الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤
وَهُوَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَدْحٌ، لأَِنَّ شَأْنَهُ عَظِيمٌ، وَفِي صِفَاتِنَا ذَمٌّ، لأَِنَّ شَأْنَنَا صَغِيرٌ، وَهُوَ أَهْلٌ لِلْعَظَمَةِ وَلَسْنَا بِأَهْلٍ لَهَا (١) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٣ - يَرَى جُمْهُورُ الأُْصُولِيِّينَ أَنَّ الاِسْتِعْلاَءَ شَرْطٌ فِي الأَْمْرِ، وَذَلِكَ احْتِرَازًا عَنِ الدُّعَاءِ وَالاِلْتِمَاسِ. (٢)
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
٤ - الاِسْتِعْلاَءُ كَشَرْطٍ فِي الأَْمْرِ يَبْحَثُهُ الأُْصُولِيُّونَ فِي مَسْأَلَةِ الأَْمْرِ عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنْ شُرُوطِهِ، وَدَلاَلَةُ حَرْفِ " عَلَى " عَلَى الاِسْتِعْلاَءِ يُبْحَثُ فِي مَسَائِل حُرُوفِ الْجَرِّ، عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنْ حَرْفِ الْجَرِّ " عَلَى " وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُصْطَلَحِ الأُْصُولِيِّ.
اسْتِعْمَال
التَّعْرِيفُ:
١ - الاِسْتِعْمَال فِي اللُّغَةِ: طَلَبُ الْعَمَل، أَوْ تَوْلِيَتُهُ، وَاسْتَعْمَلَهُ: عَمِل بِهِ، وَاسْتُعْمِل فُلاَنٌ: وَلِيَ عَمَلًا مِنْ أَعْمَال السُّلْطَةِ، وَحَبْلٌ مُسْتَعْمَلٌ: قَدْ عُمِل بِهِ وَمُهِنَ. (٣)
_________
(١) الفروق في اللغة للعسكري.
(٢) المستصفى للغزالي ١ / ٣٦٩ ط بولاق.
(٣) لسان العرب مادة (عمل) .
وَالاِسْتِعْمَال فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ لاَ يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ عَبَّرَ الْفُقَهَاءُ عَنْهُ بِمَعَانِيهِ اللُّغَوِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي التَّعْرِيفِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
اسْتِئْجَار:
٢ - الاِسْتِئْجَارُ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الإِْجَارَةِ، وَاسْتَأْجَرَهُ: اتَّخَذَهُ أَخِيرًا عَلَى الْعَمَل بِأَجْرٍ (١) . فَالاِسْتِعْمَال أَعَمُّ، لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِأَجْرٍ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ أَجْرٍ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
٣ - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الاِسْتِعْمَال بِحَسَبِ نَوْعِهِ، وَلِلاِسْتِعْمَال أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ: وَمِنْهَا اسْتِعْمَال الآْلاَتِ، وَاسْتِعْمَال الْمَوَادِّ، وَمِنْهَا اسْتِعْمَال الأَْشْخَاصِ.
اسْتِعْمَال الْمَوَادِّ، وَمِنْ صُوَرِهِ:
أ - اسْتِعْمَال الْمَاءِ:
٤ - إِذَا اُسْتُعْمِل الْمَاءُ الْمُطْلَقُ لِلطَّهَارَةِ مِنْ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ امْتَنَعَ إِطْلاَقُ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ دُونَ قَيْدٍ، وَصَارَ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ مِنْ حَيْثُ الطَّهُورِيَّةُ. فَيُقَرِّرُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ طَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُطَهِّرٍ لِغَيْرِهِ، وَخَالَفَ فِي هَذَا الْمَالِكِيَّةُ، حَيْثُ أَجَازُوا التَّطَهُّرَ بِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ إِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ، وَإِلاَّ فَلاَ كَرَاهَةَ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ. (٢)
_________
(١) متن اللغة ١ / ١٤٧، ولسان العرب مادة (أجر) .
(٢) مراقي الفلاح ١ / ١٤ ط العثمانية، وحاشية الدسوقي ١ / ٤١ ط دار الفكر، وحاشية الجمل ١ / ٣٦ ط إحياء التراث الإسلامي، والمغني ١ / ٢١ ط السعودية.
ب - اسْتِعْمَال الطِّيبِ:
٥ - اسْتِعْمَال الطِّيبِ مُسْتَحَبٌّ فِي الْجُمْلَةِ، إِلاَّ فِي الإِْحْرَامِ، أَوِ الإِْحْدَادِ، أَوْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ بِالنِّسَاءِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْبُيُوتِ.
وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (إِحْرَامٌ) (وَإِحْدَادٌ) . (١)
ج - اسْتِعْمَال جُلُودِ الْمَيْتَةِ:
٦ - اسْتِعْمَال جُلُودِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَبْل الدَّبْغِ، وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ بَعْدَ قَطْعِ الرُّطُوبَةِ بِالتَّشْمِيسِ أَوِ التَّتْرِيبِ. وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ: (دِبَاغَةٌ) . (٢)
د - اسْتِعْمَال أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ:
٧ - مَنَعَ الْعُلَمَاءُ اسْتِعْمَال أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الأَْكْل وَالشُّرْبِ، لِمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ نُصُوصٍ مِنْهَا: قَوْل الرَّسُول ﷺ: لاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآْخِرَةِ (٣) .
وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ: (آنِيَةٌ) . (٤)
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٥٥٦، ٢ / ٦١٦ ط بولاق الأولى، وجواهر الإكليل ١ / ٣٨٩، ١ / ٩٦ ط ابن شقرون، وقليوبي ١ / ٣٢٦ و٢ / ١٣٣، ٤ / ٥٣ ط حلبي، والمغني ١ / ٩٣، ٣ / ٣١٥ - ٣١٧.
(٢) ابن عابدين ١ / ٩٣٧، والمغني ١ / ٦٦، وجواهر الإكليل ١ / ٩، والجمل ١ / ٩٤.
(٣) حديث " لا تشربوا. . . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث حذيفة مرفوعا (جامع الأصول ١ / ٣٨٥ نشر مكتبة الحلواني ١٣٨٩ هـ) .
(٤) ابن عابدين ٥ / ٢٣٧، ٨ / ٣٨١، وقليوبي وعميرة ٣ / ٢٩٧، وجواهر الإكليل ١ / ١٠.
الاِسْتِعْمَال الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ:
٨ - قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ أَنَّ اسْتِعْمَال الْمَرْهُونِ وَالْوَدِيعَةِ يُعْتَبَرُ تَعَدِّيًا يَضْمَنُ بِمُوجَبِهِ، لأَِنَّ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ مُطْلَقًا، وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ: (رَهْنٌ) (وَوَدِيعَةٌ) (وَضَمَانٌ) . (١)
اسْتِعْمَال الإِْنْسَانِ:
٩ - يَجُوزُ اسْتِعْمَال الإِْنْسَانِ مُتَطَوِّعًا وَبِأَجْرٍ، مِثْل الاِسْتِعْمَال عَلَى الإِْمَامَةِ وَالْقَضَاءِ بِشُرُوطٍ مُعَيَّنَةٍ، يُرْجَعُ فِي تَفْصِيلِهَا إِلَى الْوِلاَيَةِ وَالإِْمَامَةِ وَالْقَضَاءِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. (٢)
وَكَذَا اسْتِعْمَال الإِْنْسَانِ فِي الصِّنَاعَةِ وَالْخِدْمَةِ وَالتِّجَارَةِ. وَمِنْهُ قَوْل الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ فِي صُنْعِ الْمِنْبَرِ النَّبَوِيِّ: " فَذَهَبَ أَبِي، فَقَطَعَ عِيدَانَ الْمِنْبَرِ مِنَ الْغَابَةِ، قَال: فَمَا أَدْرِي عَمِلَهَا أَبِي أَوِ اسْتَعْمَلَهَا ". (٣)
وَيُرْجَعُ فِي تَفْصِيل ذَلِكَ إِلَى مُصْطَلَحِ (اسْتِصْنَاعٌ) (وَإِجَارَةٌ) (وَوَكَالَةٌ) (٤)
_________
(١) ابن عابدين ٥ / ٤١٣، ٣١٠، والمغني ٤ / ٣٨٥، ٣٨٦، ٦ / ٤٠١، وقليوبي ٣ / ٢٠.
(٢) ابن عابدين ١ / ٣٦٧، ٣٦٨، ٣ / ٤١٠، ٤ / ٣٠٥، وجواهر الإكليل ١ / ٢٢، ٨٣، وقليوبي وعميرة ٢ / ١١٢، ٤ / ١٧٣، والمغني ٢ / ٢٠٥، ٨ / ١١٠.
(٣) أثر العباس بن سهل الساعدي عن أبيه أخرجه أحمد بن حنبل (مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٣٣٧ ط الميمنية) .
