الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢
وَأَمَّا الْمَعْقُول فَلأَِنَّهُ حَقٌّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ لَزِمَهُ فِي حَال الْحَيَاةِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَدَيْنِ الآْدَمِيِّ (١) .
وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِي الْقَضَاءِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ " وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَبَا رَزِينٍ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ وَيَعْتَمِرَ (٢) " وَيَكُونُ مَا يَحُجُّ بِهِ وَيَعْتَمِرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ لَهُ دَيْنٌ مُسْتَقِرٌّ؛ لأَِنَّهُ دَيْنٌ مُسْتَقِرٌّ، فَكَانَ مِنْ جَمِيعِ الْمَال كَدَيْنِ الآْدَمِيِّ (٣) .
هَذَا فِي الْحَجِّ الْفَرْضِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي حَجِّ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ (٤) .
وَيَجُوزُ الْحَجُّ مِنَ الْوَارِثِ وَمِنَ الأَْجْنَبِيِّ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْوَارِثُ أَمْ لاَ بِلاَ خِلاَفٍ كَمَا قَال النَّوَوِيُّ (٥) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ الاِسْتِنَابَةَ فِي الْحَجِّ مَكْرُوهَةٌ، إِلاَّ أَنَّ الْمَيِّتَ إِذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ مِنَ الثُّلُثِ، وَهُوَ قَوْل الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ لأَِنَّهُ
_________
(١) المجموع ٧ / ١٠٩، والمغني ٥ / ٣٩.
(٢) حديث: " أمر النبي ﷺ أبا رزين أن يحج عن أبيه ويعتمر. . . " أخرجه الترمذي (٣ / ٢٦٩ - ٢٧٠ ط الحلبي) وقال: حديث حسن صحيح.
(٣) المغني ٥ / ٣٩.
(٤) المجموع ٧ / ١١٤، والمغني ٥ / ٣٩.
(٥) المجموع ٧ / ١١٤.
عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالصَّلاَةِ (١) .
زَادَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَنْفُذُ مِنَ الثُّلْثِ، سَوَاءٌ كَانَ صَرُورَةً أَمْ غَيْرَ صَرُورَةٍ، وَقَال أَشْهَبُ: إِنْ كَانَ صَرُورَةً نَفِذَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَال، فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا لَمْ يُحَجَّ عَنْهُ (٢) .
وَقَال ابْنُ كِنَانَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِهِ؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تُبِيحُ الْمَمْنُوعَ وَيُصْرَفُ الْقَدْرُ الْمُوصَى بِهِ فِي الْهَدَايَا (٣) .
ب - النِّيَابَةُ عَنِ الْمَيِّتِ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ:
٤٥ - يَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ الاِسْتِنَابَةُ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ لَمْ يُوصِ بِهِ الْمَيِّتُ، وَكَذَا التَّطَوُّعُ عَنْهُ بِلاَ اسْتِنَابَةٍ (٤) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الاِسْتِنَابَةُ فِيهِ (٥) .
أَمَّا إِذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ عَنْهُ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَفِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازَ الاِسْتِنَابَةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ
_________
(١) ابن عابدين ٢ / ٢٤٢، والخرشي ٢ / ٢٩٦، والمغني ٥ / ٣٨.
(٢) الحطاب ٣ / ٣.
(٣) الخرشي ٢ / ٢٩٦.
(٤) الفتاوى الهندية ١ / ٢٥٨، وكشاف القناع ٢ / ٣٩٧، والخرشي ٢ / ٢٨٩.
(٥) المجموع ٧ / ١١٤.
الشَّافِعِيَّةِ مَنْعُ الاِسْتِنَابَةِ فِيهِ لأَِنَّهُ إِنَّمَا جَازَ الاِسْتِنَابَةُ فِي الْفَرْضِ لِلضَّرُورَةِ، وَلاَ يَجُوزُ فِي النَّفْل (١) .
