الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٧ الصفحة 8

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٧

وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (طَرِيقٌ ف ٩) .

أَمَا الطَّرِيقُ غَيْرُ النَّافِذِ فَمِلْكٌ لأَِهْلِهِ، وَلاَ يَجُوزُ لِغَيْرِ أَهْلِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ إِلاَّ بِرِضَاهُمْ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ، لأَِنَّهُ مِلْكُهُمْ فَأَشْبَهَ الدُّورَ.

وَأَهْلُهُ مَنْ لَهُمْ حَقُّ الْمُرُورِ فِيهِ إِلَى مِلْكِهِمْ مِنْ دَارٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ فُرْنٍ أَوْ حَانُوتٍ لاَ مَنْ لاَصَقَ جِدَارُهُ الدَّرْبَ مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ بَابٍ فِيهِ، لأَِنَّ هَؤُلاَءِ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ الاِرْتِفَاقَ فِيهِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (طَرِيقٌ ف ٢١) .

الْمُرُورُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُحْدِثِ

١٢ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ دُخُول الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَلَوْ مُرُورًا مِنْ بَابٍ لِبَابِ، إِلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ بُدًّا فَيَتَيَمَّمُ وَيَدْخُل.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُمْنَعُ الْجُنُبُ مِنَ الْعَبُورِ فِي الْمَسْجِدِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (دُخُولٌ ف ٦ - ٨) .

الْمُرُورُ عَلَى الْعَاشِرِ

١٣ - يَنْصِبُ الإِْمَامُ عَلَى الْمَعَابِرِ فِي طُرُقِ الأَْسْفَارِ عَشَّارِينَ لِلْجِبَايَةِ مِمَّنْ يَمُرُّ عَلَيْهِمْ بِأَمْوَال التِّجَارَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْل الذِّمَّةِ وَأَهْل الْحَرْبِ إِذَا أَتَوْا بِأَمْوَالِهِمْ إِلَى بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ، فَيَأْخُذُ مِنْ أَهْل الإِْسْلاَمِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ زَكَاةٍ، وَيَأْخُذُ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَيَأْخُذُ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ الْعُشْرَ.

وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاةٌ ف ١٥٥، وَعُشْرٌ ف ١٣ وَمَا بَعْدَهَا) .

أَثَرُ الْمُرُورِ بِالْوَطَنِ فِي قَصْرِ الصَّلاَةِ

١٤ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ مُرُورَ الْمُسَافِرِ بِوَطَنِهِ يُصَيِّرُهُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ وَيَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ (١) .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ مُرُورَ الْمُسَافِرِ بِوَطَنِهِ لاَ يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مُقِيمًا بِبَغْدَادَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَعَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِالنَّهْرَوَانِ، ثُمَّ رَجَعَ فَمَرَّ بِبَغْدَادَ ذَاهِبًا إِلَى الْكُوفَةِ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِذَا كَانَ يَمُرُّ بِبَغْدَادَ مُجْتَازًا لاَ يُرِيدُ الإِْقَامَةَ بِهَا (٢) .

وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ مَنْ غَلَبَتْهُ الرِّيحُ بِالْمُرُورِ عَلَى وَطَنِهِ لاَ يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ، إِلاَّ إِذَا انْضَمَّ لِذَلِكَ دُخُولٌ أَوْ نِيَّةُ دُخُولٍ (٣) .

وَلَوْ مَرَّ الْمُسَافِرُ فِي طَرِيقِهِ عَلَى قَرْيَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ خِلاَفُ الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ أَحْمَدَ: إِلَى أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الإِْقَامَةِ وَيُتِمُّ صَلاَتَهُ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: مَنْ تَأَهَّل فِي بَلَدٍ فَلْيُصَل صَلاَةَ الْمُقِيمِ (٤) .

_________

(١) بدائع الصنائع ١ / ١٠٣، والخرشي ٢ / ٦١، ومواهب الجليل ٢ / ١٤٨، وروضة الطالبين ١ / ٣٨٣.

(٢) المغني لابن قدامة ٢ / ٢٩١.

(٣) الخرشي ٢ / ٦١.

