الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤١ الصفحة 7

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤١

وَقَدْ ثَبَتَ وُجُوبُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ وَالْمَعْقُول.

أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ (١)﴾ .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (٢)﴾ .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (٣)﴾ .

فَهَذِهِ الآْيَاتُ وَاضِحَةُ الدَّلاَلَةِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَاتِ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ ﷺ فِي خُطْبَتِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ: " فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " (٤)، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَْحَادِيثِ الَّتِي بَيَّنَتْ وُجُوبَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا.

_________

(١) سُورَةُ الطَّلاَقِ / ٧

(٢) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / ٢٣١

(٣) سُورَةُ الطَّلاَقِ / ٤٦.

(٤) حَدِيثُ: " فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ. . . .) . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (٢ / ٨٨٩ - ٨٩٠ ط عِيسَى الْحَلَبِيِّ) مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.

وَأَمَّا الإِْجْمَاعُ: فَقَدِ اتَّفَقَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ إِذَا مَكَّنَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْهَا وَكَانَتْ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ وَلَمْ تَمْتَنِعْ عَنْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ.

يَقُول ابْنُ الْمُنْذِرِ: اتَّفَقَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ إِذَا كَانُوا بَالِغِينَ إِلاَّ النَّاشِزَ مِنْهُنَّ (١) .

وَأَمَّا الْمَعْقُول: فَلأَِنَّ الزَّوْجَةَ مَحْبُوسَةُ الْمَنَافِعِ عَلَى زَوْجِهَا، وَمَمْنُوعَةٌ مِنَ التَّصَرُّفِ لِحَقِّهِ فِي الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا، فَوَجَبَ لَهَا مُؤْنَتُهَا وَنَفَقَتُهَا، كَمَا يُلْزَمُ الإِْمَامُ فِي بَيْتِ الْمَال نَفَقَاتِ أَهْل النَّفِيرِ؛ لاِحْتِبَاسِ نُفُوسِهِمْ عَلَى الْجِهَادِ (٢) .

وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الاِحْتِبَاسِ، وَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا لِحَقِّ شَخْصٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَفَرُّغِهِ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ، قِيَاسًا عَلَى الْقَاضِي وَالْوَالِي وَالْعَامِل فِي الصَّدَقَاتِ (٣) .

سَبَبُ وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ:

٥ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي سَبَبِ وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا، وَهَل تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَحْدَهُ أَمْ بِهِ وَبِالتَّمْكِينِ وَالتَّسْلِيمِ التَّامِّ؟ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

_________

(١) الْمُغْنِي وَالشَّرْحُ ٩ / ٢٣١.

(٢) الْحَاوِي الْكَبِيرُ ١٥ / ٥٢٤ وَمَا بَعْدَهَا.

(٣) الْبَدَائِعُ ٤ / ١٦، وَالْمُغْنِي ٩ / ٢٣٠، وَتَبْيِينُ الْحَقَائِقِ ٣ / ٥١.

الْقَوْل الأَْوَّل: أَنَّ سَبَبِ وُجُوبِهَا هُوَ اسْتِحْقَاقُ الْحَبْسِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ فِي عَقْدِ الزَّوَاجِ الصَّحِيحِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ (١)، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ (٢) .

قَال ابْنُ عَابِدِينَ: فَلاَ نَفَقَةَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ؛ لاِنْعِدَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ حَقُّ الْحَبْسِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ، وَكَذَا فِي عُدَّتِهِ (٣) .

وَدَلِيل هَؤُلاَءِ عُمُومُ قَوْل اللَّهِ ﷿: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ (٤)﴾ .

فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ ﷾ بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهِنَّ دُونَ تَقْيِيدٍ بِوَقْتٍ، فَدَل هَذَا عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهُنَّ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ.

وَكَذَلِكَ عُمُومُ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (٥)، وَهَذَا يُوجِبُ لَهُنَّ النَّفَقَةَ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ.