(٤) ابن عابدين ٤ / ٢١٢، وفتح القدير ٦ / ١٠٨، ٧ / ١٤٥، والبزازية ٥ / ٤٠٩، ونهاية المحتاج ٥ / ١٤، ٢٥٨، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٧٧، ٤ / ٢، والمغني ٥ / ٤١٩، ٥١٢.
اسْتِغَاثَة
التَّعْرِيفُ:
١ - الاِسْتِغَاثَةُ لُغَةً: طَلَبُ الْغَوْثِ وَالنَّصْرِ. (١)
وَالاِسْتِغَاثَةُ شَرْعًا: لاَ تَخْرُجُ فِي الْمَعْنَى عَنِ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ تَكُونُ لِلْعَوْنِ، وَتَفْرِيجِ الْكُرُوبِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الاِسْتِخَارَةُ:
٢ - الاِسْتِخَارَةُ لُغَةً: طَلَبُ الْخِيَرَةِ فِي الشَّيْءِ.
وَاصْطِلاَحًا: طَلَبُ صَرْفِ الْهِمَّةِ لِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ اللَّهِ، وَالأَْوْلَى بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ. (٢) فَالاِسْتِخَارَةُ أَخَصُّ، لأَِنَّهَا لاَ تُطْلَبُ إِلاَّ مِنَ اللَّهِ.
الاِسْتِعَانَةُ:
٣ - الاِسْتِعَانَةُ: طَلَبُ الْعَوْنِ. اسْتَعَنْتُ بِفُلاَنٍ طَلَبْتُ مَعُونَتَهُ فَأَعَانَنِي، وَعَاوَنَنِي (٣) . وَتَكُونُ مِنَ الْعِبَادِ فِيمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَمِنَ اللَّهِ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (٤) فَالْفَرْقُ أَنَّ الاِسْتِغَاثَةَ لاَ تَكُونُ إِلاَّ فِي الشِّدَّةِ.
_________
(١) الجوهري، لسان العرب مادة (غوث) .
(٢) لسان العرب مادة (خير)، والعدوي على الخرشي ١ / ٣٦.
(٣) الصحاح مادة (عون) .
(٤) سورة الفاتحة / ٥.
حُكْمُ الاِسْتِغَاثَةِ:
٤ - لِلاِسْتِغَاثَةِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ:
الأَْوَّل: الإِْبَاحَةُ، وَذَلِكَ فِي طَلَبِ الْحَوَائِجِ مِنَ الأَْحْيَاءِ، إِذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا - وَمِنْ ذَلِكَ الدُّعَاءُ فَإِنَّهُ يُبَاحُ طَلَبُهُ مِنْ كُل مُسْلِمٍ، بَل يَحْسُنُ ذَلِكَ - فَلَهُ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِالْمَخْلُوقِينَ أَوْ لاَ يَسْتَغِيثَ، وَلَكِنْ لاَ يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ السُّؤَال وَالذُّل وَالْخُضُوعِ وَالتَّضَرُّعِ لَهُمْ كَمَا يَسْأَل اللَّهَ تَعَالَى، لأَِنَّ مَسْأَلَةَ الْمَخْلُوقِينَ فِي الأَْصْل مُحَرَّمَةٌ، وَلَكِنَّهَا أُبِيحَتْ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَالأَْفْضَل الاِسْتِعْفَافُ عَنْهَا (١) إِلاَّ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِ الاِسْتِغَاثَةِ هَلاَكٌ، أَوْ حَدٌّ، أَوْ ضَمَانٌ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ بِالاِسْتِغَاثَةِ أَوَّلًا. فَإِنْ لَمْ يَفْعَل أَثِمَ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ سَبْقُ ضَمَانٍ لِلدِّمَاءِ وَالْحُقُوقِ عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي.
الثَّانِي: النَّدْبُ، وَذَلِكَ إِذَا اسْتَغَاثَ بِاَللَّهِ، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ فِي الشِّدَّةِ وَالْكَرْبِ ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ . (٢)
الثَّالِثُ: الْوُجُوبُ، وَذَلِكَ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِ الاِسْتِغَاثَةِ هَلاَكٌ أَوْ ضَمَانٌ، فَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ وُجُوبِهِ أَثِمَ.
