الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤١ الصفحة 13

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤١

وَفِي قَوْلٍ آخَرَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَيْضًا يُتْرَكُ أَمْرُ ذَلِكَ إِلَى الْقَاضِي حَسَبَ مَا يَظْهَرُ لَهُ.

فَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ مِنَ السَّفَرِ الْكَيْدَ لِلُزُوجَةِ وَالإِْضْرَارَ بِهَا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا فِي هَذَا السَّفَرِ فَلاَ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالسَّفَرِ مَعَهُ، فَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنَ السَّفَرِ مَعَهُ كَانَ امْتِنَاعُهَا بِحَقٍّ وَلاَ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا.

وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ لَيْسَ فِيهِ إِضْرَارٌ بِالزَّوْجَةِ وَإِنَّمَا كَانَ لِغَرَضٍ مِنَ الأَْغْرَاضِ كَالتِّجَارَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا أَجَابَهُ الْقَاضِي إِلَى طَلَبِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَتْ كَانَ امْتِنَاعُهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَسَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي مُدَّةِ الاِمْتِنَاعِ (١) .

نَفَقَةُ زَوْجَةِ الصَّغِيرِ:

٤٤ - إِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ كَبِيرَةً - أَيْ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا - وَالزَّوْجُ صَغِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الاِسْتِمْتَاعَ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَسَلَّمَتِ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا لَهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا الصَّغِيرِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (٢) وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (٣) وَبِهِ

_________

(١) العناية شرح الهداية ٢ / ٤٧٤، ورد المحتار ٢ / ٣٦٠، ٣٦١.

(٢) الفتاوى الهندية ١ / ٥٤٦، والهداية مع فتح القدير ٤ / ١٩٨.

(٣) مغني المحتاج ٣ / ٤٣٨، ونهاية المحتاج ٧ / ٢٠٨ ط مصطفى البابي الحلبي - مصر.

قَال الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي مُقَابِل الْمَشْهُورِ إِذَا كَانَ مَدْخُولًا بِهَا عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي التَّوْضِيحِ (١) .

وَاسْتَدَل هَؤُلاَءِ بِأَنَّهَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا تَسْلِيمًا صَحِيحًا فَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ، كَمَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ كَبِيرًا (٢) .

وَبِأَنَّ الاِسْتِمْتَاعَ بِهَا مُمْكِنٌ وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الْوَطْءُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ لِمَرَضِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ.

وَلأَِنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ وَالْمَانِعُ مِنْ جِهَتِهِ فَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ (٣) .

الْقَوْل الثَّانِي: لاَ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِهَا الصَّغِيرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَلَوْ دَخَل بِهَا وَافْتَضَّهَا (٤) وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (٥) .

لأَِنَّهُ لاَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا لِسَبَبٍ هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ فَلاَ يَلْزَمُهُ غُرْمُ نَفَقَتِهَا.

_________

(١) المغني ٩ / ٢٨٣ - ٢٨٤، والدسوقي ٢ / ٥٠٨ والخرشي ٤ / ١٨٤.

(٢) المغني ٩ / ٢٨٤.

(٣) مغني المحتاج ٣ / ٤٢٨.

(٤) حاشية الدسوقي ٢ / ٥٠٨، والخرشي ٤ / ١٨٤.

(٥) مغني المحتاج ٣ / ٤٣٨، ونهاية المحتاج ٧ / ٢٠٨.

نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ مُدَّةَ حَبْسِ الزَّوْجِ فِي دَيْنِ نَفَقَتِهَا:

٤٥ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ إِنْ حَبَسَتْ زَوْجَهَا فِي سَدَادِ مَا عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى تَأْدِيَتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: لَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ حَبْسِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (١) وَالْمَالِكِيَّةُ (٢)، وَالْحَنَابِلَةُ (٣) لأَِنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لاَ مِنْهَا.

الْقَوْل الثَّانِي: لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ حَبْسِهِ وَلَوْ بِحَقٍّ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ (٤) .

لأَِنَّ التَّمْكِينَ الْمُوجِبَ لِلنَّفَقَةِ قَدِ انْتَفَى بِسَبَبِ سَجْنِهِ فَلاَ تَجِبُ مَعَهُ النَّفَقَةُ.

