الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٦ الصفحة 8

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٦

حَرَامٌ حَتَّى لَمْ يَتَمَيَّزْ ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهُ مِقْدَارُ الْحَرَامِ الْمُخْتَلِطِ بِهِ لَمْ يَحِل وَلَمْ يَطِبْ؛ لأَِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أُخْرِجَ هُوَ الْحَلاَل وَالَّذِي بَقِيَ هُوَ الْحَرَامَ (١) .

حُرْمَةُ مَال الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ:

١٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ مَال الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ غَصْبُهُ وَلاَ الاِسْتِيلاَءُ عَلَيْهِ، وَلاَ أَكْلُهُ بِأَيِّ شَكْلٍ كَانَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ (٢) وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَمُ: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا (٣) وَقَوْلِهِ: أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوِ انْتَقَصَهُ حَقَّهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (٤)

. وَلِلتَّفْصِيل ر: (أَهْل الذِّمَّةِ ف ٢٠ غَصْبٌ ف ٧ وَمَا بَعْدَهَا) .

_________

(١) أحكام القرآن لابن العربي ١ / ٢٤٥، وبدائع الفوائد ٣ / ٢٥٧، وجامع العلوم والحكم ١ / ٢٠٠.

(٢) سورة النساء / ٢٩.

(٣) حديث: " إن دماءكم وأموالكم. . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ١٥٨)، ومسلم (٣ / ١٣٠٥، ١٣٠٦) من حديث أبي بكرة واللفظ لمسلم.

(٤) حديث: " ألا من ظلم معاهدًا. . . ". أخرجه أبو داود (٣ / ٤٣٧) وقال العراقي: إسناده جيد (تنزيه الشريعة ٢ / ١٨٢ نشر مكتبة القاهرة) .

دَفْعُ مَال الْمَحْجُورِ إِلَيْهِ:

١٥ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُسَلَّمُ لِلصَّغِيرِ أَمْوَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ رَاشِدًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ (١) . وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: الصَّغِيرُ إِذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ رَشِيدًا وَمَالُهُ فِي يَدِ وَصِيِّهِ أَوْ وَلِيِّهِ فَإِنَّهُ يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ، وَإِنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لاَ يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ مَا شَاءَ (٢) .

وَلِلتَّفْصِيل ر: (صِغَرٌ ف ٣٧، وَرُشْدٌ ف ٧ - ١٠) .

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِالْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ إِلَى أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ لاَ يُفَكُّ إِلاَّ بَعْدَ إِينَاسِ الرُّشْدِ مِنْهُ. وَلِلتَّفْصِيل (ر: حَجْرٌ ف ٨، ١١) .

اكْتِسَابُ الْمَال:

١٦ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ اكْتِسَابَ الْمَال بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَرْضٌ.

فَإِنْ تَرَكَ الاِكْتِسَابَ بَعْدَ ذَلِكَ وَسِعَهُ، وَإِنِ

_________

(١) سورة النساء / ٦.

(٢) الفتاوى الهندية ٥ / ٥٦.

اكْتَسَبَ مَا يَدَّخِرُهُ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ فَهُوَ فِي سَعَةٍ، وَتُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى الْفَرْضِ لِيُوَاسِيَ بِهِ فَقِيرًا أَوْ يُجَازِيَ بِهِ قَرِيبًا فَإِنَّهُ أَفْضَل مِنَ التَّخَلِّي لِنَفْل الْعِبَادَةِ (١) .

وَلِلاِكْتِسَابِ طُرُقٌ مُخْتَلِقَةٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (كَسْبٌ ف ١٠ - ١١) .

