الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤ الصفحة 3

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤

الاِسْتِعَاذَةُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ:

٢٦ - مِنْ سُنَنِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنْ يَسْتَعِيذَ فِي الْخُطْبَةِ الأُْولَى فِي نَفْسِهِ سِرًّا (١) قَبْل الْحَمْدِ. وَيُسْتَدَل لَهُمْ بِمَا قَال سُوَيْدٌ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ﵁ يَقُول عَلَى الْمِنْبَرِ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٢) . وَلَمْ نَجِدْ عِنْدَ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ كَلاَمًا فِي ذَلِكَ.

مَحَل الاِسْتِعَاذَةِ فِي صَلاَةِ الْعِيدِ:

٢٧ - يَسْتَعِيذُ بَعْدَ تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَكُونُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ، وَهُوَ قَوْلٌ عَنْ أَحْمَدَ، لأَِنَّهَا تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ. (٣)

وَتَكُونُ قَبْل تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّهَا تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ (٤) .

حُكْمُهَا، وَمَحَلُّهَا فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ:

٢٨ - لاَ يَخْتَلِفُ حُكْمُ الاِسْتِعَاذَةِ فِي الْجِنَازَةِ عَنْ حُكْمِهَا فِي الصَّلاَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَيَجْرِي فِيهَا الْخِلاَفُ الَّذِي جَرَى فِي الصَّلاَةِ الْمُطْلَقَةِ. (٥)

_________

(١) ابن عابدين ١ / ٤٤٨.

(٢) الفخر الرازي ١ / ٧٥.

(٣) الطحطاوي على مراقي الفلاح ١ / ٢٩١، والروضة ٢ / ٧١، والفروع ١ / ٥٧٩، والفتاوى الهندية ١ / ٧٤.

(٤) الطحطاوي على مراقي الفلاح ١ / ٢٩١، والفروع ١ / ٥٧٩، وفتح العزيز بهامش المجموع ٣ / ٣٠١.

(٥) المجموع ٣ / ٣٢٥، وكشاف القناع ٢ / ١٠١.

الْمُسْتَعَاذُ بِهِ:

٢٩ - الاِسْتِعَاذَةُ تَكُونُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَأَسْمَائِهِ، وَصِفَاتِهِ (١)، وَقَال الْبَعْضُ: لاَ بُدَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ لِلتَّعَوُّذِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُتَعَوَّذُ بِهِ، لاَ نَحْوَ آيَةِ الدَّيْنِ. (٢)

وَيَجُوزُ الاِسْتِعَاذَةُ بِالإِْنْسَانِ فِيمَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قُدْرَتِهِ الْحَادِثَةِ، كَأَنْ يَسْتَجِيرَ بِهِ مِنْ حَيَوَانٍ مُفْتَرِسٍ، أَوْ مِنْ إِنْسَانٍ يُرِيدُ الْفَتْكَ بِهِ.

وَيَحْرُمُ الاِسْتِعَاذَةُ بِالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ مَنِ اسْتَعَاذَ بِهِمْ زَادُوهُ رَهَقًا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِْنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ (٣)

الْمُسْتَعَاذُ مِنْهُ:

٣٠ - يَصْعُبُ ذِكْرُ الْمُسْتَعَاذِ مِنْهُ تَفْصِيلًا، وَقَدْ عُنِيَتْ كُتُبُ التَّفْسِيرِ، وَالْحَدِيثِ، وَالأَْذْكَارِ بِكَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الأُْمُورِ، وَتَكْفِي الإِْشَارَةُ إِلَى بَعْضِ أَنْوَاعِ الْمُسْتَعَاذِ مِنْهُ عَلَى سَبِيل التَّمْثِيل.

مِنْ ذَلِكَ: الاِسْتِعَاذَةُ مِنْ بَعْضِ صِفَاتِ اللَّهِ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ.