وَهُوَ أَيْضًا قَوْل الْحَنَابِلَةِ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا لأَِنَّهَا ظَالِمَةٌ مَانِعَةٌ لَهُ مِنَ التَّمْكِينِ مِنْهَا (٥) .

طَلَبُ التَّفْرِيقِ بِسَبَبِ عَدَمِ الإِْنْفَاقِ:

أ - إِذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا:

٤٦ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا

_________

(١) بدائع الصناع ٤ / ٢٩، وحاشية ابن عابدين ٥ / ٣٩٠.

(٢) حاشية الدسوقي ٢ / ٥١٧، وجواهر الإكليل ١ / ٤٠٤.

(٣) المغني ٩ / ٢٨٤.

(٤) نهاية المحتاج ٧ / ٢٠٥.

(٥) مطالب أولي النهى ٥ / ٦٣٤.

كَانَ حَاضِرًا مُوسِرًا وَلَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَسْتَوْفِيَ حَقَّهَا مِنْهُ وَلَيْسَ لَهَا حَقُّ طَلَبِ التَّفْرِيقِ (١) .

كَمَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ وَرَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ فَلَهَا أَنْ تَبْقَى مَعَهُ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ وَلَمْ تَرْضَ زَوْجَتُهُ بِالْبَقَاءِ مَعَهُ فِي حَقِّهَا فِي طَلَبِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: لَيْسَ لَهَا طَلَبُ التَّفْرِيقِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ التَّكَسُّبِ كَيْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا، وَبِهَذَا قَال ابْنُ شُبْرُمَةَ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَعَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرُهُمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (٢) .

مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمُومِ قَوْل اللَّهِ ﷿: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (٣)﴾، مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِإِنْظَارِ الْمُعْسِرِ إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ يَسَارُهُ فَتَدْخُل الزَّوْجَةُ فِي عُمُومِ هَذِهِ الآْيَةِ،

_________

(١) البدائع ٤ / ٢٧، وشرح الخرشي ٤ / ١٩٦، ومغني المحتاج ٣ / ٤٤٢، والمغني ٩ / ٢٤٣.

(٢) الدر المختار ٢ / ٦٥٦، ومغني المحتاج ٣ / ٤٤٢، والإنصاف ٩ / ٣٨٣.

(٣) سورة البقرة / ٢٨٠

وَتَكُونُ مَأْمُورَةً بِإِنْظَارِ الزَّوْجِ، وَلاَ يَحِقُّ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالطَّلاَقِ (١) .

وَإِلَى مَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ قَال: " دَخَل أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ، لَمْ يُؤْذَنْ لأَِحَدٍ مِنْهُمْ. قَال: فَأَذِنَ لأَِبِي بَكْرٍ فَدَخَل، ثُمَّ أَقْبَل عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَوَجَدَ النَّبِيَّ ﷺ جَالِسًا، حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِمًا سَاكِتًا. قَال فَقَال: لأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ ﷺ. فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا. فَضَحِكَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَقَال: " هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ "، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، كِلاَهُمَا يَقُول: تَسْأَلْنَ رَسُول اللَّهِ ﷺ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَقُلْنَ: وَاللَّهِ لاَ نَسْأَل رَسُول اللَّهِ ﷺ شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآْيَةُ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَِزْوَاجِكَ﴾، حَتَّى بَلَغَ ﴿لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ . قَال: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَال. " يَا عَائِشَةُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لاَ تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ " قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُول اللَّهِ؟ ! ! فَتَلاَ عَلَيْهَا الآْيَةَ قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُول اللَّهِ! أَسْتَشِيرُ أَبَوِيَّ؟ بَل أَخْتَارُ اللَّهَ

_________

(١) فتح القدير ٣ / ٣٣٠، ونهاية المحتاج ٧ / ٢١٢.

وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآْخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ لاَ تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ. قَال: " لاَ تَسْأَلْنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلاَّ أَخْبَرْتُهَا. إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلاَ مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا " (١) . فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُل عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْأَل زَوْجَهَا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَلاَ يَكُونُ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالطَّلاَقِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى.

وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَلاَ يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِعَجْزِهِ، قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ فَسْخِهِ بِالدَّيْنِ (٢)، وَعَلَى الإِْعْسَارِ بِالصَّدَاقِ بَعْدَ الدُّخُول (٣) .

