الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤١
﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (١)﴾ . مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ ﷿ أَوْجَبَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ - وَهُوَ الزَّوْجُ - نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ، فَيَكُونُ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، كَرِزْقِ الْقَاضِي وَالْمُضَارِبِ (٢) .
وَبِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ﵂ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَقَال: " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " (٣)، فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ هِنْدًا بِأَنْ تَأْخُذَ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا مِنْ مَال زَوْجِهَا بِالْمَعْرُوفِ دُونَ أَنْ يُقَدِّرَ ذَلِكَ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ، وَالْمَعْرُوفُ هُوَ الْمُقَدَّرُ عُرْفًا بِالْكِفَايَةِ، فَدَل هَذَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مُقَدَّرَةٌ بِكِفَايَتِهَا لاَ بِالشَّرْعِ.
وَبِمَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ خَطَبَ النَّاسَ فِي
_________
(١) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / ٢٣٣
(٢) الْبَدَائِعُ ٤ / ٢١، وَالْمُغْنِي ٩ / ٢٣٢، وَنِهَايَةُ الْمُحْتَاجِ ٧ / ١٨٨، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٥ / ٤٦.
(٣) حَدِيثُ: " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (فَتْحُ الْبَارِي ٩ / ٥٠٧ ط السَّلَفِيَّةِ)، وَمُسْلِمٌ (٣ / ١٣٣٨) وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَال: " اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ. . . . وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " (١) .
فَرَسُول اللَّهِ ﷺ قَيَّدَ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الأَْزْوَاجِ لِلزَّوْجَاتِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوفُ إِنَّمَا هُوَ الْكِفَايَةُ دُونَ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّ مَا نَقَصَ عَنِ الْكِفَايَةِ فِيهِ إِضْرَارٌ بِالزَّوْجَةِ، فَلاَ يُعَدُّ مَعْرُوفًا وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ سَرَفًا وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ؛ لِكَوْنِ السَّرَفِ مَمْقُوتًا، فَكَانَ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْكِفَايَةُ (٢) .
وَبِقِيَاسِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ بِجَامِعِ أَنَّهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِمِقْدَارٍ مُحَدَّدٍ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَتَكُونُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى الْكِفَايَةِ.
وَقَالُوا: إِنَّ النَّفَقَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ لِكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً بِحَقِّ الزَّوْجِ مَمْنُوعَةً عَنِ الْكَسْبِ لِحَقِّهِ، فَكَانَ وُجُوبُهَا بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ (٣) .
الْقَوْل الثَّانِي: إِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمِقْدَارٍ مُحَدَّدٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ.
_________
(١) حَدِيثُ: " وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " سَبَقَ تَخْرِيجُهُ فِقْرَةُ ٤.
(٢) الْمُغْنِي ٩ / ٢٣٢.
(٣) الْبَدَائِعُ ٤ / ٢٣.
وَقَدَّرَهَا الشَّافِعِيَّةُ: بِمُدَّيْنِ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا، وَبِمُدٍّ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا، وَبِمُدٍّ وَنِصْفِ الْمُدِّ إِذَا كَانَ مُتَوَسِّطًا. وَقَال الْقَاضِي: الْوَاجِبُ رِطْلاَنِ مِنَ الْخُبْزِ فِي كُل يَوْمٍ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ اعْتِبَارًا بِالْكَفَّارَاتِ (١) .
وَاحْتَجُّوا لأَِصْل التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ بِقَوْل اللَّهِ ﷿: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ (٢)﴾ .
وَأَمَّا التَّقْدِيرُ فَبِقِيَاسِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَالٌ وَجَبَ بِالشَّرْعِ (٣) .
الْقَوْل الثَّالِثُ: إِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ عَادَةً أَمْثَال الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَحَال الْبَلَدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ (٤) .
الْقَوْل الرَّابِعُ: إِنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا يَفْرِضُهُ الْقَاضِي وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيُقَدِّرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ (٥) .
_________
(١) نِهَايَةُ الْمُحْتَاجِ ٧ / ١٨٨، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٩ / ٤٠، وَالْمُغْنِي ٩ / ٢٣٢، وَالْمُبْدِعُ ٦ / ١٨٦.
(٢) سُورَةُ الطَّلاَقِ / ٧.
(٣) مُغْنِي الْمُحْتَاجِ ٣ / ٤٢٦، وَتُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ ٨ / ٣٠٢.
