الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤ الصفحة 2

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤

عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - (١) أَنَّ صِيغَةَ الاِسْتِعَاذَةِ لِدُخُول الْخَلاَءِ هِيَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا دَخَل الْخَلاَءَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ (٢) .

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَقُول الرَّجُل إِذَا دَخَل الْخَلاَءَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ، وَلَمْ يَذْكُرِ التَّسْمِيَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (٣)

وَزَادَ الْغَزَالِيُّ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إِذَا دَخَل مِرْفَقَهُ أَنْ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٤) .

_________

(١) المراجع السابقة.

(٢) حديث: " اللهم إني أعوذ بك. . . " أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث أنس (التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول ١ / ٩١. نشر دار إحياء التراث العربي ١٣٨١ هـ) .

(٣) المغني مع الشرح الكبير ١ / ١٦٢ ط المنار.

(٤) حاشية الشرواني وابن قاسم العبادي ١ / ١٧٣ ط دار صادر، والمغني مع الشرح الكبير ١ / ١٦٢ ط مطبعة المنار. وحديث " لا يعجز أحدكم. . . . " أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة. قال الحافظ البوصيري في الزوائد: إسناده ضعيف. (سنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ١ / ١٥٩ ط عيسى الحلبي ١٣٧٢ هـ) .

وَالْخُبُثُ بِضَمِّ الْبَاءِ: ذُكْرَانُ الشَّيَاطِينِ، وَالْخَبَائِثُ: إِنَاثُهُمْ، وَقَال أَبُو عُبَيْدٍ: الْخُبْثُ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ: الشَّرُّ، وَالْخَبَائِثُ: الشَّيَاطِينُ (١) .

قَال الْحَطَّابُ: وَخُصَّ هَذَا الْمَوْضِعُ بِالاِسْتِعَاذَةِ لِوَجْهَيْنِ. الأَْوَّل: بِأَنَّهُ خَلاَءٌ، وَلِلشَّيَاطِينِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى تَسَلُّطٌ بِالْخَلاَءِ مَا لَيْسَ لَهُمْ فِي الْمَلأَِ.

الثَّانِي: أَنَّ مَوْضِعَ الْخَلاَءِ قَذِرٌ يُنَزَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَنْ جَرَيَانِهِ عَلَى اللِّسَانِ، فَيَغْتَنِمُ الشَّيْطَانُ عَدَمَ ذِكْرِهِ، لأَِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى يَطْرُدُهُ، فَأُمِرَ بِالاِسْتِعَاذَةِ قَبْل ذَلِكَ لِيَعْقِدَهَا عِصْمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يَخْرُجَ. (٢)

الاِسْتِعَاذَةُ لِلتَّطَهُّرِ:

١٦ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَال الطَّحَاوِيُّ: يَأْتِي بِهَا قَبْل التَّسْمِيَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُوَضِّحْ حُكْمَهَا. (٣)

وَتُسْتَحَبُّ الاِسْتِعَاذَةُ لِلْوُضُوءِ سِرًّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَبْل التَّسْمِيَةِ، قَال الشِّرْوَانِيُّ: وَأَنْ يَزِيدَ بَعْدَهَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَل الْمَاءَ طَهُورًا، وَالإِْسْلاَمَ نُورًا، ﴿رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونَ﴾ (٤) .

وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ الأَْذْكَارِ فِي الْوُضُوءِ إِلاَّ

_________

(١) لعل المراد لغة، أما على معنى الحديث فبعيد، إذ كيف تصح الاستعاذة من إناث الشياطين دون ذكرانهم، والتغليب يراعى فيه جانب التذكير غالبا.

(٢) الحطاب ١ / ٢٧١.

(٣) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ٣٧.

(٤) الشرواني على التحفة مع حاشية ابن قاسم العبادي ١ / ٢٢٤، ونهاية المحتاج ١ / ١٦٨.

التَّشَهُّدَانِ آخِرَهُ، وَالتَّسْمِيَةُ أَوَّلَهُ. (١) وَلَمْ نَقِفْ لِلْحَنَابِلَةِ عَلَى نَصٍّ صَرِيحٍ فِيهَا.

وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْفُقَهَاءُ فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لِلاِسْتِعَاذَةِ عِنْدَ الْغُسْل وَالتَّيَمُّمِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ قَبْل الْغُسْل مَنْدُوبٌ، فَيَجْرِي عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحْكَامِ الاِسْتِعَاذَةِ عِنْدَ الْوُضُوءِ. وَمَا أَحْسَنَ مَا جَاءَ فِي الْفُرُوعِ لاِبْنِ مُفْلِحٍ: أَنَّ التَّعَوُّذَ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ كُل قُرْبَةٍ (٢) فَيَدْخُل فِيهَا هَذَا وَمَا كَانَ مِثْلَهُ.

الاِسْتِعَاذَةُ عِنْدَ دُخُول الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ:

١٧ - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى نَدْبِ الاِسْتِعَاذَةِ عِنْدَ دُخُول الْمَسْجِدِ، وَقَدْ وَرَدَتْ صِيغَةُ الاِسْتِعَاذَةِ لِدُخُول الْمَسْجِدِ فِيمَا وَرَدَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣) الْحَمْدُ لِلَّهِ، اللَّهُمَّ صَل وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، ثُمَّ يَقُول: بِاسْمِ اللَّهِ، وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُول، وَيُقَدِّمُ الْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ وَيَقُول جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ إِلاَّ أَنَّهُ يَقُول: أَبْوَابَ فَضْلِكَ بَدَل رَحْمَتِكَ. (٤)

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ نَقِفْ لَهُمْ عَلَى قَوْلٍ فِي ذَلِكَ.

_________

(١) المدني على كنون هامش حاشية الرهوني ١ / ١٥٠، وشرح ميارة على منظومة ابن عاشر ١ / ١٧١.

(٢) الفروع ١ / ٣٠٤.

(٣) حديث " أعوذ بالله العظيم. . . . " أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا (عون المعبود ١ / ١٧٥ ط الهند، وبذل المجهود ٣ / ٣٠٧ - ٣٠٨ نشر دار الكتب العلمية ببيروت) .

(٤) الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية ٢ / ٤١ - ٤٢.

أَمَّا عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى نَدْبِ الاِسْتِعَاذَةِ حِينَئِذٍ. قَال الشَّافِعِيَّةُ: يَسْتَعِيذُ بِمَا اسْتَعَاذَ بِهِ عِنْدَ الدُّخُول، وَقَدْ أَخَذَ الْحَنَابِلَةُ فِي ذَلِكَ بِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ (١) .

وَلَمْ يُوقَفْ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ عَلَى شَيْءٍ فِي ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ ذَكَرُوا الاِسْتِعَاذَةَ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (٢) .

الاِسْتِعَاذَةُ فِي الصَّلاَةِ

حُكْمُهَا:

١٨ - الاِسْتِعَاذَةُ فِي الصَّلاَةِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (٣) وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ وَاجِبٌ. (٤)

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: إِنَّهَا جَائِزَةٌ فِي النَّفْل، مَكْرُوهَةٌ فِي الْفَرْضِ. (٥)

وَيُكْتَفَى فِي الاِسْتِدْلاَل عَلَى هَذِهِ الأَْقْوَال بِمَا تَقَدَّمَ فِي الاِسْتِدْلاَل عَلَى أَحْكَامِهَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فِيمَا عَدَا دَلِيل الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ

_________

(١) حديث " اللهم إني أعوذ بك. . . " أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة من حديث أبي أمامة بسند ضعيف، وللحديث عدة طرق بين ضعيف وموقوف ومنقطع ومرسل (الفتوحات الربانية ٢ / ٥١ و٥٢ نشر المكتبة الإسلامية) .

(٢) الجمل على شرح المنهج ٢ / ٤٢٤، وكشاف القناع ١ / ٣٠٠ - ٣٠١ وشرح ميارة لمنظومة ابن عاشر ٢ / ١٣٧.

(٣) ابن عابدين ١ / ٤٤٣ ط الثالثة.

(٤) الإنصاف ٢ / ١١٩.

(٥) الرهوني ١ / ٤٢٤، والدسوقي ١ / ٢٥١.

الشَّيْطَانَ يُدْبِرُ عِنْدَ الأَْذَانِ وَالتَّكْبِيرِ، كَمَا اسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَال: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (١) (٢)

مَحَل الاِسْتِعَاذَةِ فِي الصَّلاَةِ:

١٩ - تَكُونُ الاِسْتِعَاذَةُ قَبْل الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، (٣) وَالشَّافِعِيَّةِ، (٤) وَالْحَنَابِلَةِ، (٥) وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْقَوْل الآْخَرُ لِلْمَالِكِيَّةِ مَحَلُّهَا بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ، كَمَا فِي الْمَجْمُوعَةِ (٦) . وَيُسْتَدَل عَلَى ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي مَحَل الاِسْتِعَاذَةِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (ف ٧) .

