الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٦
الْعَصِيرُ عِنْدَهُ، أَوْ عِنْدَهُ خَمْرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ مَمْلُوكَيْنِ لَهُ وَأَسْلَمَ عَلَيْهِمَا، وَمَاتَ قَبْل أَنْ يُزِيلَهُمَا وَلَهُ وَارِثٌ مُسْلِمٌ فَيَرِثُهُمَا، وَاصْطَادَ الْخِنْزِيرَ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمِلْكِيَّةَ تَثْبُتُ عَلَى الْمَال، وَالْمَالِيَّةُ ثَابِتَةٌ فِي غَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ، وَلَكِنْ عَدَمُ التَّقَوُّمِ يُنَافِي وُرُودَ الْعُقُودِ مِنَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمَال غَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ (١) .
وَقَدْ يُرَادُ أَحْيَانًا بِالْمُتَقَوِّمِ عَلَى أَلْسِنَةِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ مَعْنَى الْمُحْرَزِ، حَيْثُ إِنَّهُمْ يُطْلِقُونَ مُصْطَلَحَ (غَيْرُ الْمُتَقَوِّمِ) أَيْضًا عَلَى الْمَال الْمُبَاحِ قَبْل الإِْحْرَازِ، كَالسَّمَكِ فِي الْبَحْرِ، وَالأَْوَابِدِ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَالأَْشْجَارِ فِي الْغَابَاتِ، وَالطَّيْرِ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، فَإِذَا اصْطِيدَ أَوِ احْتُطِبَ صَارَ مُتَقَوِّمًا بِالإِْحْرَازِ (٢) .
أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ الْحَنَابِلَةِ فَقَدِ اعْتَبَرُوا إِبَاحَةَ الاِنْتِفَاعِ عُنْصُرًا مِنْ عَنَاصِرِ الْمَالِيَّةِ، فَالشَّيْءُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُبَاحٌ الاِنْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا فَلَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَظْهَرْ عِنْدَهُمْ تَقْسِيمُ الْمَال إِلَى مُتَقَوِّمٍ وَغَيْرِ مُتَقَوِّمٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُمْ إِذَا أَطْلَقُوا لَفْظَ (الْمُتَقَوِّمُ) أَرَادُوا بِهِ مَا لَهُ قِيمَةٌ بَيْنَ النَّاسِ وَ(غَيْرُ الْمُتَقَوِّمِ) مَا لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ فِي عُرْفِهِمْ.
وَعَلَى ذَلِكَ جَاءَ فِي شَرْحِ الرَّصَّاعِ عَلَى
_________
(١) رد المحتار ٤ / ١٢٠.
(٢) درر الحكام ١ / ١٠١.
حُدُودِ ابْنِ عَرَفَةَ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّقْوِيمِ إِنَّمَا هُوَ مُرَاعَاةُ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي أَذِنَ الشَّارِعُ فِيهَا، وَمَا لاَ يُؤْذَنُ فِيهِ فَلاَ عِبْرَةَ بِهِ، فَلاَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ؛ لأَِنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا (١) .
وَعَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَعْتَبِرْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ فِي عِدَادِ الأَْمْوَال أَصْلًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَلَمْ يُوجِبُوا الضَّمَانَ عَلَى مُتْلِفِهِمَا مُطْلَقًا، فِي حِينِ عَدَّهُمَا الْحَنَفِيَّةُ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ، وَأَلْزَمُوا مُتْلِفَهُمَا مُسْلِمًا كَانَ أَمْ ذِمِّيًّا الضَّمَانَ (٢) .
وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّةُ الْحَنَفِيَّةَ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى مُتْلِفِ خَمْرِ الذِّمِّيِّ، لاِعْتِبَارِهِ مَالًا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ لاَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ عِنْدَهُمْ، دُونَ أَنْ يُوَافِقُوا الْحَنَفِيَّةَ عَلَى تَقْسِيمِهِمُ الْمَال إِلَى مُتَقَوِّمٍ وَغَيْرِ مُتَقَوِّمٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادُوهُ (٣) .
ب - بِالنَّظَرِ إِلَى كَوْنِهِ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا:
٥ - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْمَال إِلَى قِسْمَيْنِ: مِثْلِيٍّ، وَقِيَمِيٍّ
فَالْمَال الْمِثْلِيُّ: هُوَ مَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي السُّوقِ
_________
(١) شرح حدود ابن عرفة للرصاع الملكي ٢ / ٦٥١.
