الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٨
قَال الْبُهُوتِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ الْكَافِرُ الْمَصَاحِفَ دُونَ مَسٍّ أَوْ حَمْلٍ (١) .
السَّفَرُ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ
٣١ - لاَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ الْمُسْلِمُ بِالْمُصْحَفِ إِلَى بَلَدِ الْعَدُوِّ الْكَافِرِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي جِهَادٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِئَلاَّ يَقَعَ فِي أَيْدِيهِمْ فَيُهِينُوهُ أَوْ يَمَسُّوهُ وَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَإِِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ مَرْفُوعًا: لاَ تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ (٢) .
قَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ أَنْ لاَ يُسَافَرَ بِالْمُصْحَفِ فِي السَّرَايَا وَالْعَسْكَرِ الضَّعِيفِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ يُؤْمَنُ عَلَى الْمُصْحَفِ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ مِنْ نَيْل الْعَدُوِّ لَهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ السَّفَرَ بِهِ، وَذَكَرُوا مِنْ ذَلِكَ صُورَتَيْنِ:
الأُْولَى: أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بِهِ فِي جَيْشٍ كَبِيرٍ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ فَلاَ كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ.
_________
(١) شرح منتهى الإرادات ١ / ٧٤، والقليوبي على شرح المنهاج ٣ / ١٩، ومغني المحتاج ١ / ٣٨.
(٢) حديث: " لا تسافروا بالقرآن. . " تقدم تخريجه ف (٢٩) .
الثَّانِيَةُ: إِذَا دَخَل إِلَيْهِمْ مُسْلِمٌ بِأَمَانٍ، وَكَانُوا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ، جَازَ أَنْ يَحْمِل الْمُصْحَفَ مَعَهُ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَحْرُمُ أَيْضًا لِنَصِّ الْحَدِيثِ وَلَوْ فِي جَيْشٍ آمِنٍ، لأَِنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ مِنْهُمْ وَلاَ يَشْعُرُونَ بِهِ فَيَأْخُذُهُ الْعَدُوُّ فَتَنَالُهُ الإِِْهَانَةُ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا: وَلَوْ أَنَّ الْعَدُوَّ طَلَبَ أَنْ يُرْسَل إِلَيْهِمْ مُصْحَفٌ لِيَتَدَبَّرُوهُ، حَرُمَ إِرْسَالُهُ إِلَيْهِمْ خَشْيَةَ إِهَانَتِهِمْ لَهُ، فَلَوْ أُرْسِل إِلَيْهِمْ كِتَابٌ فِيهِ آيَةٌ أَوْ نَحْوُهَا لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ (١)، وَقَدْ أَرْسَل النَّبِيُّ ﷺ إِلَى هِرَقْل كِتَابًا فِي ضِمْنِهِ الآْيَةُ: ﴿قُل يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾ (٢) الآْيَةَ.
اسْتِثْنَاءُ الْمُصْحَفِ مِنْ جَزَاءِ الْغَال بِحَرْقِ مَتَاعِهِ
٣٢ - إِنْ غَل أَحَدُ الْغَانِمِينَ فِي الْجِهَادِ شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةِ فَقَدْ ذَهَبَ الأَْوْزَاعِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ - خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ - إِلَى أَنَّهُ يُحْرَقُ مَتَاعُهُ، لَكِنْ لاَ يُحْرَقُ الْمُصْحَفُ، لِمَا رَوَى صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ، قَال: دَخَلْتُ مَعَ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَرْضَ الرُّومِ، فَأُتِيَ بِرَجُل قَدْ غَل، فَسَأَل سَالِمًا
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٣ / ٢٢٣، ٢٢٤، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٢ / ١٧٨، والمغني ١ / ١٤٩، وشرح المنتهى ١ / ٧٣، وفتح الباري ٦ / ١٣٤ ط السلفية، والتبيان في آداب حملة القرآن ص ١١٣.
(٢) سورة آل عمران / ٦٤.
عَنْهُ فَقَال: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: إِذَا وَجَدْتُمُ الرَّجُل قَدْ غَل فَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ (١)، قَال: فَوَجَدْنَا فِي مَتَاعِهِ مُصْحَفًا، فَسَأَل سَالِمًا عَنْهُ فَقَال: بِعْهُ وَتَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ (٢) .
