الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢
الأَْفْضَل أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ (١) وَيُسَمَّى حَجَّ الصَّرُورَةِ.
وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قَال بِهِ الْحَنَفِيَّةُ، هُوَ قَوْل الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَثْل ذَلِكَ (٢) .
وَقَال الثَّوْرِيُّ: إِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّ الْحَجَّ مِمَّا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، فَجَازَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَنْ غَيْرِهِ مَنْ لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُ عَنْ نَفْسِهِ، كَالزَّكَاةِ (٣) .
وَقَال أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: يَقَعُ الْحَجُّ بَاطِلًا، وَلاَ يَصِحُّ عَنْهُ وَلاَ عَنْ غَيْرِهِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ لأَِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ تَعْيِينُ النِّيَّةِ، فَمَتَى نَوَاهُ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَنْوِ لِنَفْسِهِ، لَمْ يَقَعْ عَنْ نَفْسِهِ، كَذَا الطَّوَافُ حَامِلًا لِغَيْرِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْ نَفْسِهِ (٤)، وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (حَجٍّ ف ١١٦) .
نِيَابَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَجِّ:
٢٣ - تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، سَوَاءٌ كَانَ النَّائِبُ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً،
_________
(١) البدائع ٢ / ٢١٣، وابن عابدين ٢ / ٢٤١.
(٢) المغني ٥ / ٤٢.
(٣) المغني ٥ / ٤٢.
(٤) المغني ٥ / ٤٢.
وَهَذَا فِي قَوْل عَامَّةِ أَهْل الْعِلْمِ (١) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ (٢) وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ (٣) .
أَمَّا الْجَوَازُ، فَلِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ، فَلأَِنَّهُ يَدْخُل فِي حَجِّهَا ضَرْبُ نُقْصَانٍ؛ لأَِنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تَسْتَوْفِي سُنَنَ الْحَجِّ، فَإِنَّهَا لاَ تَرْمُل فِي الطَّوَافِ وَفِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَة، وَلاَ تَحْلِقُ (٤) .
النِّيَابَةُ فِي حَجَّةِ الْفَرْضِ وَحَجَّةِ النَّذْرِ مَعًا:
٢٤ - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى الإِْنْسَانِ حَجَّةُ الإِْسْلاَمِ، وَحَجَّةُ النَّذْرِ، فَاسْتَأْجَرَ رَجُلَيْنِ يَحُجَّانِ عَنْهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَدْ نَصَّ فِي الأُْمِّ أَنَّهُ يَجُوزُ وَكَانَ أَوْلَى؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُقَدِّمِ النَّذْرَ عَنْ حَجَّةِ الإِْسْلاَمِ، قَال النَّوَوِيُّ: وَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَنْ قَال: لاَ يَجُوزُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَحُجُّ بِنَفْسِهِ حَجَّتَيْنِ فِي سَنَةٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ (٥) .
_________
(١) البدائع ٢ / ٢١٣، والهداية مع فتح القدير ٢ / ٤٠٣، وابن عابدين ٢ / ٢٤١، والأم ٢ / ١٢٥، وكشاف القناع ٢ / ٣٩١، والمغني ٥ / ٢٧، وشرح منتهى الإرادات ١ / ٥١٩.
(٢) البدائع ٢ / ٢١٣.
(٣) المغني ٥ / ٢٧.
(٤) البدائع ٢ / ٢١٣
(٥) المجموع ٧ / ١١٧.
النِّيَابَةُ فِي حَالَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ:
٢٥ - الْحَجُّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَذْرًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا.
فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، وَكَذَا الْحَجُّ الْمَنْذُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ يَرَوْنَ كَرَاهَتَهُ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْحَجُّ حَجَّ تَطَوُّعٍ، وَكَانَ الْمُسْتَنِيبُ قَدْ أَدَّى حَجَّةَ الإِْسْلاَمِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الاِسْتِنَابَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ، إِلَى أَنَّهُ تَجُوزُ الاِسْتِنَابَةُ (١) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ كَرَاهَةَ الاِسْتِنَابَةِ (٢) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الاِسْتِنَابَةِ (٣)، وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حَجٍّ ف ١١٨) .