(٢) انظر بدائع الصنائع ٧ / ١٤٧، والمبسوط ١٣ / ٢٥، والدرر على الغرر ٢ / ٢٦٨، ونهاية المحتاج ٥ / ١٦٧، ومغني المحتاج ٢ / ٢٨٥، ٤ / ٢٥٣، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ١٣٧.
(٣) حاشية الدسوقي ٣ / ٤٤٧، والمدونة ٥ / ٣٦٨، والفواكه الدواني ٢ / ٣٨٠.
بِدُونِ تَفَاوُتٍ يُعْتَدُّ بِهِ (١) .
وَهُوَ فِي الْعَادَةِ: إِمَّا مَكِيلٌ (أَيْ مُقَدَّرٌ بِالْكَيْل) كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ مَوْزُونٌ كَالْمَعَادِنِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ مَذْرُوعٌ كَأَنْوَاعٍ مِنَ الْمَنْسُوجَاتِ الَّتِي لاَ تَفَاوُتَ بَيْنَهَا، أَوْ مَعْدُودٌ كَالنُّقُودِ الْمُتَمَاثِلَةِ وَالأَْشْيَاءِ الَّتِي تُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ، وَلَيْسَ بَيْنَ أَفْرَادِهَا تَفَاوُتٌ يُعْتَدُّ بِهِ، كَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ وَنَحْوِهِمَا.
وَالْمَال الْقِيمِيُّ: هُوَ مَا لاَ يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ فِي السُّوقِ، أَوْ يُوجَدُ لَكِنْ مَعَ التَّفَاوُتِ الْمُعْتَدِّ بِهِ فِي الْقِيمَةِ (٢)، وَقَدْ سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الأَْمْوَال (قِيَمِيًّا) نِسْبَةً لِلْقِيمَةِ الَّتِي يَتَفَاوَتُ بِهَا كُل فَرْدٍ مِنْهُ عَنْ سِوَاهُ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْقِيمِيِّ: كُل الأَْشْيَاءِ الْقَائِمَةِ عَلَى التَّغَايُرِ فِي النَّوْعِ أَوْ فِي الْقِيمَةِ أَوْ فِيهِمَا مَعًا كَالْحَيَوَانَاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ الآْحَادِ مِنَ الْخَيْل وَالإِْبِل وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا الدُّورُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الْيَدَوِيَّةُ مِنْ حُلِيٍّ وَأَدَوَاتٍ وَأَثَاثٍ مَنْزِلِيٍّ - الَّتِي تَتَفَاوَتُ فِي أَوْصَافِهَا وَمُقَوِّمَاتِهَا، وَيَتَمَيَّزُ كُل فَرْدٍ مِنْهَا بِمَزَايَا لاَ تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، حَتَّى أَصْبَحَ لَهُ قِيمَةٌ خَاصَّةٌ بِهِ.
وَمِنْهَا أَيْضًا: الْمِثْلِيَّاتُ الَّتِي فُقِدَتْ مِنَ
_________
(١) المادة ١٤٥، ١١١٩ من المجلة العدلية، والمادة ٣٩٩ من مرشد الحيران، ودرر الحكام ١ / ١٠٥، ٣ / ١٠٩، ورد المحتار ٤ / ١٧١، وأدب القضاء لابن أبي الدم ص٦٠٠.
(٢) المادة ١٤٦ من المجلة العدلية والمادة ٣٩٩ من مرشد الحيران.
الأَْسْوَاقِ أَوْ أَصْبَحَتْ نَادِرَةً، كَبَعْضِ الْمَصْنُوعَاتِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي انْقَطَعَتْ مِنَ الأَْسْوَاقِ، وَأَصْبَحَ لَهَا اعْتِبَارٌ خَاصٌّ فِي قِيمَتِهَا يَنْقُلُهَا إِلَى زُمْرَةِ الْقِيمِيَّاتِ، وَكَذَا كُل وَحْدَةٍ لَمْ تُعَدَّ مُتَسَاوِيَةً مَعَ نَظَائِرِهَا مِنْ وَحَدَاتِ الْمِثْلِيِّ، بِأَنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا لِعَيْبٍ أَوِ اسْتِعْمَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تُصْبِحُ مِنَ الْقِيمِيَّاتِ، كَالأَْدَوَاتِ وَالآْلاَتِ وَالسَّيَّارَاتِ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا، وَذَلِكَ لِتَغَيُّرِ أَوْصَافِهَا وَقِيَمِهَا (١) .
