الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٧
مَرْفِقٌ
التَّعْرِيفُ
١ - الْمَرْفِقُ كَمَسْجِدٍ وَمِنْبَرٍ لُغَتَانِ، وَيُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:
الأَْوَّل: مِرْفَقُ الإِْنْسَانِ، وَهُوَ آخِرُ عَظْمِ الذِّرَاعِ الْمُتَّصِل بِالْعَضُدِ، أَوْ مُجْتَمَعُ طَرَفِ السَّاعِدِ وَالْعَضُدِ، وَيُجْمَعُ عَلَى مَرَافِقَ.
الثَّانِي: مِرْفَقُ الدَّارِ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ كُل مَا يُرْتَفَقُ بِهِ مِنْ مَطْبَخٍ، وَكَنِيفٍ وَمَصَابِّ الْمِيَاهِ، وَقِيل: مِرْفَقُ الدَّارِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ لاَ غَيْرُ، عَلَى التَّشْبِيهِ بِاسْمِ الآْلَةِ (١) .
وَالْمِرْفَقُ بِهَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي قَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (ارْتِفَاقٌ) .
وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ الْمِرْفَقَ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ (٢)
. الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعَضُدُ:
٢ - يَطْلُقُ الْعَضُدُ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا:
مَا بَيْنَ الْمِرْفَقِ
_________
(١) القاموس المحيط، والمعجم الوسيط، والمصباح المنير مادة " رفق "، وابن عابدين ١ / ٦٧ ط. بولاق، ومطالب أولي النهى ١ / ١١٩ ط. المكتب الإسلامي، وكفاية الطالب ١ / ١٨٣.
(٢) ابن عابدين ١ / ٦٧ ط. بولاق، وجواهر الإكليل ١ / ١٤ ط. دار الباز، والقليوبي وعميرة ٣ / ٣٠١، وكفاية الطالب ١ / ١٥٣ ط. مصطفى البابي الحلبي.
إِلَى الْكَتِفِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَعْضَادٍ، وَمِنْهَا الْمُعِينُ وَالنَّاصِرُ (١)، وَمِنْهُ قَوْلهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ (٢) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمِرْفَقِ وَالْعَضُدِ الْمُجَاوَرَةُ.
ب - الْيَدُ:
٣ - لِلْيَدِ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ إِطْلاَقَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ، وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى تُطْلَقُ عَلَى ثَلاَثَةِ مَعَانٍ:
الْكَفُّ فَقَطْ، وَالْكَفُّ وَالذِّرَاعُ، وَالْكَفُّ وَالذِّرَاعُ وَالْعَضُدُ (٣) .
فَالْمِرْفَقُ وَالْعَضُدُ وَالذِّرَاعُ جَمِيعًا مِنْ أَجَزَاءِ الْيَدِ عَلَى الإِْطْلاَقِ الثَّالِثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى الإِْطْلاَقِ الأَْوَّل وَالثَّانِي.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْمِرْفَقِ بِاخْتِلاَفِ مَوَاطِنِهِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
غَسْل الْمِرْفَقِ فِي الْوُضُوءِ
٤ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْل الْمِرْفَقَيْنِ مَعَ الْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ (٤)،
_________
(١) المصباح المنير، والمعجم الوسيط مادة " عضد " وتفسير ابن كثير ٥ / ٢٨٠ ط. دار الأندلس.
(٢) سورة الكهف / ٥١.
(٣) بداية المجتهد ١ / ١٢ ط. مكتبة الكليات الأزهرية، والمعجم الوسيط، والمصباح المنير مادة " يدي ".
(٤) سورة المائدة / ٦.
وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَل: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ مَعَ الْمَرَافِقِ، لأَِنَّ " إِلَى " تُسْتَعْمَل بِمَعْنَى " مَعَ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ (١) أَيْ مَعَ قُوَّتِكُمْ.
وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالطَّبَرِيُّ: لاَ يَجِبُ غَسْل الْمِرْفَقَيْنِ، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْغَسْل إِلَيْهِمَا فَلاَ يَدْخُل الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل﴾ (٢) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ دُخُول الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْغَسْل اسْتِحْبَابًا لِكَوْنِهِ أَحْوَطَ، لِزَوَال مَشَقَّةِ التَّحْدِيدِ (٣) .
