الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢ الصفحة 11

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢

طَلَبِ الأَْجْرِ وَالثَّوَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ (١) .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَعْنَى الدَّقِيقَ لِلنِّيَاحَةِ هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ، وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ فَيَدُل كَلاَمُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَدْخُل فِي النِّيَاحَةِ بِمَعْنَاهَا الاِصْطِلاَحِيِّ (٢) .

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْيَسِيرَ مِنَ الْكَلاَمِ فِي وَصْفِ الْمَيِّتِ، أَوْ يَسِيرَ النُّدْبَةِ كَقَوْلِهِ: يَا أَبَتَاهُ يَا وَالِدَاهُ؛ مُبَاحٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا، وَأَنْ لاَ يَكُونَ بِصِيغَةِ النَّوْحِ، قَال أَحْمَدُ: إِذَا ذَكَرَتِ الْمَرْأَةُ مِثْل مَا حُكِيَ عَنْ فَاطِمَةَ ﵂ لاَ يَكُونُ مِثْل النَّوْحِ (٣)، وَالَّذِي حُكِيَ عَنْ فَاطِمَةَ ﵂ هُوَ مَا رَوَاهُ أَنَسٌ ﵁ قَال: لَمَّا ثَقُل النَّبِيُّ ﷺ جَعَل يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاكَرْبَ أَبَاهُ، فَقَال لَهَا: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهُ مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهُ

_________

(١) الفروق ٢ / ١٧٢، ١٧٣.

(٢) نهاية المحتاج ٣ / ١٦، ١٧، وشرح المحلى على المنهاج وحاشية قليوبي وعميرة ١ / ٣٤٣، والمجموع ٥ / ٢٨١، والأذكار للنووي مع الفتوحات الربانية ٤ / ١٣٠، ١٣٦، ومغني المحتاج ٢ / ٤٣، وإرشاد الساري ٢ / ٤٠٩.

(٣) شرح الزركشي ٢ / ٣٥٦، ٣٥٧، والإنصاف ٢ / ٥٦٨، ومطالب أولي النهى ١ / ٩٢٦.

إِلَى جِبْرِيل نَنْعَاهُ (١) .

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنِّيَاحَةِ:

تَتَعَلَّقُ بِالنِّيَاحَةِ أَحْكَامٌ، مِنْهَا:

أ - تَعْذِيبُ الْمَيِّتِ بِالنِّيَاحَةِ عَلَيْهِ:

٨ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِالنِّيَاحَةِ عَلَيْهِ:

الرَّأْيُ الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَيِّتَ لاَ يُعَذَّبُ بِشَيْءٍ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَيْهِ إِلاَّ إِذَا وَصَّى بِذَلِكَ فَنُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ؛ لأَِنَّ النِّيَاحَةَ أَوِ الْبُكَاءَ الْمُحَرَّمَيْنِ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوبَانِ إِلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ بَكَى عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَنَاحُوا مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ مِنْهُ فَلاَ يُعَذَّبُ بِذَلِكَ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٢)﴾ وَحَمَل جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ خَبَرَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ (٣) عَلَى مَا إِذَا وَصَّى بِذَلِكَ وَنُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ (٤) .

_________

(١) حديث: " لما ثقل النبي ﷺ جعل يتغشاه. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٨ / ١٤٩ ط السلفية) .

(٢) سورة فاطر / ١٨.

(٣) حديث: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٣ / ١٥١ ط السلفية) ومسلم (٢ / ٦٤٠ ط عيسى الحلبي) من حديث ابن عمر ﵄، واللفظ للبخاري.

(٤) المجموع ٥ / ٣٠٨، والبناية شرح الهداية ٢ / ١٠٤٤ طبعة دار الفكر، بيروت، والاستذكار ٨ / ٣٢٢، وكشاف القناع ٢ / ١٦٣، ١٦٤.

