الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤١
النَّافِخُ أَمْ عَالِمًا؛ لأَِنَّهُ لاَ يُسَمَّى كَلاَمًا فِي اللُّغَةِ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي الْكَلاَمِ، وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ: " إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ " (١)، وَلأَِنَّهُ لاَ يَبِينُ مِنَ النَّفْخِ حَرْفٌ مُحَقَّقٌ فَأَشْبَهَ الصَّوْتَ الْغُفْل (٢) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُكْرَهُ النَّفْخُ فِي الصَّلاَةِ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ حَرْفَانِ، فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ حَرْفَانِ بَطَلَتِ الصَّلاَةُ (٣) .
ج - نَفْخُ الرُّوحِ:
٦ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْجَنِينَ مُنْذُ نُفِخَ الرُّوحُ فِيهِ يُعْتَبَرُ إِنْسَانًا يُحْفَظُ لَهُ حَقُّهُ فِي الإِْرْثِ إِنْ تُوُفِّيَ مُوَرِّثُهُ، وَتَجِبُ الْغُرَّةُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَسْتَهِل صَارِخًا بَعْدَ نُزُولِهِ، وَيَحْرُمُ إِجْهَاضُ أُمِّهِ؛ لأَِنَّهُ يَكُونُ جِنَايَةً عَلَيْهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْحْكَامِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي (ذِمَّة ف ٦، وَغُرَّة ف ٦، وَإِجْهَاض ف ٣ وَمَا بَعْدَهَا، وَإِرْث ف ١٠٩) .
د - النَّفْخُ فِي الصُّورِ:
٧ - ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ إِلَى أَنَّ النَّفْخَ فِي الصُّورِ مِمَّا
_________
(١) حَدِيثُ: " إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (١ / ٣٨١ - ٣٨٢ ط الْحَلَبِيِّ) مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ.
(٢) مُغْنِي الْمُحْتَاجِ ١ / ١٩٥، وَتُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ ٢ / ١٤٠، وَالْمَجْمُوعُ ٤ / ٨٩.
(٣) كَشَّافُ الْقِنَاعِ ١ / ٤٠١، وَالإِْنْصَافُ ٢ / ١٣٨.
يَجِبُ الإِْيمَانُ بِهِ؛ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ (١) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَْرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ (٢)، وَقَوْلِهِ جَل جَلاَلُهُ: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَْرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ (٣) . وَقَوْلِهِ ﷿: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَْجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ (٤) .
وَالتَّفْصِيل فِي عِلْمِ الْعَقِيدَةِ.
هـ - النَّفْخُ فِي آلاَتِ اللَّهْوِ:
٨ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ النَّفْخِ فِي آلاَتِ اللَّهْوِ فَأَجَازَهَا بَعْضُهُمْ فِي أَحْوَالٍ خَاصَّةٍ وَمَنَعَهَا آخَرُونَ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مَعَازِف ف ١١) .
_________
(١) لَوَامِعُ الأَْنْوَارِ الْبَهِيَّةِ وَسَوَاطِعُ الأَْسْرَارِ الأَْثَرِيَّةِ ٢ / ١٦١.
(٢) سُورَةُ النَّمْل آيَةُ: ٨٧
(٣) سُورَةُ الزُّمَرِ آيَةُ: ٦٨
(٤) سُورَةُ يس آيَةُ: ٥١
نَفْرٌ
التَّعْرِيفُ:
ا - النَّفْرُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ نَفَرَ، وَيَأْتِي بِمَعَانٍ، يُقَال: نَفَرَ نَفْرًا: هَجَرَ وَطَنَهُ وَضَرَبَ فِي الأَْرْضِ، وَيُقَال: نَفَرَ الْحَاجُّ مِنْ مِنًى: دَفَعُوا إِلَى مَكَّةَ، وَنَفَرَ النَّاسُ إِلَى الْعَدُوِّ: أَسْرَعُوا فِي الْخُرُوجِ لِقِتَالِهِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (١) .
:
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّفْرِ نَفْرُ الْحَاجِّ:
٢ - لِلْحَاجِّ نَفْرَانِ يَنْفِرُ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّل فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾ (٢) .
النَّفْرُ الأَْوَّل:
٣ - وَهُوَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
_________
(١) الْمُعْجَمُ الْوَسِيطُ، وَالْمِصْبَاحُ الْمُنِيرُ، وَالْمُفْرَدَاتُ فِي غَرِيبِ الْقُرْآنِ.
(٢) سُورَةُ الْبَقَرَةِ آيَةُ: ٢٠٣.
ثَالِثُ أَيَّامِ النَّحْرِ، أَيِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيُسَمَّى يَوْمَ النَّفْرِ الأَْوَّل.
وَذَلِكَ إِذَا رَمَى الْحَاجُّ الْجِمَارَ الثَّلاَثَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ أَيْ يَرْحَل إِلَى مَكَّةَ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَتَهُ.
