الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٧
وَإِلاَّ فَكُل التَّصَرُّفَاتِ كَذَلِكَ.
قَال الشَّافِعِيَّةُ: كُل التَّصَرُّفَاتِ تَنْعَقِدُ بِالْهَزْل فِي الأَْصَحِّ (١) .
ادِّعَاءُ الْمُزَاحِ بَعْدَ الإِْقْرَارِ
٥ - نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ شَخْصٌ لِرَجُلٍ بِحَقٍّ، ثُمَّ قَال مَزَحْتُ فَإِنْ صَدَّقَهُ بِأَنَّهُ مُزَاحٌ لَمْ يَحِل لَهُ أَخْذُهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَكَانَ صَادِقًا بِالإِْقْرَارِ الأَْوَّل عِنْدَهُ وَسِعَهُ أَخْذُ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ، وَإِنْ شَكَّ أَحْبَبْتُ لَهُ الْوُقُوفَ فِيهِ (٢) .
ادِّعَاءُ الْمُزَاحِ بِالْبَيْعِ
٦ - قَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ قَال الْبَائِعُ أَبَيْعُكَ سِلْعَتِي بِكَذَا أَوْ أُعْطِيكَهَا بِكَذَا، فَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَدُل عَلَى الرِّضَا، فَقَال الْبَائِعُ لَمْ أُرِدِ الْبَيْعَ إِنَّمَا أَرَدْتُ اخْتِبَارَ ثَمَنِهَا، أَوْ قَال كُنْتُ مَازِحًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَبِيعُكَهَا إِيجَابَ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنِ اخْتِبَارِ الثَّمَنِ وَالْمَزْحِ، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ، وَإِنْ نَكَل عَنِ الْيَمِينِ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، أَمَا إِذَا أَتَى بِصِيغَةِ الْمَاضِي بِأَنْ قَال بِعْتُكَهَا بِكَذَا، أَوْ قَدْ أَعْطَيْتُكَهَا بِكَذَا، أَوْ قَال قَدْ أَخَذْتُهَا بِكَذَا - كُل ذَلِكَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي - فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ أَبَى الْبَائِعُ وَقَال مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ بَل كَانَ مَزْحًا لَمْ يَنْفَعْهُ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ (٣)
_________
(١) تحفة المحتاج ٨ / ٢٩، وروض الطالب ٣ / ٢٨١، ومغني المحتاج ٣ / ٢٨٨، ومواهب الجليل ٤ / ٤٤.
(٢) الأم للشافعي ٧ / ٤١.
(٣) الحطاب ٤ / ٢٣١ - ٢٣٦.
مُزَاحَمَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْمُزَاحَمَةُ - بِوَزْنِ مُفَاعَلَةٍ - وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: الْمُدَافَعَةُ عَلَى مَكَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَيُقَال: زَحَمْتُهُ زَحْمًا: دَفَعْتُهُ وَضَايَقْتُهُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَزَحَمَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: تَدَافَعُوا، وَمِنْهُ قِيل عَلَى الاِسْتِعَارَةِ: تَزَاحَمَ الْغُرَمَاءُ عَلَى مَال الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (١) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُزَاحَمَةِ:
تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ الْمُزَاحَمَةِ بِاخْتِلاَفِ مَوَاطِنِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
الزِّحَامُ عَنِ الرُّكُوعِ
٢ - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ زُوحِمَ مُؤْتَمٌّ عَنْ رُكُوعٍ مَعَ إِمَامِهِ حَتَّى رَفَعَ الإِْمَامُ رَأْسَهُ عَنِ الرُّكُوعِ مُعْتَدِلًا مُطَمْئِنًّا قَبْل إِتْيَانِ الْمُؤْتَمِّ بِأَدْنَى الرُّكُوعِ، فَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى لاَ يَتْبَعُهُ
_________
(١) المصباح المنير، وجواهر الإكليل ١ / ٦٩.
فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ، بَل مَتَى رَفَعَ الإِْمَامُ، مِنَ الرُّكُوعِ مُعْتَدِلًا تَرَكَ الرُّكُوعَ الَّذِي فَاتَهُ مَعَ الإِْمَامِ، وَيَنْتَقِل مَعَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ، فَيَخِرُّ سَاجِدًا إِنْ كَانَ الإِْمَامُ مُتَلَبِّسًا بِهِ، وَيَقْضِي رَكْعَةً بَعْدَ سَلاَمِ الإِْمَامِ، فَإِنْ خَالَفَ وَرَكَعَ وَلَحِقَهُ، بَطَلَتْ صَلاَتُهُ إِنِ اعْتَدَّ بِالرَّكْعَةِ، لأَِنَّهُ قَضَاءٌ فِي صُلْبِ الإِْمَامِ (١) .
وَإِنْ زُوحِمَ عَنِ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى رَفَعَ الإِْمَامُ رَأْسَهُ قَبْل إِتْيَانِ الْمَأْمُومِ بِأَدْنَى الرُّكُوعِ اتَّبَعَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَأَدْرَكَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ مِنْ سُجُودٍ أَوْ جُلُوسٍ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وُجُوبًا، لِثُبُوتِ مَأْمُومِيَّتِهِ بِإِدْرَاكِهِ مَعَ الإِْمَامِ الرَّكْعَةَ الأُْولَى مَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهَا: أَيْ لَمْ يُتِمَّ الرَّكْعَةَ، فَإِنْ ظَنَّ أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الإِْمَامَ وَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ الأُْولَى مَعَهُ، أَوْ يُدْرِكُهُ قِي جُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَيَسْجُدُ الثَّانِيَةَ مَعَهُ، أَوْ يَسْجُدُ السَّجْدَةَ الأُْولَى مَعَ سُجُودِ الإِْمَامِ الثَّانِيَةَ وَيَسْجُدُ هُوَ الثَّانِيَةَ بَعْدَ رَفْعِ الإِْمَامِ مِنْهَا، فَإِنِ اعْتَقَدَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ فَتَبِعَهُ فَرَفَعَ الإِْمَامُ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ قَبْل أَنْ يَلْحَقَهُ فِيهَا أَلْغَى مَا فَعَلَهُ وَانْتَقَل مَعَ الإِْمَامِ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلاَمِ الإِْمَامِ. وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ إِنْ رَكَعَ لاَ يُدْرِكُ الإِْمَامَ فِي
_________
(١) جواهر الإكليل ١ / ٦٩.
السُّجُودِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِلإِْمَامِ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الرُّكُوعَ وَيَنْتَقِل مَعَ الإِْمَامِ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَيَقْضِيهَا بَعْدَ سَلاَمِ الإِْمَامِ (١) .
الزِّحَامُ عَنِ السُّجُودِ:
٣ - قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْمَأْمُومَ إِذَا مَنَعَهُ الزِّحَامُ عَنِ السُّجُودِ عَلَى أَرْضٍ وَنَحْوِهَا فَأَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ إِنْسَانٍ أَوْ مَتَاعٍ وَنَحْوِهِمَا فَعَل ذَلِكَ وُجُوبًا، لأَِثَرِ عُمَرَ ﵁ قَال: إِذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ أَحَدُكُمْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ (٢)، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِهِ، لأَِنَّ الأَْمْرَ فِيهِ يَسِيرٌ وَيُتَسَامَحُ فِيهِ، وَلأَِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ فِي سُجُودٍ يُجْزِئُهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل ذَلِكَ يُعْتَبَرُ مُتَخَلِّفًا عَنْ مُتَابَعَةِ الإِْمَامِ بِغَيْرِ عُذْرٍ (٣) .
قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُسْجِدَ وَلَوْ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ أَوْ قَدَمِهِ انْتَظَرَ زَوَال الْعُذْرِ، وَلاَ يُومِئُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى السُّجُودِ، ثُمَّ إِنْ تَمَكَّنَ مِنَ السُّجُودِ قَبْل رُكُوعِ إِمَامِهِ فِي
_________
(١) جواهر الإكليل ١ / ٦٩.
