الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤
فَإِنَّك أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. (١)
وَمِنَ الأَْدِلَّةِ حَدِيثُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي (٢) .
وَمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ عَلَى مُوسَى وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ وَالصَّلاَةُ تَسْتَدْعِي حَيَاةَ الْبَدَنِ. (٣)
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى ﴿
_________
(١) دعاء الرسول ﷺ لفاطمة بنت أسد. أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط ضمن قصة مطولة من حديث أنس بن مالك، قال الهيثمي: وفيه روح بن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح. وأخرجه أيضا أبو نعيم في الحلية، وقال: غريب من حديث عاصم والثوري، لم نكتبه إلا من حديث روح بن صلاح تفرد به. وحكم الألباني بضعفه (مجمع الزوائد ٩ / ٢٥٦ - ٢٥٧ نشر مكتبة القدسي ١٣٥٣ هـ، وحلية الأولياء ٣ / ١٢١ ط مكتبة الخانجي ومطبعة السعادة ١٣٥٢ هـ، وسلسلة الأحاديث الضعيفة ١ / ٣٢ ح ٢٣ نشر المكتب الإسلامي) .
(٢) حديث " من زار قبري. . . ". أخرجه ابن عدي في الكامل والبيهقي في شعب الإيمان والدارقطني من حديث ابن عمر مرفوعا، ورمز الألباني إلى أنه منكر (الفتح الكبير ٣ / ١٩٥ ط مصطفى الحلبي ١٣٥٠ هـ، وسنن الدارقطني ٢ / ٢٧٨ ط شركة الطباعة الفنية، وإرواء الغليل ٤ / ٣٣٦ نشر المكتب الإسلامي ١٣٩٩ هـ، وضعيف الجامع الصغير ٥ / ٢٠٢ نشر المكتب الإسلامي) .
(٣) حديث " إن النبي ﷺ مر على موسى وهو قائم. . . ". أخرجه مسلم من حديث أنس ﵁ مرفوعا بلفظ " مررت على موسى وهو قائم يصلي في قبره " وزاد في حديث عيسى بن يونس " مررت ليلة أسري بي " (صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ٤ / ١٨٤٥ ط عي
وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ (١) أَنَّهُ قَال: كَانَ أَهْل خَيْبَرَ تُقَاتِل غَطَفَانَ، كُلَّمَا الْتَقَتَا هَزَمَتْ غَطَفَانُ الْيَهُودَ، فَدَعَتِ الْيَهُودُ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِحَقِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنْ تُخْرِجَهُ لَنَا إِلاَّ نَصَرْتَنَا عَلَيْهِمْ. فَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاءِ فَتَهْزِمُ الْيَهُودُ غَطَفَانَ (٢) .
وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُول لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (٣) . وَهَذَا تَفْخِيمٌ لِلرَّسُول ﷺ وَتَعْظِيمُهُ ﷺ لاَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ. (٤)
وَيَسْتَدِلُّونَ بِحَدِيثِ الأَْعْمَى الْمُتَوَسِّل بِرَسُول اللَّهِ فِي رَدِّ بَصَرِهِ. (٥)
_________
(١) سورة البقرة / ٨٩.
(٢) حديث ابن عباس عن قوله تعالى (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) . # أخرجه الحاكم في مستدركه أثرا عن ابن عباس ﵁ وقال: أدت الضرورة إلى إخراجه. قال ابن تيمية: وهذا مما أنكره عليه العلماء، فإن عبد الملك بن هارون من أضعف الناس، وهو عند أهل العلم بالرجال متروك بل كذاب. (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص ١١٩ ط المطبعة المنيرية ١٣٧٣ هـ) .
(٣) سورة النساء / ٦٤.
(٤) جلاء العينين ١ / ٤٤٠.
(٥) حديث " الأعمى المتوسل برسول الله ﷺ في رد بصره ". أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث عثمان بن حنيف، ولفظ الترمذي " أن رجلا ضرير البصر أتى النبي ﷺ فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال: فأدعه +، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى إلي، اللهم فشفعه في ". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي. وحكم عليه الألباني بالصحة (فيض القدير ٢ / ١٣٤ ط المكتبة التجارية ١٣٥٦ هـ، وتحفة الأحوذي ١٠ / ٣٢ نشر المكتبة السلفية، وسنن ابن ماجه ١ / ٤٤١ ط عيسى الحلبي ١٣٧٢ هـ، وصحيح الجامع الصغير بتحقيق. الألباني ١ / ٤٠٤ نشر المكتب الإسلامي ١٣٨٨ هـ، ومشكاة المصابيح بتحقيق الألباني ٢ / ٧٦٨ نشر المكتب الإسلامي ١٣٩٩ هـ) .
