الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٥
كَفّ
التَّعْرِيفُ
: ١ - الْكَفُّ فِي اللُّغَةِ: رَاحَةُ الْيَدِ مَعَ الأَْصَابِعِ، يُؤَنَّثُ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُذَكَّرُ، وَجَمْعُهَا كُفُوفٌ وَأَكُفٌّ، مِثْل فَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَأَفْلُسٍ.
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لأَِنَّهَا تَكُفُّ الأَْذَى عَنِ الْبَدَنِ.
وَتَكَفَّفَ الرَّجُل النَّاسَ وَاسْتَكَفَّهُمْ: مَدَّ كَفَّهُ إِلَيْهِمْ بِالْمَسْأَلَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ ﷺ فِي الْحَدِيثِ: إِنَّكَ إِنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ (١) .
وَقِيل: مَعْنَى اسْتَكَفَّ النَّاسَ: أَخَذَ الشَّيْءَ بِيَدِهِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (٢) .
_________
(١) حديث: " إنك إن تذر ورثتك. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١٠ / ١٢٣)، ومسلم (٣ / ١٢٥١) من حديث سعد بن أبي وقاص، واللفظ لمسلم.
(٢) لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط، والمغرب في ترتيب المعرب مادة (كف) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الإِْصْبَعُ:
٢ - الإِْصْبَعُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى السُّلاَمَى وَالظُّفُرُ وَالأُْنْمُلَةُ وَالأُْطْرَةُ وَالْبُرْجُمَةُ مَعًا. وَيُسْتَعَارُ لِلأَْمْرِ الْحِسِّيِّ فَيُقَال: لَكَ عَلَى فُلاَنٍ إِصْبَعٌ كَقَوْلِكَ: لَكَ عَلَيْهِ يَدٌ، وَالْجَمْعُ أَصَابِعُ.
وَالإِْصْبَعُ مُؤَنَّثَةٌ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَسْمَائِهَا مِثْل الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ، قَال الصَّغَانِيُّ: يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالْغَالِبُ التَّأْنِيثُ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (١) .
وَالْعِلاَقَةُ بَيْنَ الْكَفِّ وَالإِْصْبَعِ الْجُزْئِيَّةُ حَيْثُ إِنَّ الإِْصْبَعَ أَحَدُ أَطْرَافِ الْكَفِّ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْكَفِّ:
أَوَّلًا: غَسْل الْكَفَّيْنِ فِي أَوَّل الْوُضُوءِ
٣ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ غَسْل الْكَفَّيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ فِي أَوَّل الْوُضُوءِ لِفِعْل النَّبِيِّ ﷺ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ﵁ وَصْفَ وُضُوءِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَال: دَعَا بِإِنَاءٍ فَأُفْرِغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ أَدْخَل يَمِينَهُ فِي الإِْنَاءِ (٢) .
_________
(١) المراجع السابقة
(٢) حديث " عثمان في وصف وضوء النبي ﷺ ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٢٥٩)، ومسلم (١ / ٢٠٤) واللفظ للبخاري.
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْغَسْل عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ وَذَلِكَ بَعْدَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ غَسْلَهُمَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ لِغَيْرِ الْقَائِمِ مِنَ النُّوُمِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ غَسْل الْكَفَّيْنِ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ سَوَاءٌ قَامَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ نَوْمٍ أَوْ لَمْ يَقُمْ مِنْ نَوْمٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا النَّوْمُ مِنْ نَوْمِ اللَّيْل أَوْ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ، لأَِنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ لَمْ تَذْكُرْ غَسْل الْكَفَّيْنِ مِنْ بَيْنِ الْفُرُوضِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَلأَِنَّ الْحَدِيثَ يَدُل عَلَى الاِسْتِحْبَابِ لِتَعْلِيلِهِ بِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ: إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِْنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ (١)، حَيْثُ إِنَّ طُرُوءَ الشَّكِّ عَلَى الْيَقِينِ لاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ.
وَالرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عَنْ أَحْمَدَ هِيَ وُجُوبُ غَسْل الْكَفَّيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ لِلأَْمْرِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَأَمْرُهُ ﷺ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
_________
(١) حديث: " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٢٦٣)، ومسلم (١ / ٢٣٣) من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُوجِبُونَ فِي أَيِّ نَوْمٍ يَجِبُ مِنْهُ الْغَسْل؟
فَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِالْوُجُوبِ إِلَى أَنَّ وُجُوبَ الْغَسْل يَكُونُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْل وَلاَ يَجِبُ غَسْلُهُمَا مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ بِدَلاَلَةِ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ، حَيْثُ قَال: فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ، وَالْمَبِيتُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِلَيْلٍ، وَلأَِنَّ نَوْمَ اللَّيْل مَظِنَّةُ الاِسْتِغْرَاقِ فَإِصَابَتُهُ فِيهِ بِالنَّجَاسَةِ أَكْثَرُ احْتِمَالًا.