وَالْوَاجِبُ فِي إِتْلاَفِ الْمِثْلِيَّاتِ هُوَ ضَمَانُ الْمِثْل؛ لأَِنَّهُ الْبَدَل الْمُعَادِل، بِخِلاَفِ الْقِيمِيَّاتِ فَإِنَّهَا تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ؛ إِذْ لاَ مِثْل لَهَا.
وَالْمِثْلِيُّ يَصِحُّ كَوْنُهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، أَمَّا الْقِيمِيُّ فَهُنَاكَ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ فِي جَوَازِ جَعْلِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ.
(ر: دَيْنٌ ف ٨) .
ج - بِالنَّظَرِ إِلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ:
٦ - يَنْقَسِمُ الْمَال بِالنَّظَرِ إِلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ: مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِ الْمَالِكِ، وَمَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِ مَالِكِهِ.
فَالْمَال الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ: هُوَ الَّذِي ارْتَبَطَتْ عَيْنُهُ أَوْ مَالِيَّتُهُ بِحَقٍّ مُقَرَّرٍ لِغَيْرِ مُلاَّكِهِ، كَالْمَال الْمَرْهُونِ، فَلاَ يَكُونُ لِمَالِكِهِ أَنْ
_________
(١) المصباح المنير ٢ / ٦٢٩، ودرر الحكام ١ / ١٠٥، ٣ / ١٠٩، رد المحتار ٤ / ١٧١، مجلة الأحكام العدلية مادة ١١١٩.
يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا يُخِل بِحُقُوقِ الْمُرْتَهِنِ. (ر: رَهْنٌ ف ١٧) .
وَأَمَّا الْمَال الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ: فَهُوَ الْمَال الْخَالِصُ لِمَالِكِهِ، دُونَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ غَيْرَهُ، وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ - رَقَبَةً وَمَنْفَعَةً - بِكُل وُجُوهِ التَّصَرُّفِ الْمَشْرُوعَةِ، بِدُونِ تَوَقُّفٍ عَلَى إِذْنِ أَحَدٍ أَوْ إِجَازَتِهِ لِسِلاَمَتِهِ وَخُلُوصِهِ مِنَ ارْتِبَاطِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ.
د - بِالنَّظَرِ إِلَى النَّقْل وَالتَّحْوِيل:
٧ - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْمَال بِالنَّظَرِ إِلَى إِمْكَانِ نَقْلِهِ وَتَحْوِيلِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ: مَنْقُولٌ، وَعَقَارٌ.
فَالْمَال الْمَنْقُول: هُوَ كُل مَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ وَتَحْوِيلُهُ. فَيَشْمَل النُّقُودَ وَالْعُرُوضَ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْمَكِيلاَتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (١) .
وَالْعَقَارُ: هُوَ مَا لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ لاَ يُمْكِنُ نَقْلُهُ وَتَحْوِيلُهُ. كَالأَْرَاضِيِ وَالدُّورِ وَنَحْوِهَا (٢) .
قَال أَبُو الْفَضْل الدِّمَشْقِيُّ: الْعَقَارُ صِنْفَانِ، أَحَدُهُمَا: الْمُسَقَّفُ، وَهُوَ الدُّورُ وَالْفَنَادِقُ وَالْحَوَانِيتُ وَالْحَمَّامَاتُ وَالأَْرْحِيَةُ وَالْمَعَاصِرُ وَالْفَوَاخِيرُ وَالأَْفْرَانُ وَالْمَدَابِغُ وَالْعِرَاصُ. وَالآْخَرُ: الْمُذْدَرَعُ، وَيَشْتَمِل عَلَى الْبَسَاتِينِ وَالْكُرُومِ وَالْمَرَاعِي وَالْغِيَاضِ وَالآْجَامِ
_________
(١) المصباح المنير، ومرشد الحيران م٣، والمجلة العدلية م١٢٨.