١٠ - الْقَوْل الثَّانِي: أَجَازَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ (١) وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ الاِسْتِغَاثَةَ بِاَللَّهِ مُتَوَسِّلًا بِالنَّبِيِّ ﷺ وَالصَّالِحِينَ حَال حَيَاتِهِمْ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَحْدَهُ. وَاسْتَشْهَدَ لِهَذَا بِحَدِيثِ الأَْعْمَى الَّذِي دَعَا اللَّهَ سُبْحَانَهُ مُتَوَسِّلًا بِرَسُول اللَّهِ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ.
فَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَاهُ ﵊. فَقَال: اُدْعُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَنِي، فَقَال ﷺ: إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتَ وَهُوَ خَيْرٌ، وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتَ. فَقَال: اُدْعُ قَال: فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِحَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّكَ فِي حَاجَتِي لِتُقْضَى. اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ (٢) وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَزَادَ: فَقَامَ، وَقَدْ أَبْصَرَ.
١١ - الْقَوْل الثَّالِثُ: عَدَمُ جَوَازِ الاِسْتِغَاثَةِ إِلاَّ بِاَللَّهِ ﷾، وَمُنِعَ التَّوَسُّل فِي تِلْكَ الاِسْتِغَاثَةِ بِالأَْنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، أَحْيَاءً كَانُوا أَوْ أَمْوَاتًا.
_________
(١) جلاء العينين ١ / ٤٣٤، ومجموعة فتاوى ابن تيمية ١ ص ١٠٢ ط الملك سعود.
(٢) حديث عثمان بن حنيف سبق تخريجه مع اختلاف يسير في اللفظ (ف / ٩) .
وَصَاحِبُ هَذَا الرَّأْيِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ (١)، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَضَل مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ (٢) .
وَبِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ﵁، أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ مُنَافِقٌ يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ، فَقَال بَعْضُهُمْ: قُومُوا بِنَا نَسْتَغِيثُ بِرَسُول اللَّهِ ﷺ مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّهُ لاَ يُسْتَغَاثُ بِي وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاَللَّهِ (٣) .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ:
١٢ - اسْتِغَاثَةٌ بِاَللَّهِ وَاسْتِغَاثَةٌ بِالشَّفِيعِ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهُ: وَهُوَ أَنْ يَسْأَل اللَّهَ، وَيَسْأَل الْمُتَوَسَّل بِهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ، كَمَا كَانَ يَفْعَل الصَّحَابَةُ، وَيَسْتَغِيثُونَ وَيَتَوَسَّلُونَ بِالنَّبِيِّ ﷺ فِي الاِسْتِسْقَاءِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ بِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ (٤)، وَيَزِيدَ بْنِ الأَْسْوَدِ الْجُرَشِيِّ ﵄، فَهُوَ اسْتِغَاثَةٌ بِاَللَّهِ، وَاسْتِغَاثَةٌ بِالشَّفِيعِ أَنْ
_________
(١) مجموعة فتاوى ابن تيمية ١ / ١٠٤، وقرة عيون الموحدين ص ١٠٥، والاستغاثة ص ٣١٥، ٣١٦.
(٢) سورة الأحقاف / ٥.
(٣) حديث " أنه كان في زمن النبي ﷺ منافق يؤذي المؤمنين. . . " أخرجه الطبراني في معجمه الكبير بإسناده، وأخرجه أحمد بن حنبل من حديث عبادة بن الصامت بلفظ مقارب، وفي إسناده ابن لهيعة (مجموع فتاوى ابن تيمية ١ / ١١٠ ط مطابع الرياض ١٣٨١ هـ، ومسند أحمد بن حنبل ٥ / ٣١٧ نشر المكتب الإسلامي) .
