَسْقُطُ الشَّرْطُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ (٣) .
_________
(١) رد المحتار مع الدر المختار ٢ / ٢٩٥، وكشاف القناع ٥ / ٩٨، والهداية مع فتح القدير ٣ / ١٥٢، والفتاوى الخانية ١ / ٣٣١.
(٢) عقد الجواهر الثمينة ٢ / ٤٩، والقواين الفقهية ص٢٢٣.
(٣) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه ٢ / ٢٣٨، والخرشي ٣ / ١٩٥، وتحرير الكلام في مسائل الالتزام ص٣٢٧، ٣٢٨، والذخيرة ٤ / ٤٠٥، ومواهب الجليل ٣ / ٤٤٥ - ٤٤٦.
وَالثَّالِثُ: لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا نَكَحَهَا بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَطَأَهَا، أَوْ لاَ يَطَأَهَا إِلاَّ نَهَارًا أَوْ إِلاَّ مَرَّةً مَثَلًا، بَطَل النِّكَاحُ إِنْ كَانَ الاِشْتِرَاطُ مِنْ جِهَتِهَا، لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَ الْعَقْدِ، وَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ؛ لأَِنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ لَهُ، فَلَهُ تَرْكُهُ، وَالتَّمْكِينُ حَقٌّ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ لَهَا تَرْكُهُ (١) .
ح - الْعَزْل:
٥٤ - الْمُرَادُ بِالْعَزْل: أَنْ يُنَحِّيَ الرَّجُل مَاءَهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ عَنِ الرَّحِمِ، فَيُلْقِيَهُ خَارِجَ الْفَرْجِ (٢) .
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ عَزْل السَّيِّدِ عَنْ أَمَتِهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَذِنَتْ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَأْذَنْ؛ لأَِنَّ إِنْجَابَ الْوَلَدِ حَقُّهُ، وَلَيْسَ بِحَقٍّ لَهَا (٣) .
وَقَدْ نَقَل الْقَرَافِيُّ الإِْجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الْعَزْل عَنِ السُّرِّيَّةِ، أَمَّا الْعَزْل عَنِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ. وَالتَّفْصِيل فِي (عَزَل ف٣٣ - ٣٥)
_________
(١) حاشية الشرواني على التحفة ٧ / ٣١٢، وتحفة المحتاج ٧ / ٣٨٧، ٣٨٨، والمحلى على المنهاج وحاشية عميرة عليه ٣ / ٢٨٠.
(٢) المفهم للقرطبي ٤ / ١٦٦، والمعلم للمازري ٢ / ١٠٤.
(٣) المغني ١٠ / ٢٣٠، والنووي على مسلم ١٠ / ٩، والمهذب ٢ / ٦٧، والحاوي ١١ / ٤٣٩، والوسيط للغزالي ٥ / ١٨٤، وإتحاف السادة ٥ / ٣٧٩، والذخيرة ٤ / ٤١٨.
ط - الْغِيلَةُ:
٥٥ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ وَطْءِ الْمُرْضِعِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلاَ يَضُرُّ أَوْلاَدَهُمْ (١) .
وَقَال الزُّرْقَانِيُّ: الْغِيلَةُ، بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَقِيل بِالْفَتْحِ: وَطْءُ الْمُرْضِعِ، كَانَ مَعَهُ إِنْزَالٌ أَمْ لاَ، وَقِيل بِقَيْدِ الإِْنْزَال (٢) .
(ر: غِيلَة ف٧)
ي - وَطْءُ الْحَامِل:
٥٦ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ وَطْءِ الْحَامِل:
فَقَال أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ: ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى كَرَاهَةِ وَطْءِ الرَّجُل امْرَأَتَهُ إِذَا كَانَتْ حُبْلَى، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: لاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ سِرًّا، فَإِنَّ الْغَيْل يُدْرِكُ الْفَارِسَ فَيُدَعْثِرُهُ عَنْ فَرَسِهِ (٣) .