(٤) حديث: " من تأهل في بلد فليصل صلاة المقيم ". أخرجه أحمد (١ / ٦٢) من حديث عثمان بن عفان، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (١ / ١٥٦) وقال: فيه عكرمة بن إبراهيم وهو ضعيف.

وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: إِذَا قَدِمْتَ عَلَى أَهْلٍ لَكَ أَوْ مَالٍ فَصَل صَلاَةَ الْمُقِيمِ، وَلأَِنَّهُ مُقِيمٌ بِبَلَدٍ فِيهِ أَهْلُهُ فَأَشْبَهَ الْبَلَدَ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ وَقَال الزُّهْرِيُّ: إِذَا مَرَّ بِمَزْرَعَةٍ لَهُ أَتَمَّ.

وَالْقَوْل الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ مُرُورَ الْمُسَافِرِ عَلَى قَرْيَةٍ أَوْ بَلَدٍ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ لاَ يُنْهِي سَفَرَهُ (١) .

الْمُرُورُ بِالْمَاءِ وَعَدَمُ الْوُضُوءِ مِنْهُ:

١٥ - قَال الْحَنَابِلَةُ: لَوْ مَرَّ الْمُسْلِمُونَ بِمَاءٍ قَبْل الْوَقْتِ أَوْ كَانَ مَعَهُ الْمَاءُ فَأَرَاقَهُ قَبْل الْوَقْتِ، ثُمَّ دَخَل الْوَقْتُ وَعُدِمَ الْمَاءُ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِالطَّهَارَةِ قَبْل دُخُول الْوَقْتِ، وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ، وَإِنْ مَرَّ بِالْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَأَمْكَنَهُ الْوُضُوءُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَجِدُ غَيْرَهُ، حَرُمَ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِلاَ ضَرُورَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْوُضُوءُ أَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَاءِ وَبُعْدِهِ عَنْهُ، أَوْ كَانَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَجِدُ غَيْرَهُ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ. وَلَوْ كَانَ مَعَهُ الْمَاءُ فَأَرَاقَهُ فِي الْوَقْتِ حَرُمَ، لأَِنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى فَوَاتِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ الْوَاجِبَةِ،

_________

(١) بدائع الصنائع ١ / ١٠٣، ١٠٤، والخرشي ٢ / ٦١، ومواهب الجليل ٢ / ١٤٨، وروضة الطالبين ١ / ٣٨٣، والمغني لابن قدامة ٢ / ٢٩٠.

وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ وَهَبَهُ فِيهِ لِغَيْرِ مُحْتَاجٍ لِشُرْبِ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (١) .

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إِذَا مَرَّ بِمَاءٍ كَافٍ لِوُضُوئِهِ فَإِنْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا بَطَل تَيَمُّمُهُ، وَإِنْ كَانَ نَاعِسًا أَوْ نَائِمًا مُتَمَكِّنًا لَمْ يَبْطُل تَيَمُّمُهُ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمُصَحَّحَةُ عَنِ الإِْمَامِ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى لِعَجْزِهِ عَنِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الإِْمَامِ أَنَّهُ يَبْطُل تَيَمُّمُهُ (٢) .

حَقُّ الْمُرُورِ:

١٦ - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ تَبَعًا لِلأَْرْضِ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ، وَمَقْصُودًا وَحْدَهُ فِي رِوَايَةٍ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلًا عَنِ الْمُضْمَرَاتِ: هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لاَ يَصِحُّ وَصَحَّحَهَا أَبُو اللَّيْثِ (٣) .

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بَيْعُ مَسْكَنٍ بِلاَ مَمَرٍّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَمَرٌّ، أَوْ كَانَ وَنَفَاهُ فِي بَيْعِهِ لِتَعَذُّرِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، سَوَاءٌ تَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنِ اتِّخَاذِ مَمَرٍّ لَهُ مِنْ شَارِعٍ سَوَاءٌ مَلَكَهُ أَمْ لاَ، كَمَا قَالَهُ الأَْكْثَرُونَ، وَشَرَطَ الْبَغَوِيُّ عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ.