وَمِنْهُ الاِسْتِعَاذَةُ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ - شَرِّ النَّفْسِ وَالْحَوَاسِّ، وَالأَْمَاكِنِ وَالرِّيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَمِنْ ذَلِكَ: الاِسْتِعَاذَةُ مِنَ الْهَرَمِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَمِنَ الشِّقَاقِ، وَالنِّفَاقِ، وَسُوءِ الأَْخْلاَقِ، وَمِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْل.

_________

(١) الفروع ١ / ٥٩٩، وكشاف القناع ٢ / ٥٩، وتفسير القرطبي ١٩ / ١٠.

(٢) الزرقاني على خليل ١ / ١٠٥.

(٣) سورة الجن / ٦.

إجَابَةُ الْمُسْتَعِيذِ:

٣١ - يُنْدَبُ لِلإِْنْسَانِ إِجَابَةُ مَنِ اسْتَعَاذَ بِهِ فِي أَمْرٍ مَقْدُورٍ لَهُ، وَقَدْ تَكُونُ الإِْعَاذَةُ وَاجِبًا كِفَائِيًّا أَوْ عَيْنِيًّا، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ (١) إِلَخْ (٢) .

وَقَدْ يَكُونُ الْمُسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مُسْتَغِيثًا، فَيَكُونُ تَفْصِيل الْحُكْمِ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِغَاثَة) أَوْلَى.

تَعْلِيقُ التَّعْوِيذَاتِ:

يُرْجَعُ فِي حُكْمِ تَعْلِيقِ التَّعْوِيذَاتِ إِلَى مُصْطَلَحِ (تَمِيمَة) .

اسْتِعَارَة

التَّعْرِيفُ:

١ - الاِسْتِعَارَةُ هِيَ: طَلَبُ الإِْعَارَةِ، وَالإِْعَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِلاَ عِوَضٍ (٣)

(صِفَتُهَا) حُكْمُهَا التَّكْلِيفِيُّ:

٢ - الأَْصْل أَنَّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ أُبِيحَ لَهُ طَلَبُهُ،

_________

(١) الشبراملسي على النهاية ٣ / ٣٦٩.

(٢) حديث " من استعاذكم بالله. . . " أخرجه أحمد بن حنبل وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر، وقال النووي في رياض الصالحين: حديث صحيح (فيض القدير ٦ / ٥٥ نشر المكتبة التجارية ١٣٥٧ هـ) .

(٣) الدر المختار مع رد المحتار ٢ / ٥٠٢ ط بولاق، وبلغة السالك على الشرح الصغير ٢ / ٢٠٥، ومغني المحتاج ٣ / ٢٦٣، وغاية المنتهى ٢ / ٢٢٧.

وَمَنْ لاَ فَلاَ.

وَيَخْتَلِفُ حُكْمُهَا بِحَسَبِ الْحَالَةِ الَّتِي يَتِمُّ فِيهَا الطَّلَبُ.

فَقَدْ تَكُونُ الاِسْتِعَارَةُ وَاجِبَةً إِذَا تَوَقَّفَ عَلَيْهَا إِحْيَاءُ نَفْسٍ، أَوْ حِفْظُ عِرْضٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الأُْمُورِ الضَّرُورِيَّةِ، لأَِنَّ سَدَّ الضَّرُورَاتِ وَاجِبٌ لاَ يَجُوزُ التَّسَاهُل فِيهِ، وَمَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (١) .

وَقَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً لِيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى الْخَيْرِ كَاسْتِعَارَةِ الْكُتُبِ النَّافِعَةِ.