وَلأَِنَّ حَقَّ الْحَبْسِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا

_________

(١) فَتْحُ الْقَدِيرِ ٤ / ١٩٢، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ ٢ / ٦٤٤، وَالْبَدَائِعُ ٤ / ١٦.

(٢) شَرْحُ جَلاَل الدِّينِ الْمَحَلِّيِّ عَلَى مِنْهَاجِ الطَّالِبِينَ ٤ / ٧٧ مَعَ حَاشِيَةِ عُمَيْرَةَ.

(٣) رَدُّ الْمُحْتَارِ ٢ / ٦٤٤.

(٤) سُورَةُ الطَّلاَقِ / ٧

(٥) حَدِيثُ: " وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ. . ". تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ ف ٤.

بِسَبَبِ النِّكَاحِ مُؤَثِّرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنَ الاِكْتِسَابِ بِحَقِّهِ، فَكَانَ نَفْعُ حَبْسِهَا عَائِدًا إِلَيْهِ، فَكَانَتْ كِفَايَتُهَا عَلَيْهِ (١) .

وَلأَِنَّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقِّ شَخْصٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَفَرُّغِهِ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ، كَالْقَاضِي وَالْوَالِي وَالْعَامِل فِي الصَّدَقَاتِ وَالْمُضَارِبِ إِذَا سَافَرَ بِمَال الْمُضَارَبَةِ (٢) .

الْقَوْل الثَّانِي: لاَ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ إِلاَّ بِالتَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ.

وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْمَالِكِيَّةُ (٣)، وَالْحَنَابِلَةُ (٤)، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (٥)، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ (٦) .

قَال صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: قَال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إِذَا لَمْ تُزَفَّ إِلَى بَيْتِ زَوْجِهَا لاَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (٧) .

_________

(١) الْبَدَائِعُ ٤ / ١٦.

(٢) تَبْيِينُ الْحَقَائِقِ ٣ / ٥١.

(٣) الشَّرْحُ الْكَبِيرُ لِلدَّرْدِيرِ ٢ / ٥٠٨، وَشَرْحُ الْخُرَشِيِّ ٤ / ١٨٣، وَمَوَاهِبُ الْجَلِيل ٤ / ١٨٢.

(٤) الْمُغْنِي ٩ / ٢٣٠.

(٥) الْكِفَايَةُ عَلَى الْهِدَايَةِ ٤ / ١٩٢ - ١٩٣.

(٦) حَاشِيَةُ عُمَيْرَةَ ٤٧٧، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ ٣ / ٤٣٥.

(٧) الْكِفَايَةُ عَلَى الْهِدَايَةِ ٤ / ١٩٢ - ١٩٣.

وَقَال صَاحِبُ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: تَجِبُ النَّفَقَةُ لِمُمَكِّنَةٍ مِنْ نَفْسِهَا مُطِيقَةٍ لِلْوَطْءِ بِلاَ مَانِعٍ بَعْدَ أَنْ دَعَتْ هِيَ أَوْ مُجْبِرُهَا أَوْ وَكِيلُهَا لِلدُّخُول، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ حَاكِمٍ، وَبَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَجَهَّزُ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَادَةً (١) .

وَقَال جَلاَل الدِّينِ الْمَحَلِّيُّ: الْجَدِيدُ أَنَّهَا - أَيِ النَّفَقَةَ - تَجِبُ يَوْمًا فَيَوْمًا بِالتَّمْكِينِ لاَ بِالْعَقْدِ (٢) .

وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إِلَى الزَّوْجِ عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا فَلَهَا عَلَيْهِ جَمِيعُ حَاجَتِهَا مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَمَلْبُوسٍ وَمَسْكَنٍ (٣) .

مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَقَدَ عَلَى عَائِشَةَ ﵂ وَهِيَ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ (٤) وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ دَخَل بِهَا، فَدَل - عَلَى ذَلِكَ - عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ لاَ بِالْعَقْدِ، إِذْ لَوْ كَانَتْ حَقًّا لَهَا لَمَا مَنَعَهَا إِيَّاهَا، وَلَوْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا لَنُقِل

_________

(١) الشَّرْحُ الْكَبِيرُ لِلدَّرْدِيرِ ٢ / ٥٠٨ - ٥٠٩.

(٢) شَرْحُ جَلاَل الدِّينِ الْمَحَلِّيِّ عَلَى مِنْهَاجِ الطَّالِبِينَ ٤ / ٧٧.

(٣) الْمُغْنِي ٩ / ٢٣٠.

(٤) حَدِيثُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَقَدَ عَلَى عَائِشَةَ ﵂ وَهِيَ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (فَتْحُ الْبَارِي ٩ / ٢٢٤) وَمُسْلِمٌ (٢ / ١٠٣٨ ط عِيسَى الْحَلَبِيِّ) .

إِلَيْنَا، وَلَمَّا لَمْ يُنْقَل أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا، دَل هَذَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ (١) .

وَلأَِنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ الْمَهْرَ، فَلاَ يُوجِبُ عِوَضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ (٢) .

كَمَا وَأَنَّ النَّفَقَةَ مَجْهُولَةٌ وَالْعَقْدَ لاَ يُوجِبُ مَالًا مَجْهُولًا، فَدَل هَذَا عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لاَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَحْدَهُ.

وَلأَِنَّهَا تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ الاِسْتِمْتَاعِ فِي عَقْدٍ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَإِذَا وُجِدَ التَّسْلِيمُ وَجَبَ لَهَا النَّفَقَةُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْبَائِعِ إِذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ الثَّمَنِ (٣) .

الْقَوْل الثَّالِثُ: وَهُوَ الْقَدِيمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْتَقِرُّ بِالتَّمْكِينِ (٤) .

شُرُوطُ اسْتِحْقَاقِ الزَّوْجَةِ النَّفَقَةَ:

٦ - اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - لاِسْتِحْقَاقِ الزَّوْجَةِ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ كَبِيرَةً أَوْ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ، وَأَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا لِلزَّوْجِ مَتَى طَلَبَهَا إِلاَّ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ، وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا لاَ فَاسِدًا، فَلَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً

_________

(١) حَاشِيَةُ عُمَيْرَةَ ٤ / ٧٧، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ ٣ / ٤٣٥.

(٢) الْمَرْجِعَانِ السَّابِقَانِ.

(٣) مُغْنِي الْمُحْتَاجِ ٣ / ٤٣٥.

(٤) الْقَلْيُوبِيُّ ٤ / ٧٧.

لاَ تُطِيقُ الْوَطْءَ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا. سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَنْزِل الزَّوْجِ أَوْ لَمْ تَكُنْ حَتَّى تَصِيرَ إِلَى الْحَالَةِ الَّتِي تُطِيقُ الْجِمَاعَ؛ لأَِنَّ امْتِنَاعَ الاِسْتِمْتَاعِ إِنَّمَا لِمَعْنًى فِيهَا، وَالاِحْتِبَاسُ الْمُوجِبُ لِلنَّفَقَةِ هُوَ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إِلَى مَقْصُودٍ مُسْتَحَقٍّ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ لأَِنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لاَ تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لاَ تَصْلُحُ لِدَوَاعِيهِ؛ لأَِنَّهَا غَيْرُ مُشْتَهَاةٍ.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْجُمْهُورُ فِي الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا، بَل تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الصَّغِيرِ مَتَى تَحَقَّقَتِ الشُّرُوطُ الَّتِي تُوجِبُ النَّفَقَةَ فِي الزَّوْجَةِ (١) .

وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الْمَدْخُول بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا.

أَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُول بِهَا فَتَجِبُ النَّفَقَةُ لِمُمْكِنَةٍ مِنْ نَفْسِهَا مُطِيقَةٍ لِلْوَطْءِ بِلاَ مَانِعٍ بَعْدَ أَنْ دَعَتْ هِيَ أَوْ مُجْبِرُهَا أَوْ وَكِيلُهَا لِلدُّخُول - وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ حَاكِمٍ - وَبَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَجَهَّزُ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَادَةً عَلَى الْبَالِغِ لاَ عَلَى صَغِيرٍ، وَلَوْ دَخَل عَلَيْهَا بَالِغَةً وَافْتَضَّهَا، وَلاَ لِغَيْرِ مُمْكِنَةٍ، أَوْ لَمْ يَحْصُل مِنْهَا أَوْ مِنْ وَلِيِّهَا دُعَاءٌ،

_________

(١) الْعِنَايَةُ بِهَامِشِ فَتْحِ الْقَدِيرِ ٤ / ١٩٦، وَالْهِدَايَةُ بِأَعْلَى فَتْحِ الْقَدِيرِ ٤ / ١٩٦، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٩ / ٥٨، وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ ١٥ / ٣٠، وَالْمُغْنِي مَعَ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ ٩ / ٢٣١، ٢٥٥، وَالإِْنْصَافُ ٩ / ٣٧٨.

أَوْ حَصَل قَبْل مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَجَهَّزُ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَلاَ لِغَيْرِ مُطِيقَةٍ، وَلاَ لِمُطِيقَةٍ بِهَا مَانِعٌ كَرَتْقٍ إِلاَّ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا عَالِمًا، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ أَيْ بَالِغًا السِّيَاقَ، وَهُوَ الأَْخْذُ فِي النَّزْعِ.

وَأَمَّا الْمَدْخُول بِهَا: فَلَمْ يَشْتَرِطُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

يَقُول الدُّسُوقِيُّ: وَالْحَاصِل أَنَّهُ فِي التَّوْضِيحِ جَعَل السَّلاَمَةَ مِنَ الْمَرَضِ وَبُلُوغَ الزَّوْجِ وَإِطَاقَةَ الزَّوْجَةِ لِلْوَطْءِ شُرُوطًا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِغَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا الَّتِي دَعَتْ لِلدُّخُول، فَإِنِ اخْتَل مِنْهَا شَرْطٌ فَلاَ تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا، وَأَمَّا الْمَدْخُول بِهَا فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.

وَخَالَفَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ جَعَلُوا الأُْمُورَ الثَّلاَثَةَ الْمَذْكُورَةَ شُرُوطًا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلْمَرْأَةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَدَعَتْ لِلدُّخُول (١) .

مَنْ لاَ نَفَقَةَ لَهَا مِنَ الزَّوْجَاتِ:

٧ - بَعْضُ الزَّوْجَاتِ لاَ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ فِي مَال زَوْجِهَا عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.

قَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ نَفَقَةَ لِكُل امْرَأَةٍ جَاءَتِ

_________

(١) الشَّرْحُ الْكَبِيرُ ٢ / ٥٠٨، وَالزُّرْقَانِيُّ ٤ / ٢٤٤ - ٢٤٥.

الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِمَعْصِيَةٍ كَالرِّدَّةِ وَالزِّنَا بِالأُْصُول أَوِ الْفُرُوعِ، أَوْ تَقْبِيل ابْنِ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ، وَكَذَا النُّشُوزُ (١) .