تَبَعِيَّةُ الاِسْتِعَاذَةِ فِي الصَّلاَةِ:

٢٠ - الاِسْتِعَاذَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ تَابِعَةً لِدُعَاءِ الاِسْتِفْتَاحِ (الثَّنَاءِ) أَوْ لِلْقِرَاءَةِ، وَتَبَعِيَّتُهَا لِلْقِرَاءَةِ قَال بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَدَلِيلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهَا كُل قَارِئٍ، لأَِنَّهَا شُرِعَتْ صِيَانَةً عَنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ

_________

(١) فتح القدير ١ / ٢٠٣

(٢) حديث أنس أخرجه مسلم وأحمد (نيل الأوطار ٢ / ٢١٥ نشر دار الجيل ببيروت) .

(٣) كنز الدقائق ١ / ٣٢٩، والفتاوى الهندية ١ / ٧٤.

(٤) الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية ٢ / ١٨٥ وغيره من كتب الشافعية.

(٥) مطالب أولي النهى ١ / ٥٠٤.

(٦) الرهوني ١ / ٤٢٤.

فِي الْقِرَاءَةِ (١) .

وَقَال أَبُو يُوسُفَ: إِنَّهَا تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ، لأَِنَّهَا لِدَفْعِ الْوَسْوَاسِ فِي الصَّلاَةِ مُطْلَقًا.

وَلَيْسَ لِلْخِلاَفِ ثَمَرَةٌ إِلاَّ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَبَيْنَ أَبِي يُوسُفَ، وَتَظْهَرُ فِي مَسَائِل مِنْهَا: أَنَّهُ لاَ يَأْتِي بِهَا الْمُقْتَدِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لأَِنَّهُ لاَ قِرَاءَةَ عَلَيْهِ، وَيَأْتِي بِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، لأَِنَّهُ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ وَهِيَ تَابِعَةٌ لَهُ. (٢)

فَوَاتُ التَّعَوُّذِ:

٢١ - يَفُوتُ التَّعَوُّذُ بِالشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، (٣) وَذَلِكَ لِفَوَاتِ الْمَحَل، وَتَرْكُ الْفَرْضِ لأَِجْل السُّنَّةِ مَرْفُوضٌ.

وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمَالِكِيَّةِ كَذَلِكَ فِي النَّفْل، فَهِيَ سُنَّةٌ قَوْلِيَّةٌ لاَ يَعُودُ إِلَيْهَا. (٤)

الإِْسْرَارُ وَالْجَهْرُ بِالاِسْتِعَاذَةِ فِي الصَّلاَةِ:

٢٢ - لِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:

الأَْوَّل: اسْتِحْبَابُ الإِْسْرَارِ، وَبِهِ قَال الْحَنَفِيَّةُ، وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، (٥) وَمَعَهُمْ فِي

_________

(١) الفتاوى الهندية ١ / ٧٣، ٧٤، والبحر الرائق ١ / ٣٢٨، والنشر في القراءات العشر ١ / ٢٥٨، وفتح الجواد شرح الإمداد ١ / ٩٧، والطحطاوي على مراقي الفلاح ١ / ٢٩١، وفتح العزيز بهامش المجموع ٣ / ٣١٨، والرهوني ١ / ٤٢٤.

(٢) المغني مع الشرح الكبير ١ / ٥٧٥، والإنصاف ٢ / ٣٢٥، والبحر الرائق ١ / ٣٢٨.

(٣) ابن عابدين ١ / ٤٥٦ ط الثالثة، والجمل ١ / ٤٥٣، والمغني مع الشرح ١ / ٥٢٢.

(٤) الحطاب ٢ / ٤٤.

(٥) البدائع ١ / ٢٠٣، وفتح القدير ١ / ٢٠٤، والبحر الرائق ١ / ٣٢٨، والفتاوى الهندية ١ / ٧٣.

