الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢ الصفحة 16

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ، قَال ابْنُ نُجَيْمٍ: وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَلاَ تُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لأَِنَّهُ مِنَ الْوَسَائِل، وَنِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ كَافِيَةٌ، وَالشُّرُوطُ كُلُّهَا لاَ يُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لِقَوْلِهِمْ: إِنَّمَا يُرَاعَى حُصُولُهَا لاَ تَحْصِيلُهَا (١) .

وَانْظُرِ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَيَمُّم ف ٩) .

د - الصَّلاَةُ:

٢٦ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي صَلاَةِ الْفَرْضِ لِتَتَمَيَّزَ عَنِ النَّفْل.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - غَيْرَ ابْنِ حَامِدٍ - وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ، وَيَكْفِي تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِصَلاَةِ الْفَرْضِ، بِأَنْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ أَدَاءَ فَرْضِ الظُّهْرِ مَثَلًا، وَالتَّعْيِينُ يُغْنِي عَنْ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ (٢) .

_________

(١) الأشباه لابن نجيم ص ٣٧، وحاشية ابن عابدين ١ / ١٦٨.

(٢) الأشباه لابن نجيم ص ٣٥، ٣٦، وجواهر الإكليل ١ / ٤٦، وحاشية ابن عابدين ١ / ٢٧٩، ومغني المحتاج ١ / ١٤٩، والمغني ١ / ٤٦٥، وشرح منتهى الإرادات ١ / ١٦٨، وتحفة المحتاج ٢ / ٧ - ٨.

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِصَلاَةِ الصَّبِيِّ: يَنْبَغِي أَلاَّ تُشْرَطَ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ فَرْضٍ فِي حَقِّهِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ صَلاَةَ كَذَا الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي هَذَا الْوَقْتِ.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ تَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي صَلاَةِ الصَّبِيِّ، كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ خِلاَفًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا؛ لأَِنَّ صَلاَتَهُ تَقَعُ نَفْلًا فَكَيْفَ يَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ؟ (١) .

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّلاَةِ الْمُعَادَةِ لاِرْتِكَابِ مَكْرُوهٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ: لاَ شَكَّ أَنَّهَا جَابِرَةٌ لاَ فَرْضٌ، لِقَوْلِهِمْ بِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِالأُْولَى، فَعَلَى هَذَا يَنْوِي كَوْنَهَا جَابِرَةً لِنَقْصِ الْفَرْضِ، عَلَى أَنَّهَا نَفْلٌ تَحْقِيقًا.

وَأَمَّا عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِهَا فَلاَ خَفَاءَ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مِنَ الْمُشْكِل مَا صَحَّحَهُ الأَْكْثَرُونَ فِي الصَّلاَةِ الْمُعَادَةِ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الْفَرْضَ، مَعَ قَوْلِهِمْ بِأَنَّ الْفَرْضَ الأُْولَى، وَلِذَلِكَ اخْتَارَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَوْل إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ: إِنَّهُ يَنْوِي الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ مَثَلًا وَلاَ يَتَعَرَّضُ لِلْفَرْضِ. قَال فِي

_________

(١) الأشباه لابن نجيم ص ٣٦، ٣٧، وتحفة المحتاج ٢ / ٧ - ٨.

شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ وَالأَْدِلَّةُ، وَقَال السُّبْكِيُّ: لَعَل مُرَادَ الأَْكْثَرِينَ أَنَّهُ يَنْوِي إِعَادَةَ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ، حَتَّى لاَ يَكُونَ نَفْلًا مُبْتَدَأً (١) .

٢٧ - وَفَرَّعَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفِ الْفَرَائِضَ الْخَمْسَ إِلاَّ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي أَوْقَاتِهَا لاَ يَجُوزُ، وَكَذَا لَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ مِنْهَا فَرْضًا وَنَفْلًا وَلاَ يُمَيِّزُ وَلَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ فِيهَا، فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ فِي الْكُل جَازَ، وَلَوْ ظَنَّ الْكُل فَرْضًا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ فَكُل صَلاَةٍ صَلاَّهَا مَعَ الإِْمَامِ جَازَ إِنْ نَوَى صَلاَةَ الإِْمَامِ.

وَنَقَل ابْنُ نُجَيْمٍ أَنَّ الْمُصَلِّينَ سِتَّةٌ:

الأَْوَّل: مَنْ عَلِمَ الْفُرُوضَ مِنْهَا وَالسُّنَنَ، وَعَلِمَ مَعْنَى الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ اصْطِلاَحًا فَنَوَى الظُّهْرَ أَوِ الْفَجْرَ أَجْزَأَتْهُ، وَأَغْنَتْ فِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ عَنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ.