الرَّابِعُ: التَّحْرِيمُ، وَذَلِكَ إِذَا اسْتَغَاثَ بِمَنْ لاَ يَمْلِكُ فِي الأُْمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ بِالْقُوَّةِ أَوِ التَّأْثِيرِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَغَاثُ بِهِ إِنْسَانًا، أَوْ جِنًّا، أَوْ مَلَكًا، أَوْ نَبِيًّا، فِي حَيَاتِهِ، أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ ﴿وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ﴾ . (٣)
_________
(١) كشاف القناع ٤ / ١١٣، والاستغاثة لابن تيمية ص ١٣٩.
(٢) سورة النمل / ٦٢.
(٣) سورة يونس / ١٠٦.
الاِسْتِغَاثَةُ بِاَللَّهِ:
٥ - (أ) فِي الأُْمُورِ الْعَادِيَةِ:
أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الأُْمَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الاِسْتِغَاثَةِ بِاَللَّهِ ﵎، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قِتَال عَدُوٍّ أَمِ اتِّقَاءِ سَبُعٍ أَمْ نَحْوِهِ. لاِسْتِغَاثَةِ الرَّسُول ﷺ بِاَللَّهِ فِي مَوْقِعَةِ بَدْرٍ (١)، وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْقُرْآنُ بِذَلِكَ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ (٢)، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ﵂ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: مَنْ نَزَل مَنْزِلًا ثُمَّ قَال: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِل مِنْ مَنْزِلِهِ. (٣)
_________
(١) حديث استغاثة النبي ﷺ بالله في موقعة بدر. أخرجه مسلم والترمذي من حديث عمر بن الخطاب ﵁ بلفظ " لما كان يوم بدر نظر رسول الله ﷺ إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله ﷺ القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه مادا يديه (مست
(٢) سورة الأنفال / ٩.
(٣) حديث " من نزل منزلا. . . ". أخرجه مسلم وأحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي من حديث خولة بنت حكيم السلمية مرفوعا (صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ٤ / ٢٠٨٠ ط عيسى الحلبي ١٣٧٥ هـ، والفتح الكبير ٣ / ٢٤٢ ط مصطفى الحلبي ١٣٥٠ هـ) .
(ب) وَتُسْتَحَبُّ أَيْضًا الاِسْتِغَاثَةُ بِاَللَّهِ فِي الأُْمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ بِالْقُوَّةِ وَالتَّأْثِيرِ، وَفِيمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلاَّ اللَّهُ ﷾. مِثْل إِنْزَال الْمَطَرِ، وَكَشْفِ الضُّرِّ، وَشِفَاءِ الْمَرَضِ، وَطَلَبِ الرِّزْقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلاَّ اللَّهُ ﵎، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (١) وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ﴾ . (٢)
وَيُسْتَغَاثُ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَال: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ (٣)
الاِسْتِغَاثَةُ بِالرَّسُول ﷺ.
٦ - الاِسْتِغَاثَةُ بِالرَّسُول أَقْسَامٌ:
الْقِسْمُ الأَْوَّل: الاِسْتِغَاثَةُ بِالرَّسُول فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ الاِسْتِغَاثَةِ بِرَسُول اللَّهِ ﷺ وَبِكُل مَخْلُوقٍ حَال حَيَاتِهِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ
_________
(١) سورة يونس / ١٠٦.
(٢) سورة الأنعام / ١٧.
(٣) حديث " كان النبي صلى الله عليه إذا كربه أمر. . . ". أخرجه الترمذي من حديث أنس بن مالك وقال: هذا حديث غريب، وقد روي هذا الحديث عن أنس من غير هذا الوجه. وقد حكم الألباني بحسنه وقال: فيه عن الترمذي (٤ / ٢٦٧) الرقاشي واسمه يزيد كما وقع عند ابن السني (٣٣٢) وهو ضعيف، لكن له شاهد في المستدرك ١ / ٥٠٩ (فيض القدير ٥ / ١٥٩ ط المكتبة التجارية ١٣٥٦ هـ، وصحيح الجامع الصغير بتحقيق الألباني ٤ / ٢٣١ نشر المكتب الإسلامي ١٣٩٩ هـ، والكلم الطيب بتحقيق الألباني ص ٧٢ نشر المكتب الإسلامي) .
النَّصْرُ﴾ (١) وَلِقَوْلِهِ: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ (٢) وَهِيَ مِنْ قَبِيل الْعَوْنِ وَالنَّجْدَةِ، كَمَا قَال تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (٣)
الْقِسْمُ الثَّانِي: الاِسْتِغَاثَةُ بِالرَّسُول ﷺ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلاَمُ عَلَيْهَا وَالْخِلاَفُ فِيهَا.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَغِيثَ الْعَبْدُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مُتَقَرِّبًا بِرَسُولِهِ ﷺ، كَأَنْ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَجَّهُ إلَيْكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ أَنْ تَفْعَل كَذَا كَمَا سَيَأْتِي.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الاِسْتِغَاثَةُ بِذَاتِ الرَّسُول ﷺ كَمَا سَيَأْتِي.