(٢) حديث عمر عن سيار بن المعرور قال: " سمعت عمر ﵁ يخطب وهو يقول إن رسول الله ﷺ بنى هذا المسجد ونحن معه المهاجرون والأنصار، فإذا اشتد الزحام فليسجد الرجل منكم على ظهر أخيه " رواه أحمد في المسند ١ / ٣٢، ورواه البيهقي في السنن الكبرى ٣ / ١٨٢ - ١٨٣.
(٣) ابن عابدين ١ / ٣٣٨، ومغني المحتاج ١ / ٢٩٨، والمغني ٢ / ٣١٣ - ٣١٤.
الثَّانِيَةِ سَجَدَ وُجُوبًا تَدَارُكًا عِنْدَ زَوَال الْعُذْرِ، فَإِنْ رَفَعَ عَنِ السُّجُودِ وَالإِْمَامُ بَعْدُ قَائِمٌ قَرَأَ مَا أَمْكَنَهُ مِنَ الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنًا يَسَعُ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَهُوَ كَمَسْبُوقٍ، وَرَكَعَ مَعَ الإِْمَامِ إِنْ رَكَعَ قَبْل إِتْمَامِهِ الْفَاتِحَةَ، وَلاَ يَضُرُّ التَّخَلُّفُ الْمَاضِي، لأَِنَّهُ تَخَلُّفٌ بِعُذْرِ، وَإِنْ رَفَعَ عَنِ السُّجُودِ وَالإِْمَامُ رَاكِعٌ يَرْكَعُ مَعَهُ وَهُوَ مَسْبُوقٌ، لأَِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ فِي مَوْضِعِ الْقِرَاءَةِ (١) . فَإِنْ كَانَ إِمَامُهُ قَدْ فَرَغَ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ وَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ كَالْمَسْبُوقِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَةً بَعْدَ سَلاَمِهِ لِفَوَاتِهَا كَالْمَسْبُوقِ، وَإِنْ سَلَّمَ الإِْمَامُ قَبْل أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ السُّجُودِ فَاتَتْ عَلَيْهِ الرَّكْعَةُ، وَعَلَيْهِ إِنْ كَانَتِ الصَّلاَةُ صَلاَةَ جُمُعَةٍ أَتَمَّهَا ظُهْرًا، لأَِنَّهُ لَمْ تَتِمَّ لَهُ رَكْعَةٌ فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرُّكُوعُ حَتَّى رَكَعَ الإِْمَامُ فِي الرَّكْعَةِ التَّالِيَةِ يَرْكَعُ، لِظَاهِرِ خَبَرِ: إِنَّمَا جُعِل الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا (٢)، وَلأَِنَّ مُتَابَعَةَ الإِْمَامِ آكَدُ، وَلِهَذَا يَتْبَعُهُ الْمَسْبُوقُ وَيَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ وَالْقِيَامَ، وَيُحْسَبُ رُكُوعُهُ الأَْوَّل، لأَِنَّهُ أَتَى بِهَا وَقْتَ الاِعْتِدَادِ بِالرُّكُوعِ، فَرَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الأُْولَى وَمِنْ سُجُودِ الثَّانِيَةِ الَّتِي أَتَى بِهَا، وَيَأْتِي بَعْدَ سَلاَمِ الإِْمَامِ بِرَكْعَةٍ، وَتَصِحُّ جُمُعَتُهُ إِنْ كَانَتِ الصَّلاَةُ جُمُعَةً، لِحَدِيثِ: مَنْ أَدْرَكَ مِنَ
_________
(١) مغني المحتاج ١ / ٢٩٨ - ٢٩٩، والمغني ٢ / ٣١٣ - ٣١٤.
(٢) حديث: " إنما جعل الإمام ليؤتم به. . . ". رواه البخاري (فتح الباري ٢ / ١٨٣)، ومسلم (١ / ٣٠٨) عن عائشة وأنس.
الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَل إِلَيْهَا أُخْرَى (١)، وَهَذَا قَدْ أَدْرَكَ رَكْعَةً، وَيَأْتِي بِالثَّانِيَةِ بَعْدَ سَلاَمِ الإِْمَامِ، فَإِنْ سَجَدَ الْمَزْحُومُ عَلَى تَرْتِيبِ صَلاَةِ نَفْسِهِ عَالِمًا بِأَنَّ وَاجِبَهُ الْمُتَابَعَةُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ (٢) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ زُوحِمَ عَنْ سَجْدَةٍ أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنَ الأُْولَى أَوْ غَيْرِهَا فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى قَامَ الإِْمَامُ لِمَا تَلِيهَا: فَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ فِي سُجُودِهَا أَيْ لَمْ يَتَحَقَّقْهُ أَوْ يَظُنَّهُ قَبْل عَقْدِ إِمَامِهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي تَلِيهَا بِرَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ رُكُوعِهَا - بِأَنْ تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ إِنْ سَجَدَهَا رَفَعَ إِمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ الَّتِي تَلِيهَا قَبْل لُحُوقِهِ أَوْ شَكَّ فِي هَذَا - تَمَادَى وُجُوبًا عَلَى تَرْكِ السَّجْدَةِ أَوِ السَّجْدَتَيْنِ وَتَبِعَ إِمَامَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ، فَإِنْ سَجَدَهَا وَلَحِقَ الإِْمَامَ فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ صَحَّتْ وَإِلاَّ بَطَلَتْ، وَقَضَى رَكْعَةً بَعْدَ سَلاَمِ إِمَامِهِ وَإِلاَّ سَجَدَهَا إِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ إِنْ سَجَدَهَا لَحِقَ الإِْمَامَ قَبْل عَقْدِ الَّتِي تَلِيهَا، فَإِنْ تَخَلَّفَ اعْتِقَادُهُ وَعَقَدَ الإِْمَامُ الرَّكْعَةَ دُونَهُ بَطَلَتِ الرَّكْعَةُ الأُْولَى لِعَدَمِ إِتْيَانِهِ بِسُجُودِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ وَالثَّانِيَةُ لِعَدَمِ إِدْرَاكِهِ رُكُوعَهَا مَعَ الإِْمَامِ، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى تَرْكِ السَّجْدَةِ لِعَدَمِ طَمَعِهِ فِيهَا قَبْل عَقْدِ إِمَامِهِ وَلَحِقَ الإِْمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَقَضَى رَكْعَةً بَعْدَ سَلاَمِهِ فَلاَ سُجُودَ عَلَيْهِ لِزِيَادَةِ رَكْعَةِ النَّقْصِ، إِذِ
_________
(١) حديث: " من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى ". رواه الحاكم في مستدركه (١ / ٢٩١) عن أبي هريرة وقال الذهبي: صحيح.
(٢) مغني المحتاج ١ / ٢٩٨ - ٢٩٩، والمغني ٢ / ٣١٣ - ٣١٤ - ٣١٥.
الإِْمَامُ يَحْمِلُهَا عَنْهُ إِنْ تَيَقَّنَ الْمَأْمُومُ تَرْكَ السَّجْدَةِ فَإِنْ شَكَّ فِيهِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلاَمِ لاِحْتِمَال زِيَادَةِ الرَّكْعَةِ الَّتِي أَتَى بِهَا بَعْدَ سَلاَمِ إِمَامِهِ (١) .
وَجَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ مَا رَكَعَ مَعَ الإِْمَامِ الرَّكْعَةَ الأُْولَى فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُسْجِدَ حَتَّى رَكَعَ الإِْمَامُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ قَال مَالِكٌ: لاَ أَرَى أَنْ يُسْجِدَ وَلْيَرْكَعْ مَعَ الإِْمَامِ هَذِهِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَيُلْغِي الأُْولَى وَيُضِيفُ إِلَيْهَا أُخْرَى، قَال مَالِكٌ: مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَزَحَمَهُ النَّاسُ بَعْدَمَا رَكَعَ مَعَ الإِْمَامِ الأُْولَى فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ حَتَّى فَرَغَ الإِْمَامُ مِنْ صَلاَتِهِ قَال: يُعِيدُ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَإِنْ هُوَ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَمَا رَكَعَ مَعَ الإِْمَامِ الأُْولَى، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ حَتَّى رَكَعَ الإِْمَامُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ قَال: لاَ أَرَى أَنْ يَسْجُدَ وَلْيَرْكَعْ مَعَ الإِْمَامِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَيُلْغِي الأُْولَى، وَقَال مَالِكٌ مَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَمَا رَكَعَ الإِْمَامُ وَقَدْ رَكَعَ مَعَهُ رَكْعَةً فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ مَعَهُ حَتَّى سَجَدَ الإِْمَامُ وَقَامَ قَال فَيَتْبَعُهُ مَا لَمْ يَخَفْ أَنْ يَرْكَعَ الإِْمَامُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، قَال ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ خَافَ أَنْ يَرْكَعَ الإِْمَامُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ أَلْغَى الَّتِي فَاتَتْهُ وَدَخَل مَعَ الإِْمَامِ فِيمَا يَسْتَقْبِل، وَإِنْ هُوَ صَلَّى مَعَ الإِْمَامِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ زَحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى
_________
(١) جواهر الإكليل ١ / ٦٩، ٧٠.
أَنْ يَرْكَعَهَا مَعَ الإِْمَامِ حَتَّى فَرَغَ الإِْمَامُ مِنْ صَلاَتِهِ، قَال مَالِكٌ يَبْنِي عَلَى صَلاَتِهِ وَيُضِيفُ إِلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى، قَال ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَال مَالِكٌ إِنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَلَمْ يَسْتَطِعِ السُّجُودَ إِلاَّ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ أَعَادَ الصَّلاَةَ، قِيل لَهُ: أَفِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ الْوَقْتِ؟ قَال: يُعِيدُ وَلَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ قَال مَالِكٌ (١) .
الْمَوْتُ فِي الزِّحَامِ
٤ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ الْمَوْتِ فِي زِحَامٍ لَوْثًا
فَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يُعْتَبَرُ الْمَوْتُ فِي الزَّحْمَةِ لَوْثًا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ، بَل هُوَ هَدَرٌ، وَبَهْ قَال الْحَنَابِلَةُ:
وَلَكِنَّهُمْ يُهْدِرُونَ دَمَهُ، وَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَال، وَهَذَا قَوْل إِسْحَاقَ، وَنُقِل ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ ﵄ (٢)، لِمَا رُوِيَ: أَنَّهُ قُتِل رَجُلٌ فِي زِحَامِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ فَجَاءَ أَهْلُهُ إِلَى عُمَرَ ﵁ فَقَال بَيِّنَتُكُمْ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، فَقَال عَلِيٌّ ﵁ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لاَ يُطَل دَمُ مُسْلِمٍ إِنْ عَلِمْتُ قَاتِلَهُ، وَإِلاَّ فَأَعْطِهِ دِيَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال (٣) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا تَزَاحَمَتْ جَمَاعَةٌ مَحْصُورُونَ فِي مُضِيقٍ كَمَسْجِدٍ فِي يَوْمِ عِيدٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ بَابِ الْكَعْبَةِ فَانْكَشَفُوا عَنْ قَتِيلٍ فَهُوَ
_________
(١) المدونة ١ / ١٤٦، ١٤٧.
(٢) شرح الزرقاني ٨ / ٥٤، والمغني ٨ / ٦٩.
(٣) أثر عمر وعلي أورده ابن قدامة في المغني (٨ / ٦٩)، وعزاه إلى سعيد بن منصور في سننه عن إبراهيم وهو النخعي وفيه انقطاع بينهما.
لَوْثٌ يَحِقُّ بِهِ لِوَرَثَةِ الْقَتِيل الْقَسَامَةُ لِقُوَّةِ الظَّنِّ: أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، وَلاَ يُشْتَرَطُ هُنَا كَوْنُهُمْ أَعْدَاءٌ لَهُ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا مَحْصُورِينَ بِحَيْثُ يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى قَتْلِهِ (١) .
