الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢
وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَاعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ (١) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلاَنِ شَخْصًا: أَحَدُهُمَا لِيَحُجَّ عَنْهُ وَالثَّانِي لِيَعْتَمِرَ عَنْهُ فَقَرَنَ عَنْهُمَا، فَعَلَى الْجَدِيدِ يَقَعَانِ عَنِ الأَْجِيرِ، وَعَلَى الثَّانِي يَقَعُ عَنْ كُل وَاحِدٍ مَا اسْتَأْجَرَ لَهُ (٢) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنِ اسْتَنَابَهُ رَجُلٌ فِي الْحَجِّ وَآخَرُ فِي الْعُمْرَةِ، وَأَذِنَا لَهُ فِي الْقِرَانِ فَفَعَل جَازَ؛ لأَِنَّهُ نُسُكٌ مَشْرُوعٌ، وَإِنْ قَرَنَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمَا، صَحَّ، وَوَقَعَ عَنْهُمَا، وَيَرُدُّ مِنْ نَفَقَةِ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهَا لأَِنَّهُ جَعَل السَّفَرَ عَنْهُمَا بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا.
وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآْخَرِ، رَدَّ عَلَى غَيْرِ الأَْمْرِ نِصْفَ نَفَقَتِهِ وَحْدَهُ؛ لأَِنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي صِفَتِهِ لاَ فِي أَصْلِهِ (٣) .
وَقَال الْقَاضِي: إِذَا لَمْ يَأْذَنَا لَهُ ضَمِنَ الْجَمِيعَ؛ لأَِنَّهُ أُمِرَ بِنُسُكٍ مُفْرَدٍ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَكَانَ مُخَالِفًا، كَمَا لَوْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ (٤) .
_________
(١) البدائع ٢ / ٢١٥.
(٢) المجموع ٧ / ١١٨، ١١٩.
(٣) المغني ٥ / ٢٩.
(٤) المغني ٥ / ٢٩.
ي - الاِسْتِنَابَةُ فِي الْحَجِّ عَنْ رَجُلَيْنِ:
٣٦ - لَوْ أَمَرَهُ رَجُلٌ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةً، وَأَمَرَهُ آخَرُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ أَيْضًا، فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ، فَهَذَا لاَ يَخْلُو عَنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْ أَحَدِهِمَا:
الْحَالَةُ الأُْولَى: الإِْحْرَامُ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا مَعًا: ٣٧ - إِذَا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَنْهُمَا مَعًا يَكُونُ مُخَالِفًا، وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ عَنْهُمَا مَعًا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ صَاحِبِهِ.
وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لَهُمَا إِنْ كَانَ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِمَا؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ بِحَجٍّ تَامٍّ وَلَمْ يَفْعَل فَصَارَ مُخَالِفًا لأَِمْرِهِمَا فَلَمْ يَقَعْ حَجُّهُ عَنْهُمَا فَيَضْمَنُ لَهُمَا؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَرْضَ بِإِنْفَاقِ مَالِهِ فَيَضْمَنُ.
وَإِنَّمَا وَقَعَ الْحَجُّ عَنِ الْحَاجِّ لأَِنَّ الأَْصْل أَنْ يَقَعَ كُل فِعْلٍ عَنْ فَاعِلِهِ وَإِنَّمَا يَقَعُ لِغَيْرِهِ بِجُعْلِهِ، فَإِذَا خَالَفَ لَمْ يَصِرْ لِغَيْرِهِ فَبَقِيَ فِعْلُهُ لَهُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ لأَِحَدِهِمَا لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ.
وَهَذَا بِخِلاَفِ الاِبْنِ إِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا؛ لأَِنَّ
الاِبْنَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالْحَجِّ عَنِ الأَْبَوَيْنِ فَلاَ تَتَحَقَّقُ مُخَالَفَةُ الآْمِرِ، وَإِنَّمَا جَعَل ثَوَابَ الْحَجِّ الْوَاقِعِ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْحَقِيقَةِ لأَِبَوَيْهِ وَكَانَ مِنْ عَزْمِهِ أَنْ يَجْعَل ثَوَابَ حَجَّةٍ لَهُمَا، ثُمَّ نَقَضَ عَزْمَهُ وَجَعْلَهُ لأَِحَدِهِمَا، وَهَاهُنَا بِخِلاَفِهِ لأَِنَّ الْحَاجَّ مُتَصَرِّفٌ بِحُكْمِ الآْمِرِ وَقَدْ خَالَفَ أَمْرَهُمَا، فَلاَ يَقَعُ حَجُّهُ لَهُمَا وَلاَ لأَِحَدِهِمَا (١) .
