الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٣
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: الاِخْتِلاَفُ فِي صِفَةِ الْمَقْبُوضِ:
٧٢ - إِذَا دَفَعَ رَجُلٌ إِلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً، وَعَلَى الْوَدِيعِ أَلْفُ دِرْهَمٍ أُخْرَى قَرْضًا لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفًا، ثُمَّ اخْتَلَفَا بَعْدَ أَيَّامٍ، فَقَال الْوَدِيعُ: هَذِهِ الأَْلْفُ الَّتِي قَضَيْتُكَ هِيَ الْقَرْضُ. وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَقَدْ تَلِفَتْ. وَقَال الْمُودِعُ: إِنَّمَا قَبَضْتُ مِنْكَ الْوَدِيعَةَ، وَالْقَرْضُ عَلَى حَالِهِ. فَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ: الْقَوْل قَوْل الْوَدِيعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا (١) . قَال السَّرَخْسِيُّ: لأَِنَّهُ هُوَ الدَّافِعُ لِلأَْلْفِ، فَالْقَوْل قَوْلُهُ عَنْ أَيِّ جِهَةٍ دَفَعَهُ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ دَفَعَهُ عَنْ جِهَةِ قَضَاءِ الدَّيْنِ، فَبَرِئَ بِهِ، وَبَقِيَتِ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِهَلاَكِهَا، فَالْقَوْل قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ. يُوَضِّحُهُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى أَخْبَرَ بِهَلاَكِ الْوَدِيعَةِ، كَانَ الْقَوْل قَوْلَهُ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِلاَّ أَدَاءُ الأَْلْفِ بَدَل الْقَرْضِ فَكَذَلِكَ إِذَا أَخْبَرَ بِهَلاَكِ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ أَدَاءِ الأَْلْفِ (٢)، وَفِي الْمُحِيطِ: بِأَنَّهُ لاَ عِبْرَةَ لاِخْتِلاَفِهِمَا فِي الأَْلْفِ الْمَرْدُودِ، لأَِنَّهُ وَصَل إِلَى الْمَالِكِ، أَيُّ شَيْءٍ كَانَ.
_________
(١) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة ٤ / ٣٥٧، وَالْمَبْسُوط ١١ / ١١٨، وَالْمُدَوَّنَة ١٥ / ١٥٢.
(٢) الْمَبْسُوط ١١ / ١١٨.
وَإِنَّمَا اخْتِلاَفُهُمَا فِي الأَْلْفِ الْهَالِكِ، فَالْمَالِكُ يَدَّعِي فِيهِ الأَْخْذَ قَرْضًا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدَّعِي الأَْخْذَ وَدِيعَةً، وَفِي هَذَا الْقَوْل قَوْل مُدَّعِي الْوَدِيعَةِ (١) .
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: الاِخْتِلاَفُ فِي مِلْكِيَّةِ الْوَدِيعَةِ:
٦٢ - إِذَا تَنَازَعَ الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ، فَادَّعَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً، فَجَاءَهُ رَجُلاَنِ، وَادَّعَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ أَوْدَعَهُ إِيَّاهَا، فَقَال الْوَدِيعُ: أَوْدَعَهَا أَحَدُكُمَا، وَلَسْتُ أَدْرِي أَيَّكُمَا هُوَ؟ فَهَذَا فِي الأَْصْل لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَصْطَلِحَ الْمُتَدَاعِيَانِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الأَْلْفَ، وَتَكُونَ بَيْنَهُمَا. وَإِمَّا أَنْ لاَ يَصْطَلِحَا، وَيَدَّعِي كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الأَْلْفَ لَهُ خَاصَّةً، لاَ لِصَاحِبِهِ.
فَإِنِ اصْطَلَحَا عَلَى ذَلِكَ، فَلَهُمَا ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْوَدِيعِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَسْلِيمِ الأَْلْفِ إِلَيْهِمَا، لأَِنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الأَْلْفَ لأَِحَدِهِمَا. وَإِذَا
_________
(١) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة ٤ / ٣٥٩.
اصْطَلَحَا عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا، لاَ يَمْنَعَانِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَسْتَحْلِفَا الْوَدِيعَ بَعْدَ الصُّلْحِ.
وَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحَا، وَادَّعَى أَنْ يُنَكِّل لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الأَْلْفَ لَهُ، لاَ يَدْفَعُ لأَِحَدِهِمَا شَيْئًا، لِجَهَالَةِ الْمُقِرِّ لَهُ بِالْوَدِيعَةِ. وَلِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْوَدِيعَ، فَإِنِ اسْتَحْلَفَهُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالأَْمْرُ لاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَحْلِفَ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِمَّا أَنْ يَحْلِفَ لأَِحَدِهِمَا وَيُنَكِّل لِلآْخَرِ.
فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا، فَقَدِ انْقَطَعَتْ خُصُومَتُهُمَا لِلْحَال إِلَى وَقْتِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، كَمَا فِي سَائِرِ الأَْحْكَامِ.
وَإِنْ نَكَّل لَهُمَا، يَقْضِي بِالأَْلْفِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَيَضْمَنُ أَلْفًا أُخْرَى بَيْنَهُمَا، فَيَحْصُل لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ كَامِلَةٌ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّ كُل الأَْلْفِ لَهُ، فَإِذَا نَكَّل لَهُ، وَالنُّكُول بَذْلٌ أَوْ إِقْرَارٌ، فَكَأَنَّهُ بَذَل لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا، أَوْ أَقَرَّ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَلْفٍ، فَيُقْضَى عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا بِأَلْفٍ، وَيَضْمَنُ أَيْضًا أَلْفًا أُخْرَى تَكُونُ بَيْنَهُمَا، لِيَحْصُل لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ كَامِلَةٌ.
وَلَوْ حَلَفَ لأَِحَدِهِمَا، وَنَكَّل لِلآْخَرِ، قُضِيَ
بِالأَْلْفِ لِلَّذِي نَكَّل لَهُ، وَلاَ شَيْءَ لِلَّذِي حَلَفَ لَهُ، لأَِنَّ النُّكُول حُجَّةُ مَنْ نَكَّل لَهُ، لاَ حُجَّةُ مَنْ حَلَفَ لَهُ (١) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا تَنَازَعَ الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ، فَادَّعَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ، فَيَنْظُرُ: إِنْ صَدَّقَ الْوَدِيعُ أَحَدَهُمَا، فَلِلآْخَرِ تَحْلِيفُهُ. فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَى الآْخَرِ. وَإِنْ نَكَّل حَلَفَ الآْخَرُ، وَغَرِمَ لَهُ الْقِيمَةَ.
وَقِيل: تُوقَفُ الْوَدِيعَةُ بَيْنَهُمَا إِلَى أَنْ يَصْطَلِحَا.
وَقِيل: تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمَا.
وَإِنْ صَدَّقَهُمَا، فَالْيَدُ لَهُمَا، وَالْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ لَهُ، وَلاَ خُصُومَةَ لِلآْخَرِ مَعَ الْوَدِيعِ لِنُكُولِهِ. وَإِنْ نَكَّلاَ أَوْ حَلَفَا، جُعِل بَيْنَهُمَا، وَحُكْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ الآْخَرِ كَالْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُقِرِّ لَهُ.
وَإِنْ قَال: هِيَ لأَِحَدِكُمَا وَأَنْسَيْتُهُ. فَإِنْ كَذَّبَاهُ فِي النِّسْيَانِ ضَمِنَ - كَالْغَاصِبِ - لِتَقْصِيرِهِ
_________
(١) بَدَائِع الصَّنَائِع ٦ / ٢١٠ وَمَا بَعْدَهَا، وَانْظُرْ مَجْمَع الأَْنْهُر ٢ / ٣٤٥، وَرَدّ الْمُحْتَارِ ٤ / ٥٠٠، وَالْبَحْر الرَّائِق ٧ / ٢٧٩، وَالأَْشْبَاه وَالنَّظَائِر لاِبْنِ نَجِيم ص ٣٣١.
بِنِسْيَانِهِ. وَإِنْ صَدَّقَاهُ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ قَال: هُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدِي، وَلاَ أَدْرِي أَهُوَ لَكُمَا أَوْ لأَِحَدِكُمَا أَمْ لِغَيْرِكُمَا. حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إِنِ ادَّعَيَاهُ، وَتَرَكَ فِي يَدِهِ لِمَنْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِهِ، وَلَيْسَ لأَِحَدِهِمَا تَحْلِيفُ الآْخَرِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدٌ وَلاَ اسْتِحْقَاقٌ (١) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا ادَّعَى الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ، فَأَقَرَّ الْوَدِيعُ لأَِحَدِهِمَا بِهَا، فَهِيَ لَهُ بِيَمِينِهِ، لأَِنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْوَدِيعِ، وَقَدْ نَقَلَهَا إِلَى الْمُدَّعِي، فَصَارَتِ الْيَدُ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْيَدُ لَهُ، قُبِل قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ.
وَيَحْلِفُ الْوَدِيعُ لِلآْخَرِ الَّذِي أَنْكَرَهُ، لأَِنَّهُ مُنْكِرٌ لِدَعْوَاهُ، وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَّل لَزِمَهُ بَدَلُهَا، لأَِنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ.
وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا، فَهِيَ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِأَيْدِيهِمَا وَتَدَاعَيَاهَا، وَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا عَلَى نِصْفِهَا.
فَإِنْ نَكَل عَنِ الْيَمِينِ، لَزِمَهُ عِوَضُهَا فَيَقْتَسِمَانِهِ، لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ. وَإِنْ نَكَل عَنِ الْيَمِينِ لأَِحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ، لَزِمَهُ لِمَنْ نَكَل عَنِ الْيَمِينِ لَهُ عِوَضُ نِصْفِهَا، وَيَلْزَمُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَلِفُ لِصَاحِبِهِ، لأَِنَّهُ مُنْكِرٌ
_________
(١) أَسْنَى الْمَطَالِب ٣ / ٨٦، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ ٦ / ٣٤٩.
لِدَعْوَاهُ.
وَإِنْ قَال الْوَدِيعُ: هِيَ لأَِحَدِكُمَا وَلاَ أَعْرِفُ صَاحِبَهَا مِنْكُمَا. فَإِنْ صَدَّقَاهُ عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا أَوْ سَكَتَا عَنْ تَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ، فَلاَ يَمِينَ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ لاَ اخْتِلاَفَ، وَتُسَلَّمُ لأَِحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ كَذَّبَاهُ فَقَال: بَل تَعْرِفُ أَيُّنَا صَاحِبُهَا. حَلَفَ لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُهُ، لأَِنَّهُ مُنْكِرٌ، وَكَذَا إِذَا كَذَّبَهُ أَحَدُهُمَا.
فَإِنْ نَكَل قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُول، وَأُلْزِمَ تَعْيِينَ صَاحِبِهَا، فَإِنْ أَبَى التَّعْيِينَ أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِ عِوَضِهَا - الْمِثْل إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَالْقِيمَةَ إِنْ كَانَتْ قِيمِيَّةً فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَدَل وَالْعَيْنُ، فَيَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِمَا أَوْ يَتَّفِقَانِ.
وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالَتَيْنِ، أَيْ حَالَةِ مَا إِذَا صَدَّقَاهُ أَوْ كَذَّبَاهُ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ أَنَّهَا لَهُ، لاِحْتِمَال عَدَمِهِ، وَأَخَذَهَا بِمُقْتَضَى الْقُرْعَةِ (١) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَقَدْ ذَكَرُوا فَيمَنْ بِيَدِهِ وَدِيعَةٌ، فَأَتَى رَجُلاَنِ، كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ، وَلاَ يَدْرِي الْوَدِيعُ لِمَنْ هِيَ مِنْهُمَا؟ فَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: تَكُونُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا، فَمَنْ نَكَل مِنْهُمَا فَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَهِيَ كُلُّهَا لِمَنْ
_________
(١) كَشَّاف الْقِنَاع ٤ / ٢٠٣، ٢٠٤، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ ٢ / ٤٥٧، وَالْمُغْنِي ٩ / ٢٧٦.
حَلَفَ (١) . قَال الزُّرْقَانِيُّ: فَلَوْ نَكَلاَ، قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ حَلَفَا (٢) .
وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ نَقْلًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الرَّجُل يَسْتَوْدِعُ الرَّجُل الْوَدِيعَةَ، ثُمَّ يَأْتِي هُوَ وَآخَرُ، فَيَدَّعِيَانِهَا جَمِيعًا، وَيَنْسَى هُوَ مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ مِنْهُمَا. فَقِيل: إِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ جَمِيعًا، وَيَقْتَسِمَانِهَا بَيْنَهُمَا، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقِيل: إِنَّهُ يَضْمَنُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنِسْيَانِهِ (٣) .
أَمَّا إِذَا قَال الْوَدِيعُ: لَيْسَتِ الْوَدِيعَةُ لأَِحَدِكُمَا، لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ حَلِفِهِمَا (٤) .
_________
(١) التَّاج وَالإِْكْلِيل للمواق ٥ / ٢٦٧.
(٢) الزُّرْقَانِيّ عَلَى خَلِيل ٦ / ١٢٥.
(٣) الْمُقْدِمَات الْمُمَهِّدَات ٢ / ٤٦٦، وَانْظُرْ بِدَايَة الْمُجْتَهِدِ ٢ / ٣١٢.
(٤) الزُّرْقَانِيّ عَلَى خَلِيل ٦ / ١٢٥، ١٢٦.
وِرْدٌ
التَّعْرِيفُ: ١ - الْوِرْدُ فِي اللُّغَةِ: الْوَظِيفَةُ مِنْ قِرَاءَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْجَمْعُ أَوْرَادٌ، مِثْل حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ (١) .