وَيُشْتَرَطُ لِذَلِكَ أَنْ يُجَاوِزَ الْحَاجُّ مِنًى قَبْل غُرُوبِ الشَّمْسِ، عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يُجَاوِزَ حُدُودَ مِنًى قَبْل فَجْرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
فَإِنْ لَمْ يَخْرُجِ الْحَاجُّ مِنْ مِنًى إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُبَيَّنِ لِكُل مَذْهَبٍ فَلْيَمْكُثْ وَلْيَبِتْ بِمِنًى، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ رَمْيُ الْجِمَارِ الثَّلاَثِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمَبِيتُ بِمِنًى هَذِهِ اللَّيْلَةَ، عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْمَبِيتِ بِمِنًى (١) . (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: رَمْيٌ ف ٣ وَمَا بَعْدَهَا) .
النَّفْرُ الثَّانِي:
٤ - وَهُوَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ،
_________
(١) الْقَامُوسُ الْمُحِيطُ لِلْفَيْرُوزَآبَادِي، وَمُخْتَارُ الصِّحَاحِ لِلرَّازِيِّ، وَالْمِصْبَاحُ الْمُنِيرُ، وَشَرْحُ الرِّسَالَةِ ١ / ٤٨٢، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ ١ / ٥٠٦، وَالْمُغْنِي ٣ / ٤٥٤، وَالْمَسْلَكُ الْمُتَقَسِّطُ " شَرْحُ اللُّبَابِ " ص ١٦٣.
بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلاَثِ، وَيُسَمَّى " يَوْمَ النَّفْرِ الثَّانِي " (ر: مُصْطَلَحَ: رَمْيٌ ف ٣ وَمَا بَعْدَهَا وَحَجٌّ ف ٤٦) .
وَبَعْدَ هَذَا الرَّمْيِ تَنْتَهِي مَنَاسِكُ مِنًى، وَيَرْحَل الْحُجَّاجُ جَمِيعُهُمْ إِلَى مَكَّةَ، وَلاَ يُشْرَعُ الْمُكْثُ بِمِنًى بَعْدَ رَمْيِ هَذَا الْيَوْمِ.
وَيُسْتَحَبُّ فِي النَّفْرِ إِلَى مَكَّةَ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الأَْذْكَارِ لِلْمُسَافِرِينَ مِنَ التَّكْبِيرِ، وَالتَّهْلِيل، وَالتَّمْجِيدِ، وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَالدُّعَاءِ (١) .
وَإِذَا وَصَل " الْمُحَصَّبَ " يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِل فِيهِ وَيُصَلِّيَ، ر: مُصْطَلَحَ (حَجٌّ ف ١٠٧) .
النَّفْرُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ:
٥ - وَرَدَ النَّفْرُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي الْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُل فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (٢)﴾، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيل اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (٣) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ: هَذِهِ الآْيَةُ (يَعْنِي الآْيَةَ
_________
(١) الْمَرَاجِعُ السَّابِقَةُ.
(٢) سُورَةُ التَّوْبَةِ آيَةُ: ١٢٢
(٣) سُورَةُ التَّوْبَةِ آيَةُ: ٤١
الأُْولَى) أَصْلٌ فِي وُجُوبِ طَلَبِ الْعِلْمِ، وَقَوْل مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ يَقْتَضِي نَدْبَ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْحَثَّ عَلَيْهِ، دُونَ الْوُجُوبِ وَالإِْلْزَامِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ طَلَبُ الْعِلْمِ بِأَدِلَّتِهِ (١) .
ر: مُصْطَلَحَ: (طَلَبُ الْعِلْمِ ف ٦ وَجِهَادٌ ف ٧) .
_________
(١) تَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ ٨ / ٢٩٣ - ٢٩٥.
نَفْسٌ
التَّعْرِيفُ:
ا - مِنْ مَعَانِي النَّفْسِ فِي اللُّغَةِ: الرُّوحُ، يُقَال: خَرَجَتْ نَفْسُهُ أَيْ رُوحُهُ. وَالدَّمُ، يُقَال: مَا لاَ نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً أَيْ لاَ دَمَ، وَذَاتُ الشَّيْءِ وَعَيْنُهُ، يُقَال: جَاءَ هُوَ نَفْسُهُ أَوْ بِنَفْسِهِ، وَالْعَيْنُ، يُقَال: نَفَسْتُهُ بِنَفْسٍ أَيْ أَصَبْتُهُ بِعَيْنٍ.
وَالنَّفَسُ بِفَتْحَتَيْنِ: نَسِيمُ الْهَوَاءِ، وَالْجَمْعُ أَنْفَاسٌ، وَالنَّفَسُ: الرِّيحُ الدَّاخِل وَالْخَارِجُ فِي الْبَدَنِ مِنَ الْفَمِ وَالأَْنْفِ (١) .