الرِّدَّةُ بِإِِهَانَةِ الْمُصْحَفِ
٣٣ - إِذَا أَهَانَ الْمُسْلِمُ مُصْحَفًا مُتَعَمِّدًا مُخْتَارًا يَكُونُ مُرْتَدًّا وَيُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الرِّدَّةِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ذَلِكَ، فَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ مَا قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ وَطِئَ بِرِجْلِهِ الْمُصْحَفَ اسْتِخْفَافًا وَإِِهَانَةً يَكُونُ كَافِرًا، وَكَذَا مَنْ أَمَرَ بِوَطْئِهِ يَكُونُ كَافِرًا (٣) .
وَلَوْ أَلْقَى مُصْحَفًا فِي قَاذُورَةٍ مُتَعَمِّدًا قَاصِدًا الإِِْهَانَةَ فَقَدِ ارْتَدَّ عِنْدَ الْجَمِيعِ، قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَكَذَا لَوْ مَسَّهُ بِالْقَاذُورَةِ وَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً كَالْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ.
فَإِِنْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ سَهْوٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ فِي نَوْمٍ لَمْ يَكْفُرْ.
وَكَذَا إِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا فَفَعَلَهُ
_________
(١) حديث: " إذا وجدتم الرجل قد غل. . . ". أخرجه أبو داود (٣ / ١٥٧) والترمذي (٤ / ٦١) وقال: حديث غريب، ونقل عن البخاري تضعيفه.
(٢) المغني ٨ / ٤٧١.
(٣) حاشية ابن عابدين ٣ / ٢٨٤، ٥٦، وشرح المحلي على المنهاج ٤ / ١٧٦، ومنار السبيل شرح دليل الطالب ٢ / ٤٠٤.
لاَ يَكْفُرُ (١) .
الْحَلِفُ بِالْمُصْحَفِ
٣٤ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْحَلِفَ بِالْمُصْحَفِ لَيْسَ بِيَمِينِ لأَِنَّهُ الْوَرَقُ وَالْجِلْدُ وَلَيْسَ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَلاَ اسْمًا لَهُ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاللَّهِ (٢) .
وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ بِهِ لاَ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَلَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةٌ إِنْ لَمْ يَفِ، وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِنْ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِالْمُصْحَفِ وَرَغِبَ الْعَوَامُّ فِي الْحَلِفِ بِهِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا أَيْضًا، وَإِِلاَّ لَكَانَ الْحَلِفُ بِالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ يَمِينًا لأَِنَّهُ مُتَعَارَفٌ، وَكَذَا بِحَيَاةِ رَأْسِكَ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَقُل بِذَلِكَ أَحَدٌ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَكِنْ لَوْ أَقْسَمَ بِمَا فِي هَذَا الْمُصْحَفِ مِنْ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا (٣) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِالْمُصْحَفِ يَمِينٌ.
قَال النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: يُنْدَبُ وَضْعُ
_________
(١) حاشية ابن عابدين ١ / ١١٩، وشرح المنهاج ٤ / ١٧٦.
(٢) حديث: " من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١١ / ٥٣٠)، ومسلم (٣ / ١٢٦٨) .
(٣) فتح القدير ٣ / ١٠، وبدائع الصنائع ٣ / ٨، ٩، والفتاوى الهندية ٢ / ٥٢، وفتاوى قاضيخان بهامش الهندية ٢ / ٥، وابن عابدين ٣ / ٥٢.
الْمُصْحَفِ فِي حِجْرِ الْحَالِفِ بِهِ وَأَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ (١) . ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ (٢) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ إِمَامُنَا وَإِِسْحَاقُ لأَِنَّ الْحَالِفَ بِالْمُصْحَفِ إِنَّمَا قَصَدَ الْحَلِفَ بِالْمَكْتُوبِ فِيهِ وَهُوَ كَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَنُقِل عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ بِالْمُصْحَفِ (٣) .
آدَابُ تَنَاوُل الْمُصْحَفِ وَتَكْرِيمِهِ وَحِفْظِهِ
٣٥ - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَقْبِيل الْمُصْحَفِ فَقِيل: هُوَ جَائِزٌ، وَقِيل: يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُهُ، تَكْرِيمًا لَهُ، وَقِيل: هُوَ بِدْعَةٌ لَمْ تُعْهَدْ عَنِ السَّلَفِ (٤)، وَانْظُرْ (تَقْبِيلٌ ف ١٧) .