أَكْل الْوَصِيِّ أَوِ الْقَيِّمِ مِنْ مَال مَنْ عَلَيْهِ الْوِصَايَةُ أَوِ الْقِوَامَةُ:

١٧ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّ وَالْقَيِّمَ، إِذَا شُغِلاَ أَيٌّ مِنْهُمَا عَنْ كَسْبِ قُوتِهِ بِتَدْبِيرِ مَال مَنْ عَلَيْهِ الْوِصَايَةُ أَوِ الْقِوَامَةُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لأَِيٍّ مِنْهُمَا مَالٌ يَأْكُل مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُل مِنْ مَال الْيَتِيمِ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ لَمْ يُشْغَل أَيٌّ مِنْهُمَا عَنْ كَسْبِ قُوتِهِ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَأْكُل مِنْهُ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ التَّعَفُّفُ عَنِ الأَْكْل مِنْ مَال مَنْ عَلَيْهِ الْوِصَايَةُ أَوِ الْقِوَامَةُ (٢) .

لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ﴾ (٣) .

وَلِلتَّفْصِيل (ر: وِلاَيَةٌ وَيَتِيمٌ) .

تَنْمِيَةُ الْمَال:

١٨ - شَرَعَ الإِْسْلاَمُ تَنْمِيَةَ الْمَال حِفَاظًا عَلَيْهِ

_________

(١) الفتاوى الهندية ٥ / ٣٤٨ - ٣٤٩، ومطالب أولي النهى ٦ / ٣٤٢، مغني المحتاج ٣ / ٤٤٨.

(٢) تفسير القرطبي ٥ / ٤١، ٤٤.

(٣) سورة النساء / ٦.

لِمَصْلَحَةِ مَالِكِهِ وَمَصْلَحَةِ الْجَمَاعَةِ، وَالْحِفَاظُ عَلَى الْمَال مَقْصِدٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَتَنْمِيَةُ الْمَال تَكُونُ بِتِجَارَةٍ أَوْ زِرَاعَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فِي حُدُودِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى

وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِنْمَاءٌ ف ١٢ وَمَا بَعْدَهَا) .

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَال مِنْ حُقُوقٍ:

١٩ - الْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَال إِمَّا حُقُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِمَّا حُقُوقٌ لِلْعِبَادِ.

أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّفْعُ الْعَامُّ فَلاَ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمَجْمُوعِ، وَنُسِبَ هَذَا الْحَقُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ.

وَمِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ: زَكَاةُ الْمَال وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتُ وَالْخَرَاجُ عَلَى الأَْرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْحُقُوقِ.

وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَهِيَ مَا لِبَعْضِ الْعِبَادِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَالدَّيْنِ وَالنَّفَقَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْحُقُوقِ.

وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حَقٌّ ف ١٢ وَمَا بَعْدَهَا) .

الأَْمْوَال الرِّبَوِيَّةُ وَغَيْرُهَا:

٢٠ - الأَْمْوَال تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:

أ - الأَْمْوَال الرِّبَوِيَّةُ: وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ

مِنْهَا عَلَى الأَْصْنَافِ السِّتَّةِ الَّتِي وَرَدَ بِهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الآْخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ (١) .

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا وَرَاءَ هَذِهِ الأَْصْنَافِ السِّتَّةِ وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (رِبًا ف ٣٥ وَمَا بَعْدَهَا) .

ب - الأَْمْوَال غَيْرُ الرِّبَوِيَّةِ: وَهِيَ مَا عَدَا الأَْصْنَافَ السِّتَّةَ الْوَارِدَةَ فِي الْحَدِيثِ وَالأَْصْنَافَ الَّتِي أَلْحَقَهَا الْفُقَهَاءُ بِهَذِهِ الأَْصْنَافِ لِوُجُودِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ.

وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (رِبًا ف ٢٠ وَمَا بَعْدَهَا) .

مَالِيَّةٌ

انْظُرْ: مَالٌ

_________

(١) حديث: " الذهب بالذهب. . . ". أخرجه مسلم (٣ / ٢١١ - ط. الحلبي) .

مُبَاحٌ

انْظُرْ: إِبَاحَةٌ

مُبَارَأَةٌ

انْظُرْ: إِبْرَاءٌ، خُلْعٌ

مُبَارَزَةٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الْمُبَارَزَةُ فِي اللُّغَةِ: مُفَاعَلَةٌ مِنْ بَرَزَ، يُقَال بَرَزَ الرَّجُل بُرُوزًا: أَيْ خَرَجَ إِلَى الْبَرَازِ أَيِ الْفَضَاءِ، وَظَهَرَ بَعْدَ الْخَفَاءِ، وَبَرَزَ لَهُ: انْفَرَدَ عَنْ جَمَاعَتِهِ لِيُنَازِلَهُ. وَيُقَال: بَارَزَهُ مُبَارَزَةً وَبِرَازًا: بَرَزَ إِلَيْهِ وَنَازَلَهُ (١) .

وَالْمُبَارَزَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: ظُهُورُ اثْنَيْنِ مِنَ الصَّفَّيْنِ لِلْقِتَال (٢) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْجِهَادُ:

٢ - الْجِهَادُ مَصْدَرُ جَاهَدَ، يُقَال: جَاهَدَ الْعَدُوَّ جِهَادًا وَمُجَاهَدَةً: قَاتَلَهُ، وَهُوَ مِنَ الْجَهْدِ (٣) .

وَالْجِهَادُ فِي الاِصْطِلاَحِ: قِتَال مُسْلِمٍ كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ بَعْدَ دَعْوَتِهِ لِلإِْسْلاَمِ وَإِبَائِهِ،

_________

(١) القاموس المحيط، والمعجم الوسيط.

(٢) مغني المحتاج ٤ / ٢٢٦، ولسان العرب.

(٣) المصباح المنير.

إِعْلاَءً لِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى (١) . وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُبَارَزَةِ وَالْجِهَادِ أَنَّ الْمُبَارَزَةَ - غَالِبًا - تَكُونُ بَيْنَ وَاحِدٍ أَوْ أَفْرَادٍ مُعَيَّنِينَ مَحْصُورِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِثْلِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، أَمَّا الْجِهَادُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ وَجَيْشِ الْكُفَّارِ دُونَ تَعْيِينٍ أَوْ حَصْرٍ لِفَرْدٍ أَوْ أَفْرَادٍ مِنَ الْجَيْشَيْنِ، فَالْجِهَادُ أَعَمُّ مِنَ الْمُبَارَزَةِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

٣ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمُبَارَزَةَ فِي الْجِهَادِ مَشْرُوعَةٌ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِفِعْل النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَدْ دَعَا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِلَى الْبِرَازِ فَبَرَزَ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ (٢) .

كَمَا اسْتَدَلُّوا بِإِقْرَارِهِ ﷺ أَصْحَابَهُ عَلَيْهَا وَنَدْبِهِمْ لَهَا (٣)، فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ أَنَّهُ قَال عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ: بَرَزَ عُتْبَةُ وَأَخُوهُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ حَمِيَّةً، وَقَالُوا: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَخَرَجَ فِتْيَةٌ مِنَ الأَْنْصَارِ سِتَّةٌ فَقَال عُتْبَةُ: لاَ نُرِيدُ هَؤُلاَءِ، وَلَكِنْ يُبَارِزُنَا مِنْ بَنِي عَمِّنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: قُمْ يَا عَلِيُّ، وَقُمْ

_________

(١) الفتاوى الهندية ٢ / ١٨٨، وجواهر الإكليل ١ / ٢٥٠.

(٢) حديث: أن أبي بن خلف دعا رسول الله ﷺ إلى البراز. أخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه (٢ / ٢٥٠ - ط. المعارف) في حديث السدي مرسلًا.

(٣) الأحكام السلطانية للماوردي ص٣٨، وجواهر الإكليل ١ / ٢٥٧، وحاشية الجمل ٥ / ١٦٩، والمغني ٨ / ٣٦٧.

يَا حَمْزَةُ، وَقُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، فَقَتَل اللَّهُ تَعَالَى عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَجُرِحَ عُبَيْدَةُ، فَقَتَلْنَا مِنْهُمْ سَبْعِينَ، وَأَسَرْنَا سَبْعِينَ (١) .

وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَمْ يَزَل أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ يُبَارِزُونَ فِي عَصْرِهِ وَبَعْدَهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا (٢) .

وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمُبَارَزَةَ فِي الأَْصْل جَائِزَةٌ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمُ الْجَوَازَ بِإِذْنِ الإِْمَامِ مُطْلَقًا، أَوْ بِإِذْنِ الإِْمَامِ الْعَدْل، أَوْ بِإِذْنِ الإِْمَامِ إِنْ أَمْكَنَ أَوْ إِنْ كَانَ لَهُ رَأْيٌ، كَمَا قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَخْرُجُ إِلَيْهَا وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَبِكَوْنِهِ لَمْ يَطْلُبْهَا.

وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الْمُبَارَزَةَ، وَكَرِهَهَا (٣) .

وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ تُنْدَبُ الْمُبَارَزَةُ أَوْ تُكْرَهُ أَوْ تَحْرُمُ. عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

إِذْنُ الإِْمَامِ فِي الْمُبَارَزَةِ:

٤ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ إِذْنَ الإِْمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ فِي الْمُبَارَزَةِ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:

_________

(١) حديث: علي في غزوة بدر. أخرجه أحمد (١ / ١١٧) وكذا الحاكم مختصرًا (٣ / ١٩٤) . .

(٢) المغني ٨ / ٣٦٨.

(٣) شرح الزرقاني ٣ / ١٢١، ومغني المحتاج ٤ / ٢٢٦، والمغني ٨ / ٣٦٨، وكشاف القناع ٣ / ٧٠.

فَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْمُبَارَزَةَ تَجُوزُ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ إِذْنَ الإِْمَامِ الْعَدْل، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ غَيْرُهُمْ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: إِنْ دَعَا الْعَدُوُّ لِلْمُبَارَزَةِ فَأَكْرَهُ أَنْ يُبَارِزَهُ أَحَدٌ إِلاَّ بِإِذْنِ الإِْمَامِ الْعَدْل وَاجْتِهَادِهِ، وَقَال ابْنُ وَهْبٍ: لاَ يَجُوزُ أَنْ يُبَارِزَ إِلاَّ بِإِذْنِ الإِْمَامِ إِنْ كَانَ عَدْلًا، وَقَال ابْنُ رُشْدٍ: إِنَّ الإِْمَامَ إِذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ يَلْزَمِ اسْتِئْذَانُهُ فِي مُبَارَزَةٍ وَلاَ قِتَالٍ إِذْ قَدْ يَنْهَاهُ عَنْ غُرَّةٍ قَدْ تَبَيَّنَتْ لَهُ فَيَلْزَمُ طَاعَتُهُ، فَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْعَدْل مِنْ غَيْرِ الْعَدْل فِي الاِسْتِئْذَانِ لاَ فِي طَاعَتِهِ إِذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ أَوْ نَهَى عَنْهُ؛ لأَِنَّ الطَّاعَةَ لِلإِْمَامِ مِنْ فَرَائِضِ الْغَزْوِ، فَوَاجِبٌ عَلَى الرَّجُل طَاعَةُ الإِْمَامِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ، مَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِمَعْصِيَةٍ (١) .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ إِذْنَ الإِْمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ فِي الْمُبَارَزَةِ شَرْطٌ فِي اسْتِحْبَابِهَا؛ لأَِنَّ لِلإِْمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ نَظَرًا فِي تَعْيِينِ الأَْبْطَال، وَالاِسْتِحْبَابُ حِينَئِذٍ إِنْ كَانَ الْكَافِرُ قَدْ طَلَبَ الْمُبَارَزَةَ؛ لِمَا فِي تَرْكِهَا مِنَ الضَّعْفِ لِلْمُسْلِمَيْنِ وَالتَّقْوِيَةِ لِلْكَافِرَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبِ الْكُفَّارُ الْمُبَارَزَةَ كَانَ إِذْنُ الإِْمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ شَرْطًا فِي إِبَاحَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ مِنْ أَيِّهِمَا فِي الْمُبَارَزَةِ جَازَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ (٢) .

_________

(١) جواهر الإكليل ١ / ٢٥٧، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل ٣ / ٣٥٩.

(٢) مغني المحتاج ٤ / ٢٢٦، وشرح المحلي للمنهاج ٤ / ٢٢٠.