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: الإِْحْرَامُ بِحَجَّةٍ عَنْ أَحَدِهِمَا:
٣٨ - إِذَا أَمَرَاهُ بِالْحَجِّ فَأَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا عَيْنًا وَقَعَ الْحَجُّ عَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ، وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِلآْخَرِ وَهَذَا ظَاهِرٌ.
وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ:
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا شَاءَ مَا لَمْ يَتَّصِل بِهَا الأَْدَاءُ وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا (٢)، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ (٣) .
وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ الإِْحْرَامَ لَيْسَ مِنَ الأَْدَاءِ بَل هُوَ شَرْطُ جَوَازِ أَدَاءِ أَفْعَال
_________
(١) البدائع ٢ / ٢١٤ - ٢١٥، والمجموع ٧ / ١٣٨، والمغني ٥ / ٢٩، ٣٠.
(٢) البدائع ٢ / ٢١٥.
(٣) المجموع ٧ / ١٣٨، والمغني ٥ / ٢٩، ٣٠.
الْحَجِّ فَيَقْتَضِي تَصَوُّرَ الأَْدَاءِ، وَالأَْدَاءُ مُتَصَوَّرٌ بِوَاسِطَةِ التَّعْيِينِ، فَإِذَا جَعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا قَبْل أَنْ يَتَّصِل بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَال الْحَجِّ تَعَيَّنَ لَهُ فَيَقَعُ عَنْهُ.
فَإِذَا لَمْ يَجْعَل الْحَجَّةَ عَنْ أَحَدِهِمَا حَتَّى طَافَ شَوْطًا، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا لَمْ تَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لأَِنَّهُ إِذَا اتَّصَل بِهِ الأَْدَاءُ تَعَذَّرَ تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْمُؤَدَّى؛ لأَِنَّ الْمُؤَدَّى قَدْ مَضَى وَانْقَضَى فَلاَ يُتَصَوَّرُ تَعْيِينُهُ فَيَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ، وَصَارَ إِحْرَامُهُ وَاقِعًا لَهُ لاِتِّصَال الأَْدَاءِ بِهِ (١) .
وَالْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (٢) وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لَهُمَا، وَهُوَ احْتِمَالٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (٣) .
وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ خَالَفَ الأَْمْرَ لأَِنَّهُ أُمِرَ بِالْحَجِّ لِمُعَيَّنٍ وَقَدْ حَجَّ لِمُبْهَمٍ، وَالْمُبْهَمُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ، فَصَارَ مُخَالِفًا وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ نَفْسِهِ. بِخِلاَفِ مَا إِذَا أَحْرَمَ الاِبْنُ بِالْحَجِّ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مُعَيَّنًا؛ لأَِنَّ الاِبْنَ فِي حَجِّهٍ لأَِبَوَيْهِ لَيْسَ مُتَصَرِّفًا بِحُكْمِ الآْمِرِ حَتَّى يَصِيرَ مُخَالِفًا لِلأَْمْرِ، بَل هُوَ
_________
(١) البدائع ٢ / ٢١٥.
(٢) البدائع ٢ / ٢١٤.
(٣) المغني ٥ / ٣٠.
يَحُجُّ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ يَجْعَل ثَوَابَ حَجِّهِ لأَِحَدِهِمَا وَذَلِكَ جَائِزٌ وَهَاهُنَا بِخِلاَفِهِ (١) .
وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ؛ لأَِنَّهُ إِذَا وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَنْوِهَا فَمَعَ نِيَّتِهِ أَوْلَى (٢) .
ك - اسْتَنَابَهُ فِي الْحَجِّ فَحَجَّ عَنْهُ مَاشِيًا:
٣٩ - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ مَاشِيًا يَضْمَنُ لأَِنَّهُ خَالَفَهُ؛ لأَِنَّ الأَْمْرَ بِالْحَجِّ يَنْصَرِفُ إِلَى الْحَجِّ الْمُتَعَارَفِ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الْحَجُّ رَاكِبًا لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِذَلِكَ، فَعِنْدَ الإِْطْلاَقِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ، فَإِذَا حَجَّ مَاشِيًا فَقَدْ خَالَفَ فَيَضْمَنُ، وَلأَِنَّ الَّذِي يَحْصُل لِلآْمِرِ مِنَ الأَْمْرِ بِالْحَجِّ هُوَ ثَوَابُ النَّفَقَةِ، وَالنَّفَقَةُ فِي الرُّكُوبِ أَكْثَرُ فَكَانَ الثَّوَابُ فِيهِ أَوْفَرَ.
وَلِهَذَا قَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إِنْ حَجَّ عَلَى حِمَارٍ كَرِهْتُ لَهُ ذَلِكَ، وَالْجَمَل أَفْضَل لأَِنَّ النَّفَقَةَ فِي رُكُوبِ الْجَمَل أَكْثَرُ، فَكَانَ حُصُول الْمَقْصُودِ فِيهِ أَكْمَل فَكَانَ أَوْلَى (٣) .