(٤) أخرج البخاري أن عمر بن الخطاب ﵁ كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: " اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا " (فتح الباري ٢ / ٤٩٤ ط السلفية بالسعودية)
يَسْأَل اللَّهَ لَهُ. فَهُوَ مُتَوَسِّلٌ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، وَهَذَا مَشْرُوعٌ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ فِي حَيَاةِ الشَّفِيعِ، وَلاَ يُعْلَمُ فِيهِ خِلاَفٌ. (١)
فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْل الْجَنَّةِ، كُل ضَعِيفٍ مُسْتَضْعَفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ (٢) قَال الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى اللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا لأَوْقَعَ مَطْلُوبَهُ، فَيَبَرُّ بِقَسَمِهِ إِكْرَامًا لَهُ، لِعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ. (٣)
فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ خَصَّهُ اللَّهُ بِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسْأَل فَيَدْعُوَ لِلْمُسْتَغِيثِ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا فِي آثَارٍ كَثِيرَةٍ عَنِ الرَّسُول ﷺ وَالصَّحَابَةِ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: اسْتِغَاثَةٌ فِي سُؤَال اللَّهِ:
١٣ - وَهِيَ أَنْ يَسْتَغِيثَ الإِْنْسَانُ بِغَيْرِهِ فِي سُؤَال اللَّهِ لَهُ تَفْرِيجَ الْكَرْبِ، وَلاَ يَسْأَل اللَّهَ هُوَ لِنَفْسِهِ. وَهَذَا جَائِزٌ لاَ يُعْلَمُ فِيهِ خِلاَفٌ.
وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: وَهَل تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ (٤) أَيْ بِدُعَائِهِمْ، وَصَلاَتِهِمْ،
_________
(١) الاستغاثة، الرد على البكري ص ١٢٣.
(٢) حديث " ألا أخبركم بأهل الجنة. . . " أخرجه البخاري ومسلم والترمذي مرفوعا من حديث حارثة بن وهب ﵁ (جامع الأصول في أحاديث الرسول ١٠ / ٥٤٧ نشر مكتبة الحلواني ١٣٩٢ هـ) .
(٣) جلاء العيون ص ٤٤٣.
(٤) حديث " هل تنصرون وترزقون. . . . " أخرجه البخاري من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص، ولم يصرح مصعب بسماعه من سعد فيما رواه البخاري، فهو مرسل عنده. قال ابن حجر: إن صورة هذا السياق مرسل لأن مصعبا لم يدرك زمان القول، لكن هو محمول على أنه سمع ذلك من أبيه، وقد وقع التصريح من مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي وغيره (فيض القدير ٦ / وفتح الباري ٦ / ٨٨، ٨٩ ط السلفية) .
وَاسْتِغْفَارِهِمْ.
وَمِنْ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ (١) . أَيْ يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ. فَالاِسْتِنْصَارُ وَالاِسْتِرْزَاقُ يَكُونُ بِالْمُؤْمِنِينَ بِدُعَائِهِمْ، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَفْضَل مِنْهُمْ. لَكِنَّ دُعَاءَهُمْ وَصَلاَتَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الأَْسْبَابِ، وَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَنْصِرِ بِهِ وَالْمُسْتَرْزِقِ بِهِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ ﷺ: إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ. مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ (٢) .
وَقَوْلُهُ ﷺ فِي حَدِيثِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يُسْتَغْفَرَ لَكَ فَافْعَل (٣) وَقَوْل الرَّسُول
_________
(١) حديث " إن النبي ﷺ كان يستفتح بصعاليك المهاجرين " أخرجه الطبراني من حديث أمية بن خالد بن عبد الله بن أسيد، وفي رواية " يستنصر بصعاليك المسلمين " قال الهيثمي: ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح (مجمع الزوائد ١٠ / ٢٦٢ نشر مكتبة القدسي ١٣٥٣ هـ) .
(٢) حديث " إن من عباد الله من لو أقسم على الله. . . . " أخرجه الترمذي من حديث أنس بن مالك ﵁ مرفوعا بلفظ " كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك " قال الترمذي: هذا حديث صحيح حسن من هذا الوجه (سنن الترم وجامع الأصول ٩ / ٩٢ نشر مكتبة الحلواني)
(٣) حديث أويس القرني. أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب مرفوعا بلفظ " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرئ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " (مختصر صحيح وجامع الأصول ٩ / ٢٣١ - ٢٣٢ نشر مكتبة الحلواني ١٣٩٢ هـ) .
ﷺ لِعُمَرَ لَمَّا وَدَّعَهُ لِلْعُمْرَةِ: لاَ تَنْسَنَا مِنْ دُعَائِكَ (١) .
الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ:
١٤ - أَنْ يَسْأَل الْمُسْتَغَاثَ بِهِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَسْأَل اللَّهَتَبَارَكَ وَتَعَالَى، كَأَنْ يَسْتَغِيثَ بِهِ أَنْ يُفَرِّجَ الْكَرْبَ عَنْهُ، أَوْ يَأْتِيَ لَهُ بِالرِّزْقِ. فَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ وَقَدْ عَدَّهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الشِّرْكِ، (٢) " لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (٣) .