الثَّانِي: مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَيَنْوِي الْفَرْضَ فَرْضًا وَلَكِنْ لاَ يَعْلَمُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ تُجْزِئُهُ.

الثَّالِثُ: يَنْوِي الْفَرْضَ وَلاَ يَعْلَمُ مَعْنَاهُ لاَ تُجْزِئُهُ.

_________

(١) نهاية المحتاج ١ / ٤٣٢، والأشباه للسيوطي ص ١٨ - ١٩، والأشباه لابن نجيم ٣٦ - ٣٧.

الرَّابِعُ: عَلِمَ أَنَّ فِيمَا يُصَلِّيهِ فَرَائِضَ وَنَوَافِل، فَيُصَلِّي كَمَا تُصَلِّي النَّاسُ وَلاَ يُمَيِّزُ الْفَرَائِضَ مِنَ النَّوَافِل لاَ تُجْزِئُهُ؛ لأَِنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ فِي الْفَرْضِ شَرْطٌ، وَقِيل: يُجْزِئُهُ مَا صَلَّى فِي الْجَمَاعَةِ وَنَوَى صَلاَةَ الإِْمَامِ.

الْخَامِسُ: اعْتَقَدَ أَنَّ الْكُل فَرْضٌ جَازَتْ صَلاَتُهُ.

السَّادِسُ: لاَ يَعْلَمُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَى عِبَادِهِ صَلَوَاتٍ مَفْرُوضَةً، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا لأَِوْقَاتِهَا لَمْ تُجْزِئْهُ (١) .

٢٨ - وَمَا سَبَقَ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِصَلاَةِ الْفَرِيضَةِ، أَمَّا النَّوَافِل فَلاَ تُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

قَال النَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ لاَ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ لأَِنَّ النَّفْلِيَّةَ مُلاَزِمَةٌ لِلنَّفْل، بِخِلاَفِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ فَرْضًا وَقَدْ لاَ تَكُونُ، بِدَلِيل الصَّلاَةِ الْمُعَادَةِ وَصَلاَةِ الصَّبِيِّ.

وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهَا تُشْتَرَطُ (٢) .

_________

(١) الأشباه لابن نجيم ص ٣٥، ٣٦، ٣٧.

(٢) الأشباه لابن نجيم ص ٣٥، ٣٦، ٣٧، والبدائع ١ / ١٢٨، وجواهر الإكليل ١ / ٤٦، ومغني المحتاج ١ / ١٥٠، والمغني ١ / ٤٦٥، ٤٦٦.

هـ - صَلاَةُ الْجِنَازَةِ:

٢٩ - قَال الْحَنَفِيَّةُ: صَلاَةُ الْجِنَازَةِ لاَ تُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ؛ لأَِنَّهَا لاَ تَكُونُ إِلاَّ فَرْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلِذَا لاَ تُعَادُ نَفْلًا (١) .

وَكَذَلِكَ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ كَوْنِ صَلاَةِ الْجِنَازَةِ فَرْضَ كِفَايَةٍ، فَقَدْ قَالُوا: صِفَةُ النِّيَّةِ: أَنْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ الصَّلاَةَ عَلَى الْمَيِّتِ الْحَاضِرِ، مَعَ اسْتِحْضَارِ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنْ غَفَل عَنْ هَذَا الأَْخِيرِ لَمْ يَضُرَّ، وَتَصِحُّ صَلاَتُهُ، كَمَا لاَ يَضُرُّ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ (٢) .

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تَكْفِي فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ نِيَّةُ مُطْلَقِ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْكِفَايَةِ (أَيْ فَرْضِ كِفَايَةٍ) كَمَا تَكْفِي النِّيَّةُ فِي إِحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِفَرْضِ الْعَيْنِ.

وَقِيل: تُشْتَرَطُ نِيَّةُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ فَرْضِ الْعَيْنِ (٣) .

و الزَّكَاةُ:

٣٠ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ

_________

(١) الأشباه لابن نجيم ص ٣٨.

(٢) الحطاب ٢ / ٢١٣، والدسوقي ١ / ٤١١، والفواكه الدواني ١ / ٣٤٢.

(٣) مغني المحتاج ١ / ٣٤١، والأشباه للسيوطي ص ٢١.

تُشْتَرَطُ نِيَّةُ فَرْضِيَّةِ الزَّكَاةِ عِنْدَ إِخْرَاجِهَا، اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ؛ لأَِنَّهَا حِينَئِذٍ لاَ تَكُونُ إِلاَّ فَرْضًا.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الزَّكَاةِ؛ لأَِنَّ الصَّدَقَةَ مُتَنَوِّعَةٌ.