وَإِنْ خُلِقَتِ الْيَدَانِ بِلاَ مِرْفَقَيْنِ كَالْعَصَا، فَصَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ يُغْسَل إِلَى قَدْرِهِمَا مِنْ غَالِبِ النَّاسِ إِلْحَاقًا لِلنَّادِرِ بِالْغَالِبِ.
وَقَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: يَجِبُ غَسْلُهُمَا لِلإِْبْطِ احْتِيَاطًا، وَفِيهِ، وَفِي غَسْل الأَْقْطَعِ مِنْ مَفْصِل
_________
(١) سورة هود / ٥٢.
(٢) سورة البقرة / ١٨٧.
(٣) ابن عابدين ١ / ٦٧ ط. بولاق، والاختيار ١ / ٧ ط. دار المعرفة، وفتح القدير ١ / ١٠ ط. الأميرية، وبدائع الصنائع ١ / ٤ ط. دار الكتاب العربي، وبداية المجتهد ١ / ١١، ١٢ ط. مكتبة الكليات الأزهرية، وجواهر الإكليل ١ / ١٤ ط. دار الباز، وكفاية الطالب / ١٥٣، ١٥٤، والقليوبي وعميرة ١ / ٢٤٩، وأسنى المطالب ١ / ٣٢ ط. المكتبة الإسلامية، والجمل / ١١٢ ط. إحياء التراث العربي، والمغني ١ / ١٢٢، ونيل المآرب ١ / ٦٣ ط. مكتبة الفلاح، وكشاف القناع ١ / ٩٧ ط. عالم الكتب، ومطالب أولي النهى ١ / ١٠١، ١١٥.
مِرْفَقٍ، أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ تَفْصِيلٌ (١) يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (وُضُوءٌ) .
وَأَمَّا مَسْحُ الْمِرْفَقَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ، وَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (تَيَمُّمٌ ف ١١) .
كَيْفِيَّةُ وَضْعِ الْمِرْفَقِ فِي السُّجُودِ:
٥ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مِنْ سُنَنِ السُّجُودِ لِلرَّجُل غَيْرِ الْعَارِي مُجَافَاةَ مِرْفَقَيْهِ عَنْ رُكْبَتَيْهِ فِي السُّجُودِ، بِحَيْثُ يَكُونَانِ بِعِيدَيْنِ عَنْ جَنْبَيْهِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَفْعَل ذَلِكَ فِي سُجُودِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ ﷺ كَانَ إِذَا سَجَدَ لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ (٢)، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى لَوْ أَنَّ بَهْمَةً أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ تَحْتَ يَدَيْهِ مَرَّتْ (٣)، وَذَلِكَ يَدُل عَلَى شِدَّةِ مُبَالَغَتِهِ فِي رَفْعِ مِرْفَقَيْهِ وَعَضُدَيْهِ (٤) .
_________
(١) فتح القدير ١ / ١٠، والفتاوى الهندية ١ / ٤، وكفاية الطالب ١ / ١٥٣ ط. مصطفى البابي، وحاشية الجمل ١ / ١١٢، والمغني ١ / ١٢٣.
(٢) حديث: " كان إذا سجد لو شاءت بهمة. . . ". أخرجه مسلم (١ / ٣٥٧) من حديث ميمونة ﵂.
(٣) حديث: " كان إذا سجد جافى بين يديه. . . ". أخرجه أبو داود (١ / ٥٥٤، ٥٥٥) والنسائي (٢ / ٢١٣) من حديث ميمونة ﵂، واللفظ لأبي داود.
(٤) ابن عابدين ١ / ٣٣٩ ط. بولاق، وفتح القدير ١ / ٣١٥، ٣١٦ ط. الأميرية، والاختيار ١ / ٥٢ ط. دار المعرفة، وجواهر الإكليل ١ / ٥١ ط. دار الباز، والقوانين الفقهية ص٦٦ ط. دار الكتاب العربي، وحاشية الجمل ١ / ٣٧٧، ٣٧٨ ط. دار إحياء التراث العربي، وأسنى المطالب ١ / ١٦٢ ط. المكتبة الإسلامية، ومطالب أولي النهى ١ / ٤٥٣ ط. المكتب الإسلامي، والمغني ١ / ٥١٩، وكشاف القناع ١ / ٣٥٣ ط. عالم الكتب.