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَال: شُجَّ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، فَقَال: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ (٤)؟ فَنَزَلَتْ ﴿لَيْسَ لَكَ
_________
(١) حديث " لا تنسنا من دعائك ". أخرجه أبو داود والترمذي بألفاظ مقاربة. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال صاحب عون المعبود: وفي إسناده عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة. وحكم الألباني بضعف الحديث (تحفة الأحوذي ١٠ / ٧ نشر المكتبة السلفية، وعون المعبود ٤ / ٣٦٥، ٣٦٦ نشر المكتبة السلفية، ومشكاة المصابيح بتحقيق الألباني ٢ / ٦٩٥ نشر المكتب الإسلامي، وضعيف الجامع الصغير بتحقيق الألباني ٦ / ٧٨ نشر المكتب الإسلامي) .
(٢) الرد على البكري استغاثة ص ١٢٣، وفتح المجيد ص ١٨٠ وما بعدها.
(٣) سورة يونس / ١٠٦ - ١٠٧.
(٤) حديث: " شج النبي ﷺ يوم أحد. . . ". أخرجه مسلم والترمذي من حديث أنس ﵁، ولفظ مسلم: " أن رسول الله ﷺ كسرت رباعيته يوم أحد وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله؟ فأنزل الله ﷿ ليس لك من الأمر شيء) " وأخرج البخاري ذكر الشج والآية تعليقا (صح وجامع الأصول ٨ / ٢٥٢ نشر مكتبة الحلواني ١٣٩٢ هـ، وفتح الباري ٧ / ٣٦٥، ٣٦٦ ط السلفية) .
مِنَ الأَْمْرِ شَيْءٌ﴾ (١) فَإِذَا نَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ مَا لاَ قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى.
الاِسْتِغَاثَةُ بِالْمَلاَئِكَةِ:
١٥ - الاِسْتِغَاثَةُ بِهِمُ اسْتِغَاثَةٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُل اسْتِغَاثَةٍ بِغَيْرِ اللَّهِ مَمْنُوعَةٌ، لِحَدِيثِ رَسُول اللَّهِ ﷺ. إِنَّهُ لاَ يُسْتَغَاثُ بِي، وَلَكِنْ يُسْتَغَاثُ بِاَللَّهِ (٢) وَلِحَدِيثِهِ أَيْضًا ﵇ لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ اعْتَرَضَهُ جِبْرِيل، فَقَال لَهُ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقَال: أَمَّا إِلَيْكَ فَلاَ (٣)
_________
(١) سورة آل عمران / ١٢٨.
(٢) سبق تخريج الحديث هامش فقرة ١١.
(٣) حديث " لما ألقي إبراهيم في النار. . . " أخرجه الطبري من حديث معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال: جاء جبريل إلى إبراهيم ﵉، وهو يوثق أو يقمط ليلقى في النار قال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا. وأورده ابن كثير في تفسيره نقلا (تفسير الطبري ١٧ / ٤٥ مصطفى الحلبي ١٣٧٣ هـ، وتفسير ابن كثير ٤ / ٥٧٢ ط دار الأندلس، وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ١ / ٢٨، ٢٩ نشر المكتب الإسلامي، ومجموعة التوحيد ص ١٢٣) .
الاِسْتِغَاثَةُ بِالْجِنِّ:
١٦ - الاِسْتِغَاثَةُ بِالْجِنِّ مُحَرَّمَةٌ، لأَِنَّهَا اسْتِغَاثَةٌ بِمَنْ لاَ يَمْلِكُ، وَتُؤَدِّي إِلَى ضَلاَلٍ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِْنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ (١) وَيُعْتَبَرُ هَذَا مِنَ السِّحْرِ.
الْمُسْتَغِيثُ وَأَنْوَاعُهُ:
١٧ - إِذَا اسْتَغَاثَ الْمُسْلِمُ لِدَفْعِ شَرٍّ وَجَبَتْ إِغَاثَتُهُ، لِقَوْل رَسُول اللَّهِ ﷺ وَتُغِيثُوا الْمَلْهُوفَ وَتَهْدُوا الضَّال (٢) وَقَوْلِهِ ﵇ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ (٣) وَهَذَا إِذَا لَمْ يَخْشَ الْمُغِيثُ عَلَى نَفْسِهِ ضَرًّا، لأَِنَّ لَهُ الإِْيثَارَ بِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ (٤) . أَمَّا الإِْمَامُ وَنُوَّابُهُ فَإِنَّهُ
_________
(١) سورة الجن / ٦.
