الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤١
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لِلْقَاتِل عَمْدًا ظُلْمًا تَوْبَةً كَسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ؛ لِلنُّصُوصِ الْخَاصَّةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَالنُّصُوصِ الْعَامَّةِ الْوَارِدَةِ فِي قَبُول تَوْبَةِ كُل النَّاسِ (١)، مِنْهَا قَوْل اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ ﴿إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِل عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٢)﴾ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (٣)﴾، فَيُحْمَل مُطْلَقُ هَذِهِ الآْيَةِ عَلَى مُقَيَّدِ آيَةِ الْفُرْقَانِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا، إِلاَّ مَنْ تَابَ.
وَلأَِنَّ تَوْبَةَ الْكَافِرِ بِدُخُولِهِ إِلَى الإِْسْلاَمِ تُقْبَل بِالإِْجْمَاعِ، فَتَوْبَةُ الْقَاتِل أَوْلَى (٤) .
_________
(١) حَاشِيَةُ ابْنِ عَابِدِينَ ٥ / ٣٤٠، وَتَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ ٥ / ٣٣٢ وَمَا بَعْدَهَا، وَتُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ مَعَ الْحَاشِيَتَيْنِ ٨ / ٣٧٥، وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ ٤ / ٢، وَالزَّوَاجِرُ عَنِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ ١ / ٧١، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٥ / ٥٠٤.
(٢) سُورَةُ الْفُرْقَانِ آيَةُ: ٦٨، ٧٠.
(٣) سُورَةُ النِّسَاءِ آيَةُ: ٩٣.
(٤) حَاشِيَةُ ابْنِ عَابِدِينَ ٥ / ٣٤٠ - ٣٥٢، وَتَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ ٥ / ٣٣٢ وَمَا بَعْدَهَا، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ ٤ / ٢، ٣٩، ٤٤٠، وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ ٤ / ٢، ٣٥٦، وَالْمُغْنِي ٧ / ٦٣٦، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٦ / ١٧٨، ٥ / ٥٠٤.
٧ - وَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَبُول هَذِهِ التَّوْبَةِ وَمَا يَسْقُطُ بِهَا.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ تَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِل بِالاِسْتِغْفَارِ وَالنَّدَامَةِ فَقَطْ، بَل تَتَوَقَّفُ عَلَى إِرْضَاءِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُول، فَإِنْ كَانَ الْقَتْل عَمْدًا فَلاَ بُدَّ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنَ الْقَصَاصِ مِنْهُ فَإِنْ أَرَادُوا قَتَلُوهُ، وَإِنْ أَرَادُوا عَفَوْا عَنْهُ، فَإِنْ عَفَوْا عَنْهُ كَفَتْهُ التَّوْبَةُ وَيَبْرَأُ فِي الدُّنْيَا.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الظُّلْمَ الْمُتَقَدِّمَ لاَ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَقْتُول بِهِ، وَأَمَّا ظُلْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَيَسْقُطُ بِهَا، ثُمَّ قَال: وَفِي " مُخْتَارِ الْفَتَاوَى ": الْقَصَاصُ مُخَلِّصٌ مِنْ حَقِّ الأَْوْلِيَاءِ، وَأَمَّا الْمَقْتُول فَيُخَاصِمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ تَحْصُل لَهُ بِالْقَصَاصِ فَائِدَةٌ، فَحَقُّهُ بَاقٍ عَلَى الْقَاتِل (١) .
وَأَطْلَقَ الْمَالِكِيَّةُ الْقَوْل فِي قَبُول تَوْبَةِ الْقَاتِل الْعَمْدِ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْل السُّنَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ (٢) .
_________
(١) رَدُّ الْمُحْتَارِ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ ٥ / ٣٤٠، ٣٥٢.
