الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٧ الصفحة 7

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٧

مِنْ شَخْصٍ دُونَ آخَرَ، وَفِي قُطْرٍ دُونَ آخَرَ، وَفِي حَالٍ دُونَ آخَرَ، فَحَمْل الطَّعَامِ لِلْبَيْتِ وَالْمَاءِ شُحًّا يَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ، بِخِلاَفِ حَمْلِهَا اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ، وَلُبْسُ فَقِيهٍ قَبَاءً أَوْ قَلَنْسُوَةً فِي بَلَدٍ لاَ يُعْتَادُ لِلْفَقِيهِ لُبْسُهَا يَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ، وَالتَّقَشُّفُ فِي الْمَأْكَل وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ لِلْوَاجِدِ شُحًّا يَخْرِمُهَا، بِخِلاَفِ مَا إِذَا فَعَل ذَلِكَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَكَسْرًا لِلنَّفْسِ (١) .

٥ - النَّوْعُ الثَّانِي: الصِّنَاعَاتُ الدَّنِيئَةُ:

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الاِحْتِرَافَ بِصَنِعَةٍ يَحْرُمُ الاِحْتِرَافُ بِهَا شَرْعًا تُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ وَالْعَدَالَةَ.

وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ الْمُرُوءَةِ بِالاِحْتِرَافِ بِصَنِعَةِ دَنِيئَةٍ عُرْفًا مُبَاحَةٍ شَرْعًا.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الاِحْتِرَافَ بِصَنِعَةٍ دَنِيئَةٍ عُرْفًا تَنْخَرِمُ الْمُرُوءَةُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً شَرْعًا، كَحِجَامَةِ وَكَنْسٍ لِزِبْلٍ وَنَحْوِهِ وَدَبْغٍ وَكَقَيِّمِ حَمَّامٍ وَحَارِسٍ وَقَصَّابٍ وَإِسْكَافٍ مِمَّنْ لاَ تَلِيقُ بِهِ، وَلَيْسَتْ مِهْنَةَ آبَائِهِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهَا قُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ، لإِشْعَارِ ذَلِكَ بِقِلَّةِ مُرُوءَتِهِ، أَمَا إِذَا كَانَ مِمَّنْ تَلِيقُ بِهِ أَوْ كَانَتْ حِرْفَةَ آبَائِهِ أَوْ تَوَقَّفَ عَلَيْهَا قُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ فَلاَ

_________

(١) مغني المحتاج ٤ / ٤٣١، وشرح المنهج ٥ / ٣٨٢، والمراجع السابقة.

تَسْقُطُ الْمُرُوءَةُ بِهَا فِي الأَْصَحِّ، لأَِنَّهُ لاَ يُعَيَّرُ بِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلأَِنَّهَا حِرْفَةٌ مُبَاحَةٌ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا النَّاسُ (١) .

وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ تَسْقُطُ مُرُوءَتُهُ بِهَا، لأَِنَّ فِي اخْتِيَارِهِ لَهَا مَعَ اتِّسَاعِ طُرُقِ الْكَسْبِ إِشْعَارًا لِسُقُوطِ الْهِمَّةِ وَقِلَّةِ الْمُرُوءَةِ (٢) .

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ: تُقْبَل شَهَادَةُ أَصْحَابِ الصَّنَائِعِ الدَّنِيئَةِ إِذَا كَانَ غَالِبُ أَحْوَالِهِمُ الصَّلاَحَ.

قَال السِّمْنَانِيُّ: مَنِ اسْتَقَامَ مِنْهُمْ فِي الطَّرِيقَةِ وَعُرِفَ بِصَدْقِ اللَّهْجَةِ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ لَيْسَتِ الصَّنَاعَةُ بِضَائِرَةٍ لَهُ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمَا عَرَفْنَا بِشَهَادَتِهِمْ قِيَمَ الدَّوَابِّ وَعُيُوبَ الْحَيَوَانِ، وَلاَ بُدَّ فِي كُل صَنْعَةٍ مِنْ مَسْتُورٍ وَصَالِحٍ مُسْتَقِيمٍ، وَعَلَى هَذِهِ الأَْحْوَال وَجَدَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (٣) .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُ لاَ تَسْقُطُ الْمُرُوءَةُ بِحِرْفَةٍ مُبَاحَةٍ، فَتُقْبَل شَهَادَةُ مَنْ صِنَاعَتُهُ دَنِيئَةٌ عُرْفًا، كَالْحَجَّامِ وَالْكَنَّاسِ وَالْحَائِكِ وَالْحَارِسِ (٤) .