أَنْوَاعُ الاِسْتِغَاثَةِ بِالْخَلْقِ:
٧ - وَالاِسْتِغَاثَةُ بِالْخَلْقِ - فِيمَا لاَ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ - تَكُونُ عَلَى أَرْبَعِ صُوَرٍ:
أَوَّلُهَا: أَنْ يَسْأَل اللَّهَ بِالْمُتَوَسَّل بِهِ تَفْرِيجَ الْكُرْبَةِ، وَلاَ يَسْأَل الْمُتَوَسَّل بِهِ شَيْئًا، كَقَوْل الْقَائِل: اللَّهُمَّ بِجَاهِ رَسُولِكَ فَرِّجْ كُرْبَتِي. وَهُوَ عَلَى هَذَا سَائِلٌ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَمُسْتَغِيثٌ بِهِ، وَلَيْسَ مُسْتَغِيثًا بِالْمُتَوَسَّل بِهِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَيْسَتْ شِرْكًا، لأَِنَّهَا اسْتِغَاثَةٌ بِاَللَّهِ ﵎، وَلَيْسَتِ اسْتِغَاثَةً بِالْمُتَوَسَّل بِهِ؛ وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْحِل وَالْحُرْمَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
_________
(١) سورة الأنفال / ٧٢.
(٢) سورة القصص / ١٥.
(٣) فتاوى ابن تيمية ١ / ١٠٣، ١٠٤، والاستغاثة في الرد على البكري ١ / ١٢٤، والآية من سورة المائدة / ٢.
٨ - الْقَوْل الأَْوَّل: جَوَازُ التَّوَسُّل بِالأَْنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ حَال حَيَاتِهِمْ وَبَعْدَ مَمَاتِهِمْ. قَال بِهِ مَالِكٌ، وَالسُّبْكِيُّ، وَالْكَرْمَانِيُّ، وَالنَّوَوِيُّ، وَالْقَسْطَلاَّنِيُّ، وَالسَّمْهُودِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِّ، وَابْنُ الْجَزَرِيِّ (١) .
٩ - وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ الاِسْتِغَاثَةِ بِالأَْنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا مَا وَرَدَ مِنَ الأَْدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْل أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَبِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا إِلَيْكَ (٢) ".
وَمِنْهَا مَا قَالَهُ الرَّسُول ﷺ فِي الدُّعَاءِ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أُسْدٍ اغْفِرْ لأُِمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أُسْدٍ، وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا، بِحَقِّ نَبِيِّك وَالأَْنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي،
_________
(١) القسطلاني ٨ / ٣٠٤، والمجموع للنووي ٨ / ٢٧٤، والمواهب اللدنية ٨ / ٣٠٣ - ٣٠٥، ووفاء الوفا ٣ / ١٣٧١، ١٣٧٢، ١٣٧٦، والمدخل لابن الحاج ٢ / ٢٤٩، والحصن الحصين وجلاء العينين ١ / ٤٣٦.
(٢) حديث " أسألك بحق السائلين. . . ". أخرجه ابن ماجه وسمويه وابن السني من حديث أبي سعيد الخدري. قال الحافظ البوصيري في الزوائد تعليقا على رواية ابن ماجه: هذا إسناد مسلسل بالضعفاء، عطية - وهو العوفي - وفضل بن مرزوق، والفضل بن الموفق كلهم ضعفاء. لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق فضل بن مرزوق، فهو صحيح عنده. قال المنذري: ذكره رزين، ولم أره في شيء من الأصول التي جمعها، إنما رواه ابن ماجه بإسناد فيه مقال، وحسنه شيخنا الحافظ أبو الحسن. وحكم الألباني بضعفه وبين وجوه ضعف الحديث بمختلف طرقه. (سنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ١ / ٢٥٦ ط عيسى الحلبي ١٣٥٢ هـ، والفتح الكبير ٣ / ١٨٨ - ١٨٩ ط مصطفى البابي ١٣٥٠ هـ، والترغيب والترهيب ٣ / ٢٧٢ نشر المكتبة التجارية ١٣٨٠ هـ، وسلسلة الأحاديث الضعيفة، والموضوعة ١ / ٣٤ نشر المكتب الإسلامي) .