(٢) تَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ ٥ / ٣٣٢ وَمَا بَعْدَهَا.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ الْقَتْل ظُلْمًا، وَبِالْقَوَدِ أَوِ الْعَفْوِ لاَ تَبْقَى مُطَالَبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ، مَعَ بَقَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِتَوْبَةٍ صَحِيحَةٍ، وَمُجَرَّدُ التَّمْكِينِ مِنَ الْقَوَدِ لاَ يُفِيدُ إِلاَّ إِنِ انْضَمَّ إِلَيْهِ نَدَمٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْصِيَةِ، وَعَزْمٌ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ (١) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَسْقُطُ حَقُّ الْمَقْتُول فِي الآْخِرَةِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، فَعَلَى هَذَا يَأْخُذُ الْمَقْتُول مِنْ حَسَنَاتِ الْقَاتِل بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ.
فَإِنِ اقْتُصَّ لِلْمَقْتُول مِنَ الْقَاتِل أَوْ عَفَى وَلِيُّهُ عَنِ الْقَصَاصِ فَهَل يُطَالِبُهُ الْمَقْتُول فِي الآْخِرَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا صَاحِبُ الْفُرُوعِ.
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَتْل يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلاَثَةُ حُقُوقٍ: حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَقُّ الْمَقْتُول، وَحَقُّ الْوَلِيِّ الْوَارِثِ لِلْمَقْتُول، فَإِذَا سَلَّمَ الْقَاتِل نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا إِلَى الْوَلِيِّ نَدَمًا عَلَى مَا فَعَل وَخَوْفًا مِنَ اللَّهِ وَتَوْبَةً نَصُوحًا سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ، وَحَقُّ الأَْوْلِيَاءِ بِالاِسْتِيفَاءِ أَوِ الصُّلْحِ أَوِ الْعَفْوِ عَنْهُ، وَبَقِيَ حَقُّ الْمَقْتُول يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ وَيُصْلِحُ بَيْنَ الْقَاتِل التَّائِبِ وَبَيْنَ الْمَقْتُول.
_________
(١) تُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ ٨ / ٣٧٥.
وَقَال الْمِرْدَاوِيُّ تَعْقِيبًا عَلَى ذَلِكَ: وَهُوَ الصَّوَابُ (١) .
وَخَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ﵃ الْجُمْهُورَ فِي قَبُول تَوْبَةِ الْقَاتِل، فَذَهَبَا إِلَى أَنَّ تَوْبَةَ الْقَاتِل عَمْدًا ظُلْمًا لاَ تُقْبَل؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (٢)﴾، فَقَدْ سُئِل ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: هَل لِمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَال: لاَ إِلاَّ النَّارَ، فَقَرَأَ الآْيَةَ السَّابِقَةَ وَهِيَ آخِرُ مَا نَزَل فِي هَذَا الشَّأْنِ وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ، وَلأَِنَّ لَفْظَ الآْيَةِ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَالأَْخْبَارُ لاَ يَدْخُلُهَا نَسْخٌ وَلاَ تَغْيِيرٌ؛ لأَِنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَكُونُ إِلاَّ صِدْقًا (٣) .
_________
(١) كَشَّافُ الْقِنَاعِ ٥ / ٥٠٤، ٦ / ١٧٨، وَالإِْنْصَافُ ١٠ / ٣٣٥.
(٢) سُورَةُ النِّسَاءِ آيَةُ: ٩٣
(٣) تَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ ٥ / ٣٣٢ وَمَا بَعْدَهَا، وَالزَّوَاجِرُ عَنِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ ٢ / ٧١، وَالْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ ٧ / ٦٣٦، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٥ / ٥٠٤، وَالإِْنْصَافُ ١٠ / ٣٣٥.
نِفْطٌ
التَّعْرِيفُ:
ا - النِّفْطُ لُغَةً - بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ -: الدُّهْنُ، وَقَال ابْنُ سِيدَهْ: هُوَ الَّذِي تُطْلَى بِهِ الإِْبِل لِلْجَرَبِ وَالدَّبَرِ وَالْقِرْدَانِ، وَهُوَ دُونَ الْكُحَيْل (١) .
وَالنِّفْطُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ أَحَدُ الأَْجْزَاءِ الْمُسْتَقِرَّةِ الَّتِي رَكَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الأَْرْضِ يَوْمَ خَلَقَهَا، وَهُوَ دُهْنٌ يَعْلُو الْمَاءَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الأَْرْضِ أَوْ فِي خَارِجِهَا (٢) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنِّفْطِ:
أ - زَكَاةُ النِّفْطِ:
٢ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي مَعْدِنِ النِّفْطِ.
فَقَدْ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَأَمَّا
_________
(١) لِسَانُ الْعَرَبِ.
(٢) حَاشِيَةُ ابْنِ عَابِدِينَ ٢ / ٤٤، ٥٣، وَتَبْيِينُ الْحَقَائِقِ ١ / ٢٩٦، وَالْعِنَايَةُ بِهَامِشِ فَتْحِ الْقَدِيرِ ٢ / ١٣، وَحَاشِيَةُ الْجَمَل ٣ / ٥٧٢.
(الْمَعْدِنُ) الْمَائِعُ كَالْقِيرِ وَالنِّفْطِ وَالْمِلْحِ. . . . فَلاَ شَيْءَ فِيهَا (١) .
وَقَال الدَّرْدِيرُ: إِنَّمَا يُزَكَّى مَعْدِنُ عَيْنٍ (ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ) لاَ غَيْرُهُمَا مِنَ الْمَعَادِنِ كَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ (٢)، وَقَال الدُّسُوقِيُّ مُعَلِّقًا عَلَى عِبَارَةِ الدَّرْدِيرِ: أَدْخَل بِالْكَافِ الرَّصَاصَ وَالْقَزْدِيرَ وَالْكُحْل وَالْعَقِيقَ وَالْيَاقُوتَ وَالزُّمُرُّدَ وَالزِّئْبَقَ وَالزِّرْنِيخَ وَالْمَغْرَةَ وَالْكِبْرِيتَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَعَادِنَ كُلَّهَا لاَ زَكَاةَ فِيهَا (٣) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَخْرَجَ مِنَ الْمَعْدِنِ إِذَا كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنَ الْجَوَاهِرِ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْفَيْرُوزِ وَالْبَلُّورِ وَالْمَرْجَانِ وَالْعَقِيقِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْكُحْل وَغَيْرِهَا فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا، هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ، وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الأَْصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا (٤) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ شَاذٍّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ - وَهُوَ مُفَادُ قَوْلَيْنِ نَقَلَهُمَا الْقَيْصَرِيُّ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمِ - إِلَى أَنَّ
_________
(١) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ ١ / ١٨٥، وَانْظُرْ حَاشِيَةَ ابْنِ عَابِدِينَ ٢ / ٥٣.
(٢) الشَّرْحُ الْكَبِيرُ ١ / ٤٨٦.
(٣) حَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ ١ / ٤٨٦، وَانْظُرْ شَرْحَ الزُّرْقَانِيِّ ٢ / ١٦٩.
(٤) الْمَجْمُوعُ ٦ / ٧٧.
وُجُوبَ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّقُ بِالنِّفْطِ وَبِكُل مَا خَرَجَ مِنَ الأَْرْضِ مِمَّا يُخْلَقُ فِيهَا مِنْ غَيْرِهَا مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ، وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَْرْضِ (١)﴾ وَلأَِنَّهُ مَعْدِنٌ فَتَعَلَّقَتِ الزَّكَاةُ بِالْخَارِجِ مِنْهُ كَالأَْثْمَانِ، وَلأَِنَّهُ مَالٌ لَوْ غَنِمَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ خُمْسُهُ، فَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ مَعْدِنٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالذَّهَبِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ قَدْرَ الْوَاجِبِ فِيهِ رُبْعُ الْعُشْرِ، وَصِفَتُهُ أَنَّهُ زَكَاةٌ (٢) .