(٤) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٩ / ٤٠، وَالدُّسُوقِيُّ ٢ / ٥٠٩، وَبِدَايَةُ الْمُجْتَهِدِ ٢ / ٥٩.
(٥) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٩ / ٤٠.
مَا يُرَاعَى فِي النَّفَقَةِ:
٩ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إِذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلِلزَّوْجَةِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَلِلزَّوْجَةِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ (١) .
أَمَّا لَوِ اخْتَلَفَتْ حَالَةُ الزَّوْجَيْنِ يَسَارًا أَوْ إِعْسَارًا، بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا وَالزَّوْجَةُ مُعْسِرَةً مَثَلًا، أَوِ الْعَكْسُ، وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى نَفَقَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يُرَاعَى وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْل الأَْوَّل: الْمُعْتَبَرُ حَال الزَّوْجِ يَسَارًا أَوْ إِعْسَارًا. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (٢)، وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ (٣) . مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْل اللَّهِ ﷿: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (٤)﴾ مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ ﷾ أَوْجَبَ عَلَى الزَّوْجِ الإِْنْفَاقَ عَلَى الزَّوْجَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِمَا يُنَاسِبُ حَالَهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ؛ لأَِنَّهَا هِيَ الْمُنَاسِبَةُ لِحَالِهِ (٥) .
_________
(١) الْبَدَائِعُ ٤ / ٢٤، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ ٢ / ٦٤٥، وَحَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ ٢ / ٥٠٩، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٩ / ٤١، وَالإِْنْصَافُ ٩ / ٢٥٣.
(٢) الْبَدَائِعُ ٤ / ٢٤، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ ٢ / ٦٤٥، ٣ / ٥٧٤.
(٣) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ٩ / ٤٠.
(٤) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / ٢٣٣
(٥) تَكْمِلَةُ الْمَجْمُوعِ ١٨ / ٢٥٠.
وَإِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَل اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (١)﴾ . فَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ الأَْزْوَاجَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِمْ وَمِلْكِهِمْ دُونَ اعْتِبَارٍ لِحَال غَيْرِهِمْ (٢) .
الْقَوْل الثَّانِي: الْمُعْتَبَرُ حَال الزَّوْجَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ (٣) مُسْتَدِلِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْل اللَّهِ ﷿ ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (٤)﴾ مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ إِضَافَةَ اللَّهِ ﷿ لِلرِّزْقِ وَالْكُسْوَةِ إِلَى الزَّوْجَاتِ الْوَالِدَاتِ فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَقْدِيرِهَا إِنَّمَا هُوَ حَال الزَّوْجَاتِ دُونَ الأَْزْوَاجِ، وَعَطْفَهُ سُبْحَانَهُ الْكُسْوَةَ عَلَى الرِّزْقِ لِيُبَيِّنَ تَسَاوِيَهُمَا، وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْكُسْوَةِ حَالَةَ الزَّوْجَةِ، فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ فِي الرِّزْقِ حَالَهَا كَذَلِكَ (٥) .
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ: " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " (٦) . فَأَسْنَدَ رَسُول اللَّهِ ﷺ
_________
(١) سُورَةُ الطَّلاَقِ / ٧.
(٢) تَكْمِلَةُ الْمَجْمُوعِ ١٨ / ٢٥٠.
(٣) رَدُّ الْمُحْتَارِ ٣ / ٥٧٤.
(٤) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / ٢٣٣.
(٥) فَتْحُ الْبَارِي ٩ / ٥٠٩، وَنَيْل الأَْوْطَارِ ٦ / ٣٢٣.
(٦) حَدِيثُ: " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ". سَبَقَ تَخْرِيجُهُ فِقْرَةُ ٨.
الْكِفَايَةَ إِلَيْهَا، دُونَ اعْتِبَارٍ لِحَال الزَّوْجِ، فَدَل هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ مُرَاعَاةُ حَال الزَّوْجَةِ دُونَ حَالَةِ الزَّوْجِ.
الْقَوْل الثَّالِثُ: الْمُعْتَبَرُ حَالُهُمَا مَعًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَهُمْ (١)، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (٢)، وَبِهِ قَال الْحَنَابِلَةُ (٣) مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ (٤)﴾ .
وَإِلَى قَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ: " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " (٥) .
مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ الآْيَةَ دَلَّتْ عَلَى اعْتِبَارِ حَال الزَّوْجِ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ دَل عَلَى اعْتِبَارِ حَال الزَّوْجَةِ، فَكَانَ الْقَوْل بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا فِي تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ أَنْسَبَ؛ إِعْمَالًا لِظَاهِرِهِمَا وَجَمْعًا بَيْنَهُمَا (٦) .