_________
(١) حديث: " لقد هممت أن أنهى عن الغيلة. . . " أخرجه مسلم (٢ / ١٠٦٦) من حديث جدامة بنت وهب الأسدية.
(٢) الزرقاني على خليل ٤ / ٢٤٤، شرح النووي على مسلم ١٠ / ١٦، وشرح معاني الآثار ٣ / ٤٦، وكشاف القناع ٥ / ١٩٦.
(٣) حديث: " لا تقتلوا أولادكم سرا. . " أخرجه أبو داود (٤ / ٢١١) من حديث أسماء بنت يزيد بن السكن.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى حِل وَطْءِ الْحَامِلِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: إِنِّي أَعْزِل عَنِ امْرَأَتِي، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: لِمَ تَفْعَل ذَلِكَ؟ فَقَال الرَّجُل: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنْ كَانَ لِذَلِكَ فَلاَ، مَا ضَارَّ ذَلِكَ فَارِسَ وَلاَ الرُّومَ (١) .
قَال الطَّحَاوِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ وَطْءِ الْحَبَالَى، وَإِخْبَارُ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ لاَ يَضُرُّ فَارِسَ وَالرُّومَ فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ غَيْرَهُمْ.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلاَ يَضُرُّ أَوْلاَدَهُمْ (٢) .
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ هَمَّ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَهُ، أَوْ حَتَّى ذَكَرَ أَنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ يَفْعَلُونَهُ فَلاَ يَضُرُّ أَوْلاَدَهُمْ.
وَفِي ذَلِكَ إِبَاحَةُ مَا قَدْ حَظَرَهُ الْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَل بِهِ الْقَائِلُونَ بِكَرَاهَةِ وَطْءِ الْحَامِل (٣) .
آثَارُ الْوَطْءِ:
أ - أَثَرُ الْوَطْءِ فِي تَأْكِيدِ لُزُومِ كُل الْمَهْرِ:
٥٧ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
_________
(١) حديث: " إن كان لذلك فلا. . " أخرجه مسلم (٢ / ١٠٦٧) .
(٢) سبق تخريجه ف٥٢.
(٣) شرح معاني الآثار ٣ / ٤٦ - ٤٨، وفيض القدير ٥ / ٢٨٠.
وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى اسْتِقْرَارِ كَمَال الْمَهْرِ بِوَطْءِ الزَّوْجَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَيَتَقَرَّرُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى كَامِلًا؛ لأَِنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَقْصُودَ، فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عِوَضُهُ (١) . قَال الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: وَمَعْنَى الاِسْتِقْرَارِ هَاهُنَا الأَْمْنُ مِنْ سُقُوطِ كُل الْمَهْرِ أَوْ بَعْضِهِ بِالتَّشْطِيرِ (٢) .
وَبَيَانُ ذَلِكَ كَمَا قَال الْبَابَرْتِيُّ فِي الْعِنَايَةِ: أَنَّهُ بِالدُّخُول يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ، وَبِهِ يَتَأَكَّدُ الْبَدَل وَهُوَ الْمَهْرُ، كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فِي بَابِ الْبَيْعِ، يَتَأَكَّدُ بِهِ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الثَّمَنِ قَبْل ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَأَكِّدًا، لِكَوْنِهِ عَلَى عُرْضَةِ أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخَ الْعَقْدُ، وَبِتَسْلِيمِهِ يَتَأَكَّدُ وُجُوبُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الْمَهْرِ كَانَ عُرْضَةً أَنْ يَسْقُطَ بِتَقْبِيل ابْنِ الزَّوْجِ أَوِ الاِرْتِدَادِ، وَأَنْ يَتَنَصَّفَ بِطَلاَقِهَا قَبْل الدُّخُولِ، وَبِالْوَطْءِ تَأَكَّدَ لُزُومُ تَمَامِهِ (٣) ..