(٢) حديث " وتغيثوا الملهوف. . . " أخرجه أبو داود من حديث عمر بن الخطاب مرفوعا، وأورده المنذري بلفظ " ويغيثوا الملهوف ويهدوا الضال " وعلق على إسناده فقال: ابن حجير العدوي مجهول. وقال البزار: هذا الحديث لا يعلم أحد أسنده إلا جرير بن حازم عن إسحاق بن سويد، ولا رواه عن جرير مسندا إلا ابن المبارك، وروى هذا الحديث حماد بن زيد عن إسح (سنن أبي داود بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ٤ / ٣٥٥ ط مطبعة السعادة ١٣٦٩ هـ، وجامع الأصول ٦ / ٥٣٢ نشر مكتبة الحلواني ١٣٩٤ هـ، ومختصر سنن أبي داود للمنذري ٧ / ١٨١ ط دار المعرفة) .
(٣) حديث " من نفس عن مؤمن كربة. . . ". أخرجه مسلم وأحمد ابن حنبل وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ﵁ (صحيح مسلم بتحقيق فؤاد عبد الباقي ٤ / ٢٠٧٤ ط عيسى الحلبي ١٣٧٥ هـ، والفتح الكبير ٣ / ٢٤٣ ط مصطفى الحلبي ١٣٥٠ هـ) .
(٤) سورة الأحزاب / ٦.
يَجِبُ عَلَيْهِمُ الإِْغَاثَةُ، وَلَوْ مَعَ الْخَشْيَةِ عَلَى النَّفْسِ، لأَِنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى وَظَائِفِهِمْ (١) .
١٨ - وَإِذَا اسْتَغَاثَ الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يُغَاثُ لأَِنَّهُ آدَمِيٌّ، وَلأَِنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنِ الْغَيْرِ إِذَا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا، وَلَمْ يَخْشَ الْمُغِيثُ عَلَى نَفْسِهِ هَلاَكًا، لأَِنَّ لَهُ الإِْيثَارَ بِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ (٢) وَلِحَدِيثِ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِغَاثَةَ الْمَلْهُوفِ (٣) وَلِقَوْلِهِ ﷺ لاَ تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ شَقِيٍّ (٤) . وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْكَافِرُ حَرْبِيًّا وَاسْتَغَاثَ، فَإِنَّهُ يُجَابُ إِلَى طَلَبِهِ، لَعَلَّهُ يَسْمَعُ كَلاَمَ اللَّهِ، أَوْ يَرْجِعُ عَمَّا فِي نَفْسِهِ مِنْ شَرٍّ وَيَأْسِرُهُ الْمَعْرُوفُ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ (٥) " أَيْ فَأَجِرْهُ، وَأَمِّنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمْوَالِهِ، فَإِنِ اهْتَدَى وَآمَنَ عَنْ عِلْمٍ وَاقْتِنَاعٍ فَذَاكَ، وَإِلاَّ
_________
(١) نهاية المحتاج ٨ / ٢٤.
(٢) نهاية المحتاج ٨ / ٢٤.
(٣) حديث " إن الله يحب إغاثة الملهوف. . . . ". أخرجه ابن عساكر في التاريخ من حديث أبي هريرة بلفظ " إن الله يحب إغاثة اللهفان " وأخرجه أيضا أبو يعلى والديلمي من حديث أنس ﵁ بهذا اللفظ، وحكم عليه الألباني بالضعف لانفراد هؤلاء بإخراجه محيلا على ما في مقدمة جمع الجوامع للسيوطي من أن كل ما عزي لمثل هؤلاء فهو ضعيف (فيض القدير ٢ / ٢٨٧ ط المكتبة التجارية، وضعيف الجامع الصغير بتحقيق الألباني ٢ / ١١٣، ١ / ٢١، ٢٢ نشر المكتب الإسلامي) .
(٤) حديث " لا تنزع الرحمة إلا من شقي ". أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة. قال الترمذي: هذا حديث حسن. قال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي. ورواه البخاري في الأدب المفرد قال ابن الجوزي في شرح الشهاب: وإسناده صالح. ورواه أيضا البيهقي، قال في المهذب: وإسناده صالح (تحفة الأحوذي ٦ / ٥٠ نشر المكتبة السلفية ١٣٨٥ هـ، وفيض القدير ٦ / ٤٢٢ ط المكتبة التجارية ١٣٥٧ هـ) .
(٥) سورة براءة / ٦.