وَقَال الرَّمْلِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا لَمْ تُنَفَّذْ وَصِيَّةُ الْمَيِّتِ بِالنِّيَاحَةِ أَوِ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى إِثْمِ الْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ (١) .

وَقَال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِتَرْكِ النِّيَاحَةِ وَالْبُكَاءِ الْمُحَرَّمَيْنِ، فَمَنْ أَهْمَل الْوَصِيَّةَ بِتَرْكِهِمَا عُذِّبَ بِهِمَا (٢) .

وَفَصَّل الْحَنَابِلَةُ فَقَال بَعْضُهُمْ: يُعَذَّبُ بِتَرْكِ الْوَصِيَّةِ إِذَا كَانَ عَادَةُ أَهْلِهِ النِّيَاحَةَ وَالْبُكَاءَ الْمُحَرَّمَيْنِ، وَقَال آخَرُونَ: إِنَّ الْمَيِّتَ يَتَأَذَّى بِالنِّيَاحَةِ إِنْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ عَادَةَ أَهْلِهِ (٣) .

الرَّأْيُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِسَبَبِ نِيَاحَةِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ.

وَقَدْ صَحَّ هَذَا الْقَوْل عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ﵃ (٤)، لِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ قَال لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلاَ تَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ، فَإِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِنَّ الْمَيِّتَ

_________

(١) نهاية المحتاج ٣ / ١٧.

(٢) المجموع ٥ / ٣٠٩.

(٣) كشاف القناع ٢ / ١٦٣.

(٤) نيل الأوطار ٤ / ١٠٤، ١٠٥، وفتح الباري ٣ / ١١٨، ١٥٥، والاستذكار ٨ / ٣٢٢، وعون المعبود ٨ / ٤٠٢، والمغني ٢ / ٤١٢.

لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ.

وَلِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ رَأْيٌ فِي مَعْنَى التَّعْذِيبِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ:

فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّهُ بِمَعْنَى تَأَلُّمِ الْمَيِّتِ بِمَا يَقَعُ مِنْ أَهْلِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُرَابِطِ وَعِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَنَصَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ.

وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ تَوْبِيخُ الْمَلاَئِكَةِ لِلْمَيِّتِ بِمَا يَنْدُبُهُ بِهِ أَهْلُهُ.

وَرَأَى الْبَعْضُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْذِيبِ هُوَ التَّعْذِيبُ فِي الْبَرْزَخِ وَلَيْسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ قَوْل الْكِرْمَانِيِّ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ التَّعْذِيبَ خَاصٌّ بِالْكَافِرِ دُونَ الْمُؤْمِنِ. وَهُوَ قَوْل عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، ﵃. (١) .

ب - حُكْمُ الْوَصِيَّةِ بِالنِّيَاحَةِ:

٩ - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ وَصِيَّةَ الْمُسْلِمِ بِالنِّيَاحَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مُحَرَّمَةٌ وَبَاطِلَةٌ، وَلاَ يَجُوزُ

_________

(١) نيل الأوطار ٤ / ١٠٤، ١٠٥، وفتح الباري ٣ / ١٥٤، ١٥٥، وسبل السلام ٢ / ١١٥، ١١٦، والاستذكار ٨ / ٣٢١ - ٣٢٣.

تَنْفِيذُهَا، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِصُنْعِ طَعَامٍ لِلنَّائِحَاتِ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ مِنْ شُرُوطِ الْمُوصَى بِهِ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ لاَ يَكُونَ مَعْصِيَةً، فَإِنْ أَوْصَى الْمُسْلِمُ بِالنِّيَاحَةِ عَلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، سَوَاءٌ نَفَّذَهَا الْمُوصَى لَهُ أَمْ لَمْ يُنَفِّذْهَا، فَإِنْ نَفَّذَهَا كَانَ عَلَيْهِ إِثْمُ الْوَصِيَّةِ، وَاشْتَرَكَ فِي الْوِزْرِ عَلَى النِّيَاحَةِ مَعَ مَنْ يَقُومُ بِهَا (١) .