أَمَّا الزَّكَاةُ الْمُعَجَّلَةُ فَقَدْ قَال ابْنُ نُجَيْمٍ: ظَاهِرُ كَلاَمِهِمْ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ؛ لأَِنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ أَصْل الْوُجُوبِ؛ لأَِنَّ سَبَبَهُ هُوَ النِّصَابُ النَّامِي وَقَدْ وُجِدَ، بِخِلاَفِ الْحَوْل؛ لأَِنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الأَْدَاءِ، بِخِلاَفِ تَعْجِيل الصَّلاَةِ عَلَى وَقْتِهَا فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، لِكَوْنِ وَقْتِهَا سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَشَرْطًا لِصِحَّةِ الأَْدَاءِ (١) .

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الزَّكَاةِ إِذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ، وَلاَ تُشْتَرَطُ إِذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الزَّكَاةِ عَلَى الأَْصَحِّ؛ لأَِنَّ الزَّكَاةَ لاَ تَقَعُ إِلاَّ فَرْضًا (٢) .

ز - الصَّوْمُ:

٣١ - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّهُ لاَ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي

_________

(١) مواهب الجليل ٢ / ٣٥٧، وحاشية الدسوقي ١ / ٥٠٠، وجواهر الإكليل ١ / ١٤٠، والأشباه لابن نجيم ص ٣٦، وشرح منتهى الإرادات ١ / ٤١٩.

(٢) الأشباه للسيوطي ص ٢٠، ومغني المحتاج ١ / ١٤٩.

الصَّوْمِ، قَال الْكَاسَانِيُّ: لَيْسَتْ صِفَةً زَائِدَةً عَلَى الصَّوْمِ؛ لأَِنَّ الصَّوْمَ صِفَةٌ، وَالصِّفَةُ لاَ تَحْتَمِل صِفَةً زَائِدَةً عَلَيْهَا قَائِمَةً بِهَا، بَل هُوَ وَصْفٌ إِضَافِيٌّ، فَيُسَمَّى الصَّوْمُ مَفْرُوضًا وَفَرِيضَةً لِدُخُولِهِ تَحْتَ فَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى، لاَ لِفَرْضِيَّةٍ قَامَتْ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ صِفَةً قَائِمَةً بِالصَّوْمِ لاَ يُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةُ الْفَرْضِ.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لأَِنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنَ الْبَالِغِ لاَ يَقَعُ إِلاَّ فَرْضًا.

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْفَرْضِ لإِجْزَاءِ التَّعْيِينِ عَنْهُ (١) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الَّذِي يَلْزَمُ مِنَ النِّيَّةِ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ اعْتِبَارُ الْقُرْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنَ اسْتِغْرَاقِ طَرَفَيِ النَّهَارِ بِالإِْمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ، فَإِنْ سَهَا عَنْ أَنْ يَنْوِيَ الْوُجُوبَ وَنَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ؛ لأَِنَّ تَعْيِينَهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِتَقَدُّمِ الْعِلْمِ بِهِ (٢) .

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ عَلَى مَا جَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: فِي نِيَّةِ فَرْضِيَّةِ الصَّوْمِ الْخِلاَفُ

_________

(١) البدائع ٢ / ٨٤، وشرح منتهى الإرادات ١ / ٤٤٥، ومغني المحتاج ١ / ١٤٩، ٤٢٥.

(٢) مواهب الجليل للحطاب ٢ / ٤١٨، ٤١٩، وعقد الجواهر الثمينة ١ / ٣٥٦.

الْمَذْكُورُ فِي الصَّلاَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ الأَْصَحُّ اشْتِرَاطَ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلأَْكْثَرِينَ عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا هَاهُنَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ بِخِلاَفِهِ فِي الصَّلاَةِ؛ لأَِنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنَ الْبَالِغِ لاَ يَقَعُ إِلاَّ فَرْضًا، بِخِلاَفِ الصَّلاَةِ فَإِنَّ الْمُعَادَةَ نَفْلٌ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الصَّوْمِ (١) .

ح - الْحَجُّ:

٣٢ - قَال الْحَنَفِيَّةُ: الْحَجُّ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَلَكِنْ عَلَّلُوهُ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ نَوَى فِي نَفْسِ الأَْمْرِ الْفَرْضِيَّةَ.