(٢) المغرب، تحرير ألفاظ التنبيه ص١٩٧، مرشد الحيران م٢، المجلة العدلية م٢٩.
وَمَا تَحْوِيهِ مِنَ الْعُيُونِ وَالْحُقُوقِ فِي مِيَاهِ الأَْنْهَارِ (١) .
٨ - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ الثَّابِتِ، هَل يُعْتَبَرَانِ مِنَ الْعَقَارِ أَمِ الْمَنْقُول؟ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُمَا مِنَ الْعَقَارِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُعْتَبَرَانِ مِنَ الْمَنْقُولاَتِ، إِلاَّ إِذَا كَانَا تَابِعَيْنِ لِلأَْرْضِ، فَيَسْرِي عَلَيْهِمَا حِينَئِذٍ حُكْمُ الْعَقَارِ بِالتَّبَعِيَّةِ (٢) .
هـ - بِالنَّظَرِ إِلَى النَّقْدِيَّةِ:
٩ - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْمَال بِالنَّظَرِ إِلَى اتِّصَافِهِ بِالنَّقْدِيَّةِ إِلَى قِسْمَيْنِ: نُقُودٌ، وَعُرُوضٌ.
فَالنُّقُودُ: جَمْعُ نَقْدٍ، وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّتْ مَجَلَّةُ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى أَنَّ النَّقْدَ هُوَ: عِبَارَةٌ عَنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، سَوَاءٌ كَانَا مَسْكُوكَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ، وَيُقَال لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: النَّقْدَانِ (٣) .
وَيَلْحَقُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْحُكْمِ الأَْوْرَاقُ الرَّائِجَةُ فِي الْعَصْرِ الْحَاضِرِ.
وَالْعُرُوضُ: جَمْعُ عَرْضٍ، وَهُوَ كُل مَا لَيْسَ
_________
(١) الإشارة إلى محاسن التجارة لأبي الفضل جعفر بن علي الدمشقي ص٢٥.
(٢) رد المحتار ٤ / ٣٦١، والخرشي ٦ / ١٦٤، ومغني المحتاج ٢ / ٧١ كشاف القناع ٣ / ٢٧٣، ٢٧٤، وانظر م ١٠١٩، ١٠٢٠، من مجلة الأحكام العدلية.
(٣) المادة ١٣٠ من المجلة العدلية.
بِنَقْدٍ مِنَ الْمَتَاعِ (١) . قَال فِي الْمُغْنِي: الْعَرْضُ هُوَ غَيْرُ الأَْثْمَانِ مِنَ الْمَال عَلَى اخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهِ، مِنَ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ وَسَائِرِ الْمَال (٢) . وَقَدْ أَدْخَل بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ النَّقْدَ فِي الْعُرُوضِ إِذَا كَانَ مُتَّخَذًا لِلاِتِّجَارِ بِهِ، تَأْسِيسًا عَلَى أَنَّ الْعَرْضَ هُوَ كُل مَا أُعِدَّ لِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ لأَِجْل الرِّبْحِ، وَلَوْ مِنْ نَقْدٍ، قَال الْبُهُوتِيُّ: سُمِّيَ عَرْضًا لأَِنَّهُ يُعْرَضُ لِيُبَاعَ وَيُشْتَرَى؛ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُول بِالْمَصْدَرِ، كَتَسْمِيَةِ الْمَعْلُومِ عِلْمًا، أَوْ لأَِنَّهُ يَعْرِضُ ثُمَّ يَزُول وَيَفْنَى (٣) .
وَ- بِالنَّظَرِ إِلَى رَجَاءِ صَاحِبِهِ فِي عَوْدِهِ إِلَيْهِ:
١٠ - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْمَال بِالنَّظَرِ إِلَى رَجَاءِ صَاحِبِهِ فِي عَوْدِهِ إِلَيْهِ بَعْدَ زَوَال يَدِهِ عَنْهُ إِلَى قِسْمَيْنِ: ضِمَارٌ، وَمَرْجُوٌّ.