وَتَكُونُ الاِسْتِعَارَةُ مَكْرُوهَةً، عِنْدَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنَّةٌ، وَلِحَاجَةٍ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْهَا، وَقَدْ عَدَّ الْفُقَهَاءُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِعَارَةُ الْفَرْعِ أَصْلَهُ لِخِدْمَتِهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ ذُل الْخِدْمَةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يُنَزَّهَ عَنْهَا الآْبَاءُ. (٢)

وَقَدْ تَكُونُ الاِسْتِعَارَةُ مُحَرَّمَةً، كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَتَعَاطَى بِهِ تَصَرُّفًا مُحَرَّمًا، كَاسْتِعَارَتِهِ سِلاَحًا لِيَقْتُل بِهِ بَرِيئًا، أَوْ آلَةَ لَهْوٍ لِيَجْمَعَ عَلَيْهَا الْفُسَّاقَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. (٣)

آدَابُ الاِسْتِعَارَةِ:

٣ - مِنْ آدَابِهَا:

أ - أَلاَّ يُذِل نَفْسَهُ، بَل إِنِ اسْتَعَارَ اسْتَعَارَ بِعِزٍّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الاِسْتِعَارَةِ وَالاِسْتِجْدَاءِ: أَنَّ الاِسْتِجْدَاءَ

_________

(١) المحلى ٩ / ١٥٨ طبع المنيرية. والفتاوى البزازية ٦ / ٣٥٧ طبع بولاق الثانية بهامش الفتاوى الهندية، وانظر الحاجات الضرورية في تبيين الحقائق ١ / ٣٠٦ طبع بولاق ١٣١٣، وحاشية ابن عابدين ٢ / ٦٩ طبع بولاق الأولى.

(٢) حاشية الجمل على شرح المنهج ٣ / ٤٥٦ طبع دار إحياء التراث العربي.

(٣) حاشية الجمل ٣ / ٤٥٥، ونهاية المحتاج ٥ / ١١٥ - ١٢٠، والمغني ٢ / ٦٩٢، ومنتهى الإرادات ٢ / ٢١١.

يَكُونُ مَعَ الذُّل، وَالاِسْتِعَارَةُ تَكُونُ مَعَ الْعِزِّ (١)، وَلِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الاِسْتِعَارَةَ مِمَّنْ يَمُنُّ عَلَيْهِ طَالَمَا لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ.

ب - وَأَلاَّ يُلْحِفَ فِي طَلَبِ الإِْعَارَةِ، وَالإِْلْحَافُ هُوَ إِعَادَةُ السُّؤَال بَعْدَ الرَّدِّ، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ الْمُلْحِفِينَ بِالسُّؤَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ (٢) وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لأَِنَّ هَذَا الإِْلْحَافَ قَدْ يُخْرِجُ الْمُعِيرَ عَنْ طَوْرِهِ، فَيَقَعُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ، كَالْكَلاَمِ الْبَذِيءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَذًى يُنْزِلُهُ الْمُسْتَعِيرُ بِالْمُعِيرِ، (٣) قَال ﵊: لاَ تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ (٤) .

وَلَكِنْ يَجُوزُ التَّكْرَارُ لِبَيَانِ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَى الاِسْتِعَارَةِ. (٥)

ج - وَأَنْ يُقَدِّمَ الاِسْتِعَارَةَ مِنَ الرَّجُل الصَّالِحِ عَلَى الاِسْتِعَارَةِ مِنْ غَيْرِهِ، لِمَا يَتَحَرَّاهُ الصَّالِحُونَ مِنَ الْمَال الْحَلاَل، وَلِمَا يَحْمِلُونَهُ مِنْ نُفُوسٍ طَيِّبَةٍ تَجُودُ بِالْخَيْرِ. قَال النَّبِيُّ ﵊: إِنْ كُنْتَ سَائِلًا لاَ بُدَّ فَاسْأَل الصَّالِحِينَ. (٦)

_________

(١) شرح النووي لمسلم ٧ / ١٢٧ طبع المطبعة المصرية.

(٢) سورة البقرة ٢٧٣.

(٣) شرح النووي لمسلم ٧ / ١٢٧، وعون المعبود ٢ / ٤٠، وتفسير القرطبي ٣ / ٣٤٦، وغاية المنتهى ١ / ٣١٦.

(٤) أخرجه مسلم والنسائي من حديث معاوية (صحيح مسلم ٢ / ٧١٨ ط عيسى الحلبي، وسنن النسائي ٥ / ٧٣ ط مصطفى الحلبي الطبعة الأولى ١٣٨٣ هـ) .

