الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢ الصفحة 12

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢

مَا يُرِيدُهُ بِفِعْلِهِ، فَهِيَ مِنْ بَابِ الْعُزُومِ وَالإِْرَادَاتِ لاَ مِنْ بَابِ الْعُلُومِ وَالاِعْتِقَادَاتِ (١) .

وَعَرَّفَهَا الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهَا قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ (٢) .

وَعَرَّفَهَا الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا: عَزْمُ الْقَلْبِ عَلَى فِعْل الْعِبَادَةِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، بِأَنْ يَقْصِدَ بِعَمَلِهِ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ شَيْءٍ آخَرَ، مِنْ تَصَنُّعٍ لِمَخْلُوقٍ، أَوِ اكْتِسَابِ مَحْمَدَةٍ عِنْدَ النَّاسِ، أَوْ مَحَبَّةِ مَدْحٍ مِنْهُمْ، أَوْ نَحْوِهِ (٣) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْعَزْمُ:

٢ - الْعَزْمُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ عَزَمَ، مِنْ بَابِ ضَرَبَ، يُقَال: عَزَمَ عَلَى الشَّيْءِ وَعَزَمَهُ عَزْمًا: عَقَدَ ضَمِيرَهُ عَلَى فِعْلِهِ (٤)، قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ (٥)﴾ .

_________

(١) الذخيرة ص ٢٣٤ - ٢٣٥ نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت.

(٢) حاشية الجمل مع شرح المنهج ١ / ١٠٧ دار إحياء التراث العربي - بيروت.

(٣) جامع العلوم والحكم ١ / ٩٢، ونيل المآرب ١ / ١٣٢، والمغني ١ / ١١٠ مكتبة ابن تيمية.

(٤) المصباح المنير، والمفردات في غريب القرآن.

(٥) سورة آل عمران / ١٥٩.

وَالْعَزْمُ فِي الاِصْطِلاَحِ: جَزْمُ الإِْرَادَةِ بَعْدَ تَرَدُّدٍ (١) .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالْعَزْمِ: أَنَّهُمَا مَرْحَلَتَانِ مِنْ مَرَاحِل الإِْرَادَةِ، وَالْعَزْمُ اسْمٌ لِلْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْفِعْل، وَالنِّيَّةُ اسْمٌ لِلْمُقْتَرِنِ بِالْفِعْل مَعَ دُخُولِهِ تَحْتَ الْعِلْمِ بِالْمَنْوِيِّ (٢) .

ب - الإِْرَادَةُ:

٣ - الإِْرَادَةُ لُغَةً: مَصْدَرُ أَرَادَ، وَمِنْ مَعَانِيهَا فِي اللُّغَةِ: الطَّلَبُ وَالاِخْتِيَارُ وَالْمَشِيئَةُ. وَيُقَال: أَرَادَ الشَّيْءَ: شَاءَهُ وَأَحَبَّهُ (٣) .

وَالإِْرَادَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: صِفَةٌ تُوجِبُ لِلْحَيِّ حَالًا يَقَعُ مِنْهُ الْفِعْل عَلَى وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ (٤) .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الإِْرَادَةِ وَالنِّيَّةِ: أَنَّ النِّيَّةَ مَرْحَلَةٌ مِنْ مَرَاحِل الإِْرَادَةِ.

الأَْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنِّيَّةِ:

يَتَعَلَّقُ بِالنِّيَّةِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ، مِنْهَا أَحْكَامٌ

_________

(١) قواعد الفقه للبركتي.

(٢) البحر الرائق ١ / ٢٥، ورد المحتار ١ / ٧٢، والذخيرة ص ٢٣٥ ط وزارة الأوقاف، والمنثور ٣ / ٢٨٤ ط وزارة الأوقاف - الكويت.

(٣) المصباح المنير، والمعجم الوسيط.

(٤) قواعد الفقه للبركتي، والتعريفات للجرجاني، دار الكتاب العربي، بيروت.

عَامَّةٌ وَأُخْرَى تَفْصِيلِيَّةٌ:

أَوَّلًا: الأَْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْعَامَّةُ لِلنِّيَّةِ:

مَا يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ مِنَ الأَْعْمَال وَمَا لاَ يَفْتَقِرُ:

٤ - أَعْمَال الْمُكَلَّفِينَ إِمَّا مَطْلُوبَةٌ أَوْ مُبَاحَةٌ:

وَلَمَّا كَانَ الْمُبَاحُ لاَ يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ إِلاَّ إِذَا قَصَدَ الْمُكَلَّفُ الثَّوَابَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ.