مَكَانُ الاِسْتِنَابَةِ عَنِ الْمَيِّتِ:
٤٦ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُحَجُّ عَنِ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدِهِ، قِيَاسًا لاَ اسْتِحْسَانًا، أَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا الاِسْتِحْسَانُ فَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لأَِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ الَّذِي يَسْكُنُهُ، وَإِلاَّ فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْطَانٌ، فَمِنْ أَقْرَبِهَا إِلَى مَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ فَمِنْ حَيْثُ مَاتَ (٢) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْمُوصِيَ إِذَا عَيَّنَ مَوْضِعَ الإِْحْرَامِ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ الأَْجِيرُ فَلاَ نِزَاعَ فِي أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ إِحْرَامُهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ وَأَطْلَقَ تَعَيَّنَ عَلَى الأَْجِيرِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِ الْمَيِّتِ، سَوَاءٌ كَانَ الأَْجِيرُ مِنْ بِلاَدِ الْمَيِّتِ أَوْ مِنْ بِلاَدٍ أُخْرَى لَهُمْ مِيقَاتٌ آخَرُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوصِي مِصْرِيًّا وَالأَْجِيرُ مَدَنِيًّا. وَظَاهِرُهُ: مَاتَ الْمُوصِي بِبَلَدِهِ أَوْ بِغَيْرِهَا، كَانَتِ الْوَصِيَّةُ أَوِ الإِْجَارَةُ بِبَلَدِ الْمَيِّتِ أَوْ بِغَيْرِهَا كَالْمَدِينَةِ مَثَلًا،
_________
(١) حاشية ابن عابدين ١ / ٢٣٨، وفتح القدير ٣ / ١٤٤، ومواهب الجليل ٣ / ٣، والمجموع ٧ / ١١٤، والمغني ٣ / ٢٤٤ ط مكتبة ابن تيمية.
(٢) ابن عابدين ٢ / ٢٤٢.
وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، خِلاَفًا لأَِشْهَبَ حَيْثُ قَال: إِنَّهُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ يُعْتَبَرُ مِيقَاتُ بَلَدِ الْعَقْدِ - كَانَتْ بَلَدَ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرَهَا - وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ، قَال الْحَطَّابُ: وَهُوَ أَقْوَى (١) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَنِ الْمَيِّتِ مِنَ الْمِيقَاتِ؛ لأَِنَّ الْحَجَّ يَجِبُ مِنَ الْمِيقَاتِ (٢) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَنَابُ مَنْ يَحُجُّ عَنِ الْمَيِّتِ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ، إِمَّا مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَيْسَرَ فِيهِ؛ لأَِنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ مِنْهُ؛ لأَِنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الأَْدَاءِ كَقَضَاءِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ.
فَإِنْ كَانَ لَهُ وَطَنَانِ اسْتُنِيبَ مِنْ أَقْرَبِهِمَا، فَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِخُرَاسَانَ وَمَاتَ بِبَغْدَادَ، أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ فَمَاتَ بِخُرَاسَانَ فَقَال أَحْمَدُ: يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ لاَ مِنْ حَيْثُ مَوْتُهُ، وَيُحْتَمَل أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِ الْمَكَانَيْنِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا فِي أَقْرَبِ الْمَكَانَيْنِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ أَبْعَدَ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ نَائِبُهُ.
فَإِنْ أَحَجَّ عَنْهُ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَقَال الْقَاضِي:
_________
(١) الدسوقي ٢ / ١٢.
(٢) المجموع ٧ / ١٠٩.
إِنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَجْزَأَهُ؛ لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ الْقَرِيبِ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ بِكَمَالِهِ، وَيُحْتَمَل أَنْ يُجْزِئَهُ، وَيَكُونُ مُسِيئًا كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الإِْحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْ دُونِهِ.
فَإِنْ خَرَجَ لِلْحَجِّ أَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، حَجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ؛ لأَِنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجِبْ ثَانِيًا.
وَكَذَلِكَ إِنْ مَاتَ نَائِبُهُ اسْتُنِيبَ حَيْثُ مَاتَ لِذَلِكَ (١) .
النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ بِأُجْرَةٍ:
٤٧ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ عَنِ الْمَيِّتِ.
أَمَّا عَنِ الْحَيِّ فَلاَ يَجُوزُ إِلاَّ لِلْعُذْرِ الْمَيْئُوسِ عَنْ زَوَالِهِ وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَلاَ يَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ عَنِ الْحَيِّ عِنْدَهُمْ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ عَنِ الْحَيِّ أَوِ
_________
(١) المغني ٥ / ٣٩، ٤٠، وشرح منتهى الإرادات ١ / ٥١٩.
الْمَيِّتِ، فَإِنْ وَقَعَتِ الإِْجَارَةُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لَكِنَّ الْحَجَّةَ تَقَعُ عَنِ الأَْصِيل، وَلِمَنْ حَجَّ نَفَقَةُ مِثْلِهِ لأَِنَّهُ حَبَسَ نَفْسَهُ لِمَنْفَعَةِ الأَْصِيل، فَوَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ (١) .
رَابِعًا: النِّيَابَةُ فِي الأُْضْحِيَّةِ:
٤٨ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي ذَبْحِ الأُْضْحِيَّةِ إِذَا كَانَ النَّائِبُ مُسْلِمًا، وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهَا إِذَا كَانَ النَّائِبُ كِتَابِيًّا، وَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ بِمَوْضِعِ ذَبْحِ الأُْضْحِيَّةِ لاَ مَوْضِعِ الْمُضَحَّى عَنْهُ عَلَى خِلاَفٍ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أُضْحِيَّة ف ٦٤) .