قَال الْمُطَرِّزِيُّ: الْوِرْدُ مِنَ الْقُرْآنِ الْوَظِيفَةُ، وَهُوَ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ: إِمَّا سُبُعٌ أَوْ نِصْفُ سُبُعٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، يُقَال: قَرَأَ فُلاَنٌ وِرْدَهُ وَحِزْبَهُ بِمَعْنًى. (٢)
وَالْوِرْدُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُرَتِّبُهُ الإِْنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ كُل يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْ عَمَلٍ (٣) .
قَال أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ: الْوِرْدُ اسْمٌ لِوَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ يَرِدُ عَلَى الْعَبْدِ مُكَرَّرًا فَيَقْطَعُهُ فِي قُرْبَةٍ إِلَى اللَّهِ، وَيُورِدُ فِيهِ مَحْبُوبًا يَرِدُ عَلَيْهِ فِي الآْخِرَةِ.
وَالْقُرْبَةُ اسْمٌ لأَِحَدِ مَعْنَيَيْنِ: أَمْرٌ فُرِضَ عَلَيْهِ
_________
(١) المصباح المنير.
(٢) المغرب للمطرزي.
(٣) إتحاف السادة المتقين للزبيدي ٥ / ١٢١ ط دار الفكر.
أَوْ فَضْلٌ نُدِبَ إِلَيْهِ. فَإِذَا فَعَل ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَدَاوَمَ عَلَيْهِ فَهُوَ وِرْدٌ قَدَّمَهُ يَرِدُ عَلَيْهِ غَدًا إِذَا قَدِمَ (١) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْحِزْبُ:
٢ - مِنْ مَعَانِي الْحِزْبِ فِي اللُّغَةِ: الْوِرْدُ يَعْتَادُهُ الشَّخْصُ مِنْ صَلاَةٍ وَقِرَاءَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (٢) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (٣) .
فَضِيلَةُ الأَْوْرَادِ:
٣ - قَال الإِْمَامُ الْغَزَالِيُّ ﵀ فِي فَضِيلَةِ الأَْوْرَادِ وَتَرْتِيبِهَا:
اعْلَمْ أَنَّ النَّاظِرِينَ بِنُورِ الْبَصِيرَةِ عَلِمُوا أَنَّهُ لاَ نَجَاةَ إِلاَّ فِي لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لاَ سَبِيل إِلَى اللِّقَاءِ إِلاَّ بِأَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ مُحِبًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَعَارِفًا بِهِ، وَإِنَّ الْمَحَبَّةَ وَالأُْنْسَ لاَ تَحْصُل إِلاَّ مِنْ دَوَامِ ذِكْرِ الْمَحْبُوبِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّ
_________
(١) قوت القلوب لأبي طالب المكي ١ / ١٧٤ ط دار صادر بيروت.
(٢) المصباح المنير.
(٣) النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٣٧٦، والفتوحات الربانية ٣ / ٢٤٩ و١ / ١٥٠.
الْمَعْرِفَةَ بِهِ لاَ تَحْصُل إِلاَّ بِدَوَامِ الْفِكْرِ فِيهِ وَفِي صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.
وَلَنْ يَتَيَسَّرَ دَوَامُ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ إِلاَّ بِوَدَاعِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا وَالاِجْتِزَاءِ مِنْهَا بِقَدْرِ الْبُلْغَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَكُل ذَلِكَ لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِاسْتِغْرَاقِ أَوْقَاتِ اللَّيْل وَالنَّهَارِ فِي وَظَائِفِ الأَْذْكَارِ وَالأَْفْكَارِ (١) بِحَيْثُ يَكُونُ كُل وَقْتٍ مِنْ تِلْكَ الأَْوْقَاتِ مَعْمُورًا إِمَّا بِذِكْرٍ أَوْ بِفِكْرٍ (٢) .
وَوَرَدَ فِي فَضِيلَةِ الذِّكْرِ (٣) قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٤)﴾ وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ " قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: " الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ (٥) .
قَال ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: الْمُرَادُ يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ وَغُدُوًّا وَعَشِيًّا وَفِي الْمَضَاجِعِ، وَكُلَّمَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ، وَكُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى.
_________
(١) إحياء علوم الدين ١ / ٢٩٠ - ٢٩١ ط دار الفكر العربي.
(٢) إتحاف السادة المتقين ٥ / ١٢٢.
(٣) الأذكار للنووي ص ٩ - ١٠ ط دار الكتاب العربي بيروت، وانظر الكلم الطيب ص٤٢ - ٢٥.
(٤) سورة الأحزاب / ٣٥.
(٥) حديث: " سبق المفردون. . . " أخرجه مسلم (٤ / ٢٠٦٢ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.