وَلأَِنَّ الْقَوْل بِاعْتِبَارِ حَال الزَّوْجَيْنِ مَعًا فِيهِ
_________
(١) فَتْحُ الْقَدِيرِ ٣ / ١٩٤ - ١٩٥.
(٢) الشَّرْحُ الْكَبِيرُ لِلدَّرْدِيرِ ٢ / ٥٠٨ - ٥٠٩، وَالتَّاجُ وَالإِْكْلِيل ٤ / ١٨٣.
(٣) الْمُغْنِي ٩ / ٢٣٩، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٥ / ٤٦٠.
(٤) سُورَةُ الطَّلاَقِ / ٧
(٥) حَدِيثُ: " خُذِي مَا يَكْفِيكِ. . " سَبَقَ تَخْرِيجُهُ فِقْرَةُ ٨.
(٦) فَتْحُ الْبَارِي ٩ / ٥٠٩.
نَظَرٌ؛ لِحَال كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِ حَال أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ (١) .
أَنْوَاعُ النَّفَقَةِ:
١٠ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا تَشْمَل الطَّعَامَ وَالْكُسْوَةَ وَالْمَسْكَنَ، وَكُل مَا لاَ غِنَى لَهَا عَنْهُ، وَنَفَقَةُ الطَّعَامِ هِيَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ كُل بَلَدٍ مِنَ الْخُبْزِ وَالسَّمْنِ أَوِ الزَّيْتِ وَالتَّمْرِ وَالأُْرْزِ وَاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالْقَدْرُ الْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مَا فَصَّلَتْهُ مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ مَا أَوْرَدُوهُ فِي حَالاَتِ تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ الَّذِي سَبَقَ تَفْصِيلُهُ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْكُسْوَةِ لِلزَّوْجَةِ عَلَى النَّحْوِ الْمُفَصَّل فِي مُصْطَلَحِ (كُسْوَةٌ ف ٢ وَمَا بَعْدَهَا)، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ سُكْنَاهَا وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (سُكْنَى ف ٤ وَمَا بَعْدَهَا) .
١١ - وَلَيْسَ أَمْرُ النَّفَقَةِ قَاصِرًا عَلَى الأَْنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ فَقَطْ، بَل يَرَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وُجُوبَ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ دَوَاءٍ وَأُجْرَةِ خَادِمٍ يَقُومُ عَلَى شُؤُونِ مِثْلِهَا عَادَةً وَثَمَنِ طِيبٍ وَآلاَتِ تَنْظِيفٍ وَكُل مَا هِيَ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ مِمَّا سَيَرِدُ تَفْصِيلُهُ فِيمَا يَلِي:
_________
(١) كَشَّافُ الْقِنَاعِ ٥ / ٤٦٠.
أَوَّلًا: عِلاَجُ الزَّوْجَةِ:
١٢ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ ثَمَنِ الدَّوَاءِ وَعَدَمِ وُجُوبِ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ عَلَى الزَّوْجِ (١) مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ (٢)﴾ .
مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ ﷿ أَلْزَمَ الزَّوْجَ بِالنَّفَقَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَلَيْسَتْ نَفَقَةُ الْعِلاَجِ دَاخِلَةٌ تَحْتَهَا؛ لأَِنَّهَا مِنَ الأُْمُورِ الْعَارِضَةِ (٣) .
وَلأَِنَّ شِرَاءَ الأَْدْوِيَةِ وَأُجْرَةَ الطَّبِيبِ إِنَّمَا تُرَادُ لإِصْلاَحِ الْجِسْمِ، فَلاَ تَلْزَمُ الزَّوْجَ (٤) .
ثَانِيًا: آلاَتُ التَّنْظِيفِ وَأَدَوَاتُ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ:
١٣ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُشْطِ وَالدُّهْنِ لِرَأْسِهَا وَالسِّدْرِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا تَغْسِل بِهِ رَأْسَهَا
_________
(١) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةُ ١ / ٥٤٩، وَالْبَدَائِعُ ٤ / ٢٠، وَالشَّرْحُ الْكَبِيرُ لِلدَّرْدِيرِ ٢ / ٥١١، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ ٣ / ٤٣١، وَنِهَايَةُ الْمُحْتَاجِ ٧ / ١٩٥، وَالْحَاوِي ١٥ / ١٩، وَالْمُغْنِي ٩ / ٢٣٥.