هَذَا الْحَنَابِلَةُ، إِلاَّ مَا اسْتَثْنَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ (١)، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا الْمَالِكِيَّةُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ، (٢) وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. (٣)

وَالدَّلِيل عَلَى اسْتِحْبَابِ الإِْسْرَارِ قَوْل ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الإِْمَامُ، وَذَكَرَ مِنْهَا: التَّعَوُّذَ وَالتَّسْمِيَةَ وَآمِينَ (٤)، وَلأَِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنِ النَّبِيِّ ﷺ الْجَهْرُ. (٥)

الرَّأْيُ الثَّانِي: اسْتِحْبَابُ الْجَهْرِ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَيَجْهَرُ فِي بَعْضِ الأَْحْيَانِ فِي الْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُطْلَبُ الإِْسْرَارُ فِيهِ تَعْلِيمًا لِلسُّنَّةِ، وَلأَِجْل التَّأْلِيفِ، وَاسْتَحَبَّهَا ابْنُ قُدَامَةَ وَقَال: اخْتَارَ ذَلِكَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ. وَقَال فِي الْفُرُوعِ: إنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ (٦)، وَسَنَدُهُمْ فِي الْجَهْرِ قِيَاسُ الاِسْتِعَاذَةِ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَآمِينَ.

الرَّأْيُ الثَّالِثُ: التَّخْيِيرُ بَيْنَ الإِْسْرَارِ وَالْجَهْرِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، جَاءَ فِي الأُْمِّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ ﵄ يَتَعَوَّذُ فِي نَفْسِهِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ يَجْهَرُ بِهِ. (٧)

_________

(١) الفروع ١ / ٣٠٤، والمغني ١ / ٥١٩.

(٢) الرهوني ١ / ٤٢٤.

(٣) المجموع ٣ / ٣٣٦، والروضة ١ / ٢٤١، والجمل ١ / ٣٤٥.

(٤) روى علقمة والأسود عن عبد الله بن مسعود قال: ثلاث يخفيهن الإمام: الاستعاذة وبسم الله الرحمن الرحيم وآمين (نيل الأوطار ٢ / ٢١٧ نشر دار الجيل ببيروت) .

(٥) فتح القدير ١ / ٢٠٤، والبدائع ١ / ٢٠٣.

(٦) الرهوني ١ / ٤٢٤، والروضة ١ / ٢٤١، والفروع ١ / ٣٠٤.

(٧) المجموع ٣ / ٣٢٢.

تَكْرَارُ الاِسْتِعَاذَةِ فِي كُل رَكْعَةٍ:

٢٣ - الاِسْتِعَاذَةُ مَشْرُوعَةٌ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى بِاتِّفَاقٍ، أَمَّا تَكْرَارُهَا فِي بَقِيَّةِ الرَّكَعَاتِ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ عَلَى رَأْيَيْنِ:

الأَْوَّل: اسْتِحْبَابُ التَّكْرَارِ فِي كُل رَكْعَةٍ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ خَالَفَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ صَحَّحَهَا صَاحِبُ الإِْنْصَافِ بَل قَال ابْنُ الْجَوْزِيِّ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. (١)

وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ قَوْل اللَّهِ ﷾: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ (٢) وَقَدْ وَقَعَ الْفَصْل بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ خَارِجَ الصَّلاَةِ بِشُغْلٍ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّعَوُّذُ، وَلأَِنَّ الأَْمْرَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ (٣) وَأَيْضًا إِنْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي غَيْرِهَا مِنَ الرَّكَعَاتِ قِيَاسًا، لِلاِشْتِرَاكِ فِي الْعِلَّةِ.

الثَّانِي: كَرَاهِيَةُ تَكْرَارِ الاِسْتِعَاذَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. (٤) وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ كَمَا لَوْ سَجَدَ لِلتِّلاَوَةِ فِي قِرَاءَتِهِ ثُمَّ

_________

(١) الهداية ١ / ٥١، والرهوني ١ / ٤٢٤، والمجموع ٣ / ٣٢٤، والجمل ١ / ٤٥٣، والإنصاف ٢ / ٧٣، ٧٤، ١١٩، والمغني مع الشرح ١ / ٥٥٢.

(٢) سورة النحل / ٩٨.

(٣) سورة المائدة / ٦.

(٤) الهندية ١ / ٧٤، والعناية على الهداية بهامش فتح القدير ١ / ٢١٧، والبحر الرائق ١ / ٣٢٨، وابن عابدين ١ / ٣٥٦ ط ٣، والإنصاف ٢ / ١١٩، والألوسي ١٤ / ٢٢٩.

عَادَ إِلَيْهَا لاَ يُعِيدُ التَّعَوُّذَ، وَكَأَنَّ رَابِطَةَ الصَّلاَةِ تَجْعَل الْكُل قِرَاءَةً وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّ الْمَسْبُوقَ إِذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ يَتَعَوَّذُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (١) .

