الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤١
لأَِنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي قَضَاءَ دَيْنٍ عَلَيْهِ وَهِيَ تُنْكِرُهُ، فَيَكُونُ الْقَوْل قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ لِقَوْلِهِ ﷺ: " الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ " (١)، وَلأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ الْقَبْضِ (٢) .
وَفَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: إِنْ كَانَتْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا فِي ذَلِكَ إِلَى الْحَاكِمِ فَلَمْ يَجِدْ لِزَوْجِهَا مَالًا أَبَاحَ لَهَا الإِْنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهَا، وَأَذِنَ لَهَا فِي الاِقْتِرَاضِ وَالرُّجُوعِ بِذَلِكَ عَلَى زَوْجِهَا، فَالْقَوْل قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ لاَ مِنْ يَوْمِ سَفَرِ الزَّوْجِ، وَإِنْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إِلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُول أَوِ الْجِيرَانِ فَإِنَّ الْقَوْل قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَكَذَا الْحُكْمُ إِذَا لَمْ تَرْفَعْ أَصْلًا، أَوْ رَفَعَتْ لِعُدُولٍ أَوْ لِلْجِيرَانِ، أَوْ بِبَعْضِ الْمُدَّةِ وَسَكَتَتْ عَنْ بَعْضِهَا الآْخَرِ (٣) .
نَفَقَةُ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ:
٣٠ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ لَهَا نَفَقَةٌ مَا دَامَ لَمْ يَحْكُمِ الْحَاكِمُ بِمَوْتِهِ، وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ إِلَى حِينِ اتِّضَاحِ
_________
(١) حديث: " اليمين على المدعى عليه " أخرجه البخاري (فتح الباري ٨ / ٢١٣ ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٣٣٦ ط الحلبي) من حديث ابن عباس.
(٢) البدائع ٤ / ٢٩.
(٣) شرح الخرشي ٤ / ٢٠٠ - ٢٠١.
أَمْرِهِ، لأَِنَّهَا مَحْكُومٌ لَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ كَمَا لَوْ عَلِمَتْ حَيَاتَهُ وَهِيَ مُسَلِّمَةٌ نَفْسَهَا إِلَيْهِ (١) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مَفْقُود ف ٤ - ١٠وما بَعْدَهَا) .
وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْقَاقِهَا النَّفَقَةَ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ إِذَا رَفَعَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْحَاكِمِ وَطَلَبَتِ الْفُرْقَةَ فَضَرَبَ لَهَا مُدَّةَ أَرْبَعِ سِنِينَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: لَهَا النَّفَقَةُ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ.
قَال الْحَطَّابُ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، لأَِنَّ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ لَمْ يُحْكَمْ فِيهَا بِبَيْنُونَتِهَا مِنْ زَوْجِهَا فَهِيَ مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ فَأَشْبَهَ مَا قَبْل الْمُدَّةِ، وَلأَِنَّ امْرَأَةَ الْغَائِبِ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ فِي مُدَّةِ تَرَبُّصِهَا فَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: لاَ نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَرَضَ لَهَا قَبْل ذَلِكَ نَفَقَةً فَيَكُونُ سَبِيلُهَا فِي النَّفَقَةِ سَبِيل الْمَدْخُول بِهَا وَهُوَ قَوْل الْمُغِيرَةِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ (٢) .
_________
(١) الاختيار ٣ / ٣٨، وروضة الطالبين ٨ / ٤٠١، والمغنى ٩ / ٤٣٩، والمبدع ٨ / ٢٢٩.
(٢) المغني ٩ / ٤٣٩، والحطاب ٤ / ١٨٣، وروضة الطالبين ٨ / ٤٠٢، والمهذب ٢ / ١٦٦، وكشاف القناع ٥ / ٤٢٤.
فَإِنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَدَى اسْتِحْقَاقِهَا لِلنَّفَقَةِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: لاَ نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ.
الْقَوْل الثَّانِي: لَهَا النَّفَقَةُ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (مَفْقُود ف ١٠) .
الْكَفَالَةُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ:
٣١ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ طَلَبِ الزَّوْجَةِ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: لاَ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى إِعْطَاءِ الْكَفِيل بِالنَّفَقَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ (١)، وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ (٢) .
لأَِنَّ النَّفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي الْحَال فَلاَ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، كَمَا أَنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَى التَّكَفُّل بِدَيْنٍ وَاجِبٍ فَلاَ يُجْبَرُ عَلَى إِعْطَائِهِ عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ مِنْ بَابٍ أَوْلَى.
الْقَوْل الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ أَخْذُ كَفِيلٍ لَهَا بِالنَّفَقَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (٣) وَالْحَنَابِلَةُ (٤)
_________
(١) البدائع ٤ / ٢٨.
(٢) مغني المحتاج ٢ / ٢٠٠.
(٣) شرح الخرشي ٤ / ١٩٩، ومواهب الجليل ٤ / ٢٠٠.
(٤) المغني ٩ / ٢٩٧.
وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (١)، وَذَلِكَ لِضَمَانِ حَقِّ الزَّوْجَةِ (٢) .
نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ النَّاشِزِ:
٣٢ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لاَ نَفَقَةَ لَهَا بِنُشُوزِهَا (٣)، لِقَوْل اللَّهِ ﷿: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (٤)﴾، وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: " فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " (٥) .
فَمَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُنَّ إِذَا لَمْ يَنْتَهِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ نَفَقَةٌ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نُشُوز ف ٧) .
_________
(١) البدائع ٤ / ٢٨.
(٢) البدائع ٤ / ٢٨.
(٣) فتح القدير ٣ / ٣٣٥، والبدائع ٤ / ١٩، والمبسوط ٥ / ١٨٦، والشرح الكبير للدردير ٢ / ٥٢٤، ومغني المحتاج ٣ / ٤٣٥، وكشاف القناع ٥ / ٤٧٤.
(٤) سورة النساء / ٣٤
(٥) حديث: " فاتقوا الله في النساء. . . " تقدم تخريجه ف ٤.
نَفَقَةُ الْمُعْتَدَّةِ:
فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةٍ وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلاَقٍ، وَكَذَا بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ:
أ - الْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ:
٣٣ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ طَلاَقًا رَجْعِيًّا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ طَعَامٍ وَكُسْوَةٍ وَمَسْكَنٍ أَيَّامَ عِدَّتِهَا (١) .
لِقَوْل اللَّهِ ﷿: ﴿لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَل اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (٢)﴾ . فَقَدْ نَهَى سُبْحَانَهُ الأَْزْوَاجَ عَنْ إِخْرَاجِ زَوْجَاتِهِمْ أَثْنَاءَ عِدَّتِهِنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ، وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ تَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ، وَإِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ مَحْبُوسَةً لِحَقِّ الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ السَّكَنِ، فَعَلَيْهِ سَائِرُ أَنْوَاعِ النَّفَقَةِ، لأَِنَّ مِمَّنْ حُبِسَ لِحَقِّ إِنْسَانٍ وَجَبَ عَلَى الْمَحْبُوسِ لَهُ النَّفَقَةُ كَامِلَةٌ، وَلِقِيَامِ حَقِّ حَبْسِ النِّكَاحِ حَيْثُ يَلْحَقُهَا طَلاَقُهُ وَظِهَارُهُ وَإِيلاَؤُهُ (٣) .
_________
(١) البدائع ٤ / ١٦، وحاشية الدسوقي ٢ / ٥١٥، والمغني ٩ / ٢٨٨، ونهاية المحتاج ٧ / ٢١١.
(٢) سورة الطلاق / ١
(٣) البدائع ٤ / ١٦، والمغني ٩ / ٢٩٠.
ب - الْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ:
٣٤ - فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْمَبْتُوتَةِ الْحَامِل وَغَيْرِ الْحَامِل فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا بِأَنْوَاعِهَا أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ.
فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى مَتَى كَانَتْ حَامِلًا (١) .
مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْل اللَّهِ ﷿ ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (٢)﴾ .
وَلأَِنَّهَا حَامِلٌ بِوَلَدِهِ وَهُوَ يَجِبُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُمْكِنُ الإِْنْفَاقُ عَلَى الْحَمْل إِلاَّ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أُمِّهِ، فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى تِلْكَ الأُْمِّ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الإِْرْضَاعِ (٣) .
وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا إِنْ كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْل الأَْوَّل: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (٤)، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ،
_________
(١) البدائع ٤ / ١٦، وحاشية الدسوقي ٢ / ٥١٥، والمغني ٩ / ٢٨٨، ونهاية المحتاج ٧ / ٢١١.
(٢) سورة الطلاق / ٦
(٣) المهذب ٢ / ١٦٤، ونهاية المحتاج ٧ / ٢١١، والمغني ٩ / ٢٨٨.
(٤) البدائع ٤ / ١٦.
وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (١) .
مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا اسْتَنَدُوا إِلَيْهِ فِي إِيجَابِهَا لِلْمُبَانَةِ الْحَامِل.
وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ - عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - قَال: كُنْتُ مَعَ الأَْسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ الأَْعْظَمِ وَمَعَنَا الشَّعْبِيُّ، فَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ " أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ لَمْ يَجْعَل لَهَا سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةً "، ثُمَّ أَخَذَ الأَْسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصًى فَحَصَبَهُ بِهِ فَقَال: وَيْلَكَ! تُحَدِّثُ بِمِثْل هَذَا؟ قَال عُمَرُ: لاَ نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا ﷺ لِقَوْل امْرَأَةٍ لاَ نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ، لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ. قَال اللَّهُ ﷿ ﴿لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (٢)﴾ .
الْقَوْل الثَّانِي: لَهَا السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (٣) وَالشَّافِعِيَّةُ (٤) وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (٥) .
_________
(١) أحكام القرآن للجصاص ٥ / ٣٥٥، والمغني ٩ / ٢٨٩.
(٢) حديث أبي إسحاق - عمرو بن عبد الله - " كنت مع الأسود بن يزيد جالسا. . " أخرجه مسلم (٢ / ١١١٨ - ١١١٩ط عيسى الحلبي) . والآية من سورة الطلاق / ٢.
(٣) حاشية الدسوقي ٢ / ٥١٥، وشرح الخرشي ٤ / ١٩٢.
(٤) المهذب ٢ / ١٦٤.
(٥) المغني ٩ / ٢٨٨.
لأَِنَّ اللَّهَ ﷿ قَال ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (١)﴾ . فَقَدْ أَوْجَبَ سُبْحَانَهُ السُّكْنَى لِكُل مُطَلَّقَةٍ، وَمِنْهَا الْبَائِنُ غَيْرُ الْحَامِل، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَقَدْ خَصَّ بِهَا الْحَامِل دُونَ الْحَائِل، فَدَل ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ السُّكْنَى لِلْبَائِنِ غَيْرِ الْحَامِل دُونَ النَّفَقَةِ.
الْقَوْل الثَّالِثُ: لاَ نَفَقَةَ لَهَا وَلاَ سُكْنَى: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (٢) .
لِمَا وَرَدَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا فَلَمْ يَجْعَل لَهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ نَفَقَةً وَلاَ سُكْنَى (٣) .
ج - الْمُعْتَدَّةُ مِنْ وَفَاةٍ:
٣٥ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ وَفَاةٍ إِنْ كَانَتْ حَائِلًا لاَ نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ.
وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِهَا لَهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلًا عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: لاَ نَفَقَةَ لَهَا مُدَّةَ عِدَّتِهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (٤) وَالْمَالِكِيَّةُ (٥)
_________
(١) سورة الطلاق / ٦
(٢) الإنصاف ٩ / ٣٦١.