_________
(١) الهداية مع الفتح والكفاية ٣ / ٢٠٩، ومغني المحتاج ٣ / ٢٢٤، والذخيرة ٤ / ٣٧٤، ٣٧٨، والشرح الصغير للدردير ٢ / ٤٣٧، وعقد الجواهر الثمينة ٢ / ٩٦، ٩٧، وشرح منتهى الإرادات ٣ / ٧٦، ٨٣، وكشاف القناع ٥ / ١٦٨.
(٢) مغني المحتاج ٣ / ٢٢٤.
(٣) العناية على الهداية ٣ / ٢٠٩، ورد المحتار ٢ / ٣٣٠.
ب - أَثَرُ الْوَطْءِ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ:
٥٨ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ فِي أَنَّ عِدَّةَ الطَّلاَقِ تَثْبُتُ بِالْوَطْءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا (١)﴾ . إِذِ الْمَسِيسُ هَهُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْوَطْءِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ (٢) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: عِدَّة ف٦)
ج - أَثَرُ الْوَطْءِ فِي الْفَيْءِ مِنَ الإِْيلاَءِ:
٥٩ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْوَطْءَ هُوَ الْفِعْل الَّذِي يَكُونُ فَيْئًا، وَيَنْحَل بِهِ الإِْيلاَءُ.
(ر: إِيلاَء ف٢٠ - ٢١)
د - أَثَرُ الْوَطْءِ فِي ثُبُوتِ الإِْحْصَانِ فِي الزِّنَا:
٦٠ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الإِْحْصَانِ - إِلَى جَانِبِ الْبُلُوغِ وَالْعَقْل وَالْحُرِّيَّةِ - الْوَطْءَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْقُبُلِ، عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ، سَوَاءٌ أَنْزَل أَوْ لَمْ يُنْزِل.
(ر: إِحْصَان ف٦ - ١١)
_________
(١) الأحزاب / ٤٩.
(٢) أحكام القرآن لابن العربي ١ / ٢١٨.
هـ - ثُبُوتُ رَجْعَةِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا بِالْوَطْءِ:
٦١ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ فِي الطَّلاَقِ الرَّجْعِيِّ تَصِحُّ فِي الْعِدَّةِ بِالْقَوْل الدَّال عَلَى ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ فِي خِطَابِ مُطَلَّقَتِهِ: " رَاجَعْتُكِ " أَوْ " رَاجَعْتُ زَوْجَتِي " إِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُخَاطَبَةٍ، وَكَذَا بِكُل لَفْظٍ يُؤَدِّي ذَلِكَ الْمَعْنَى.
أَمَّا الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ فَتَصِحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ كَذَا الْمَالِكِيَّةُ، بِشَرْطِ قَصْدِ الزَّوْجِ إِلَى الاِرْتِجَاعِ؛ خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي (رَجْعَة ف١٢ - ١٨)
ز - أَثَرُ الْوَطْءِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الطَّلاَقِ:
٦٢ - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الطَّلاَقَ مِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ الشَّرْعِيُّ إِلَى قِسْمَيْنِ: سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ.
فَأَمَّا طَلاَقُ السُّنَّةِ: فَهُوَ مَا وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَدَبَ الشَّرْعُ لإِيقَاعِهِ، وَأَمَّا طَلاَقُ الْبِدْعَةِ: فَهُوَ مَا وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَنَعَ الشَّرْعُ إِيقَاعَهُ عَلَيْهِ (١) .
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: الطَّلاَقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
_________
(١) فتح القدير لابن الهمام ٣ / ٣٢٨، ٣٢٩، والكافي لابن عبد البر ص٢٦٢، والمعونة للقاضي عبد الوهاب ٢ / ٨٣٣، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٢ / ٣٦١.
وَجْهَانِ حَلاَلٌ، وَوَجْهَانِ حَرَامٌ. فَالْحَلاَلاَنِ: أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا مُسْتَبِينًا حَمْلُهَا، وَالْحَرَامَانِ: أَنْ يُطَلِّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، وَهَذَا فِي طَلاَقِ الْمَدْخُول بِهَا. أَمَّا مَنْ لَمْ يُدْخَل بِهَا، فَيَجُوزُ طَلاَقُهَا حَائِلًا وَطَاهِرًا (١) .