صِيغَةُ الاِسْتِعَاذَةِ فِي الصَّلاَةِ:

٢٤ - تَحْصُل الاِسْتِعَاذَةُ فِي الصَّلاَةِ بِكُل مَا اشْتَمَل عَلَى التَّعَوُّذِ مِنَ الشَّيْطَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَيَّدَهُ الْبَيْجُورِيُّ بِمَا إِذَا كَانَ وَارِدًا. وَعَلَى هَذَا الْحَنَابِلَةُ، فَكَيْفَمَا تَعَوَّذَ مِنَ الذِّكْرِ الْوَارِدِ فَحَسَنٌ. (٢) وَاقْتَصَرَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى " أَعُوذُ " أَوْ " أَسْتَعِيذُ ". (٣)

وَلَمْ نَجِدْ لِلْمَالِكِيَّةِ نَصًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَأَفْضَل الصِّيَغِ عَلَى الإِْطْلاَقِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " (٤) وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْل الأَْكْثَرِ مِنَ الأَْصْحَابِ مِنْهُمْ وَمِنَ الْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّهُ الْمَنْقُول مِنِ اسْتِعَاذَتِهِ ﵊، قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُول قَبْل الْقِرَاءَةِ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.

وَجَاءَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَقُول: " أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " (٥) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ

_________

(١) فتح العزيز هامش المجموع ٣ / ٣٠٦.

(٢) الجمل ١ / ٣٥٤، والروضة ١ / ٢٤١، والبيجوري ١ / ١٧٣، والإنصاف ١ / ٤٧.

(٣) البحر الرائق ١ / ٣٢٨، والطحطاوي على مراقي الفلاح ١ / ١٤١.

(٤) حديث " أن النبي ﷺ كان يقول قبل القراءة. . . " سبق تخريجه (ر: ف ٧) .

(٥) حديث " أعوذ بالله السميع العليم. . . . " أخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي سعيد الخدري. قال الترمذي: هذا أشهر حديث في الباب وقد تكلم في إسناده. . (نصب الراية ١ / ٣٣١ مطبوعات المجلس العلمي الطبعة الثانية، وتحفة الأحوذي ٢ / ٥٠ نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة) قال الهيثمى: رواه أحمد ورجاله ثقات (مجمع الزوائد ٢ / ٢٦٥ نشر مكتبة القدسي ١٣٥٢ هـ) .

فَإِنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ.

وَنَقَل حَنْبَلٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَزِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ " إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " (١) .

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ " إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " (٢) .

اسْتِعَاذَةُ الْمَأْمُومِ:

٢٥ - لاَ يَخْتَلِفُ حُكْمُ الاِسْتِعَاذَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلإِْمَامِ عَمَّا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا.

أَمَّا الْمَأْمُومُ فَتُسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (٣) سَوَاءٌ أَكَانَتْ الصَّلاَةُ سِرِّيَّةً أَمْ جَهْرِيَّةً، وَمَعَهُمْ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، (٤) لأَِنَّ التَّعَوُّذَ لِلثَّنَاءِ عِنْدَهُ، وَهُوَ إِحْدَى رِوَايَاتٍ ثَلاَثٍ عَنْ أَحْمَدَ (٥) .

وَتُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ تَحْرِيمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لأَِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْقِرَاءَةِ، وَلاَ قِرَاءَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ، لَكِنْ لاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ إِذَا اسْتَعَاذَ فِي الأَْصَحِّ (٦)، وَعَلَى هَذَا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ، أَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْهُ فَهِيَ إِنْ سَمِعَ الإِْمَامَ كُرِهَتْ وَإِلاَّ فَلاَ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِهَا لِلإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي النَّفْل. أَمَّا فِي الْفَرْضِ فَمَكْرُوهَةٌ لَهُمَا كَمَا سَبَقَ.

_________

(١) الشرح الكبير ١ / ٥٢١، والبحر الرائق ١ / ٣٢٨.

(٢) البحر الرائق ١ / ٣٢٨.

(٣) المجموع شرح المهذب ٢ / ٢٥٩ ط ٣.

(٤) ابن عابدين ١ / ٤٥٧ ط ٣، والمبسوط ١ / ١٣.

(٥) الإنصاف ٢ / ٢٣٣.

(٦) ابن عابدين ١ / ٤٣٨ ط ٣، والدسوقي ١ / ٢٥١.