وَالْمَطْلُوبُ مِنَ الأَْعْمَال إِمَّا مَطْلُوبَةُ التَّرْكِ أَوْ مَطْلُوبَةُ الْفِعْل. فَالْمَطْلُوبَةُ التَّرْكِ - وَهِيَ النَّوَاهِي - فَإِنَّ الإِْنْسَانَ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهَا، فَضْلًا عَنِ الْقَصْدِ إِلَيْهَا، وَمِنْ ثَمَّ فَلاَ تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ، إِلاَّ إِذَا شَعَرَ الْمُكَلَّفُ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَنَوَى تَرْكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ يَحْصُل لَهُ مَعَ الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ الثَّوَابُ لأَِجْل النِّيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ فَالنِّيَّةُ شَرْطٌ فِي الثَّوَابِ لاَ فِي الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ.

وَالْمَطْلُوبَةُ الْفِعْل - وَهِيَ الأَْوَامِرُ - فَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْ حَيْثُ افْتِقَارُهَا إِلَى النِّيَّةِ:

الْقِسْمُ الأَْوَّل: مَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيل مَصْلَحَتِهِ، كَأَدَاءِ الدَّيْنِ وَالْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالأَْقَارِبِ، فَإِنَّ الْمُحَصِّلَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ هَذِهِ الأُْمُورِ انْتِفَاعُ أَرْبَابِهَا، وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ امْتِثَال الأَْمْرِ، وَلاَ

تَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِ الْفَاعِل لَهَا، فَيَخْرُجُ الإِْنْسَانُ عَنْ عُهْدَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ لَيْسَتْ كَافِيَةً فِي تَحْصِيل مَصْلَحَتِهِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ، كَالصَّلَوَاتِ وَالطَّهَارَاتِ وَالصِّيَامِ وَالنُّسُكِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَعْظِيمُهُ تَعَالَى بِفِعْلِهَا وَالْخُضُوعِ لَهُ فِي إِتْيَانِهَا، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُل إِذَا قُصِدَتْ مِنْ أَجْلِهِ ﷾.

فَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ فِيهِ الشَّرْعُ بِالنِّيَّاتِ (١) وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.

وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي افْتِقَارِ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ إِلَى النِّيَّةِ، بَيَانُهُ فِيمَا يَلِي:

أ - افْتِقَارُ الْعِبَادَاتِ إِلَى النِّيَّةِ:

٥ - الْعِبَادَةُ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُلْتَبِسَةٍ بِالْعَادَةِ وَلاَ بِغَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ، كَالإِْيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالْمَعْرِفَةِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسَائِرِ الأَْذْكَارِ وَأَمْثَال ذَلِكَ، فَإِنَّهَا لاَ تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ، لأَِنَّهَا مُتَمَيِّزَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِصُورَتِهَا، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِغَيْرِهَا (٢) .

_________

(١) الذخيرة ١ / ٢٤٥ ط دار الغرب، والمنثور في القواعد للزركشي ٣ / ٢٨٧.

(٢) المجموع المذهب في قواعد المذهب ١ / ٢٦٠، والأشباه للسيوطي ص ١٢، والأشباه لابن نجيم ص ٣٠.

وَإِنْ كَانَتِ الْعِبَادَةُ تَلْتَبِسُ بِالْعَادَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ، كَالْغُسْل وَالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالضَّحَايَا وَالصَّدَقَةِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْجِهَادِ وَالْعِتْقِ؛ فَإِنَّهَا تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ (١) .

ب - افْتِقَارُ الْعُقُودِ إِلَى نِيَّةٍ:

٦ - الْعَقْدُ إِذَا كَانَ يَسْتَقِل بِهِ الشَّخْصُ كَالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَالإِْبْرَاءِ وَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالرَّجْعَةِ وَالظِّهَارِ وَالْفُسُوخِ، فَإِنَّ انْعِقَادَهُ بِالْكِنَايَةِ يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ، وَلاَ يَفْتَقِرُ إِلَيْهَا فِي انْعِقَادِهِ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ.

وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ لاَ يَسْتَقِل بِهِ الشَّخْصُ، بِأَنْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى إِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَهُوَ ضَرْبَانِ:

الأَْوَّل: مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الإِْشْهَادُ كَالنِّكَاحِ وَبَيْعِ الْوَكِيل الْمَشْرُوطِ فِيهِ الإِْشْهَادُ، فَهَذَا لاَ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ لأَِنَّ الشَّاهِدَ لاَ يَعْلَمُ النِّيَّةَ.

الثَّانِي: مَا لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الإِْشْهَادُ، وَهُوَ نَوْعَانِ:

النَّوْعُ الأَْوَّل: مَا يَقْبَل مَقْصُودُهُ التَّعْلِيقَ بِالْغَرَرِ كَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ.