أَمَا مَا اتَّخَذَهُ أَرْبَابُ الدُّنْيَا مِنَ الْعَادَاتِ الَّتِي

_________

(١) الخرشي ٧ / ١٧٨، ومغني المحتاج ٤ / ٤٣٢، والجمل على شرح المنهج ٥ / ٣٨٣.

(٢) مغني المحتاج ٤ / ٤٣٢، وفتح القدير ٦ / ٤٨٦، وروضة القضاة ١ / ٢٤٠.

(٣) فتح القدير ٦ / ٤٨٦، وروضة القضاة ١ / ٢٤٠.

(٤) كشاف القناع ٦ / ٤٢٤.

لَمْ يُقَبِّحْهَا السَّلَفُ وَلاَ اجْتَنَبَهَا أَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ ﷺ مِثْل تَقَذُّرِهِمْ مِنْ حَمْل الْحَوَائِجِ وَالأَْقْوَاتِ لِلْعِيَال، وَلُبْسِ الصُّوفِ، وَرُكُوبِ الْحِمَارِ وَحَمْل الْمَاءِ عَلَى الظَّهْرِ وَالرِّزْمَةِ إِلَى السُّوقِ فَلاَ يُعْتَبَرُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْمُرُوءَةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَحْمِل الْوَاحِدُ مِنْهُمُ الْمَاءَ لأَِهْلِهِ، وَيَحْمِل الرِّزْمَةَ إِلَى السُّوقِ، وَقَدْ رَكِبَ الْمُصْطَفَى ﷺ الْحِمَارَ (١) . وَاحْتَذَى الْمَخْصُوفَ (٢) مَعَ كَوْنِهِ قَدْ أُوتِيَ مَكَارِمَ الأَْخْلاَقِ فَلاَ ازْدِرَاءَ فِي ذَلِكَ، وَلاَ إِسْقَاطَ مُرُوءَةٍ (٣) .

_________

(١) حديث: ركوب النبي ﷺ الحمار. أخرجه البخاري (فتح الباري ٦ / ٥٨)، ومسلم (١ / ٥٨) وفيه أن اسمه عُفَير من حديث معاذ بن جبل.

(٢) حديث: " كان يحتذى المخصوف ". أخرجه أحمد (٦ / ١٦٧) بلفظ: " كان رسول الله ﷺ يخصف نعله " وصححه ابن حبان (الإحسان ١٢ / ٤٩١) .

(٣) كشاف القناع ٦ / ٤٢٤ - ٤٢٥.

مُرُورٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الْمُرُورُ لُغَةً: الاِجْتِيَازُ، يُقَال: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَعَلَيْهِ مَرًّا وَمُرُورًا وَمَمَرًّا: اجْتَزْتُ، وَمَرَّ الدَّهْرُ مَرًّا وَمُرُورًا: ذَهَبَ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (١) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْوُقُوفُ:

٢ - الْوُقُوفُ لُغَةً: السُّكُونُ، يُقَال: وَقَفَتِ الدَّابَّةُ تَقِفُ وَقْفًا وَوُقُوفًا: سَكَنَتْ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (٢) .

وَالصِّلَةُ أَنَّ الْمُرُورَ ضَدُّ الْوُقُوفِ

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُرُورِ:

يَتَعَلَّقُ بِالْمُرُورِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي

٣ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمُرُورَ وَرَاءَ

_________

(١) لسان العرب، والمصباح المنير، والمفردات في غريب القرآن، ومغني المحتاج ١ / ٢٠٠.

(٢) لسان العرب، والمصباح المنير، ومراقي الفلاح ص٤٠٠.

سُتْرَةُ الْمُصَلِّي لاَ يَضُرُّ، وَأَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَيَأْثَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإِْثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ (١) .