وَأَمَّا الْقِيَامُ لِلْمُصْحَفِ فَقَال النَّوَوِيُّ وَصَوَّبَهُ السُّيُوطِيُّ: يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لِلْمُصْحَفِ إِذَا قُدِمَ بِهِ عَلَيْهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْظِيمِ وَعَدَمِ التَّهَاوُنِ بِهِ، وَلأَِنَّ الْقِيَامَ مُسْتَحَبٌّ لِلْفُضَلاَءِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالأَْخْيَارِ، فَالْمُصْحَفُ أَوْلَى، وَقَال الشَّيْخُ
_________
(١) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٢ / ١٢٧، وشرح المنهاج وحاشية القليوبي ٤ / ٢٧١، ونهاية المحتاج ٨ / ١٦٧.
(٢) سورة آل عمران / ٧٧.
(٣) المغني ٨ / ٦٩٥، ومطالب أولي النهى ٦ / ٣٦١.
(٤) ابن عابدين ١ / ١٦٢، ١ / ٢٤٦، والإتقان للسيوطي ٢ / ١٧٢، وشرح المنتهى ١ / ٧٣.
عِزُّ الدِّينِ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: هُوَ بِدْعَةٌ لَمْ تُعْهَدْ فِي الصَّدْرِ الأَْوَّل (١) .
وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنْوَاعًا مِنْ تَكْرِيمِ الْمُصْحَفِ.
فَمِنْ ذَلِكَ تَطْيِيبُهُ، وَجَعْلُهُ عَلَى كُرْسِيٍّ لِئَلاَّ يُوضَعَ بِالأَْرْضِ، وَإِِنْ كَانَ مَعَهُ كُتُبٌ أُخْرَى يُوضَعُ فَوْقَهَا وَلاَ يُوضَعُ تَحْتَ شَيْءٍ مِنْهَا.
وَأَمَّا تَوَسُّدُ الْمُصْحَفِ فَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ تَوَسُّدُ الْمُصْحَفِ لأَِنَّ ذَلِكَ ابْتِذَالٌ لَهُ، وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ خَافَ سَرِقَتَهُ أَيْ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُكْرَهُ وَضْعُ الْمُصْحَفِ تَحْتَ رَأْسِهِ إِلاَّ لِحِفْظِهِ مِنْ سَارِقٍ وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا مَدُّ رِجْلَيْهِ إِلَى جِهَةِ الْمُصْحَفِ فَقَال الْحَنَفِيَّةُ - كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ - يُكْرَهُ تَحْرِيمًا مَدُّ رِجْلَيْهِ أَوْ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْبَالِغِ أَوِ الصَّبِيِّ عَمْدًا وَمِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: مَدُّ الرِّجْلَيْنِ إِلَى جَانِبِ الْمُصْحَفِ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِحِذَائِهِ لاَ يُكْرَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُصْحَفُ مُعَلَّقًا فِي الْوَتَدِ.
_________
(١) الإتقان للسيوطي ٢ / ١٧٢، والتبيان في آداب حملة القرآن ص ١١٢.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ مَدُّ رِجْلِهِ إِلَى جِهَةِ الْمُصْحَفِ لاَ بِقَصْدِ الإِِْهَانَةِ فِي ذَلِكَ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُكْرَهُ مَدُّ الرِّجْلَيْنِ إِلَى جِهَةِ الْمُصْحَفِ (١) .
مَا يُصْنَعُ بِالْمُصْحَفِ إِذَا بَلِيَ
٣٦ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُصْحَفَ إِذَا بَلِيَ وَصَارَ بِحَال لاَ يُقْرَأُ فِيهِ يُجْعَل فِي خِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ وَيُدْفَنُ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مُمْتَهَنٍ لاَ يُوطَأُ، كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا مَاتَ يُدْفَنُ إِكْرَامًا لَهُ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلاَ يُهَال عَلَيْهِ التُّرَابُ إِلاَّ إِذَا جُعِل فَوْقَهُ سَقْفٌ بِحَيْثُ لاَ يَصِل إِلَيْهِ التُّرَابُ.
وَقَالُوا: وَلاَ يَجُوزُ إِحْرَاقُهُ بِالنَّارِ، وَنُقِل ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَوَافَقَهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَال النَّوَوِيُّ: يُكْرَهُ ذَلِكَ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ إِحْرَاقُهُ، بَل رُبَّمَا وَجَبَ، وَذَلِكَ إِكْرَامٌ لَهُ، وَصِيَانَةٌ عَنِ الْوَطْءِ بِالأَْقْدَامِ، قَال الْقُرْطُبِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: قَدْ فَعَلَهُ عُثْمَانُ ﵁ حَيْنَ كَتَبَ الْمَصَاحِفَ وَبَعَثَ بِهَا إِلَى الأَْمْصَارِ، فَقَدْ أَمَرَ بِمَا سِوَاهَا مِنْ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ، وَوَافَقَهُ
_________
(١) ابن عابدين ١ / ١١٩، ٤٤١، والفتاوى الهندية ٥ / ٣٢٢، ومغني المحتاج ١ / ٣٨، والقليوبي ١ / ٣٦، وكشاف القناع ١ / ١٣٦.
الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى ذَلِكَ (١) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَوْ بَلِيَ الْمُصْحَفُ أَوِ انْدَرَسَ دُفِنَ نَصًّا، ذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّ أَبَا الْجَوْزَاءِ بَلِيَ لَهُ مُصْحَفٌ فَحَفَرَ لَهُ فِي مَسْجِدِهِ فَدَفَنَهُ، وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ الصَّحَابَةَ حَرَّقَتْهُ لَمَّا جَمَعُوهُ، وَقَال ابْنُ الْجَوْزِيِّ ذَلِكَ لِتَعْظِيمِهِ وَصِيَانَتِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي دَاوُدَ رَوَى بِإِِسْنَادِهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَال: دَفَنَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ، وَبِإِِسْنَادِهِ عَنْ طَاوُوسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا أَنْ تُحْرَقَ الْكُتُبُ، وَقَال: إِنَّ الْمَاءَ وَالنَّارَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. (٢)
_________
(١) الفتاوى الهندية ٥ / ٣٢٢، وابن عابدين ١ / ١١٩، وتفسير القرطبي ١ / ٥٤.
(٢) فتاوى ابن تيمية ٢ / ٥٩٩، وكشاف القناع ١ / ١٣٧.
مُصَدِّقٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْمُصَدِّقُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الدَّال فِي اللُّغَةِ: آخِذُ الصَّدَقَاتِ مِنْ جِهَةِ الإِِْمَامِ، أَيْ يَقْبِضُهَا.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال الْبَرَكَتِيُّ وَعَزَاهُ لِلْبَحْرِ: الْمُصَدِّقُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ: اسْمُ جَنْسٍ لِلسَّاعِي وَالْعَاشِرِ (١) .
الْحُكْمُ الإِِْجْمَالِيُّ:
٢ - يَجِبُ عَلَى الإِِْمَامِ أَنْ يُرْسِل الْمُصَدِّقِينَ لِقَبْضِ الزَّكَاةِ وَتَفْرِيقِهَا عَلَى الأَْصْنَافِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَبْعَثُ السُّعَاةَ وَالْجُبَاةَ إِلَى أَصْحَابِ الأَْمْوَال وَكَذَلِكَ كَانَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ﵃ مِنْ بَعْدِهِ يَبْعَثُونَ مُصَدِّقِينَ لِذَلِكَ.
شُرُوطُ الْمُصَدِّقِ إِذَا كَانَ عَامَّ الْوِلاَيَةِ فِيهَا
٣ - يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَدِّقُ مُسْلِمًا، حُرًّا، عَادِلًا، عَالَمًا بِأَحْكَامِ الزَّكَاةِ (٢) .
_________
(١) قواعد الفقه للبركتي، ولسان العرب.
(٢) قليوبي ٣ / ٢٣، والمجموع ٦ / ١٦٧ - ١٦٩، والأحكام السلطانية للماوردي ١١٦.
هَذَا إِذَا كَانَ عَامَّ الْوِلاَيَةِ فِي الصَّدَقَةِ:
جَمْعِهَا وَتَفْرِيقِهَا عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا، فَيَعْمَل عَلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ لاَ اجْتِهَادِ الإِِْمَامِ، فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ، وَلاَ يَجُوزُ لِلإِِْمَامِ أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَأْخُذُهُ.
وَإِِنْ كَانَ الْمُصَدِّقُ مِنْ عُمَّال التَّنْفِيذِ عَمِل فِيمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى اجْتِهَادِ الإِِْمَامِ دُونَ أَرْبَابِ الأَْمْوَال، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ، وَلَزِمَ عَلَى الإِِْمَامِ أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ، وَيَكُونُ رَسُولًا مِنَ الإِِْمَامِ مُنَفِّذًا لاِجْتِهَادِهِ (١) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحَيْ: (زَكَاةٌ ف ١٤٤ - وَعَامِلٌ ف ٦ وَمَا بَعْدَهَا) .
_________
(١) المجموع ٦ / ١٦٧ - ١٦٩، والمحلي مع القليوبي ٣ / ٢٠٣، والأحكام السلطانية للماوردي ١١٦.