(٣) حديث فاطمة بنت قيس سبق تخريجه ف ٣٤.
(٤) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق ٣ / ٦١.
(٥) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه ٢ / ٥١٥.
وَالشَّافِعِيَّةُ (١) وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ (٢) لأَِنَّ الْمَال قَدْ صَارَ لِلْوَرَثَةِ، وَنَفَقَةُ الْحَامِل وَسُكْنَاهَا إِنَّمَا هُوَ لِلْحَمْل أَوْ مِنْ أَجْلِهِ، وَلاَ يَلْزَمُ ذَلِكَ الْوَرَثَةَ، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ مِيرَاثٌ فَنَفَقَةُ الْحَمْل مَنْ نَصِيبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِيرَاثٌ لَمْ يَلْزَمْ وَارِثَ الْمَيِّتِ الإِْنْفَاقُ عَلَى حَمْل امْرَأَتِهِ كَمَا لاَ يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْوِلاَدَةِ (٣) .
وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابِل التَّمْكِينِ مِنْ الاِسْتِمْتَاعِ، وَقَدْ زَال التَّمْكِينُ بِالْمَوْتِ، وَلَيْسَ لِلْحَمْل دَخْلٌ فِي وُجُوبِهَا، فَلاَ تَسْتَحِقُّ بِسَبَبِهِ النَّفَقَةَ (٤) .
وَلأَِنَّ الزَّوْجَةَ مَحْبُوسَةٌ مِنْ أَجْل الشَّرْعِ لاَ لِلزَّوْجِ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا (٥) .
الْقَوْل الثَّانِي: لَهَا النَّفَقَةُ، وَهَذَا رِوَايَةٌ فِي مَذْهَبِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، لأَِنَّهَا حَامِلٌ فَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ كَالْمُفَارِقَةِ لَهُ فِي حَيَاتِهِ (٦) .
كَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ السُّكْنَى لِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ:
_________
(١) المهذب ٢ / ١٦٥.
(٢) المغني ٩ / ٢٩١.
(٣) المغني ٩ / ٢٩١.
(٤) تبيين الحقائق ٣ / ٦١، والمهذب ٢ / ١٦٥.
(٥) تبيين الحقائق ٣ / ٦١.
(٦) المغني ٩ / ٢٩١.
الْقَوْل الأَْوَّل: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (١) وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (٢) إِلَى أَنَّهُ لاَ سُكْنَى لَهَا مُطْلَقًا حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ، وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا (٣) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ لاَ سَبِيل إِلَى إِيجَابِ السُّكْنَى عَلَى الزَّوْجِ لاِنْتِهَاءِ الْمُكْنَةِ بِالْوَفَاةِ، وَلاَ سَبِيل لإِيجَابِهَا عَلَى الْوَرَثَةِ لاِنْعِدَامِ الاِحْتِبَاسِ مِنْ أَجْلِهِمْ.
وَلأَِنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ فَلَمْ يَجِبْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ كَالنَّفَقَةِ (٤) .
وَلأَِنَّهَا مَحْبُوسَةٌ مِنْ أَجْل الشَّرْعِ لاَ لِلزَّوْجِ فَلاَ سُكْنَى لَهَا (٥) .
الْقَوْل الثَّانِي: لَهَا السُّكْنَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (٦)، وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ (٧)، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَفِي رِوَايَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا (٨)، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ
_________
(١) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق ٣ / ٦١.
(٢) المهذب ٢ / ١٦٥، ومغني المحتاج ٣ / ٤٠٢.
(٣) المغني ٩ / ٢٩١، والإنصاف ٩ / ٣٦٩.
(٤) المهذب ٢ / ١٦٥.
(٥) تبيين الحقائق ٣ / ٦١.
(٦) التاج والإكليل ٤ / ١٦٢.
(٧) المهذب ٢ / ١٦٥، ومغني المحتاج ٣ / ٤٠٢.
(٨) المغني ٩ / ٢٩١، والإنصاف ٩ / ٣٦٩.