(٥) أحكام ابن العربي ١ / ٢٤٠ طبع عيسى البابي الحلبي.

(٦) حديث " إن كنت سائلا. . . " أخرجه أبو داود (عون المعبود ٥ / ٦١ ط السلفية) والنسائي (سنن النسائي ٥ / ٩٥ ط المطبعة المصرية بالأزهر) من حديث مسلم بن مخشي عن ابن الفراسي (عن الفراسي) . قال عبد الحق: وابن الفراسي لا يعلم أنه روى عنه إلا بكر بن سوادة (فيض القدير ٣ / ٣٥) ورمز الألباني لضعفه (ضعيف الجامع الصغير وزيادته ٢ / ٦ نشر المكتب الإسلامي) .

د - وَأَلاَّ يَسْأَل بِوَجْهِ اللَّهِ، وَلاَ بِحَقِّ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ، أَوْ بِحَقِّ اللَّهِ أَنْ تُعِيرَنِي كَذَا، لِمَا فِيهِ مِنِ اتِّخَاذِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى آلَةً. (١) قَال ﵊: لاَ يُسْأَل بِوَجْهِ اللَّهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ (٢) وَقَال: مَلْعُونٌ مَنْ سَأَل بِوَجْهِ اللَّهِ (٣) .

وَلِلتَّفْصِيل يُرْجَعُ إِلَى (إِعَارَةٌ) .

اسْتِعَانَةٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الاِسْتِعَانَةُ مَصْدَرُ اسْتَعَانَ، وَهِيَ: طَلَبُ الْعَوْنِ، يُقَال: اسْتَعَنْتُهُ وَاسْتَعَنْتُ بِهِ فَأَعَانَنِي (٤)

وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

_________

(١) المجموع ٦ / ٢٤٥، والزواجر ١ / ١٩٢، والفتاوى الهندية ٤ / ٤٠٨ و٥ / ٣١٥، والفواكه الدواني ٢ / ٤٢٧، والمغني ٢ / ٥٨.

(٢) حديث " لا يسأل. . . " أخرجه أبو داود من حديث جابر. قال المنذري: في إسناده سليمان بن معاذ، وقال الدارقطني: سليمان بن معاذ هو سليمان بن قرم. علق صاحب عون المعبود على إسناد هذا الحديث وقال: وسليمان بن قرم تكلم فيه غير واحد (عون المعبود ٥ / ٨٨ ط السلفية) .

(٣) حديث " ملعون من. . . . " أخرجه الطبراني في معجمه الكبير من حديث أبي موسى الأشعري. ورمز لحسنه. وقال الحافظ العراقي في شرح العمدة: إسناده حسن. قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه. وقال في موضع آخر: رواه الطبراني عن شيخه يحيى بن عثمان بن صالح وهو ثقة وفيه ض وبقية رجاله رجال الصحيح (فيض القدير ٦ / ٤ نشر المكتبة التجارية الطبعة الأولى ١٣٥٧ هـ) .

(٤) الجوهري، ولسان العرب مادة (عون) .

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:

٢ - تَنْقَسِمُ الاِسْتِعَانَةُ إِلَى اسْتِعَانَةٍ بِاَللَّهِ، وَاسْتِعَانَةٍ بِغَيْرِهِ.

فَالاِسْتِعَانَةُ بِاَللَّهِ ﷾ مَطْلُوبَةٌ فِي كُل شَيْءٍ: مَادِّيٍّ مِثْل قَضَاءِ الْحَاجَاتِ، كَالتَّوَسُّعِ فِي الرِّزْقِ، وَمَعْنَوِيٍّ مِثْل تَفْرِيجِ الْكُرُوبِ، مِصْدَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (١) . وقَوْله تَعَالَى: ﴿قَال مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاَللَّهِ وَاصْبِرُوا﴾ (٢) .