الْقَوْل الثَّانِي: لِلْمَرْأَةِ حَقُّ طَلَبِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا لِعَجْزِهِ عَنِ الإِْنْفَاقِ، فَإِنِ امْتَنَعَ فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (٤) وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (٥) وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (٦)، وَهَذَا

_________

(١) حديث: " دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله ﷺ. . . " أخرجه مسلم (٢ / ١١٠٤ - ١١٠٥ ط عيسى الحلبي) .

(٢) المغني ٩ / ٢٤٣.

(٣) روضة الطالبين ٩ / ٧٢، ونهاية المحتاج ٧ / ٢١٢.

(٤) مواهب الجليل ٤ / ١٩٦، وشرح الخرشي ٤ / ١٩٦.

(٥) نهاية المحتاج ٧ / ٢١٢.

(٦) المغني ٩ / ٢٤٣، والإنصاف ٩ / ٣٨٤.

التَّفْرِيقُ فَسْخٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَطَلاَقٌ رَجْعِيٌّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ ﵃، وَبِهِ قَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ (١) .

مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ ﷿: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (٢)﴾ فَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِإِمْسَاكِ الزَّوْجَةِ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ التَّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ، وَعَدَمُ إِنْفَاقِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا تَفْوِيتٌ لِلإِْمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، فَيَتَعَيَّنُ الثَّانِي وَهُوَ التَّسْرِيحُ بِالإِْحْسَانِ (٣) .

وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ ﵁ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَْجْنَادِ فِيمَنْ غَابَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ أَهْل الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى نِسَائِهِمْ إِمَّا أَنْ يُفَارِقُوا وَإِمَّا أَنْ يَبْعَثُوا بِالنَّفَقَةِ، فَمَنْ فَارَقَ مِنْهُمْ فَلْيَبْعَثْ بِنَفَقَةِ مَا تَرَكَ (٤) .

وَلِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا الزِّنَادِ سَأَلَهُ عَنِ الرَّجُل لاَ يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ، قَال: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، قَال أَبُو الزِّنَادِ: قُلْتُ: سَنَةً؟ فَقَال: سَنَةً (٥) .

_________

(١) المغني ٩ / ٢٤٣.

(٢) سورة البقرة / ٢٢٩

(٣) المغني ٩ / ٢٤٣، وكشاف القناع ٥ / ٤٧٦.

(٤) أثر: " أن عمر ﵁ كتب إلى أمراء الأجناد. . . " تقدم تخريجه ف ٢٨.

(٥) أثر: " سعيد بن المسيب أن أبا الزناد سأله. . . " أخرجه الشافعي في مسنده (٢ / ٦٥ بترتيب السندي) .

قَال الشَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنَّهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ ﷺ (١) .

وَلأَِنَّهُ إِذَا ثَبَتَ الْفَسْخُ بِالْعَجْزِ عَنِ الْوَطْءِ، وَالضَّرَرُ فِيهِ أَقَل، فَلأَنْ يَثْبُتَ بِالْعَجْزِ عَنِ النَّفَقَةِ الَّتِي لاَ يَقُومُ الْبَدَنُ إِلاَّ بِهَا أَوْلَى.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (طَلاَق ف ٨٢ - ٨٦) .

ب - إِذَا كَانَ الزَّوْجُ غَائِيًّا:

٤٧ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ طَلَبِ الْمَرْأَةِ التَّفْرِيقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الْغَائِبِ، إِذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا مَالًا لِتُنْفِقَ مِنْهُ وَلَمْ يُوَكِّل أَحَدًا بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا، عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَطْلُبَ التَّفْرِيقَ لِذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (٢) وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (٣) وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ لَمْ تَسْتَطِعِ الاِسْتِدَانَةَ عَلَيْهِ (٤) .

_________

(١) نهاية المحتاج ٧ / ٢١٢، وكشاف القناع ٥ / ٤٧٦.

(٢) بداية المجتهد ٢ / ٤٤، ومواهب الجليل ٤ / ١٩٦، وشرح الخرشي ٤ / ١٩٩.

(٣) روضة الطالبين ٩ / ٧٢، ومغني المحتاج ٣ / ٤٤٢.