خَامِسًا: النِّيَابَةُ فِي الْوَظَائِفِ:
٤٩ - اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي جَوَازِ الاِسْتِنَابَةِ فِي الْوَظَائِفِ.
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ - مِنْهُمُ الطَّرْطُوسِيُّ - إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الاِسْتِنَابَةِ لأَِرْبَابِ الْوَظَائِفِ حَتَّى مَعَ قِيَامِ الأَْعْذَارِ. وَيَرَى آخَرُونَ - مِنْهُمْ صَاحِبُ الْخُلاَصَةِ - جَوَازَ الاِسْتِنَابَةِ فِي الْوَظَائِفِ.
وَقَال الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: يَجِبُ تَقْيِيدُ جَوَازِ
_________
(١) ابن عابدين ٢ / ٢٤٠، والدسوقي ٢ / ١١، ١٣، والمجموع ٧ / ١٢٠، ١١٤، ١١٥، ونهاية المحتاج ٣ / ٢٥٤، والمغني ٥ / ٢٣.
الاِسْتِنَابَةِ بِوَظِيفَةٍ تَقْبَل الإِْنَابَةَ كَالتَّدْرِيسِ بِخِلاَفِ التَّعَلُّمِ، وَحَيْثُ تَحَرَّرَ الْجَوَازُ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنَابُ مُسَاوِيًا لِلنَّائِبِ فِي الْفَضِيلَةِ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ دُونَهُ.
وَاشْتَرَطَ أَبُو السُّعُودِ لِجَوَازِ الاِسْتِنَابَةِ الْعُذْرَ الشَّرْعِيَّ، وَكَوْنَ الْوَظِيفَةِ مِمَّا يَقْبَل النِّيَابَةَ كَالإِْفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ، وَكَوْنَ النَّائِبِ مِثْل الأَْصِيل أَوْ خَيْرًا مِنْهُ، وَأَنَّ الْمَعْلُومَ بِتَمَامِهِ يَكُونُ لِلنَّائِبِ لَيْسَ لِلأَْصِيل مِنْهُ شَيْءٌ (١) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الاِسْتِنَابَةِ فِي أَيَّامِ الْعُذْرِ وَقَالُوا: جَازَ لِلْمُسْتَنِيبِ تَنَاوُل رِيعِ الْوَقْفِ وَأَنْ يُطْلِقَ لِنَائِبِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّيعِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الأَْعْذَارِ فَلاَ تَجُوزُ الاِسْتِنَابَةُ عِنْدَهُمْ فِي الْوَظَائِفِ، قَال فِي الْمَسَائِل الْمَلْقُوطَةِ: مَنْ وَلاَّهُ الْوَاقِفُ عَلَى وَظِيفَةٍ بِأُجْرَةٍ، فَاسْتَنَابَ فِيهَا غَيْرَهُ وَلَمْ يُبَاشِرِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُل الأُْجْرَةِ وَلاَ لِنَائِبِهِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُبَاشِرِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، وَمَا عُيِّنَ لَهُ النَّاظِرُ لاَ يَسْتَحِقُّهُ إِلاَّ بِمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعَيِّنِ النَّاظِرُ النَّائِبَ فِي الْوَظِيفَةِ، فَمَا تَنَاوَلاَهُ حَرَامٌ (٢) .
وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِي جَوَازِ الاِسْتِنَابَةِ فِي
_________
(١) ابن عابدين ٣ / ٤٠٨.
(٢) مواهب الجليل ٦ / ٣٧، والفروق ٣ / ٤.
الْوَظَائِفِ، فَقَدْ جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الْقَلْيُوبِيِّ: الاِسْتِنَابَةُ فِي الْوَظَائِفِ الَّتِي تَقْبَل النِّيَابَةَ جَائِزَةٌ إِذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْل الْمُسْتَنِيبِ أَوْ أَعْلَى، وَيَسْتَحِقُّ الْمُسْتَنِيبُ جَمِيعَ الْمَعْلُومِ وَإِنْ جَعَل لِلنَّائِبِ شَيْئًا وَجَبَ دَفْعُهُ.