وَتَكُونُ الاِسْتِعَانَةُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ، كَمَا تَكُونُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ تَعَالَى بِفِعْل الطَّاعَاتِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ (٣)

٣ - أَمَّا الاِسْتِعَانَةُ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالإِْنْسِ أَوْ بِالْجِنِّ.

فَإِنْ كَانَتْ الاِسْتِعَانَةُ بِالْجِنِّ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ، وَقَدْ تَكُونُ شِرْكًا وَكُفْرًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِْنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ (٤)

٤ - وَأَمَّا الاِسْتِعَانَةُ بِالإِْنْسِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهَا جَائِزَةٌ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ

_________

(١) سورة الفاتحة / ٥.

(٢) سورة الأعراف / ١٢٨.

(٣) سورة البقرة / ٤٥.

(٤) سورة الجن / ٦.

وَالْعُدْوَانِ﴾ (١)

وَقَدْ يَعْتَرِيهَا الْوُجُوبُ عِنْدَ الاِضْطِرَارِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي تَهْلُكَةٍ وَتَعَيَّنَتْ الاِسْتِعَانَةُ طَرِيقًا لِلنَّجَاةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (٢)

اسْتِعَانَةُ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ الْمُسْلِمِ فِي الْقِتَال:

٥ - أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ اسْتِعَانَةَ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِهِ فِي الْقِتَال عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ بِشُرُوطٍ، وَالْمَالِكِيَّةُ بِشَرْطِ رِضَاهُ (٣) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جِهَادٌ)

الاِسْتِعَانَةُ بِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ الْقِتَال:

٦ - تَجُوزُ الاِسْتِعَانَةُ فِي الْجُمْلَةِ بِغَيْرِ الْمُسْلِمِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي غَيْرِ الْقُرُبَاتِ، كَتَعْلِيمِ الْخَطِّ وَالْحِسَابِ وَالشِّعْرِ الْمُبَاحِ، وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاكِنِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا فِيمَا لاَ يُمْنَعُ مِنْ مُزَاوَلَتِهِ شَرْعًا. وَلاَ تَجُوزُ الاِسْتِعَانَةُ بِهِ فِي الْقُرُبَاتِ كَالأَْذَانِ وَالْحَجِّ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَفِي الأُْمُورِ الَّتِي يُمْنَعُ مِنْ مُزَاوَلَتِهَا شَرْعًا، كَاِتِّخَاذِهِ فِي وِلاَيَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ عَلَى أَوْلاَدِهِمْ.

وَقَدْ تُبَاحُ الاِسْتِعَانَةُ بِأَهْل الْكِتَابِ، دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمَجُوسِ وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِهِمْ فِي بَعْضِ الأُْمُورِ، مِثْل الصَّيْدِ وَالذَّبْحِ، أَمَّا الْمُشْرِكُ وَالْمَجُوسِيُّ

_________

(١) سورة المائدة / ٢.

(٢) سورة البقرة / ١٩٥.

(٣) فتح القدير ٤ / ٣٢٧، وكشاف القناع ٣ / ٤٨، وابن عابدين ٣ / ٢٣٥.

فَلاَ يَتَوَلَّى الاِصْطِيَادَ وَالذَّبْحَ لِمُسْلِمٍ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَةٌ) (وَصَيْدٌ) (وَذَبَائِحُ) (وَأَطْعِمَةٌ) (وَوَكَالَةٌ) . (١)

الاِسْتِعَانَةُ بِأَهْل الْبَغْيِ، وَعَلَيْهِمْ:

٧ - قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ الاِسْتِعَانَةُ بِأَهْل الْبَغْيِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَلَمْ يُجِزْ الاِسْتِعَانَةَ بِالْكُفَّارِ عَلَيْهِمْ إِلاَّ الْحَنَفِيَّةُ.

وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ إِلَى مُصْطَلَحِ (بُغَاةٌ) (٢)

الاِسْتِعَانَةُ بِالْغَيْرِ فِي الْعِبَادَةِ:

٨ - الاِسْتِعَانَةُ بِالْغَيْرِ فِي أَدَاءِ الْعِبَادَةِ جَائِزَةٌ، وَلَكِنْ هَل يُعْتَبَرُ ذَلِكَ قُدْرَةً مُلْزَمَةً لِمَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الأَْدَاءَ إِلاَّ بِهَا؟

قَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، وَوَافَقَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُعْتَبَرُ الإِْنْسَانُ قَادِرًا، إِذَا وَجَدَ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى الْعِبَادَةِ، مِثْل الْوُضُوءِ، أَوِ الْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ. وَقَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يَصِيرُ قَادِرًا بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ، لأَِنَّ الْمَعُونَةَ تُعْتَبَرُ لَهُ نَافِلَةً. (٣)

_________

(١) المغني ١ / ٨٣، ٥ / ٥٠٦، ٥٠٩، ٦ / ٥٩١ ط الرياض، وابن عابدين ٢ / ٣٨، ٤ / ٤٠٠، ٥ / ١٨٩، وقليوبي وعميرة ٢ / ١٥٦، ٣٣٧، و٣ / ٧٤، ١٧٨.

(٢) فتح القدير ٤ / ٤١٦، والتاج والإكليل ٦ / ٢٧٨، وبلغة السالك لأقرب المسالك ٢ / ٤١٥ ط الحلبي، والمغني ١٠ / ٥٧ ط المنار، ومغني المحتاج ٤ / ١٢٨ ط الحلبي، وبدائع الصنائع ٧ / ١٤١، والخرشي ٥ / ٣٠٢ ط الشرقية.

(٣) فتح القدير ١ / ٨٥ ط دار صادر، والتاج والإكليل على الحطاب ٢ / ٣ ط ليبيا، ومغني المحتاج ١ / ٦١ ط الحلبي، والمغني مع الشرح الكبير ١ / ١٣١ ط دار الكتاب العربي.

اسْتِعْطَاء

اُنْظُرْ: (عَطَاءٌ)، (عَطِيَّةٌ) .

اسْتِعْلاَءٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الاِسْتِعْلاَءُ فِي اللُّغَةِ: اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْعُلُوِّ، وَهُوَ السُّمُوُّ وَالاِرْتِفَاعُ. وَالْمُسْتَعْلِي مِنَ الْحُرُوفِ: الْمُفَخَّمُ مِنْهَا، وَمَعْنَى اسْتِعْلاَئِهَا: أَنَّهَا تَتَصَعَّدُ فِي الْحَنَكِ الأَْعْلَى، وَاسْتَعْلَى عَلَى النَّاسِ: غَلَبَهُمْ وَقَهَرَهُمْ وَعَلاَهُمْ. (١)

وَفِي اصْطِلاَحِ عُلَمَاءِ الأُْصُول يُسْتَعْمَل الاِسْتِعْلاَءُ بِمَعْنَى إِظْهَارِ الْعُلُوِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ هُنَاكَ عُلُوٌّ فِي الْوَاقِعِ أَمْ لاَ (٢) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أَمْرٌ)

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

٢ - التَّكَبُّرُ: هُوَ إِظْهَارُ الْكِبْرِ أَيِ الْعَظَمَةِ.

وَتَعْرِيفُهُ شَرْعًا: بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. (٣)

_________

(١) لسان العرب، والصحاح، ومعجم مقاييس اللغة، والمصباح المنير، والمفردات للراغب الأصفهاني مادة (علو) .

(٢) حاشية البناني على المحلى ١ / ٣٦٩ ط م الحلبي.

(٣) حديث " الكبر من بطر الحق وغمط الناس " أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة، ورواه أبو يعلى من حديث ابن مسعود، وهو في مسلم من جملة حديث. كما أخرجه أحمد بن حنبل من حديث عتبة بن عامر، وابن عساكر من حديث ابن عمر. ورمز الألباني إلى صحته (فيض القدير ٥ / ٦٢ ط المكتبة التجارية، وصحيح الجامع الصغير بتحقيق الألباني ٤ / ١٩٣ نشر المكتب الإسلامي) .