قَالُوا: لأَِنَّ الْحَاجَّ لاَ يَتَحَمَّل الْمَشَاقَّ الْكَثِيرَةَ إِلاَّ لأَِجْل الْفَرْضِ. وَلاِبْنِ الْهُمَامِ اسْتِنْبَاطٌ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ لَمْ يَجُزْ فَلاَبُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ نَوَى النَّفْل فِيهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الإِْسْلاَمِ كَانَ نَفْلًا.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لاَ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ نَوَى النَّفْل وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الإِْسْلاَمِ لَوَقَعَ عَنِ الْفَرْضِ، فَلاَ فَائِدَةَ مِنْ إِيجَابِ

_________

(١) مغني المحتاج ١ / ٤٢٥، ١٤٩.

نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ (١) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: مِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الْحَجِّ فَرْضًا أَنْ يَخْلُوَ عَنْ نِيَّةِ النَّفْل بِأَنْ يَنْوِيَ الْفَرْضَ، وَإِذَا نَوَى الْحَجَّ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَرْضًا وَلاَ نَفْلًا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إِلَى حَجَّةِ الإِْسْلاَمِ إِذَا كَانَ صَرُورَةً (٢) .

ط - الْكَفَّارَاتُ:

٣٣ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْكَفَّارَاتِ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ؛ لأَِنَّهَا لاَ تَكُونُ إِلاَّ فَرْضًا (٣) .

اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الأَْدَاءِ أَوِ الْقَضَاءِ:

٣٤ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ تَحْدِيدُ الأَْدَاءِ أَوِ الْقَضَاءِ فِي نِيَّةِ الصَّلاَةِ، وَلَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَاخْتِلاَفٌ:

قَال الْحَنَفِيَّةُ - كَمَا نَقَل ابْنُ نُجَيْمٍ -: إِذَا عَيَّنَ الصَّلاَةَ الَّتِي يُؤَدِّيهَا صَحَّ، نَوَى الأَْدَاءَ أَوِ

_________

(١) الأشباه لابن نجيم ص ٣٦، ٣٧، والأشباه للسيوطي ص ٢٠، ومغني المحتاج ١ / ١٤٩، ٤٧٨، والمغني ٣ / ٢٤٦.

(٢) الحطاب ٢ / ٤٩٠، وجواهر الإكليل ١ / ١٦١.

(٣) الأشباه لابن نجيم ٣٦، ٣٧، وتحفة المحتاج ٨ / ١٨٩، ومغني المحتاج ٣ / ٣٥٩، وحاشية الجمل على شرح المنهج ٤ / ٤١٤، والإنصاف ٩ / ٢٢٤.

الْقَضَاءَ، وَقَال فَخْرُ الإِْسْلاَمِ وَغَيْرُهُ فِي الأُْصُول فِي بَحْثِ الأَْدَاءِ وَالْقَضَاءِ: إِنَّ أَحَدَهُمَا يُسْتَعْمَل مَكَانَ الآْخَرِ، حَتَّى يَجُوزَ الأَْدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَبِالْعَكْسِ، وَبَيَانُهُ: أَنَّ مَا لاَ يُوصَفُ بِهِمَا لاَ يُشْتَرَطُ لَهُ كَالْعِبَادَةِ الْمُطْلَقَةِ عَنِ الْوَقْتِ كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَكَذَا مَا لاَ يُوصَفُ بِالْقَضَاءِ كَصَلاَةِ الْجُمُعَةِ، وَلاَ الْتِبَاسَ لأَِنَّهَا إِذَا فَاتَتْ مَعَ الإِْمَامِ تُصَلَّى ظُهْرًا، وَأَمَّا مَا يُوصَفُ بِهِمَا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، قَالُوا: لاَ تُشْتَرَطُ أَيْضًا. قَال فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: لَوْ نَوَى الأَْدَاءَ عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ خُرُوجُهُ أَجْزَأَ، وَكَذَا عَكْسُهُ.

وَفِي النِّهَايَةِ: لَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ بَعْدَمَا خَرَجَ الْوَقْتُ لاَ يَجُوزُ، وَإِنْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ فَنَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ جَازَ، وَفِي الْجُمُعَةِ: يَنْوِيهَا وَلاَ يَنْوِي فَرْضَ الْوَقْتِ لِلاِخْتِلاَفِ فِيهِ.

وَفِي التَّاتَارْخَانِيَّةِ: كُل وَقْتٍ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ فَنَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ مَثَلًا فَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ. . الْمُخْتَارُ الْجَوَازُ.

وَاخْتَلَفُوا إِنْ كَانَتِ الْوَقْتِيَّةُ تَجُوزُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ، وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ إِذَا كَانَ فِي قَلْبِهِ فَرْضُ الْوَقْتِ، وَكَذَا الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ الأَْدَاءِ هُوَ الْمُخْتَارُ.