وَقَال الْجُرْجَانِيُّ: النَّفْسُ مِنَ الْجَوْهَرِ الْبُخَارِيِّ اللَّطِيفِ الْحَامِل لِقُوَّةِ الْحَيَاةِ وَالْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ الإِْرَادِيَّةِ، وَسَمَّاهَا الْحَكِيمُ: الرُّوحَ الْحَيَوَانِيَّةَ، فَهُوَ جَوْهَرٌ مُشْرِقٌ لِلْبَدَنِ، فَعِنْدَ الْمَوْتِ يَنْقَطِعُ ضَوْؤُهُ عَنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَبَاطِنِهِ، وَأَمَّا فِي وَقْتِ النَّوْمِ فَيَنْقَطِعُ عَنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ دُونَ بَاطِنِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ النَّوْمَ وَالْمَوْتَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ لأَِنَّ الْمَوْتَ هُوَ الاِنْقِطَاعُ الْكُلِّيُّ،
_________
(١) الْمِصْبَاحُ الْمُنِيرُ، وَالْمُعْجَمُ الْوَسِيطُ، وَالْقَامُوسُ الْمُحِيطُ، وَالْمُفْرَدَاتُ فِي غَرِيبِ الْقُرْآنِ لِلأَْصْفَهَانِيِّ.
وَالنَّوْمَ هُوَ الاِنْقِطَاعُ النَّاقِصُ، فَثَبَتَ أَنَّ الْقَادِرَ الْحَكِيمَ دَبَّرَ تَعَلُّقَ جَوَاهِرِ النَّفْسِ بِالْبَدَنِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ.
الأَْوَّل: إِنْ بَلَغَ ضَوْءُ النَّفْسِ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ فَهُوَ الْيَقَظَةُ.
الثَّانِي: إِنِ انْقَطَعَ ضَوْؤُهَا عَنْ ظَاهِرِهِ دُونَ بَاطِنِهِ فَهُوَ النَّوْمُ.
الثَّالِثُ: إِنِ انْقَطَعَ ضَوْءُ النَّفْسِ عَنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَبَاطِنِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ الْمَوْتُ (١) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ مَعَانِيهِ اللُّغَوِيَّةِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّفْسِ:
تَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - النَّفْسُ بِمَعْنَى الدَّمِ:
٢ - الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّفْسِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ كَوْنِ الشَّيْءِ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ أَوْ لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ.
فَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُعْفَى فِي بَابِ النَّجَاسَةِ عَمَّا لاَ نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ أَيْ مَا لاَ دَمَ لَهُ سَائِلٌ كَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ وَغَيْرِهِمَا (٢) .
_________
(١) التَّعْرِيفَاتُ لِلْجُرْجَانِيِّ.
(٢) حَاشِيَةُ ابْنِ عَابِدِينَ ١ / ٢١٢، وَالْقَوَانِينُ الْفِقْهِيَّةُ ص ٣٨، وَكِفَايَةُ الأَْخْيَارِ ١ / ٦٧ - ٧٩، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ ١ / ١٤، وَالْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ ١ / ٤٤ - ٤٥.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَجَاسَةٌ ف ١٠، وَعَفْوٌ ١١، وَأَطْعِمَةٌ ف ٥١ - ٥٧) .
ب - النَّفْسُ بِمَعْنَى الرُّوحِ:
تَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ - بِمَعْنَى الرَّوْحِ - أَحْكَامٌ:
أَوَّلًا: قَتْل النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ:
٣ - قَتْل النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ يَنْقَسِمُ إِلَى قَتْل عَمْدٍ، وَشِبْهِ عَمْدٍ، وَخَطَأٍ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ وَبِسَبَبٍ، وَلِكُل نَوْعٍ أَحْكَامٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِهِ.
ثَانِيًا: الدِّفَاعُ عَنِ النَّفْسِ:
٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الدِّفَاعَ عَنِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ وَحِمَايَتَهَا مِنَ الصِّيَال أَمْرٌ مَشْرُوعٌ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ دَفْعِ الصَّائِل.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِل عَلَى النَّفْسِ.
وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الأَْحْوَال الَّتِي يَجِبُ فِيهَا دَفْعُ الصَّائِل عَلَى النَّفْسِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (صِيَالٌ، فِقْرَةُ ٥، ٩) .
ثَالِثًا: قَاتِل نَفْسِهِ:
٥ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ قَاتِل نَفْسِهِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهَذَا الذَّنْبِ الْعَظِيمِ
عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى (١)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ ﴿وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ (٢)، وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: " مَنْ قَتَل نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَل نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَل نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا " (٣) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (انْتِحَارٌ ف ٨، وَجَنَائِزُ ف ٤٠) .
رَابِعًا: تَوْبَةُ قَاتِل النَّفْسِ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ:
٦ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول تَوْبَةِ قَاتِل النَّفْسِ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ.
_________
(١) الْكَبَائِرُ لِلذَّهَبِيِّ ص ٩٦، وَالزَّوَاجِرُ عَنِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ لاِبْنِ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيِّ ٢ / ٧٥، وَتَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ ٢ / ١٥٦ - ١٥٧، وَالْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ ٢ / ٥٥٦ - ٥٥٩.
(٢) سُورَةُ النِّسَاءِ آيَةُ: ٢٩، ٣٠
(٣) حَدِيثُ: " مَنْ قَتَل نَفْسَهُ. . . ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (فَتْحُ الْبَارِي ١٠ / ٢٤٧ ط السَّلَفِيَّةِ) وَمُسْلِمٌ (١ / ١٠٣ - ١٠٤ ط الْحَلَبِيِّ) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.