ل - فَعَل النَّائِبُ فِي الْحَجِّ مَا يُوجِبُ الدَّمَ أَوْ غَيْرَهُ:
٤٠ - إِذَا فَعَل الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ مَا يُوجِبُ الدَّمَ
_________
(١) البدائع ٢ / ٢١٤.
(٢) المغني ٥ / ٣٠.
(٣) البدائع ٢ / ٢١٥.
فَالدَّمُ عَلَى الْمَأْمُورِ وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَمَّا لَوْ قَرَنَ عَنِ الآْمِرِ بِأَمْرِهِ فَدَمُ الْقِرَانِ عَلَى الْمَأْمُورِ، هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ عَلَى الآْمِرِ كَمَا لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ لأَِنَّهُ الَّذِي شَرَطَ الْقِرَانَ (١) .
قَال الْحَنَفِيَّةُ فِي تَوْجِيهِ الرَّأْيِ الأَْوَّل: وَالْحَاصِل أَنَّ جَمِيعَ الدِّمَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالإِْحْرَامِ فِي مَال الْحَاجِّ إِلاَّ دَمَ الإِْحْصَارِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ فِي مَال الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ.
وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ دَمَ الإِْحْصَارِ عَلَى الْحَاجِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (٢) .
أَمَّا مَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ فَلأَِنَّهُ هُوَ الَّذِي جَنَى فَكَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَلأَِنَّهُ أَمَرَ بِحَجٍّ خَالٍ عَنِ الْجِنَايَةِ فَإِذَا جَنَى فَقَدْ خَالَفَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْخِلاَفِ.
وَأَمَّا دَمُ الْقِرَانِ فَلأَِنَّهُ دَمُ نُسُكٍ لأَِنَّهُ يَجِبُ
_________
(١) البدائع ٢ / ٢١٥، والمجموع ٧ / ١٣٢، وشرح منتهى الإرادات ١ / ٥٢٢، والمغني ٥ / ٢٥، والدسوقي ٢ / ١٤.
(٢) ابن عابدين ٢ / ٢٤٦.
شُكْرًا وَسَائِرُ أَفْعَال النُّسُكِ عَلَى الْحَاجِّ فَكَذَا هَذَا النُّسُكُ، وَأَمَّا دَمُ الإِْحْصَارِ فَلأَِنَّ الْمَحْجُوجَ عَنْهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَكَانَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ وَالْمُؤْنَةِ وَذَلِكَ عَلَيْهِ كَذَا هَذَا (١) .
وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْقِرَانِ فَأَتَى بِهِ فَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَحَدِ وَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
قَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِنْفَاقِ الْمَال لِسَفَرٍ مُفْرَدٍ لِلْحَجِّ، وَقَدْ خَالَفَ، فَيَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْوَجْهُ الآْخَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَضْمَنُ لأَِنَّ الْقِرَانَ أَفْضَل، فَقَدْ فَعَل الْمَأْمُورَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ أَحْسَنَ فَلاَ يَكُونُ مُخَالِفًا، كَالْوَكِيل إِذَا بَاعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ الْمُوَكِّل (٢) .
م - جِمَاعُ النَّائِبِ فِي الْحَجِّ قَبْل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ:
٤١ - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْحَاجَّ عَنِ الْغَيْرِ إِذَا جَامَعَ قَبْل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَيَمْضِي
_________
(١) البدائع ٢ / ٢١٥.
(٢) فتح القدير ٣ / ١٥٣، وروضة الطالبين ٣ / ٢٦، والمغني ٥ / ٢٥، ٢٦.
فِيهِ وَالنَّفَقَةُ فِي مَالِهِ وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ مِنْ مَال الْمَحْجُوجِ عَنْهُ قَبْل ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ مَال نَفْسِهِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (١) . قَال الْكَاسَانِيُّ: أَمَّا فَسَادُ الْحَجِّ فَلأَِنَّ الْجِمَاعَ قَبْل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ، وَالْحَجَّةُ الْفَاسِدَةُ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهَا، وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ مِنْ مَال الْمَحْجُوجِ عَنْهُ قَبْل ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ مَال نَفْسِهِ، وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ مِنْ مَال الآْمِرِ قَبْل ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ خَالَفَ؛ لأَِنَّهُ أَمَرَهُ بِحَجَّةٍ صَحِيحَةٍ وَهِيَ الْخَالِيَةُ عَنِ الْجِمَاعِ وَلَمْ يَفْعَل ذَلِكَ فَصَارَ مُخَالِفًا، فَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ وَمَا بَقِيَ يُنْفِقُ فِيهِ مِنْ مَالِهِ لأَِنَّ الْحَجَّ وَقَعَ لَهُ، وَيَقْضِي لأَِنَّ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ (٢) .