وَقَال بَعْضُ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ: يَجِبُ الْخَرَاجُ فِي نَفْسِ عَيْنِ الْقِيرِ وَالنِّفْطِ إِذَا كَانَتْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ (٣) .
(ر: مَعْدِنٌ ف ٦) .
ب - تَمَلُّكُ مَعْدِنِ النِّفْطِ بِالإِْحْيَاءِ وَالإِْقْطَاعِ:
٣ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَعَادِنَ النِّفْطِ وَالْقِيرِ وَالْمِلْحِ وَالْمَاءِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ لاَ تُمْلَكُ بِالإِْحْيَاءِ، وَلاَ يَجُوزُ إِقْطَاعُهَا لأَِحَدٍ مِنَ النَّاسِ (٤)، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ
_________
(١) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / ٢٦٧
(٢) الْمُغْنِي ٣ / ٢٤، وَحَاشِيَةُ ابْنِ عَابِدِينَ ٢ / ٥٣، وَالْمَجْمُوعُ ٦ / ٧٧.
(٣) حَاشِيَةُ ابْنِ عَابِدِينَ ٢ / ٥٣، وَانْظُرْ تَبْيِينَ الْحَقَائِقِ ١ / ٢٩٦.
(٤) حَاشِيَةُ الطَّحْطَاوِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ ٤ / ٢١٤، ٢١٥، وحَاشِيَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ ٣ / ٢٧٨ - ٢٧٩، وَشَرْحُ الْمَحَلِّيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ ٣ / ٩٤ - ٩٥، وَالْمُغْنِي ٥ / ٥٧١ - ٥٧٢.
أَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ وَفَدَ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ فَقَطَعَ لَهُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَال رَجُلٌ مِنَ الْمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعَذْبَ، قَال: فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ (١) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ حُكْمَ الْمَعْدِنِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَعْدِنَ عَيْنٍ (الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) أَوْ غَيْرَهُمَا كَالْقَصْدِيرِ وَالْعَقِيقِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمَغْرَةِ وَالْكِبْرِيتِ لِلإِْمَامِ أَوْ نَائِبِهِ يَقْطَعُهُ لِمَنْ شَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَال لِمَنَافِعِهِمْ لاَ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ وُجِدَ بِأَرْضِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَلاَ يَخْتَصُّ بِهِ رَبُّ الأَْرْضِ، إِلاَّ أَرْضَ الصُّلْحِ إِذَا وُجِدَ بِهَا مَعْدِنٌ فَلَهُمْ وَلاَ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهِ، فَإِنْ أَسْلَمُوا رَجَعَ الأَْمْرُ لِلإِْمَامِ وَهُوَ الرَّاجِحُ.
وَإِذَا أَقْطَعَ الإِْمَامُ الْمَعْدِنَ لِشَخْصٍ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لِبَيْتِ الْمَال، فَلاَ يَأْخُذُ الإِْمَامُ عَنْهُ إِلاَّ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ. قَال الْبَاجِيُّ: وَإِذَا أَقْطَعَهُ فَإِنَّمَا يَقْطَعُهُ انْتِفَاعًا لاَ تَمْلِيكًا، وَلاَ يَجُوزُ لِمَنْ أَقْطَعَهُ لَهُ الإِْمَامُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَلاَ يُورَثُ عَمَّنْ أَقْطَعَهُ لَهُ؛ لأَِنَّ مَا لاَ يُمْلَكُ لاَ يُورَثُ (٢) .
_________
(١) حَدِيثُ: أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (٣ / ٤٤٦ ط حِمْصَ) وَالتِّرْمِذِيُّ (٣ / ٦٥٥ ط الْحَلَبِيِّ) وَقَال: حَدِيثُ أَبْيَضَ غَرِيبٌ.