فَالْمَال الضِّمَارُ: هُوَ الْمَال الَّذِي لاَ يَتَمَكَّنُ صَاحِبُهُ مِنَ اسْتِنْمَائِهِ لِزَوَال يَدِهِ عَنْهُ، وَانْقِطَاعِ أَمَلِهِ فِي عَوْدِهِ إِلَيْهِ (٤) . وَأَصْلُهُ مِنَ الإِْضْمَارِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: التَّغَيُّبُ وَالاِخْتِفَاءُ. وَعَلَى ذَلِكَ عَرَّفَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِقَوْلِهِ: هُوَ كُل مَا بَقِيَ أَصْلُهُ فِي مِلْكِهِ، وَلَكِنْ زَال عَنْ يَدِهِ زَوَالًا لاَ يُرْجَى عَوْدُهُ فِي الْغَالِبِ (٥) . وَقَال
_________
(١) رد المحتار ٢ / ٣٠، شرح أبي الحسن المالكي على الرسالة ١ / ٤٢٤.
(٢) المغني ٣ / ٣٠.
(٣) شرح منتهى الإرادات ١ / ٤٠٧.
(٤) الزرقاني على الموطأ ٢ / ١٠٦.
(٥) الفتاوى الهندية ١ / ١٧٤.
سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: وَتَفْسِيرُ الضِّمَارِ أَنْ يَكُونَ الْمَال قَائِمًا، وَيَنْسَدَّ طَرِيقُ الْوُصُول إِلَيْهِ (١) .
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: الْمَال الْمَغْصُوبُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ عَلَى الْغَاصِبِ بَيِّنَةٌ، وَالْمَال الْمَفْقُودُ كَبَعِيرٍ ضَالٍّ وَعَبْدٍ آبِقٍ؛ إِذْ هُوَ كَالْهَالِكِ لِعَدَمِ قُدْرَةِ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ. وَكَذَا الْمَال السَّاقِطُ فِي الْبَحْرِ؛ لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ، وَالْمَال الْمَدْفُونُ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ صَحْرَاءَ إِذَا نَسِيَ صَاحِبُهُ مَكَانَهُ، وَالدَّيْنُ الْمَجْحُودُ إِذَا جَحَدَهُ الْمَدِينُ عَلاَنِيَةً، وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ (٢) . وَالْمَال الْمَرْجُوُّ: هُوَ الْمَال الَّذِي يَرْجُو صَاحِبُهُ عَوْدَهُ إِلَيْهِ، لإِقْرَارِ صَاحِبِ الْيَدِ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَعَدَمِ امْتِنَاعِهِ عَنِ الرَّدِّ عِنْدَ الطَّلَبِ أَوْ عِنْدَ حُلُول الأَْجَل الْمَضْرُوبِ لِرَدِّهِ. وَمِنْهُ الدَّيْنُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ، الَّذِي يَأْمُل الدَّائِنُ اقْتِضَاءَهُ، لِكَوْنِ الْمَدِينِ حَاضِرًا مُقِرًّا بِهِ مَلِيئًا بَاذِلًا لَهُ، أَوْ جَاحِدًا لَهُ، لَكِنْ لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ كَذَلِكَ مِنَ الرَّجَاءِ، الَّذِي هُوَ فِي اللُّغَةِ: ظَنٌّ يَقْتَضِي حُصُول مَا فِيهِ مَسَرَّةٌ (٣) .
_________
(١) إيثار الإنصاف في آثار الخلاف ص٦٠.
(٢) فتح القدير مع الهداية ٢ / ١٢٢، مجمع الأنهر ١ / ١٩٤، رد المحتار ٢ / ٩، البناية على الهداية ٣ / ٢٥، البحر الرائق ٢ / ٢٢٣، الفتاوى الهندية ١ / ١٧٤، والخرشي ٢ / ١٨٠، مواهب الجليل ٢ / ٢٩٧، والكافي لابن عبد البر ص٩٤، ومغني المحتاج ١ / ٤٠٩، وتحفة المحتاج ٣ / ٣٣٢، والمبدع ٢ / ٢٩٥.
(٣) القاموس المحيط، وأساس البلاغة ص٢٩١، والأموال لأبي عبيد ص٤٦٦.
وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ هَذَا التَّقْسِيمِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، حَيْثُ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زَكَاةِ الْمَال الضِّمَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الأَْحْكَامِ. (ر: ضِمَارٌ ف ١٢) .
ز - بِالنَّظَرِ إِلَى نَمَائِهِ:
١١ - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْمَال بِالنَّظَرِ إِلَى نَمَائِهِ أَوْ عَدَمِ نَمَائِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ: نَامٌّ، وَقِنْيَةٌ.