وَقِيل: إِذَا كَانَ فِي الصَّفِّ لاَ يُجَافِي، كَيْ لاَ يُؤْذِيَ جَارَهُ (١) .
وَزَادَ الرَّحِيبَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: بِأَنَّهُ يَجِبُ تَرْكُهُ فِي حَالَةِ الإِْيذَاءِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ لِحُصُول الإِْيذَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَنَصَّ أَيْضًا بِأَنَّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَعْتَمِدَ بِمِرْفَقَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ إِنْ طَال سُجُودُهُ لِيَسْتَرِيحَ (٢)، لِقَوْلِهِ ﷺ، وَقَدْ شَكَوْا إِلَيْهِ مَشَقَّةَ السُّجُودِ عَلَيْهِمْ: اسْتَعِينُوا بِالرُّكَبِ (٣) .
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَضُمُّ الْمِرْفَقَيْنِ إِلَى الْجَنْبَيْنِ فِي جَمِيعِ الصَّلاَةِ، لأَِنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا.
وَكَذَلِكَ الْعَارِي، فَالأَْفْضَل لَهُ الضَّمُّ وَعَدَمُ التَّفْرِيقِ، وَإِنْ كَانَ خَالِيًا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ (٤) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ مِنْ كَمَال السُّجُودِ رَفْعَ الْمِرْفَقَيْنِ عَنِ الأَْرْضِ (٥)، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ، وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ (٦) .
_________
(١) فتح القدير ١ / ٢١٥ ط. الأميرية.
(٢) مطالب أولي النهى ١ / ٤٥٢، ٤٥٣، وكشاف القناع ١ / ٣٥٣.
(٣) حديث: " استعينوا بالركب ". أخرجه أبو داود (١ / ٥٥٦) والترمذي (٢ / ٧٧ - ٧٨) من حديث أبي هريرة.
(٤) ابن عابدين ١ / ٣٣٩ ط. بولاق، والقوانين الفقهية / ٦٦ ط. دار الكتاب العربي، وحاشية الجمل ١ / ٣٣٧، ٣٧٨، وأسنى المطالب ١ / ١٦٢ ط. المكتبة الإسلامية.
(٥) المغني ١ / ٥٢٠، وكشاف القناع ١ / ٣٥٢.
(٦) حديث: " إذا سجدت فضع كفيك. . . ". أخرجه مسلم (١ / ٣٥٦) من حديث البراء بن عازب.
الْقِصَاصُ فِي الْمِرْفَقِ
٦ - مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ الاِسْتِيفَاءُ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ، وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْيَدِ بِأَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ مَفْصِلٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَفْصِلٍ فَلاَ قِصَاصَ فِيهِ مِنْ مَوْضِعِ الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ بَل فِيهِ الدِّيَةُ، وَعَلَى هَذَا:
لَوْ قَطَعَ يَدَ شَخْصٍ مِنَ الْمِرْفَقِ فَلَهُ الْقِصَاصُ مِنْهُ، لأَِنَّهُ مَفْصِلٌ، وَلَيْسَ لَهُ الْقَطْعُ مِنَ الْكُوعِ، لأَِنَّهُ أَمْكَنَهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ، وَالاِقْتِصَاصُ يَكُونُ مِنْ مَحَل الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْعُدُول إِلَى غَيْرِهِ (١) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جِنَايَةٌ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ ف ١١) .
دِيَةُ الْمِرْفَقِ
٧ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي قَطْعِ الْيَدَيْنِ، وَوُجُوبِ نِصْفِهَا فِي قَطْعِ إِحْدَاهُمَا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا قَطَعَ مَا فَوْقَ الْكُوعِ أَيْ مِنْ بَعْضِ السَّاعِدِ أَوِ الْمِرْفَقِ عَلَى أَقْوَالٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (دِيَاتٌ ف ٤٣) .