وَعَلَى ذَلِكَ كَانَتْ صِفَةُ طَلاَقِ السُّنَّةِ: مَا وَقَعَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعِ الرَّجُل زَوْجَتَهُ فِيهِ. أَمَّا إِذَا جَامَعَهَا فِيهِ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ قَبْل تَبَيُّنِ الْحَمْلِ، فَإِنْ فَعَل كَانَ مُحْدِثًا لِطَلاَقٍ بِدْعِيٍّ مُوجِبٍ لإِثْمِ فَاعِلِهِ فِي قَوْل سَائِرِ أَهْل الْعِلْمِ (٢) .
أَمَّا عَنْ وُقُوعِ طَلاَقِ الْبِدْعَةِ الَّذِي صَدَرَ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلاَقُ وَكَانَ الْمُطَلِّقُ عَاصِيًا (٣) . لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ
_________
(١) زاد المعاد ٥ / ٢١٩.
(٢) مجموع فتاوى ابن تيمية ٣٣ / ٦٦، ٧٠ - ٧٢، وفتح القدير ٣ / ٣٢٩، والكافي ص٢٦٢، والمعونة ٢ / ٨٣٣ وما بعدها، وزاد المعاد ٥ / ٢٢١.
(٣) فتح القدير ٢ / ٣٢٩، والمعونة ٢ / ٨٣٧، والكافي ص٢٦٢، نيل الأوطار ٦ / ٢٢٤، وشرح منتهى الإرادات ٣ / ١٢٣، والمغني لابن قدامة ١٠ / ٣٢٧، ومغني المحتاج ٣ / ٣٠٧ - ٣٠٨.
طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُرَاجِعَهَا (١) وَفِي رِوَايَةٍ، قَال: فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلاَثًا، أَكَانَ يَحِل لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا؟ قَال: " لاَ، كَانَتْ تَبِينُ مِنْكَ، وَتَكُونُ مَعْصِيَةً (٢) . وَفِي رِوَايَةٍ: قَال سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاَقِهِ، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ كَمَا أَمَرَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ (٣) .
وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، قَال: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: تُحْتَسَبُ؟ قَال: أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ (٤) ! وَكُلُّهَا أَحَادِيثُ صِحَاحٌ؛ وَلأَِنَّهُ طَلاَقٌ مِنْ مُكَلَّفٍ فِي مَحَل الطَّلاَقِ، فَوَقَعَ، كَطَلاَقِ الْحَامِل؛ وَلأَِنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ، فَيُعْتَبَرُ لِوُقُوعِهِ مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ، بَل هُوَ إِزَالَةُ عِصْمَةٍ، وَقَطْعُ مِلْكٍ، فَإِيقَاعُهُ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ أَوْلَى، تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَعُقُوبَةً لَهُ، أَمَّا غَيْرُ الزَّوْجِ، فَلاَ يَمْلِكُ الطَّلاَقَ، وَالزَّوْجُ يَمْلِكُهُ بِمِلْكِهِ مَحِلَّهُ.
_________
(١) حديث ابن عمر: " أنه طلق امرأته وهي حائض. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٣٤٥) ومسلم (٢ / ١٠٩٣) .
(٢) رواية ابن عمر: قلت: يا رسول الله رأيت لو أني طلقتها ثلاثا. أخرجها الدارقطني (٤ / ٦٣ - ط دار المحاسن) .
(٣) مقالة سالم: وكان عبد الله طلقها تطليقة. . . أخرجها مسلم (٢ / ١٠٩٥) .
(٤) رواية يونس بن جبير: تحتسب؟ . . . أخرجها البخاري (الفتح، ٩ / ٣٥١) ومسلم (٢ / ١٠٩٦)، واللفظ للبخاري.