الْعَجْزُ عَنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ عَجْزًا مَرْجُوَّ الزَّوَال:
٢٦ - صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الإِْنْسَانُ
_________
(١) ابن عابدين ٢ / ٢٤١، والمغني ٥ / ٢٣.
(٢) الدسوقي ٢ / ١٨، والشرح الصغير ٢ / ١٥.
(٣) المجموع ٧ / ١١٦، والإنصاف ٣ / ٤١٨، والمغني ٥ / ٢٣.
عَاجِزًا عَنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ عَجْزًا مَرْجُوَّ الزَّوَال، كَالْمَرِيضِ مَرَضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَالْمَحْبُوسِ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ؛ لأَِنَّهُ حَجٌّ لاَ يَلْزَمُهُ عَجَزَ عَنْ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَجِّ الْفَرْضِ، أَنَّ الْفَرْضَ عِبَادَةُ الْعُمْرِ فَلاَ يَفُوتُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ هَذَا الْعَامِ، وَالتَّطَوُّعُ مَشْرُوعٌ فِي كُل عَامٍ فَيَفُوتُ حَجُّ هَذَا الْعَامِ بِتَأْخِيرِهِ، وَلأَِنَّ حَجَّ الْفَرْضِ إِذَا مَاتَ قَبْل فِعْلِهِ فُعِل بَعْدَ مَوْتِهِ، وَحَجُّ التَّطَوُّعِ لاَ يُفْعَل فَيَفُوتَ (١) .
مَا يَصِيرُ بِهِ النَّائِبُ مُخَالِفًا وَحُكْمُهُ إِذَا خَالَفَ:
أ - أَمَرَهُ بِالإِْفْرَادِ فَقَرَنَ:
٢٧ - إِذَا أُمِرَ النَّائِبُ بِالإِْفْرَادِ فَقَرَنَ فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، إِلَى أَنَّهُ لاَ يَكُونُ مُخَالِفًا وَلاَ يَضْمَنُ، وَوَقَعَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ؛ لأَِنَّهُ فَعَل الْمَأْمُورَ بِهِ وَزَادَ خَيْرًا، فَكَانَ مَأْذُونًا فِي الزِّيَادَةِ دَلاَلَةً، فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا فَصَحَّ وَلَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ شَاةٍ بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ تُسَاوِي إِحْدَاهُمَا دِينَارًا (٢) .
_________
(١) المغني ٥ / ٢٣
(٢) المجموع ٧ / ١٣٩، والمغني ٥ / ٢٨، والبدائع ٢ / ٢١٣، ٢١٤.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ، إِذْ أُمِرَ بِسَفَرٍ يَصْرِفُهُ إِلَى الْحَجِّ لاَ غَيْرَ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ، فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ الآْمِرِ فَضَمِنَ (١) .
ب - أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ أَوِ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ:
٢٨ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أُمِرَ النَّائِبُ بِحَجٍّ فَتَمَتَّعَ، أَوِ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ حَجَّ: فَإِنْ خَرَجَ إِلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ بِالْحَجِّ جَازَ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ، لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ وَيَرُدُّ مِنَ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ مِنْ إِحْرَامِ الْحَجِّ فِيمَا بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ؛ لأَِنَّهُ إِذَا أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ فَقَدْ أَتَى بِالْحَجِّ صَحِيحًا مِنْ مِيقَاتِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَمَا أَخَل إِلاَّ بِمَا يَجْبُرُهُ الدَّمُ، فَلَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهُ كَمَا لَوْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَأَحْرَمَ دُونَهُ (٢) . وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَاعْتَمَرَ ضَمِنَ لأَِنَّهُ خَالَفَ، وَلَوِ اعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ؛ لأَِنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ؛ لأَِنَّهُ أَمَرَهُ بِصَرْفِ كُل السَّفَرِ إِلَى الْحَجِّ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ؛ لأَِنَّهُ أَدَّى بِالسَّفَرِ حَجًّا عَنِ الآْمِرِ
_________
(١) البدائع ٢ / ٢١٤، والدر المختار مع حاشية ابن عابدين ٢ / ٢٤٧، والبحر الرائق ٣ / ٦٨.