(٢) سُورَةُ الطَّلاَقِ / ٧
(٣) الْبَدَائِعُ ٤ / ٢٠، وَحَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ ٢ / ٥١١.
(٤) الْمُغْنِي ٩ / ٢٣٥، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٥ / ٤٦٣، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ ٣ / ٤٣١.
وَمَا يَعُودُ بِنَظَافَتِهَا مِنْ آلاَتِ التَّنْظِيفِ (١) .
وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ لَهَا ثَمَنُ الطِّيبِ إِذَا كَانَ لِلتَّلَذُّذِ وَالاِسْتِمْتَاعِ؛ لأَِنَّهُ حَقٌّ لَهُ، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَدْعُوهُ إِلَيْهِ، أَمَّا مَا يُرَادُ بِهِ قَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ (٢) .
ثَالِثًا: أُجْرَةُ الْخَادِمِ وَنَفَقَتُهُ:
١٤ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ تَخْدِمُ نَفْسَهَا لِكَوْنِهَا مِنْ ذَوَاتِ الأَْقْدَارِ، أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا بِأَنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُخْدَمُ فِي بَيْتِ أَبِيهَا، أَوْ لِكَوْنِهَا مَرِيضَةً: فَإِنَّهُ يُلْزَمُ الزَّوْجُ بِأَنْ يُهَيِّئَ لَهَا خَادِمًا وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مَتَى كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ يَسَارُ الزَّوْجِ، بَل يَرَوْنَ اسْتِوَاءَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ لِمَنْ لاَ يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا.
وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ الْمُعْسِرِ نَفَقَةُ خَادِمٍ وَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ؛ لأَِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الزَّوْجِ الْمُعْسِرِ مِنَ النَّفَقَةِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ فَعَلَى الزَّوْجِ الْمُعْسِرِ نَفَقَتُهُ، وَإِنْ
_________
(١) الْبَدَائِعُ ٤ / ٢٠، وَحَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ ٢ / ٥١١، وَالْمُغْنِي ٩ / ٢٣٥، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٥ / ٤٦٣، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ ٣ / ٤٣١.
(٢) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةُ ١ / ٥٤٩، وَالتَّاجُ وَالإِْكْلِيل ٤ / ١٨٢، ١٨٣، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ ٣ / ٤٣٠، ٤٣١، وَالْمُغْنِي ٩ / ٢٣٥.
لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ فَلاَ تَلْزَمُهُ؛ لأَِنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهَا خَادِمٌ عُلِمَ أَنَّهَا لاَ تَرْضَى بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا، فَكَانَ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ خَادِمٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ دَل عَلَى أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا (١) .
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (خِدْمَة ف ٧ وَمَا بَعْدَهَا) .
١٥ - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِلْزَامِ الزَّوْجِ بِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَال:
الْقَوْل الأَْوَّل: لاَ يُلْزَمُ الزَّوْجُ بِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ (٢) وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ (٣)، وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ (٤)، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ (٥) . لأَِنَّ الْخَادِمَ الْوَاحِدَ لاَ بُدَّ مِنْهُ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ يُقَدَّرُ بِهِ، فَلاَ يَكُونُ اعْتِبَارُ الْخَادِمَيْنِ أَوْلَى مِنَ الثَّلاَثَةِ وَالأَْرْبَعَةِ، فَيُقَدَّرُ بِالأَْقَل وَهُوَ الْوَاحِدُ.
وَلأَِنَّ الْمُسْتَحَقَّ خِدْمَةُ نَفْسِهَا، وَيَحْصُل ذَلِكَ بِوَاحِدٍ، وَالزِّيَادَةُ تُرَادُ لِحِفْظِ مِلْكِهَا أَوْ لِلتَّجَمُّل وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (٦) .
_________
(١) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةُ ١ / ٥٤٩، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ ٣ / ٤٣١، وَالْمُغْنِي ٩ / ٢٣٥، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٥ / ٤٦٣، وَالْبَدَائِعُ ٤ / ٢٤.
(٢) الْبَدَائِعُ ٤ / ٢٤.
(٣) حَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ ٢ / ٥١٠.
(٤) الْمُهَذَّبُ ٢ / ١٦٢، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ ٣ / ٤٣٢، ٤٣٤.
(٥) الْمُغْنِي ٩ / ٢٣٧.
(٦) بَدَائِعُ الصَّنَائِعِ ٤ / ٢٤.