وَلِلْفُقَهَاءِ فِي إِثْمِ الْمُصَلِّي أَوِ الْمَارِّ أَوْ إِثْمِهِمَا مَعًا تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي: (سُتْرَةُ الْمُصَلِّي ف ١٢) .

مَوْضِعُ الْمُرُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ:

٤ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ هُوَ مَوْضِعُ صَلاَةِ الْمُصَلِّي مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، هَذَا حُكْمُ الصَّحْرَاءِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ كَإِنْسَانِ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ لاَ يُكْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَالْمَسْجِدُ صَغِيرٌ كُرِهَ فِي أَيِّ مَكَانٍ كَانَ، وَقَالُوا: الْمَسْجِدُ الْكَبِيرُ كَالصَّحْرَاءِ (٢) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَ لِلْمُصَلِّي سُتْرَةٌ حَرُمَ الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ، وَلاَ يَحْرُمُ الْمُرُورُ مِنْ وَرَائِهَا، وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي لِغَيْرِ سُتْرَةٍ حَرُمَ الْمُرُورُ فِي قَدْرِ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَهُوَ الأَْوْفَقُ بِيُسْرِ الدِّينِ، وَقَال بَعْضُهُمْ: يَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيِ

_________

(١) حديث: " لو يعلم المار بين يدي المصلي. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٥٨٤) ومسلم (١ / ٣٦٣) من حديث أبي جهيم، وقوله: " من الإثم " ورد في إحدى روايات البخاري كما قال ابن حجر في شرحه (١ / ٥٨٥) .

(٢) الفتاوى الهندية ١ / ١٠٤، وابن عابدين ١ / ٤٤٦.

الْمُصَلِّي فِي قَدْرِ رَمْيَةِ حَجَرٍ أَوْ سَهْمٍ أَوْ رُمْحٍ (١) .

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا قَدْرُ ثَلاَثَةِ أَذْرُعٍ فَأَقَل (٢) .

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ وَلَوْ كَانَتِ السُّتْرَةُ بَعِيدَةً مِنَ الْمُصَلِّي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُتْرَةٌ فَيَحْرُمُ الْمُرُورُ فِي قَدْرِ ثَلاَثَةِ أَذْرُعِ يَدٍ مِنْ مَوْضِعِ قَدَمِ الْمُصَلِّي (٣) .

الْمُرُورُ أَمَامَ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

٥ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُمْنَعُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي خَلْفَ الْمَقَامِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلاَ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ (٤)﴾، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّائِفِينَ لأَِنَّ الطَّوَافَ صَلاَةٌ فَصَارَ كَمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفٌ مِنَ الْمُصَلِّينَ.

قَال الْمَالِكِيَّةُ: يُرَخَّصُ بِالْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَوْ كَانَ لِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ، وَيُكْرَهُ لِلطَّائِفِ إِنْ كَانَتْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ إِنْ صَلَّى لِسُتْرَةٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِنْ صَلَّى لِغَيْرِ سُتْرَةٍ فَيَجُوزُ الْمُرُورُ مُطْلَقًا.

وَتَوَسَّعَ الْحَنَابِلَةُ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: لاَ يُرَدُّ الْمَارُّ

_________

(١) الخرشي مع حاشية العدوي ١ / ٢٧٩، والدسوقي ١ / ٢٤٦.

(٢) مغني المحتاج ١ / ٢٠٠.

(٣) مطالب أولي النهى ١ / ٤٨٩.

(٤) حديث: " أن النبي ﷺ كان يصلي مما يلي باب بني سهم. . . ". أخرجه أبو داود (٢ / ٥١٨) من حديث المطلب بن وداعة، وفي إسناده جهالة.

بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ، قَال أَحْمَدُ: لأَِنَّ مَكَّةَ لَيْسَتْ كَغَيْرِهَا، لِكَثْرَةِ النَّاسِ وَازْدِحَامِهَا بِهِمْ، فَمَنْعُهُمْ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِمْ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِمَكَّةَ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرَةٌ، وَأَلْحَقَ الْمُوَفَّقُ بِمَكَّةَ سَائِرَ الْحَرَمِ. قَال الرَّحِيبَانِيُّ: وَيُتَّجَهُ إِنَّمَا يَتَمَشَّى كَلاَمُ الْمُوَفَّقِ فِي زَمَنِ الْحَجِّ لِكَثْرَةِ النَّاسِ وَاضْطِرَارِهِمْ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَجِّ فَلاَ حَاجَةَ لِلْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لِلاِسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَكَلاَمُ أَحْمَدَ يَمْكَنُ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلاَةِ فِي الْمَطَافِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ (١) .