(٢) المغني ٥ / ٢٧، ٢٨، وكشاف القناع ٢ / ٣٩٨
وَعُمْرَةً عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ مُخَالِفًا، وَهُوَ قَوْل الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ (١) .
ج - أَمَرَهُ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ:
٢٩ - قَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا؛ لأَِنَّهُ قَدْ أَحْرَمَ بِالنُّسُكَيْنِ مِنَ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ إِنْ عَدَّدَ الأَْفْعَال لِلنُّسُكَيْنِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَدِّدْ فَيَحُطَّ شَيْءٌ مِنَ الأُْجْرَةِ لاِخْتِصَارِهِ فِي الأَْفْعَال فِي وَجْهٍ.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ النَّائِبَ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ، وَقَعَ عَنِ الآْمِرِ لأَِنَّهُ أَمَرَ بِهِمَا، وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا مِنَ النَّفَقَةِ، وَقَال الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ لأَِنَّ غَرَضَهُ فِي عُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ وَتَحْصِيل فَضِيلَةِ التَّمَتُّعِ، وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ وَفَوَّتَهُ عَلَيْهِ (٢) .
د - أَمَرَهُ بِالتَّمَتُّعِ فَأَفْرَدَ:
٣٠ - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِلتَّمَتُّعِ فَأَفْرَدَ يُنْظَرُ:
إِنْ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ وَعَادَ لِلْحَجِّ إِلَى الْمِيقَاتِ فَقَدْ
_________
(١) البدائع ٢ / ٢١٤، والمغني ٥ / ٢٨، وكشاف القناع ٢ / ٣٩٨.
(٢) المغني ٥ / ٢٨، والروضة ٣ / ٢٨، ٢٩.
زَادَ خَيْرًا، وَإِنْ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ، فَإِنْ كَانَتْ إِجَارَةَ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ فِي الْعُمْرَةِ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا الْمُعَيَّنِ فَيَرُدُّ حِصَّتَهَا مِنَ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ وَعَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْعُمْرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِلاَّ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الإِْحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ وَفِي حَطِّ شَيْءٍ مِنَ الأُْجْرَةِ خِلاَفٌ (١) .
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ النَّائِبَ بِالتَّمَتُّعِ فَأَفْرَدَ وَقَعَ عَنِ الْمُسْتَنِيبِ وَيَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ؛ لأَِنَّهُ أَخَل بِالإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِهِ، وَإِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ مِنَ الْمِيقَاتِ زِيَادَةٌ لاَ يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا (٢) .
هـ - أَمَرَهُ بِالْقِرَانِ فَأَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ:
٣١ - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِرَانِ فَعَدَل يُنْظَرُ: إِنْ عَدَل إِلَى الإِْفْرَادِ فَحَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ، فَإِنْ كَانَتِ الإِْجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ مِنَ الأُْجْرَةِ حِصَّةَ الْعُمْرَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي " الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ " لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْعَمَل فِي هَذِهِ الإِْجَارَةِ عَنِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ نُظِرَ: إِنْ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْعُمْرَةِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ زَادَ خَيْرًا وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَلاَ
_________
(١) روضة الطالبين ٣ / ٢٨.
(٢) المغني ٥ / ٢٨.
عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا لأَِنَّهُ لَمْ يَقْرِنْ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَعَلَى الأَْجِيرِ دَمٌ لِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ لِلْعُمْرَةِ.
وَهَل يَحُطُّ شَيْءٌ مِنَ الأُْجْرَةِ أَمْ تَنْجَبِرُ الإِْسَاءَةُ بِالدَّمِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ:
أَصَحُّهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَنْجَبِرُ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ لاَ مُخَالَفَةَ فَتَجِبُ جَمِيعُ الأُْجْرَةِ، وَأَظْهَرُهُمَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: يَحُطُّ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْحَطِّ.