(٤) المغني ٩ / ٢٤٣، وكشاف القناع ٥ / ٤٢٣، والمبدع ٨ / ٢٣٣، والإنصاف ٩ / ٣٩١.

وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لِذَلِكَ: أَنْ تَثْبُتَ الزَّوْجِيَّةُ، وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ قَدْ دَخَل بِهَا أَوْ دُعِيَ إِلَى الدُّخُول بِهَا، وَأَنْ تَكُونَ الْغَيْبَةُ بِحَيْثُ لاَ يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ، أَوْ عُلِمَ وَلَمْ يُمْكِنِ الإِْعْذَارُ إِلَيْهِ، وَأَنْ تَشْهَدَ لَهَا الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهَا لاَ تَعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً وَلاَ كُسْوَةً وَلاَ شَيْئًا مِنْ مُؤْنَتِهَا، وَلاَ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْهَا بِشَيْءٍ وَصَل إِلَيْهَا فِي عِلْمِهِمْ إِلَى هَذَا الْحِينِ.

ثُمَّ يَضْرِبُ الْقَاضِي لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَجَلًا حَسَبَ مَا يَرَاهُ: شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَقْدَمْ وَلَمْ يَبْعَثْ بِشَيْءٍ وَلاَ ظَهْرَ لَهُ مَالٌ وَدَعَتْ إِلَى النَّظَرِ لَهَا، فَإِنَّهَا تَحْلِفُ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ أَنَّهُ مَا رَجَعَ إِلَيْهَا زَوْجُهَا الْمَذْكُورُ مِنْ مَغِيبِهِ الثَّابِتِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إِلَى حِينِ حَلِفِهَا وَلاَ تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً وَلاَ كُسْوَةً وَلاَ وَضَعَتْ ذَلِكَ عَنْهُ وَلاَ وَصَل إِلَيْهَا شَيْءٌ مِنْهُ إِلَى الآْنَ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي حَلِفُهَا طَلَّقَهَا عَلَيْهِ، أَوْ أَبَاحَ لَهَا التَّطْلِيقَ (١) .

مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى: مَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَْجْنَادِ فِيمَنْ غَابَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ أَهْل الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى نِسَائِهِمْ، إِمَّا أَنْ يُفَارِقُوا وَإِمَّا أَنْ يَبْعَثُوا

_________

(١) مواهب الجليل ٤ / ١٩٦.

بِالنَّفَقَةِ، فَمَنْ فَارَقَ مِنْهُمْ فَلْيَبْعَثْ بِنَفَقَةِ مَا تَرَكَ (١) .

وَلأَِنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ أَوْ بِالاِسْتِدَانَةِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ بِالْفَسْخِ كَحَال الإِْعْسَارِ (٢) .

وَلأَِنَّ فِي عَدَمِ الإِْنْفَاقِ ضَرَرًا يُمْكِنُ إِزَالَتُهُ بِالْفَسْخِ فَكَانَ لَهَا حَقُّ طَلَبِهِ (٣) .

الْقَوْل الثَّانِي: لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْحَقُّ فِي طَلَبِ التَّفْرِيقِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ (٤) .

وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ (٥) وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (٦) وَبِهِ قَال بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ (٧) . لأَِنَّ الْفَسْخَ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِالإِْعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ إِعْسَارُ الزَّوْجِ لِغَيْبَتِهِ لِعَدَمِ تَبَيُّنِ حَالِهِ (٨) .

_________

(١) نهاية المحتاج ٧ / ٢١٢، والمغني ٩ / ٢٤٣ وأثر عمر تقدم تخريجه ف ٢٨.

(٢) كشاف القناع ٥ / ٤٢٣، والمبدع ٨ / ١٣٣.

(٣) كشاف القناع ٥ / ٤٢٣.

(٤) رد المحتار ٢ / ٦٥٦.

(٥) مواهب الجليل ٤ / ١٩٦، شرح الخرشي ٣ / ١٩٩.

(٦) نهاية المحتاج ٧ / ٨٢، ومغني المحتاج ٣ / ٤٤٢، وروضة الطالبين ٩ / ٧٢.

(٧) كشاف القناع ٥ / ٤٢٣، والمبدع ٨ / ١٣٣، والإنصاف ٩ / ٣٩١.

(٨) مواهب الجليل ٥ / ٤٢٣، ومغني المحتاج ٣ / ٤٤٢.