ضَمَانُ مَا يَنْشَأُ عَنْ مُقَاتَلَةِ الْمَارِّ

٦ - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَدَّى الدَّفْعُ الْمَشْرُوعُ مِنَ الْمُصَلِّي لِلْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى مَوْتِهِ - مَعَ التَّدَرُّجِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الدَّفْعِ - لاَ يَضْمَنُهُ الْمُصَلِّي وَدَمُهُ هَدَرٌ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ (٢) أَيْ فِيهِ شَيْطَانٌ أَوْ هُوَ شَيْطَانُ الإِْنْسِ (٣) .

_________

(١) رد المحتار على الدر المختار ١ / ٤٢٧ و٢ / ١٧٢، والخرشي ١ / ٢٧٩، ٢٨٠، مع حاشية العدوي ونهاية المحتاج ٢ / ٥٢، ٥٣، ومطالب أولي النهى ١ / ٤٨٢.

(٢) حديث: " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٥٨٢) ومسلم (١ / ٣٦٣) من حديث أبي سعيد الخدري، واللفظ للبخاري.

(٣) مغني المحتاج ١ / ٢٠٠، ومطالب أولي النهى ١ / ٤٨٣.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مُقَاتَلَةَ الْمَارِّ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِهَا، فَإِنْ أَدَّتِ الْمُقَاتَلَةُ إِلَى قَتْل الْمَارِّ كَانَ قَتْلُهُ جِنَايَةً، فَيَلْزَمُ الْمُصَلِّيَ مُوجِبُهَا مِنْ دِيَةٍ أَوْ قَوَدٍ (١) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَدْفَعُ الْمُصَلِّي الْمَارَّ دَفْعًا خَفِيفًا لاَ يَشْغَلُهُ فَإِنْ كَثُرَ أَبْطَل، وَلَوْ دَفَعَهُ دَفْعًا مَأْذُونًا فِيهِ فَسَقَطَ مِنْهُ دِينَارٌ أَوِ انْخَرَقَ ثَوْبُهُ ضَمِنَ، وَلَوْ مَاتَ الْمَارُّ بِدَفْعِ الْمُصَلِّي كَانَتْ دِيَةُ الْمَارِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُصَلِّي، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ لَمَّا كَانَ الدَّفْعُ مَأْذُونًا فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ كَانَ كَالْخَطَأِ (٢) .

أَثَرُ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي فِي قَطْعِ الصَّلاَةِ وَنَقْصِهَا

٧ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ وَلاَ يُبْطِلُهَا، وَلَوْ كَانَ بِالصِّفَّةِ الَّتِي تُوجِبُ الإِْثْمَ عَلَى الْمَارِّ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ (٣)، وَقَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْل وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ (٤)، وَلِحَدِيثِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ

_________

(١) حاشية ابن عابدين ١ / ٤٢٩.

(٢) حاشية العدوي على الخرشي ١ / ٢٨٠.

(٣) حديث: " لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم. . . ". أخرجه أبو داود (١ / ٤٦٠) من حديث أبي سعيد الخدري، وقال الزيلعي عن راويه مجالد بن سعيد: " فيه مقال " كذا في نصب الراية (٢ / ٧٦) .

(٤) حديث عائشة: " كان رسول الله ﷺ يصلي من الليل. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٥٩٠) ومسلم (١ / ٣٦٦) واللفظ لمسلم.

حِينَ مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَقْطَعِ الصَّلاَةَ (١) .

وَقَال الْحَنَابِلَةُ مِثْل ذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّهُمُ اسْتَثْنَوُا الْكَلْبَ الأَْسْوَدَ الْبَهِيمَ فَقَالُوا: إِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي يَنْقُصُ الصَّلاَةَ وَلاَ يَقْطَعُهَا، قَال الْقَاضِي: يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَل ذَلِكَ عَلَى مَنْ أَمْكَنَهُ الرَّدُّ فَلَمْ يَفْعَل (٢) .

الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيِ الْمَأْمُومِينَ

٨ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَأْمُومِينَ، وَاخْتِلاَفُهُمْ هَذَا فَرْعٌ عَنِ اخْتِلاَفِهِمْ فِي سُتْرَةِ الإِْمَامِ وَفِي الإِْمَامِ، هَل يَكُونُ أَيٌّ مِنْهُمَا سِتْرَةً لِلْمَأْمُومَيْنِ أَوْ لاَ يَكُونُ؟

وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (سُتْرَةُ الْمُصَلِّي ف ١١) .

الْمُرُورُ أَمَامَ الْمُصَلِّي فِي مَكَانٍ مَغْصُوبٍ

٩ - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ: عَلَى أَنَّهُ إِذَا صَلَّى مُسْلِمٌ بِسُتْرَةٍ فِي مَكَانٍ مَغْصُوبٍ لَمْ يَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَلَمْ يُكْرَهْ، سَوَاءٌ وَجَدَ الْمَارُّ سَبِيلًا غَيْرَهُ أَمْ لاَ (٣) .

_________

(١) حديث: " أن زينب بنت أم سلمة حين مرت بين يدي رسول الله ﷺ. . . ". أخرجه ابن ماجه (١ / ٣٠٥) بهذا المعنى من حديث أم سلمة، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (١ / ١٨٧) .

(٢) حاشية ابن عابدين ١ / ٤٢٦، والفتاوى الهندية ١ / ١٠٤، والحطاب ١ / ٥٣٢ - ٥٣٤، ومغني المحتاج ١ / ٢٠١، والمغني لابن قدامة ٢ / ٢٤٧ - ٢٤٩.

(٣) نهاية المحتاج ٢ / ٥٢، ٥٣.

وَلِلْحَنَابِلَةِ وَجْهَانِ فِيمَنْ صَلَّى إِلَى سُتْرَةٍ مَغْصُوبَةٍ وَمَرَّ مِنْ وَرَائِهَا كَلْبٌ أَسْوَدُ

أَحَدُهُمَا: تَبْطُل صَلاَتُهُ لأَِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ نَصْبِهَا وَالصَّلاَةِ إِلَيْهَا فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا.

وَالثَّانِي: لاَ تَبْطُل لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: يَقِي مِنْ ذَلِكَ مِثْل مُؤْخِرَةِ الرَّحْل (١) وَهَذَا قَدْ وُجِدَ (٢) .

الْمُرُورُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ

١٠ - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً ثُمَّ أَحَاطَ الإِْحْيَاءُ بِجَوَانِبِهَا الأَْرْبَعَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَلَى التَّعَاقُبِ تَعَيَّنَ مُرُورُ الأَْوَّل فِي الأَْرْضِ الرَّابِعَةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الإِْحْيَاءُ جَمِيعُهُ لِوَاحِدٍ فَلَهُ أَنْ يَمُرَّ إِلَى أَرْضِهِ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ (٣) .

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْمُرُورُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَلَمْ يَضُرَّ وَإِنْ مَنَعَهُ (٤) .

الْمُرُورُ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ

١١ - الطَّرِيقُ الْعَامُّ - وَهِيَ النَّافِذَةُ - مِنَ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ، وَلِلْجَمِيعِ الاِنْتِفَاعُ بِهَا بِمَا لاَ يَضُرُّ الآْخَرِينَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَمَنْفَعَتُهَا الأَْصْلِيَّةُ الْمُرُورُ فِيهَا لأَِنَّهَا وُضِعَتْ لِذَلِكَ، فَيُبَاحُ لَهُمُ الاِنْتِفَاعُ بِمَا وُضِعَ لَهُ وَهُوَ الْمُرُورُ بِلاَ خِلاَفٍ.

_________

(١) حديث: " يقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل ". أخرجه مسلم (١ / ٣٦٦) من حديث أبي هريرة.

(٢) المغني لابن قدامة ٢ / ٢٥٤.

(٣) رد المحتار ٥ / ٢٧٨.

(٤) القليوبي وعميرة ١ / ٣١١.