فَالْمَال النَّامِي: هُوَ الَّذِي يَزِيدُ وَيَكْثُرُ. مِنَ النَّمَاءِ الَّذِي يَعْنِي فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةَ وَالْكَثْرَةَ. وَهُوَ فِي الشَّرْعِ نَوْعَانِ: حَقِيقِيٌّ، وَتَقْدِيرِيٌّ.
فَالْحَقِيقِيُّ: الزِّيَادَةُ بِالتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُل وَالتِّجَارَاتِ. وَالتَّقْدِيرِيُّ: تَمَكُّنُهُ مِنَ الزِّيَادَةِ، بِكَوْنِ الْمَال فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ نَائِبِهِ (١) . وَمَال الْقِنْيَةِ: هُوَ الَّذِي يَتَّخِذُهُ الإِْنْسَانُ لِنَفْسِهِ لاَ لِلتِّجَارَةِ. قَال الأَْزْهَرِيُّ: الْقِنْيَةُ: الْمَال الَّذِي يُؤَثِّلُهُ الرَّجُل وَيَلْزَمُهُ وَلاَ يَبِيعُهُ لِيَسْتَغِلَّهُ (٢) .
وَيَظْهَرُ أَثَرُ التَّقْسِيمِ فِي الزَّكَاةِ؛ إِذْ إِنَّهَا تَجِبُ فِي الْمَال النَّامِي دُونَ مَال الْقِنْيَةِ، وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيل فِي (زَكَاةٌ ف ٢٧) .
الزَّكَاةُ فِي الأَْمْوَال الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ:
١٢ - الأَْمْوَال بِالنَّظَرِ إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ زَكَاتِهَا إِلَى
_________
(١) المصباح، والفروق للعسكري ص١٧٣، والمغرب، ورد المحتار ٢ / ٧.
(٢) الزاهر للأزهري ص١٥٨، وانظر النظم المستعذب ١ / ٢٦٩، والمصباح المنير، والمغرب.
وَلِيِّ الأَْمْرِ لِتَوْزِيعِهَا عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا قِسْمَانِ: بَاطِنَةٌ وَظَاهِرَةٌ.
وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ أَدَاءَ زَكَاةِ الأَْمْوَال الْبَاطِنَةِ مُفَوَّضٌ إِلَى أَرْبَابِهَا، أَمَّا الأَْمْوَال الظَّاهِرَةُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (زَكَاةٌ ف ١٤٢ - ١٤٣) .
التَّخَلُّصُ مِنَ الْمَال الْحَرَامِ:
١٣ - إِذَا كَانَ الْمَال الَّذِي فِي يَدِ الْمُسْلِمِ حَرَامًا فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ إِمْسَاكُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّخَلُّصُ مِنْهُ، وَهَذَا الْمَال إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَرَامًا مَحْضًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِهِ وَطَرِيقَةُ التَّخَلُّصِ مِنْهُ فِي مُصْطَلَحِ (كَسْبٌ ف ١٧) .
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخْتَلِطًا بِأَنْ كَانَ بَعْضُهُ حَلاَلًا وَبَعْضُهُ حَرَامًا، وَلاَ يَتَمَيَّزُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ هَذَا الْمَال أَنْ يُخْرِجَ قَدْرَ الْحَرَامِ وَيَدْفَعَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ وَيَكُونُ الْبَاقِي فِي يَدِهِ حَلاَلًا.
قَال أَحْمَدُ فِي الْمَال الْمُشْتَبِهُ حَلاَلُهُ بِحَرَامِهِ: إِنْ كَانَ الْمَال كَثِيرًا أَخْرَجَ مِنْهُ قَدْرَ الْحَرَامِ وَتَصَرَّفَ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ الْمَال قَلِيلًا اجْتَنَبَهُ كُلَّهُ، وَهَذَا لأَِنَّ الْقَلِيل إِذَا تَنَاوَل مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّهُ تَبْعُدُ مَعَهُ السَّلاَمَةُ مِنَ الْحَرَامِ، بِخِلاَفِ الْكَثِيرِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْغُلاَةِ مِنْ أَرْبَابِ الْوَرَعِ كَمَا قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَى أَنَّ الْمَال الْحَلاَل إِذَا خَالَطَهُ