ج - عُقُوبَةُ النَّائِحَةِ:

١٠ - لَمَّا كَانَتِ النِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ مُحَرَّمَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَزْجُرَ عَنْهَا وَيُعَاقِبَ عَلَيْهَا بِعُقُوبَاتٍ تَعْزِيرِيَّةٍ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ " أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالْعَصَا وَيَرْمِي بِالْحِجَارَةِ وَيَحْثِي بِالتُّرَابِ (٢) " وَرَوَى الأَْوْزَاعِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ " أَمَرَ بِضَرْبِ نَائِحَةٍ، فَضُرِبَتْ حَتَّى بَدَا شَعْرُهَا، فَقِيل لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ قَدْ بَدَا شَعْرُهَا، فَقَال: لاَ حُرْمَةَ لَهَا، إِنَّمَا تَأْمُرُ بِالْجَزَعِ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَتَنْهَى عَنِ الصَّبْرِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَتَفْتِنُ الْحَيَّ وَتُؤْذِي الْمَيِّتَ، وَتَبِيعُ عَبْرَتَهَا، وَتَبْكِي شَجْوَ

_________

(١) البدائع ٧ / ٣٤١، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٤ / ٤٢٧، والبيان والتحصيل ١٣ / ١٣٩، ومغني المحتاج ٢ / ٤٤، ونهاية المحتاج ٣ / ١٧.

(٢) فتح الباري ٣ / ١٣٧

غَيْرِهَا، إِنَّهَا لاَ تَبْكِي عَلَى مَيِّتِكُمْ، وَإِنَّمَا تَبْكِي لأَِخْذِ دَرَاهِمِكُمْ (١) ".

وَلَكِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ لاَ يُعَاقَبُ بِالضَّرْبِ عَلَى النِّيَاحَةِ، وَإِنَّمَا تُمْنَعُ النَّائِحَةُ مِنَ الاِسْتِمْرَارِ، وَتُنْصَحُ بِعَدَمِ الْعَوْدِ، وَإِلاَّ نُفِيَتْ مِنَ الْبَلَدِ (٢)، وَاسْتَدَل الْقَارِّيُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الضَّرْبِ بِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ (وَفِي رِوَايَةٍ رُقَيَّةُ) ابْنَةُ رَسُول اللَّهِ ﷺ، بَكَتِ النِّسَاءُ، فَجَعَل عُمَرُ يَضْرِبُهُنَّ بِسَوْطِهِ، فَأَخَذَ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ، وَقَال: مَهْلًا يَا عُمَرُ، ثُمَّ قَال: ابْكِينَ وَإِيَّاكُنَّ وَنَعِيقَ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ قَال: إِنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِنَ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ فَمِنَ اللَّهِ وَمِنَ الرَّحْمَةِ، وَمَا كَانَ مِنَ الْيَدِ وَاللِّسَانِ فَمِنَ الشَّيْطَانِ (٣)، قَال الْقَارِّيُّ: فِيهِ إِشْعَارٌ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الضَّرْبُ عَلَى النِّيَاحَةِ، بَل يَنْبَغِي النَّصِيحَةُ، وَلِذَلِكَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَال لَهُ: (مَهْلًا)، أَيْ أَمْهِلْهُنَّ (٤) . وَنَصَّ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَلَى وُجُوبِ النَّهْيِ عَنِ النِّيَاحَةِ، فَإِنْ لَمْ تَرْتَدِعِ النَّائِحَةُ

_________

(١) الكبائر ص ١٨٤، ومجموع الفتاوى ٣٢ / ٢٥١.

(٢) المرقاة ٤ / ٢٣٥ ط دار الفكر، بيروت ١٩٩٢، ومعالم القربة ص ١٠٦.