النَّظَرُ إِلَى مِرْفَقِيِ الْمَرْأَةِ
٨ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مِرْفَقِيِ الْمَرْأَةِ
_________
(١) تكملة فتح القدير ٨ / ٢٧٠ ط. الأميرية ببولاق، والاختيار ٥ / ٣٠، وابن عابدين ٥ / ٣٥٤ ط. بولاق، والزرقاني ٨ / ١٨، ١٩ ط. دار الفكر، ومواهب الجليل ٦ / ٢٤٦، وروضة الطالبين ٩ / ١٨١، ونهاية المحتاج ٧ / ٢٧٠ ط. المكتبة الإسلامية، والمغني ٧ / ٧٠٧، ٧٠٩، ونيل المآرب ٢ / ٣٢٦.
عَوْرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْجْنَبِيِّ، وَوَرَدَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْل بِجِوَازِ إِظْهَارِ ذِرَاعَيْهَا لأَِنَّهُمَا يَبْدُوَانِ مِنْهَا عَادَةً.
أَمَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَحَارِمِ لِنَسَبٍ أَوْ سَبَبِ مُصَاهَرَةٍ أَوْ رَضَاعٍ فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ جِوَازَ النَّظَرِ إِلَى الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ (١) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٌ ف ٣، ٦) .
مَرْهُونٌ
انْظُرْ: رَهْنٌ
_________
(١) تكملة فتح القدير ٨ / ١٠٣، ١٠٤ ط. الأميرية ببولاق، وتبيين الحقائق ٦ / ١٩ ط. دار المعرفة، والقوانين الفقهية / ٤٣٧، ومغني المحتاج ٣ / ١٢٩ ط. مصطفى البابي الحلبي، ومطالب أولي النهى ٥ / ١٣ ط. المكتب الإسلامي.
مُرُوءَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْمُرُوءَةُ فِي اللُّغَةِ: آدَابٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَحْمِل مُرَاعَاتُهَا الإِْنْسَانَ عَلَى الْوُقُوفِ عِنْدَ مُحَاسِنِ الأَْخْلاَقِ وَجَمِيل الْعَادَاتِ (١) .
يُقَال: مَرُؤَ الرَّجُل فَهُوَ مَرِيءٌ: أَيْ ذُو مُرُوءَةٍ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهَا الْفُقَهَاءُ بِتَعَارِيفَ مُتَقَارِبَةٍ ضَابِطُهَا: الاِسْتِقَامَةُ، قَال الْقَلْيُوبِيُّ: إِنَّهَا صِفَةٌ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا عَنِ ارْتِكَابِ الْخِصَال الرَّذِيلَةِ (٢) .
وَقَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَأَحْسَنُ مَا قِيل فِي تَفْسِيرِ الْمُرُوءَةِ أَنَّهَا تَخَلُّقُ الْمَرْءِ بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ مِنْ أَبْنَاءِ عَصْرِهِ مِمَّنْ يُرَاعِي مَنَاهِجَ الشِّرْعِ وَآدَابِهِ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ (٣) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْعَدَالَةُ:
٢ - الْعَدَالَةُ فِي اللُّغَةِ: صِفَةٌ تُوجِبُ مُرَاعَاتُهَا
_________
(١) المصباح المنير مادة (مرؤ) .
(٢) حاشية القليوبي ٣ / ٢٣٦.
(٣) مغني المحتاج ٤ / ٤٣١.
الاِحْتِرَازَ عَمَّا يُخِل بِالْمُرُوءَةِ عَادَةً ظَاهِرًا (١) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَعَدَمُ الإِْصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ أَوْ أَنْوَاعٍ (٢) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُرُوءَةِ:
الْمُرُوءَةُ فِي الشَّهَادَةِ
٣ - الْمُرُوءَةُ مِنْ لَوَازِمِ قَبُول الشَّهَادَةِ، فَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ فَوْقَ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَعَدَمِ الإِْصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ: التَّرَفُّعُ عَنِ ارْتِكَابِ الأُْمُورِ الدَّنِيئَةِ الْمُزْرِيَةِ بِالْمَرْءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَرَامًا، وَهِيَ كُل مَا يُذَمُّ فَاعِلُهُ عُرْفًا مِنْ أَمْثَالِهِ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ، لأَِنَّ الأُْمُورَ الْعُرْفِيَّةَ قَلَّمَا تَنْضَبِطُ، بَل تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَْشْخَاصِ وَالأَْزْمِنَةِ وَالْبُلْدَانِ (٣) .