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ مِنْ مَوَانِعِ النَّفَقَةِ: النُّشُوزَ، وَمَنْعَ الْوَطْءِ وَالاِسْتِمْتَاعِ، وَيَعُدُّونَ الْخُرُوجَ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ نُشُوزًا مَانِعًا مِنَ النَّفَقَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِمْ؛ تَغْلِيبًا لِحَقِّ الاِسْتِمْتَاعِ فِي وُجُوبِهَا عَلَى حَقِّ الْعَقْدِ، وَكَذَا الْعِدَّةُ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ، فَالْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ لاَ نَفَقَةَ لَهَا إِذَا كَانَتْ حَائِلًا، أَمَّا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا دَامَ الْوَلَدُ حَيًّا، فَإِنْ مَاتَ انْقَطَعَتْ نَفَقَتُهَا، كَمَا لاَ نَفَقَةَ لِحَمْل مُلاَعَنَةٍ بِنَفْيِهِ، وَلاَ لِحَمْل أَمَةٍ زَوْجُهَا حُرٌّ؛ لأَِنَّهُ اجْتَمَعَ فِي حَقِّهِ مُوجِبَانِ مِنْ مُوجِبَاتِ النَّفَقَةِ: الْوِلاَدَةُ وَالْمِلْكُ، فَاسْتَحَقَّ النَّفَقَةَ بِأَقْوَى الْمُوجِبَيْنِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَسَقَطَ الْمُوجِبُ الآْخَرُ.

وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَهُمْ: إِذَا اجْتَمَعَ مُوجِبَانِ مِنْ مُوجِبَاتِ النَّفَقَةِ لِشَخْصٍ أَخَذَ نَفَقَةً وَاحِدَةً بِأَقْوَى الْمُوجِبَيْنِ (٢) .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِالنُّشُوزِ، وَالصِّغَرِ، وَبِالْخُرُوجِ لِلْعِبَادَةِ غَيْرِ الْمَفْرُوضَةِ، أَوِ

_________

(١) الْهِدَايَةُ مَعَ فَتْحِ الْقَدِيرِ ٤ / ٢١٦، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ ٣ / ٥٧٥، ٥٧٦.

(٢) مَوَاهِبُ الْجَلِيل ٤ / ١٩١، وَالشَّرْحُ الْكَبِيرُ لِلدَّرْدِيرِ ٢ / ٥١٤ - ٥١٥.

الصَّوْمِ، أَوْ الاِعْتِكَافِ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَبِالطَّلاَقِ الْبَائِنِ مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا (١) .

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ الزَّوْجَةِ لِلنَّفَقَةِ إِنْ لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا لِزَوْجِهَا أَوْ تَعْرِضْ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَتْ مِمَّا لاَ يُوطَأُ مِثْلُهَا لِصِغَرٍ لِعَدَمِ وُجُودِ التَّمْكِينِ مِنَ الاِسْتِمْتَاعِ مِنْ جِهَتِهَا، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِغَيْرِ وَاجِبٍ، أَوِ انْتَقَلَتْ مِنْ مَنْزِلِهِ لِخُرُوجِهَا مِنْ قَبْضَتِهِ وَطَاعَتِهِ، فَأَشْبَهَتِ النَّاشِزَ (٢) .

تَقْدِيرُ النَّفَقَةِ:

٨ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْدِيرِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:

الْقَوْل الأَْوَّل: أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِكِفَايَتِهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (٣) وَالْمَالِكِيَّةُ (٤) وَبِهِ قَال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ (٥)، وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ (٦) .

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْل اللَّهِ ﷿

_________

(١) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٩ / ٥٨ - ٥٩ وَ٦٣، وَكِفَايَةُ الأَْخْيَارِ ٢ / ١٤٧ - ١٤٨.

(٢) الْمُغْنِي وَالشَّرْحُ الْكَبِيرُ ٩ / ٢٥٦ - ٢٦٢.

(٣) الْبَدَائِعُ ٤ / ٢٣، وَالاِخْتِيَارُ ٤ / ٤.

(٤) حَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ ٢ / ٥٠٩، وَبِدَايَةُ الْمُجْتَهِدِ ٢ / ٥٩.

(٥) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٩ / ٤٠، وَنِهَايَةُ الْمُحْتَاجِ ٧ / ١٨٨.

(٦) الْمُغْنِي ٩ / ٢٣١، وَالإِْنْصَافُ ٩ / ٣٥٢.