(٣) حديث: " ابكين وإياكن ونعيق الشيطان ". أخرجه أحمد (١ / ٢٣٧ ط الميمنية) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ١٧ ط القدسي) فيه علي بن زيد وفيه كلام وهو موثق.

(٤) مرقاة المفاتيح ٤ / ٢٣٥، ٢٣٦.

وَجَبَ عِقَابُهَا بِمَا يَزْجُرُهَا؛ لأَِنَّهَا مِنَ الْمَعَاصِي، وَلِمَا فِيهَا مِنْ أَذِيَّةِ الْمَيِّتِ (١) .

د - الاِسْتِمَاعُ لِلنِّيَاحَةِ:

١١ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَال: لَعَنَ رَسُول اللَّهِ ﷺ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ (٢) قَال الْقَارِّيُّ: الْمُرَادُ بِالْمُسْتَمِعَةِ فِي الْحَدِيثِ هِيَ الَّتِي تَقْصِدُ السَّمَاعَ وَيُعْجِبُهَا، كَمَا أَنَّ الْمُسْتَمِعَ لِلْمُغْتَابِ يَكُونُ شَرِيكًا لَهُ فِي الْوِزْرِ، وَالْمُسْتَمِعَ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ يَكُونُ شَرِيكًا لَهُ فِي الأَْجْرِ.

هـ - الإِْجَارَةُ عَلَى النِّيَاحَةِ وَكَسْبُ النَّائِحَةِ:

١٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ عَلَى الْمَعَاصِي، كَاسْتِئْجَارِ النَّائِحَةِ لِلنَّوْحِ؛ لأَِنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ غَيْرِ مَقْدُورَةِ الاِسْتِيفَاءِ شَرْعًا، فَلاَ تَصِحُّ الإِْجَارَةُ عَلَى النِّيَاحَةِ، وَتَقَعُ بَاطِلَةً، وَلاَ تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عَلَيْهَا، فَإِنْ أَخَذَتْهَا النَّائِحَةُ كَانَتْ كَسْبًا مُحَرَّمًا خَبِيثًا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّهُ عَلَى أَرْبَابِهِ إِنْ عَلِمُوا،

_________

(١) مجموع الفتاوى ٣٢ / ٣٩٨، ٣٩٩.

(٢) حديث: " لعن رسول الله ﷺ النائحة والمستمعة ". أخرجه أبو داود (٣ / ٤٩٤ ط حمص) قال المنذري في مختصر السنن (٤ / ٢٩٠ - نشر دار المعرفة): في إسناده: محمد بن الحسن بن عطير العوفي عن أبيه عن جده، وثلاثتهم ضعفاء.

وَإِلاَّ وَجَبَ عَلَيْهَا التَّصَدُّقُ بِهِ.

لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَصَرُوا هَذَا الْحُكْمَ عَلَى حَالَةِ اشْتِرَاطِ الأُْجْرَةِ فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ أُعْطِيَتِ النَّائِحَةُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَهُوَ لَهَا، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ، فَلاَ يَحِل لَهَا مَا تَأْخُذُهُ إِذَا كَانَتِ الْعَادَةُ جَارِيَةً عَلَى إِعْطَاءِ النَّوَائِحِ أَجْرًا عَلَى نِيَاحَتِهِنَّ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَذَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ الأَْخْذُ بِهِ فِي زَمَانِنَا لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ لاَ يَذْهَبُونَ إِلاَّ بِأَجْرٍ.

ثُمَّ قَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ تَحْرُمُ الإِْجَارَةُ عَلَى كِتَابَةِ النَّوْحِ؛ لأَِنَّ الْمَمْنُوعَ هُوَ النَّوْحُ نَفْسُهُ لاَ كِتَابَتُهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى تَحْرِيمِ الإِْجَارَةِ عَلَى كِتَابَةِ النَّوْحِ؛ لأَِنَّهَا انْتِفَاعٌ بِمُحَرَّمٍ، فَلاَ يَجُوزُ (١) .