_________

(١) المجموع المذهب في قواعد المذهب ١ / ٢٥٦، والأشباه للسيوطي ص ١٢، والأشباه لابن نجيم ص ٢٩، والقواعد للحصني ١ / ٢٠٩.

النَّوْعُ الثَّانِي: مَا لاَ يَقْبَل التَّعْلِيقَ بِالْغَرَرِ كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (١) .

حُكْمُ النِّيَّةِ فِيمَا يَفْتَقِرُ إِلَيْهَا:

٧ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ هَل هِيَ فَرْضٌ أَوْ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ؟

فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الأَْظْهَرِ - كَمَا قَال صَاحِبُ الطِّرَازِ - وَرَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مُقَابِل الأَْكْثَرِ، وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الْعِبَادَاتِ.

وَيَرَى أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا رُكْنٌ فِيهَا. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ، قَال الْمَازِرِيُّ: عَلَى الأَْشْهَرِ، وَقَال ابْنُ الْحَاجِبِ: عَلَى الأَْصَحِّ (٢) .

_________

(١) الأشباه للسيوطي ص ٢٩٦، والمجموع المذهب ١ / ٢٩٠ وما بعدها، والأشباه لابن نجيم ص ٢٣، والقواعد لابن رجب ص ٥٠، ومغني المحتاج ٣ / ٣٨٧.

(٢) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص ٢٠، ٢٤، ٥٢، ومواهب الجليل ١ / ١٨٢، ٢٣٠، والذخيرة ص ٢٣٥ - ٢٣٦، وقواعد الأحكام ص ١٧٥، ١٧٦، وحاشية الجمل ١ / ١٠٣، ومغني المحتاج ١ / ١٤٨، والأشباه والنظائر للسيوطي ص ١٠، ٤٣، ٤٤، وكشاف القناع ١ / ٨٥، ٣١٣، والمغني ٣ / ٩١.

وَسَيَأْتِي بَيَانُ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ النِّيَّةِ فِي كُل عِبَادَةٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي مَوْطِنِهِ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ.

فَضِيلَةُ النِّيَّةِ:

٨ - النِّيَّةُ هِيَ مَحَطُّ نَظَرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْعَبْدِ، قَال النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ (١)، وَإِنَّمَا نَظَرَ إِلَى الْقُلُوبِ لأَِنَّهَا مَظِنَّةُ النِّيَّةِ، وَهَذَا هُوَ سِرُّ اهْتِمَامِ الشَّارِعِ بِالنِّيَّةِ فَأَنَاطَ قَبُول الْعَمَل وَرَدَّهُ وَتَرْتِيبَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بِالنِّيَّةِ (٢)، وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أ - قَال الْغَزَالِيُّ (٣): إِنَّ الْمَرْءَ يُشْرِكُ فِي مَحَاسِنِ الْعَمَل وَمَسَاوِيهِ بِالنِّيَّةِ، وَاسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَال: لَمَّا خَرَجَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَال: " إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلاَ وَادِيًا إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ (٤)، وَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ ﵁ أَنَّهُ قَال: سَمِعْتُ

_________

(١) حديث: " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم. . . ". أخرجه مسلم (٤ / ١٩٨٧ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.

(٢) إحياء علوم الدين ٤ / ٣٥١.

(٣) إحياء علوم الدين ٤ / ٣٦٢ - ٣٦٥.

(٤) حديث: " إن بالمدينة أقواما. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٦ / ١٢٧ - ط السلفية) .

رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِل وَالْمَقْتُول فِي النَّارِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ هَذَا الْقَاتِل فَمَا بَال الْمَقْتُول؟ قَال: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْل صَاحِبِهِ (١) .

ب - إِنَّ الْهَمَّ بِفِعْل الْحَسَنَةِ حَسَنَةٌ فِي ذَاتِهِ، يَدُل عَلَى ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ (٢)، فَالنِّيَّةُ فِي نَفْسِهَا خَيْرٌ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَل بِعَائِقٍ (٣) .

وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ السُّيُوطِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ عَنِ الْجَمَاعَةِ لِعُذْرٍ مِنْ أَعْذَارِهَا - إِذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ حُضُورَهَا لَوْلاَ الْعُذْرُ - يَحْصُل لَهُ ثَوَابُهَا (٤) .

ج - إِنَّ النِّيَّةَ تُعَظِّمُ الْعَمَل وَتُصَغِّرُهُ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: رُبَّ عَمَلٍ صَغِيرٍ تُعَظِّمُهُ النِّيَّةُ، وَرُبَّ عَمَلٍ كَبِيرٍ تُصَغِّرُهُ النِّيَّةُ (٥)، لِقَوْل

_________

(١) حديث أبي بكرة: " إذا التقى المسلمان بسيفيهما. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٨٥ - ط السلفية)، ومسلم (٤ / ٢٢١٣ - ٢٢١٤ - ط الحلبي) .