الْمُزَاحَمَةُ عَلَى اسْتِلاَمِ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ
٥ - قَال الْفُقَهَاءُ: إِذَا تَعَذَّرَ اسْتِلاَمُ الْحَجَرِ لِزِحَامِ النَّاسِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ إِنْ صَبَرَ يَسِيرًا خَفَّ الزِّحَامُ وَأَمْكَنَهُ الاِسْتِلاَمُ صَبَرَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الزِّحَامَ لاَ يَخِفُّ تَرَكَ الاِسْتِلاَمَ وَلَمْ يُزَاحِمِ النَّاسَ بَل أَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ رَافِعًا يَدَهُ ثُمَّ يُقَبِّلُهَا (٢)، لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ﵀ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: يَا عُمَرُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لاَ تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلاَّ فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّل وَكَبِّرْ (٣) .
وَحُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ: أَنَّ الزِّحَامَ إِلَيْهِ أَفْضَل، رُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ قَال: كُنَّا نُزَاحِمُ ابْنَ عُمَرَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ ﵁ لَوْ زَاحَمَ الْجَمَل زَحَمَهُ.
هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَال، أَمَا النِّسَاءُ فَلاَ يُخْتَارُ لَهُنَّ الاِسْتِلاَمُ وَالتَّقْبِيل، وَإِذَا حَاذَيْنَ الْحَجَرَ أَشَرْنَ إِلَيْهِ (٤) .
_________
(١) مغني المحتاج ٤ / ١١١، وروض الطالب ٤ / ٩٨.
(٢) الحاوي الكبير ٥ / ١٧٨، ومغني المحتاج ١ / ٤٨٨، وابن عابدين ٢ / ١٦٦، والمغني ٣ / ٣٧٠، والشرح الصغير ٢ / ٤٨ - ٤٩.
(٣) حديث: " يا عمر، إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر " رواه أحمد في مسنده (١ / ٢٨)، والبيهقي في السنن الكبرى (٥ / ٨٠) عن عمر بن الخطاب.
(٤) الحاوي الكبير ٥ / ١٧٨.
مُزَارَعَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْمُزَارَعَةُ فِي اللُّغَةِ مِنْ زَرَعَ الْحَبَّ زَرْعًا وَزِرَاعَةً: بَذَرَهُ، وَالأَْرْضَ: حَرَثَهَا لِلزِّرَاعَةِ، وَزَرَعَ اللَّهُ الْحَرْثَ: أَنْبَتَهُ وَأَنْمَاهُ، وَزَارَعَهُ مُزَارَعَةً: عَامَلَهُ بِالْمُزَارَعَةِ (١) .
وَالْمُزَارَعَةُ: الْمُعَامَلَةُ عَلَى الأَْرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا (٢) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهَا الْفُقَهَاءُ بِعِدَّةِ تَعْرِيفَاتٍ.
فَعَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا: عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ (٣) .
وَعَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّهَا الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ (٤) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ: عَمَلٌ عَلَى أَرْضٍ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَالْبَذْرُ مِنَ الْمَالِكِ (٥) .
وَهِيَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: دَفْعُ أَرْضٍ وَحَبٍّ لِمَنْ
_________
(١) المعجم الوسيط، ولسان العرب، والمصباح المنير.
(٢) الشرح الصغير ٣ / ٤٩٣.
(٣) تكملة البحر الرائق ٨ / ١٨١، وتبيين الحقائق للزيلعي ٥ / ٢٧٨، وحاشية ابن عابدين ٦ / ٢٧٤، والمبسوط ٢٣ / ١٧، وبدائع الصنائع ٢٦ / ١٧٥، والهداية مع تكملة الفتح ٩ / ٤٦٢، والفتاوى الهندية ٥ / ٢٣٥.
(٤) حاشية الدسوقي ٣ / ٣٧٢.
(٥) مغني المحتاج ٢ / ٣٢٤ طبعة البابي الحلبي.