(٢) الشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَحَاشِيَةُ الصَّاوِي عَلَيْهِ ١ / ٦٥٠ - ٦٥١، وَحَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ ١ / ٤٨٦ - ٤٨٧، وَانْظُرْ عَقْدَ الْجَوَاهِرِ الثَّمِينَةِ ٣ / ٢٤.
نَفَقَةٌ
التَّعْرِيفُ:
ا - النَّفَقَةُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ مِنَ الْمَصْدَرِ نَفَقَ، يُقَال: نَفَقَتِ الدَّرَاهِمُ نَفَقًا: نَفِدَتْ، وَجَمْعُ النَّفَقَةِ نِفَاقٌ مِثْل رَقَبَةٍ وَرِقَابٍ، وَتُجْمَعُ عَلَى نَفَقَاتٍ وَيُقَال: نَفَقَ الشَّيْءُ نَفَقًا فَنِيَ، وَأَنْفَقْتُهُ: أَفْنَيْتُهُ، وَنَفَقَتِ السِّلْعَةُ وَالْمَرْأَةُ نِفَاقًا: كَثُرَ طُلاَّبُهَا وَخُطَّابُهَا (١) .
وَالنَّفَقَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا بِهِ قَوَّامٌ مُعْتَادٌ حَال الآْدَمِيِّ دُونَ سَرَفٍ (٢) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْعَطَاءُ:
٢ - الْعَطَاءُ لُغَةً: الْمُنَاوَلَةُ وَمَا يُعْطَى، وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ الإِْعْطَاءِ، وَجَمْعُهُ أَعْطِيَةٌ (٣) .
_________
(١) الْمِصْبَاحُ الْمُنِيرُ.
(٢) حَاشِيَةُ الصَّاوِي عَلَى الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ٢ / ٧٢٩ دَارُ الْمَعَارِفِ.
(٣) الْقَامُوسُ الْمُحِيطُ، وَالْمِصْبَاحُ الْمُنِيرُ.
وَاصْطِلاَحًا: اسْمٌ لِمَا يَفْرِضُهُ الإِْمَامُ فِي بَيْتِ الْمَال لِلْمُسْتَحِقِّينَ (١) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْعَطَاءِ وَالنَّفَقَةِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَكُونُ بِفَرْضِ الشَّرْعِ، وَالْعَطَاءَ يَكُونُ بِفَرْضِ الإِْمَامِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
٣ - النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ لأَِصْنَافٍ بَيَّنَهَا الْفُقَهَاءُ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَصْرِهَا وَفِي شُرُوطِ اسْتِحْقَاقِ كُلٍّ مِنْهُمْ لَهَا عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي.
أَسْبَابُ النَّفَقَةِ:
تَجِبُ النَّفَقَةُ بِأَحَدِ أَسْبَابٍ ثَلاَثَةٍ هِيَ: النِّكَاحُ، وَالْقَرَابَةُ، وَالْمِلْكُ.
أَوَّلًا: النِّكَاحُ:
وَيَشْتَمِل عَلَى الْمَسَائِل الآْتِيَةِ:
حُكْمُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ:
٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا بِالشُّرُوطِ الَّتِي بَيَّنُوهَا (٢) .
_________
(١) حَاشِيَةُ ابْنِ عَابِدِينَ ٥ / ٤١١.
(٢) الْهِدَايَةُ بِأَعْلَى فَتْحِ الْقَدِيرِ ٣ / ٣٢١ ط التِّجَارِيَّةِ، وَحَاشِيَةُ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ ٣ / ٥٧٢، وَمَوَاهِبُ الْجَلِيل وَالتَّاجُ وَالإِْكْلِيل ٤ / ١٨١ - ١٨٢، وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ ١٥ / ٥٢٤ وَمَا بَعْدَهَا، وَالإِْنْصَافُ ٩ / ٣٧٦.