(٢) حديث: " من هم بحسنة فلم يعملها. . . ". أخرجه مسلم (١ / ١١٨ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.

(٣) الإحياء ٤ / ٣٥٢.

(٤) الأشباه للسيوطي ص ٤٧.

(٥) الإحياء ٤ / ٣٥٣.

النَّبِيِّ ﷺ: نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ (١) .

د - إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِينُ الْعَبْدَ وَيُوَفِّقُهُ لِلْعَمَل عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، فَقَدْ كَتَبَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: اعْلَمْ أَنَّ عَوْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ، فَمَنْ تَمَّتْ نِيَّتُهُ تَمَّ عَوْنُ اللَّهِ لَهُ، وَإِنْ نَقَصَتْ نَقَصَ بِقَدْرِهِ (٢) .

هـ - قَال الْغَزَالِيُّ: عِمَادُ الأَْعْمَال النِّيَّاتُ، قَال النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ (٣)، فَالْمَرْءُ يُتَقَبَّل مِنْهُ عَمَلُهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ أَوْ يُرَدُّ عَمَلُهُ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ نِيَّتِهِ (٤) .

كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى صَدَاقٍ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لاَ يُؤَدِّيَهُ إِلَيْهَا فَهُوَ زَانٍ، وَمَنِ ادَّانَ دَيْنًا وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لاَ يُؤَدِّيَهُ إِلَى صَاحِبِهِ - أَحْسَبُهُ قَال -: فَهُوَ سَارِقٌ (٥) .

_________

(١) حديث: " نية المؤمن خير من عمله ". أخرجه الطبراني في الكبير (٦ / ١٨٥ - ١٨٦ - ط العراق) من حديث سهل بن سعد، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (١ / ٦١ - ط القدسي)، وذكر أن فيه راويا لم ير من ترجمه.

(٢) الإحياء ٤ / ٣٥٣.

(٣) حديث: " إنما الأعمال بالنيات. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٩ - ط السلفية)، ومسلم (٣ / ١٥١٥ - ط الحلبي) من حديث عمر بن الخطاب، ﵁.

(٤) الإحياء ٤ / ٣٦٢.

(٥) حديث أبي هريرة: " من تزوج امرأة على صداق. . . ". أخرجه البزار كما في كشف الأستار (٢ / ١٦٣ - ط الرسالة)، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب (٢ / ٥٨٦ - دار ابن كثير) وأشار إلى تضعيفه.

ز - إِنَّ النِّيَّةَ تَقْلِبُ الْمُبَاحَاتِ إِلَى وَاجِبَاتٍ وَمَنْدُوبَاتٍ لِيَنَال النَّاوِي عَلَيْهَا الثَّوَابَ بِنِيَّتِهِ.

وَمِثَال ذَلِكَ أَنَّ لُبْسَ الثِّيَابِ هُوَ مُبَاحٌ، فَإِذَا أَرَادَ الشَّخْصُ أَنْ يُحَوِّل هَذَا الْمُبَاحَ إِلَى وَاجِبٍ نَوَى بِلُبْسِهِ الثِّيَابَ سَتْرَ الْعَوْرَةِ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ. فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا يُتَزَيَّنُ بِهِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ إِلَى نِيَّةِ الْوَاجِبِ امْتِثَال السُّنَّةِ فِي إِظْهَارِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، لِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ (١)، فَيَنْوِي بِذَلِكَ مُبَادَرَتَهُ إِلَى مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا لاَ يُتَزَيَّنُ بِهِ فَيَنْوِي بِلُبْسِهِ التَّوَاضُعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالاِنْكِسَارَ وَالتَّذَلُّل بَيْنَ يَدَيْهِ وَإِظْهَارَ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ إِلَيْهِ، وَامْتِثَال السُّنَّةِ (٢) لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ - وَهُوَ يُقْدِرُ عَلَيْهِ - دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَل الإِْيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا (٣) .

_________

(١) حديث: " إن الله يحب أن يرى ". أخرجه الترمذي (٤ / ١٢٢ - الحلبي) من حديث عبد الله بن عمرو، وقال: حديث حسن.

(٢) المدخل لابن الحاج ١ / ٢٣ - ٢٤.

(٣) حديث: " من ترك اللباس تواضعا لله. . . ". أخرجه الترمذي (٤ / ٦٥٠ - ط الحلبي) من حديث معاذ بن أنس، وقال: حديث حسن.