وَإِذَا بِيعَ عَقَارٌ وَخُصِّصَ الْمُرُورُ إِلَيْهِ بِجَانِبٍ اشْتَرَطَ تَعْيِينُهُ، فَلَوِ احْتَفَّ بِمِلْكِهِ مِنْ كُل

_________

(١) كشاف القناع ١ / ١٦٩.

(٢) ابن عابدين ١ / ١٧١.

(٣) حاشية ابن عابدين ٤ / ١١٨.

الْجَوَانِبِ، وَشَرَطَ لِلْمُشْتَرِي حَقَّ الْمُرُورِ إِلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ لَمْ يُعَيِّنْهُ بَطَل لاِخْتِلاَفِ الْغَرَضِ بِاخْتِلاَفِ الْجَوَانِبِ، فَإِنْ لَمْ يُخَصَّصْ بِأَنْ شَرَطَهُ مِنْ كُل جَانِبٍ، أَوْ قَال: بِحُقُوقِهَا، أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَمَرَّ إِلَيْهِ مِنْ كُل جَانِبٍ، وَهَذَا مَا لَمْ يُلاَصِقِ الشَّارِعَ أَوْ مَلَكَهُ وَإِلاَّ مَرَّ مِنْهُ فَقَطْ (١) .

_________

(١) نهاية المحتاج ٣ / ٣٨٥، ٣٨٦.

الْمَرْوَةُ

انْظُرْ: سَعْيٌ

مَرِيءٌ

انْظُرْ: بُلْعُومٌ

مَرِيضٌ

انْظُرْ: مَرَضٌ

مُزَابَنَةٌ

انْظُرْ: بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ

مُزَاحُ

التَّعْرِيفُ:

١ - الْمُزَاحُ بِالضَّمِّ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ مِنْ مَزَحَ يَمْزَحُ، وَالْمَزْحُ: الدُّعَابَةُ، وَالْمِزَاحُ - بِالْكَسْرِ - مَصْدَرُ مَازَحَهُ، وَهُمَا مُتَمَازِحَانِ (١) .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْمُزَاحُ بِالضَّمِّ الْمُبَاسَطَةُ إِلَى الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ التَّلَطُّفِ وَالاِسْتِعْطَافِ دُونَ أَذِيَّةٍ (٢) .

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

٢ - لاَ بَأْسَ بِالْمُزَاحِ إِذَا رَاعَى الْمَازِحُ فِيهِ الْحَقَّ وَتَحَرَّى الصِّدْقَ فِيمَا يَقُولُهُ فِي مُزَاحِهِ، وَتَحَاشَى عَنْ فُحْشِ الْقَوْل، وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ ﵄: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِنِّي لأَمْزَحُ وَلاَ أَقُول إِلاَّ حَقًّا (٣) .

قَال الْبَرَكَوِيُّ وَالْخَادِمِيُّ: شَرْطُ جِوَازِ الْمُزَاحِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِ كَذِبٌ وَلاَ رَوْعُ مُسْلِمٍ وَإِلاَّ فَيَحْرُمُ (٤) .

_________

(١) لسان العرب.

(٢) قواعد الفقه للبركتي - مادة: مزح.

(٣) حديث: " إني لأمزح ولا أقول. . . ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (١٢ / ٣٩١)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٨ / ٨٩): " إسناده حسن ".

(٤) بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية ٤ / ١٧.

وَرَوَى الْخَلاَّل عَنْ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ الْمُمَازَحَةَ فِي بَعْضِ الأَْوْقَاتِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ قَال: الْمُزَاحُ بِمَا يَحْسُنُ مُبَاحٌ وَقَدْ مَزَحَ النَّبِيُّ ﷺ فَلَمْ يَقُل إِلاَّ حَقًّا.

وَالآْثَارُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْمُزَاحِ كَثِيرَةٌ.