وَجَاءَ فِي حَاشِيَةِ عَمِيرَةَ مَا يُفِيدُ أَنَّ الاِسْتِنَابَةَ فِي الْوَظَائِفِ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَلاَ يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَنِيبُ وَلاَ النَّائِبُ شَيْئًا، لَكِنْ تَجُوزُ الاِسْتِنَابَةُ إِذَا كَانَتْ بِإِذْنِ الْوَاقِفِ (١) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: النِّيَابَةُ فِي الأَْعْمَال الْمَشْرُوطَةِ مِنْ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَأَذَانٍ وَغَلْقِ بَابٍ وَنَحْوِهَا جَائِزَةٌ، إِذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْل مُسْتَنِيبِهِ فِي كَوْنِهِ أَهْلًا لِمَا اسْتُنِيبَ فِيهِ، ثُمَّ قَال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ أَكَل أَمْوَال النَّاسِ بِالْبَاطِل قَوَّمَ لَهُمْ رَوَاتِبَ أَضْعَافَ حَاجَاتِهِمْ وَقَوَّمَ لَهُمْ جِهَاتٍ مَعْلُومُهَا كَثِيرٌ يَأْخُذُونَهُ وَيَسْتَنِيبُونَ فِيهَا بِيَسِيرٍ مِنَ الْمَعْلُومِ لأَِنَّ هَذَا خِلاَفُ غَرَضِ الْوَاقِفِينَ (٢) .
_________
(١) حاشيتي القليوبي وعميرة ٣ / ١٣٢.
(٢) كشاف القناع ٤ / ٢٦٨، والإنصاف ٧ / ٦٩.
نِيَاحَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - النِّيَاحَةُ لُغَةً اسْمٌ مِنَ النَّوْحِ، مَصْدَرُ نَاحَ يَنُوحُ نَوْحًا وَنُوَاحًا وَنِيَاحًا. وَهِيَ: الْبُكَاءُ بِصَوْتٍ عَالٍ، كَالْعَوِيل. وَالنَّائِحَةُ: الْبَاكِيَةُ. وَأَصْل التَّنَاوُحِ: التَّقَابُل، وَمِنْهُ تَنَاوُحُ الْجَبَلَيْنِ؛ أَيْ تَقَابُلُهُمَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ النِّسَاءُ النَّوَائِحُ نَوَائِحَ لأَِنَّ بَعْضَهُنَّ يُقَابِل بَعْضًا إِذَا نُحْنَ. وَكَانَ النِّسَاءُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَابِل بَعْضُهُنَّ بَعْضًا، فَيَبْكِينَ وَيَنْدُبْنَ الْمَيِّتَ، فَهَذَا هُوَ النَّوْحُ وَالنِّيَاحَةُ. وَيُطْلَقُ عَلَى النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَجْتَمِعْنَ فِي مَنَاحَةٍ: نَوَائِحُ ونُوَّحٌ وَنَوْحٌ وَأَنْوَاحٌ وَنَائِحَاتٌ. وَنَوْحُ الْحَمَامَةِ: مَا تُبْدِيه مِنْ سَجْعِهَا عَلَى شَكْل النَّوْحِ. وَاسْتَنَاحَ الرَّجُل، كَنَاحٍ: بَكَى حَتَّى اسْتَبْكَى غَيْرَهُ (١) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ النِّيَاحَةِ.
_________
(١) لسان العرب، وتاج العروس، والمصباح المنير، وجمهرة اللغة، والصحاح، والنظم المستعذب في شرح غريب المهذب ١ / ١٣٦.
فَعَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا: الْبُكَاءُ مَعَ نَدْبِ الْمَيِّتِ؛ أَيْ تَعْدِيدِ مَحَاسِنِهِ. وَقِيل: هِيَ الْبُكَاءُ مَعَ صَوْتٍ (١) .
وَحَاصِل كَلاَمِ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ النِّيَاحَةَ عِنْدَهُمْ هِيَ الْبُكَاءُ إِذَا اجْتَمَعَ مَعَهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: صُرَاخٌ أَوْ كَلاَمٌ مَكْرُوهٌ (٢) .
وَعَرَّفَهَا أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهَا: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ بُكَاءٍ، وَقِيل: مَعَ الْبُكَاءِ (٣) .
وَعَرَّفَهَا الْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ بِرَنَّةٍ أَوْ بِكَلاَمٍ مُسَجَّعٍ (٤) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْبُكَاءُ:
٢ - الْبُكَاءُ: مَصْدَرُ بَكَى، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ،
_________
(١) عون المعبود ٨ / ٣٩٩، وحاشية ابن عابدين ٥ / ٣٤، والمنهل العذب المورود ٨ / ٢٨٠.
(٢) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١ / ٤٢١، ٤٢٢، والمنتقى ٢ / ٢٥، والفروق وتهذيب الفروق ٢ / ١٧٢ وما بعدها، و١٨٠ وما بعدها
(٣) المجموع ٥ / ٢٨٠، ومغني المحتاج ١ / ٣٥٦، والمنهاج وحاشية القليوبي ١ / ٣٤٣، وحاشية العدوي على كفاية الطالب ١ / ٣٤٧.
(٤) نهاية المحتاج ٣ / ١٦، ومغني المحتاج ١ / ٣٥٦، وكشاف القناع ٢ / ١٦٣، ومطالب أولي النهى ١ / ٩٢٥.