و النِّيَاحَةُ عَلَى فِعْل الْمَعَاصِي:

١٣ - أَشَارَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ نِيَاحَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى مَا اقْتَرَفَ مِنَ الْمَعَاصِي جَائِزَةٌ، بَل هِيَ نَوْعٌ مِنَ الْعِبَادَةِ؛ لأَِنَّ فِيهَا إِظْهَارَ النَّدَمِ

_________

(١) بدائع الصنائع ٤ / ١٨٩، وحاشية ابن عابدين ٥ / ٣٤، والاختيار ٢ / ٦٠، والبيان والتحصيل ١٣ / ١٣٩، والشرح الكبير ٤ / ٢١، وبداية المجتهد ٢ / ٢٣٩، والمغني ٦ / ١٣٤، والمهذب ١ / ٥١٧ طبعة مصطفى البابي الحلبي، ومغني المحتاج ٢ / ٣٣٧.

عَلَى مَا فَاتَ مِنْهُ مِنَ التَّقْصِيرِ (١) .

ز - ثُبُوتُ الْمَوْتِ بِالنِّيَاحَةِ:

١٤ - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى إِثْبَاتِ الْمَوْتِ بِشَهَادَةِ التَّسَامُعِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي إِثْبَاتِهِ الشَّهَادَةُ بِالْمُعَايَنَةِ. وَالْمَنْعُ مِنْ إِثْبَاتِهِ بِذَلِكَ وَجْهٌ عِنْدَهُمْ. وَذَهَبَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ إِلَى أَنَّ مِنْ صُوَرِ الشَّهَادَةِ بِالتَّسَامُعِ أَنْ يَمُرَّ بِبَابِ الْقَتِيل شَخْصٌ فَيَسْمَعَ النِّيَاحَةَ فِي دَارِهِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ لِلتَّعْزِيَةِ، فَيُخْبِرَهُ وَاحِدٌ بِمَوْتِهِ (٢) .

_________

(١) عون المعبود ٨ / ٤٠٠.

(٢) المحلى على المنهاج وحاشية عميرة ٤ / ٣٢٨.

نِيَّةٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - النِّيَّةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ نَوَى، وَالاِسْمُ النِّيَّةُ، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عِنْدَ أَكْثَرِ اللُّغَوِيِّينَ، وَالتَّخْفِيفُ فِيهَا لُغَةٌ مَحْكِيَّةٌ.

وَتَأْتِي النِّيَّةُ لِمَعَانٍ، مِنْهَا: الْقَصْدُ، فَيُقَال: نَوَى الشَّيْءَ يَنْوِيهِ نِيَّةً: قَصَدَهُ، كَانْتَوَاهُ وَتَنَوَّاهُ، وَمِنْهَا: الْحِفْظُ، فَيُقَال: نَوَى اللَّهُ فُلاَنًا: حَفِظَهُ.

وَالنِّيَّةُ: الْوَجْهُ الَّذِي يُذْهَبُ فِيهِ، وَالأَْمْرُ الَّذِي تَنْوِيهِ، وَتَوْجِيهُ النَّفْسِ نَحْوَ الْعَمَل (١) .

وَالنِّيَّةُ اصْطِلاَحًا: عَرَّفَهَا الْفُقَهَاءُ بِتَعْرِيفَاتٍ مِنْهَا تَعْرِيفُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا قَصْدُ الطَّاعَةِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إِيجَابِ الْفِعْل. وَدَخَل فِي التَّعْرِيفِ الْمَنْهِيَّاتُ، فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ الْفِعْل الَّذِي هُوَ كَفُّ النَّفْسِ (٢) .

وَعَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهَا قَصْدُ الإِْنْسَانِ بِقَلْبِهِ

_________

(١) المصباح المنير، والقاموس المحيط، والمعجم الوسيط.

(٢) رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ١ / ٧٢ دار إحياء التراث العربي - بيروت.