مُسْقِطَاتُ الْمُرُوءَةِ
تَسْقُطُ الْمُرُوءَةُ بِالأُْمُورِ الدَّنِيئَةِ وَهِيَ نَوْعَانِ:
٤ - أَحَدُهُمَا فِي الأَْفْعَال: كَالأَْكْل فِي السُّوقِ وَكَشْفِ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِتَغْطِيَتِهِ مِنْ بَدَنِهِ،
_________
(١) المصباح المنير.
(٢) مغني المحتاج ٤ / ٤٢٧، والمغني ٩ / ١٦٧.
(٣) حاشية ابن عابدين ٤ / ٣٨٢ - ٣٨٣، وفتح القدير ٦ / ٤٨٥ - ٤٨٦، ومغني المحتاج ٤ / ٤٣١، والخرشي ٧ / ٧٧، والمغني ٩ / ١٦٨ - ١٦٩.
وَكَشْفِ رَأْسِهِ فِي بَلَدٍ يُعَدُّ فِعْلُهُ خَفَّةً وَسُوءَ أَدَبٍ، وَالْبَوْل عَلَى الطَّرِيقِ وَمَدِّ رِجْلِهِ عِنْدَ النَّاسِ، وَالتَّمَسْخُرِ بِمَا يَضْحَكُ النَّاسُ بِهِ، وَمُخَاطَبَةُ امْرَأَتِهِ بِالْخِطَابِ الْفَاحِشِ، وَمَشْيُ الْوَاجِدِ حَافِيًا، فَفَاعِل هَذِهِ الأَْشْيَاءِ وَنَحْوِهَا تَسْقُطُ مُرُوءَتُهُ فَلاَ تَقْبَل شَهَادَتُهُ، وَإِنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وَلَمْ يُصِرَّ عَلَى الصَّغَائِرِ لأَِنَّهَا سُخْفٌ وَدَنَاءَةٌ، فَمَنْ رَضِيَ لِنَفْسِهِ هَذِهِ الأَْفْعَال وَاسْتَحْسَنَهَا فَلَيْسَتْ لَهُ مُرُوءَةٌ، فَلاَ تَحْصُل الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ، وَلأَِنَّ الْمُرُوءَةَ تَمْنَعُ عَنِ الْكَذِبِ وَتَزْجُرُ عَنْهُ، وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ ذُو الْمُرُوءَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا دِينٍ، وَإِذَا كَانَتِ الْمُرُوءَةُ مَانِعَةً مِنَ الْكَذِبِ اعْتُبِرَتْ فِي الْعَدَالَةِ كَالدِّينِ، وَيُشْتَرَطُ فِي انْخِرَامِ الْعَدَالَةِ بِالأَْفْعَال الْمَذْكُورَةِ أَنْ يَفْعَلَهَا فِي مَحْضَرٍ مِنَ النَّاسِ وَأَنْ يَتَّخِذَهَا عَادَةً، فَإِنْ فَعَلَهَا مُخْتَفِيًا أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ تَسْقُطْ بِهَا الْمُرُوءَةُ، لأَِنَّ صَغَائِرَ الْمَعَاصِي لاَ تُؤَثِّرُ فِي الْعَدَالَةِ إِذَا لَمْ تَتَكَرَّرْ مِنْهُ، فَهَذَا أَوْلَى (١) .
وَتَخْتَلِفُ الْمُرُوءَةُ بِاخْتِلاَفِ الأَْشْخَاصِ وَالأَْزْمَانِ وَالأَْمَاكِنِ، فَقَدْ يُسْتَقْبَحُ فِعْل شَيْءٍ مَا
_________
(١) المغني ٩ / ١٦٨ - ١٦٩، وفتح القدير ٦ / ٤٨٥ - ٤٨٦، وروضة القضاة للسمناني ١ / ٢٣٩، والخرشي ٧ / ١٧٧، والقوانين الفقهية ص٢٠٣، ومغني المحتاج ٤ / ٤٣١.