وَإِنْ عَدَل إِلَى التَّمَتُّعِ، فَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ إِجَارَةَ عَيْنٍ لَمْ يَقَعِ الْحَجُّ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَهَذَا هُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ نُظِرَ: إِنْ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْحَجِّ فَلاَ دَمَ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِلاَّ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لاَ يُجْعَل مُخَالِفًا لِتَقَارُبِ الْجِهَتَيْنِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا لَوِ امْتَثَل، وَفِي كَوْنِ الدَّمِ عَلَى الأَْجِيرِ أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ الْوَجْهَانِ، وَأَصَحُّهَا يُجْعَل مُخَالِفًا فَيَجِبُ الدَّمُ عَلَى الأَْجِيرِ لإِسَاءَتِهِ، وَفِي حَطِّ شَيْءٍ مِنَ الأُْجْرَةِ الْخِلاَفُ السَّابِقُ. وَذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الأَْجِيرِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الإِْحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَمٌ آخَرُ؛ لأَِنَّ الْقِرَانَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ
يَتَضَمَّنُهُ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ (١) .
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ النَّائِبَ بِالْقِرَانِ فَأَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ، صَحَّ وَوَقَعَ النُّسُكَانِ عَنِ الآْمِرِ، وَيرُدُّ مِنَ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ مِنْ إِحْرَامِ النُّسُكِ الَّذِي تَرَكَهُ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ إِذَا أَمَرَهُ بِالنُّسُكَيْنِ فَفَعَل أَحَدَهُمَا دُونَ الآْخَرِ رَدَّ مِنَ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ وَوَقَعَ الْمَفْعُول عَنِ الآْمِرِ، وَلِلنَّائِبِ مِنَ النَّفَقَةِ بِقَدْرِهِ (٢) .
و أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَحَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ:
٣٢ - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ النَّائِبَ بِالْحَجِّ فَحَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ، أَوْ أَمَرَ بِعُمْرَةٍ فَاعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ صَحَّ، وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنَ النَّفَقَةِ؛ لأَِنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ (٣) .
ز - أَمَرَهُ بِالإِْحْرَامِ مِنْ بَلَدِهِ فَخَالَفَ:
٣٣ - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ النَّائِبَ بِالإِْحْرَامِ مِنْ بَلَدِهِ، فَأَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ جَازَ لأَِنَّهُ الأَْفْضَل.
وَإِنْ أَمَرَ بِالإِْحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ جَازَ؛ لأَِنَّهُ زِيَادَةٌ لاَ تَضُرُّ (٤) .
_________
(١) روضة الطالبين ٣ / ٢٦، ٢٧.
(٢) المغني ٥ / ٢٨، وكشاف القناع ٢ / ٣٩٨.
(٣) المغني ٥ / ٢٩.
(٤) المغني ٥ / ٢٩.
ح - أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَخَالَفَ:
٣٤ - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ النَّائِبَ بِالْحَجِّ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ بِالاِعْتِمَارِ فِي شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَفَعَلَهُ فِي غَيْرِهِ جَازَ؛ لأَِنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ (١) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَدَّمَ الأَْجِيرُ الْحَجَّ عَلَى السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ جَازَ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا (٢) .
ط - النِّيَابَةُ عَنْ رَجُلٍ فِي الْحَجِّ وَعَنْ آخَرَ فِي الْعُمْرَةِ:
٣٥ - إِذَا أَمَرَهُ أَحَدُهُمَا بِحَجَّةٍ وَأَمَرَهُ الآْخَرُ بِعُمْرَةٍ، فَإِنْ أَذِنَا لَهُ بِالْجَمْعِ - وَهُوَ الْقِرَانُ - فَجَمَعَ جَازَ.
لأَِنَّهُ أُمِرَ بِسَفَرٍ يَنْصَرِفُ بَعْضُهُ إِلَى الْحَجِّ وَبَعْضُهُ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَقَدْ فَعَل ذَلِكَ فَلَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا.
وَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا لَهُ بِالْجَمْعِ فَجَمَعَ، ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ عَلَى قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ لأَِنَّهُ خَالَفَ؛ لأَِنَّهُ أُمِرَ بِسَفَرٍ يَنْصَرِفُ كُلُّهُ إِلَى الْحَجِّ وَقَدْ صَرَفَهُ إِلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَصَارَ مُخَالِفًا.
_________
(١) المغني ٥ / ٢٩.
(٢) روضة الطالبين ٣ / ٢٣.