ثَانِيًا: النِّيَابَةُ عَنِ الْحَيِّ فِي بَعْضِ الأَْعْمَال:
أ - النِّيَابَةُ فِي التَّلْبِيَةِ:
٤٢ - تَجُوزُ الإِْنَابَةُ فِي التَّلْبِيَةِ عِنْدَ عَجْزِ الْحَاجِّ بِنَفْسِهِ بِأَمْرِهِ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ (٣) حَتَّى لَوْ تَوَجَّهَ يُرِيدُ حَجَّةَ الإِْسْلاَمِ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَبَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَكَانَ قَدْ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، حَتَّى لَوْ عَجَزَ عَنْهُ بِنَفْسِهِ يَجُوزُ بِإِجْمَاعِهِمْ. فَإِنْ لَمْ
_________
(١) البدائع ٢ / ٢١٥، وابن عابدين ٢ / ٢٤٧، ومغني المحتاج ١ / ٥٢٢، والمجموع ٧ / ١٣٤.
(٢) البدائع ٢ / ٢١٥.
(٣) البدائع ٢ / ١٦١.
يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ نَصًّا فَأَهَلُّوا عَنْهُ جَازَ أَيْضًا فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأَِنَّ الأَْمْرَ هَاهُنَا مَوْجُودٌ دَلاَلَةً، وَهِيَ دَلاَلَةُ عَقْدِ الْمُرَافَقَةِ؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْ رُفَقَائِهِ الْمُتَوَجِّهِينَ إِلَى الْكَعْبَةِ يَكُونُ آذِنًا لِلآْخَرِ بِإِعَانَتِهِ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ، فَكَانَ الأَْمْرُ مَوْجُودًا دَلاَلَةً، وَسَعْيُ الإِْنْسَانِ جَازَ أَنْ يُجْعَل سَعْيًا لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ (١)، بِمُوجِبِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (٢)﴾ .
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لاَ يَجُوزُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّعْيُ فِي التَّلْبِيَةِ؛ لأَِنَّ فِعْل غَيْرِهِ لاَ يَكُونُ فِعْلَهُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يُجْعَل فِعْلًا لَهُ تَقْدِيرًا بِأَمْرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، بِخِلاَفِ الطَّوَافِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الْفِعْل هُنَاكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَل الشَّرْطُ حُصُولُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَدْ حَصَل، وَالشَّرْطُ هَاهُنَا هُوَ التَّلْبِيَةُ، وَقَوْل غَيْرِهِ لاَ يَصِيرُ قَوْلًا لَهُ إِلاَّ بِأَمْرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ (٣) .
ب - النِّيَابَةُ فِي الرَّمْيِ:
٤٣ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنِ الرَّمْيِ بِنَفْسِهِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (رَمْيٍ ف ٢٣) .
_________
(١) البدائع ٢ / ١٦١، والهداية مع فتح القدير ٢ / ٤٠٢.
(٢) سورة النجم / ٣٩.
(٣) البدائع ٢ / ١٦١، والهداية مع فتح القدير ٢ / ٤٠٢.
ثَالِثًا: النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ عَنِ الْمَيِّتِ:
أ - النِّيَابَةُ عَنِ الْمَيِّتِ فِي حَجِّ الْفَرْضِ:
٤٤ - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ مَتَى تُوُفِّيَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَمْ يَحُجَّ، وَجَبَ أَنْ يُخْرَجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ مَا يُحَجُّ بِهِ عَنْهُ وَيُعْتَمَرُ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَمْ لاَ. وَبِهَذَا قَال ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ﵄ وَالْحَسَنُ وَطَاوُوسٌ (١) . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُول:
أَمَّا السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ فَقَدْ رَوَى بُرَيْدَةُ ﵁: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ وَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ، قَال: حُجِّي عَنْهَا (٢) . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ، فَأَتَى أَخُوهَا النَّبِيَّ ﷺ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَال: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُخْتِكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَاقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ (٣) .
_________
(١) المجموع ٧ / ١٠٩، ١١٢، ومغني المحتاج ١ / ٤٦٨، والمغني ٥ / ٣٨ وما بعدها، وكشاف القناع ٢ / ٣٩٢، ٣٩٣، وشرح منتهى الإرادات ١ / ٥١٩
(٢) حديث بريدة: " أن امرأة أتت إلى النبي ﷺ. . . " أخرجه مسلم (٢ / ٨٠٥ ط الحلبي) .
(٣) حديث ابن عباس: " أن امرأة نذرت أن تحج. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ١١ / ٥٨٤ ط السلفية)، والنسائي (٥ / ١١٦ ط المكتبة التجارية) واللفظ للنسائي.