وَقَدْ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْخَوْضَ فِي الْمُزَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ ذَمِيمِ الْعَاقِبَةِ، وَمِنَ التَّوَصُّل إِلَى أَعْرَاضِ النَّاسِ وَاسْتِجْلاَبِ الضَّغَائِنِ وَإِفْسَادِ الإِْخَاءِ، وَقَالُوا: لِكُل شَيْءٍ بَدْءٌ، وَبَدْءُ الْعَدَاوَةِ الْمُزَاحُ، وَكَانَ يُقَال: لَوْ كَانَ الْمُزَاحُ فَحْلًا مَا لَقَّحَ إِلاَّ الشَّرَّ، وَقَال سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ: لاَ تُمَازِحِ الشَّرِيفَ فَيَحْقِدَ، وَلاَ الدَّنِيءَ فَيَجْتَرِئَ عَلَيْكَ (١) .

وَقَال الْغَزَالِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الإِْفْرَاطُ فِي الْمُزَاحِ أَوِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ، أَمَّا الْمُدَاوَمَةُ فَلأَِنَّهُ اشْتِغَالٌ بِاللَّعِبِ وَالْهَزْل فِيهِ، وَاللَّعِبُ مُبَاحٌ وَلَكِنَّ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ مَذْمُومَةٌ، وَأَمَّا الإِْفْرَاطُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُورِثُ كَثْرَةَ الضَّحِكِ، وَكَثْرَةُ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ، وَتُورِثُ الضَّغِينَةَ فِي بَعْضِ الأَْحْوَال، وَتُسْقِطُ الْمَهَابَةَ وَالْوَقَارَ، فَمَا يَخْلُو عَنْ هَذِهِ الأُْمُورِ فَلاَ يُذَمُّ (٢) .

مُزَاحُ الْقَاضِي

٣ - قَال الْحَنَفِيَّةُ كَمَا جَاءَ فِي رَوْضَةِ الْقُضَاةِ

_________

(١) الآداب الشرعية ٢ / ١٣٥.

(٢) إحياء علوم الدين للغزالي ٣ / ١٢٤.

يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إِذَا أَرَادَ الْجُلُوسَ لِلْقَضَاءِ أَنْ يَخْرُجَ وَهُوَ عَلَى أَعْدَل الأَْحْوَال: لاَ جَائِعٌ وَلاَ عَطْشَانُ وَلاَ كَضِيضٌ مِنَ الطَّعَامِ وَلاَ كَسْلاَنُ وَلاَ يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ وَلاَ يَمْزَحُ مَعَ خَصْمٍ، وَلاَ يُسَارُّهُ وَلاَ يَضْحَكُ فِي وَجْهِهِ.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَلاَ يُؤْثِرَ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ مِنَ الإِْكْرَامِ وَلاَ يُمَازِحَهُ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْقَاضِي أَنْ لاَ يَهْزِل وَلاَ يَمْجُنَ أَيْ يَمْزَحَ لأَِنَّ ذَلِكَ يُخِل بِهَيْبَتِهِ (١) .

تَصَرُّفَاتُ الْمَازِحِ

٤ - تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُ الْمَازِحِ (الْهَازِل) الْقَوْلِيَّةُ فَيَقَعُ طَلاَقُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (٢)، لِحَدِيثِ: ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ الطَّلاَقُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ: الْعِتْقُ (٣) .

وَخُصَّ الثَّلاَثَةُ بِالذِّكْرِ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ، لِتَأَكُّدِ أَمْرِ الأَْبْضَاعِ وَلِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ بِالْعِتْقِ.

_________

(١) روضة القضاة للسمناني ١ / ٩٦، ٩٧، ونهاية المحتاج ٨ / ٢٤٨، وكشاف القناع ٦ / ٣١٠.

(٢) تحفة المحتاج ٨ / ٢٩، وروض الطالب ٣ / ٢٨١، ومغني المحتاج ٣ / ٢٨٨، ومواهب الجليل ٤ / ٤٤، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٢٠٧، ٢ / ٤٢٣.

(٣) حديث: " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد. . . ". أخرج الرواية الأولى أبو داود (٢ / ٦٤٤)، والترمذي (٣ / ٤٩٠) وقال الترمذي: " حديث صحيح ". وأخرج الرواية الثانية ابن عدي في " الكامل " (٦ / ٢٠٣٣) وضعفه، قال ابن حجر في التلخيص الحبير (٣ / ٢٠٩): " ويروى بدل " العتاق " " الرجعة " قال: " هذا هو المشهور فيه ".