وَسَوَّى الْحَسَنُ بَيْنَ نَوْمِ اللَّيْل وَنَوْمِ النَّهَارِ فِي الْوُجُوبِ (١) لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نُوُمِهِ. . . إِلَخْ.
ثَانِيًا: غَسْل الْكَفَّيْنِ مَعَ الْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ
: ٤ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ غَسْل الْكَفَّيْنِ مَعَ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ (٢) .
وَلِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي وَصْفِ وُضُوءِ النَّبِيِّ (٣) ﷺ وَمِنْهَا: أَنَّهُ ﷺ تَوَضَّأَ فَغَسَل وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ غَسَل يَدَهُ الْيُمْنَى
_________
(١) حاشية ابن عابدين ١ / ٧٥، وجواهر الإكليل ١ / ١٦، والمجموع للنووي ١ / ٣٤٧، ومغني المحتاج ١ / ٥٧، والمغني لابن قدامة ١ / ٩٧.
(٢) سورة المائدة / ٦.
(٣) حاشية ابن عابدين ١ / ٦٦، ومغني المحتاج ١ / ٥٢، وجواهر الإكليل ١ / ١٤، والمغني لابن قدامة ١ / ١٢٢.
حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ يَدَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ. . . (١) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (وُضُوءٌ) .
ثَالِثًا: مَسْحُ الْكَفَّيْنِ فِي التَّيَمُّمِ:
٥ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ مَسْحِ الْكَفَّيْنِ بِالتُّرَابِ عِنْدَ التَّيَمُّمِ وَأَنَّ هَذَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ (٢)، وَلِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، مِنْهَا: عَنْ عَمَّارٍ ﵁ قَال: بَعَثَنِي النَّبِيُّ ﷺ فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَال: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُول بِيَدَيْكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَْرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَال عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ (٣) .
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَسْحِ مَا عَدَا الْكَفَّيْنِ مِنَ السَّاعِدِ وَالْمِرْفَقِ (٤) .
_________
(١) حديث " أنه ﷺ توضأ فغسل وجهه. . . ". أخرجه مسلم (١ / ٢١٦) من حديث أبي هريرة.
(٢) سورة المائدة / ٦.
(٣) حديث عمار: " بعثني النبي ﷺ في حاجة فأجنبت. . . ". أخرجه مسلم (١ / ٢٨٠) .
(٤) حاشية ابن عابدين ١ / ١٥٣، وجواهر الإكليل ١ / ٢٧، ومغني المحتاج ١ / ٩٩، والمغني لابن قدامة ١ / ٢٤٤.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَيَمُّمٌ ف ٧ - ١١) .
رَابِعًا: غَسْل الْكَفَّيْنِ قَبْل الأَْكْل وَبَعْدَهُ:
٦ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى اسْتِحْبَابِ غَسْل الْكَفَّيْنِ قَبْل الأَْكْل وَبَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُكْثِرَ اللَّهُ خَيْرَ بَيْتِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ إِذَا حَضَرَ غِذَاؤُهُ وَإِذَا رُفِعَ (١) .
وَعَنْهُ ﷺ: مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ رِيحُ غَمْرٍ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلاَ يَلُومَن إِلاَّ نَفْسَهُ (٢) .
قَال الْعُلَمَاءُ: الْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الأَْحَادِيثِ هُوَ غَسْل الْيَدَيْنِ لاَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ.
وَقَال الصَّاوِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: غَسْل الْيَدِ قَبْل الطَّعَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُنَّةً عِنْدَنَا فَهُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ، أَمَّا بَعْدَ الأَْكْل فَيُنْدَبُ الْغَسْل.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُكْرَهُ الْغَسْل قَبْل الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يُكْرَهُ قَبْلَهُ (&# x٦٦٣ ;) .
_________
(١) حديث: " من أحب أن يكثر الله خير بيته. . . ". أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٠٨٥) من حديث أنس بن مالك، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (٢ / ١٧٤) .
(٢) حديث: " من بات وفي يده ريح غمر. . . ". أخرجه الترمذي (٤ / ٢٨٩) من حديث أبي هريرة وقال: حديث حسن.
(٣) الطحطاوي على مراقي الفلاح ص٤٧، بلغة السالك ٢ / ٥٢٦ - ٥٢٧، ومغني المحتاج ٣ / ٢٥٠، والمغني لابن قدامة ٧ / ١٤، والآداب الشرعية ٣ / ٢٣١.
خَامِسًا: قَطْعُ الْكَفِّ فِي الْقِصَاصِ:
٧ - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي قَطْعِ الْكَفِّ إِذَا تَوَفَّرَتْ فِي الْجِنَايَةِ شُرُوطُ الْقِصَاصِ، لِوُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ وَلإِمْكَانِ الاِسْتِيفَاءِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ.
فَإِذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمَجْنِي عَلَيْهِ مِنْ مَفْصِل الْكُوعِ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَجْنِي عَلَيْهِ، وَلَهُ قَطْعُ يَدِ الْجَانِي مِنْ مَفْصِل الْكُوعِ، لأَِنَّهُ أَمْكَنَهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ دُونَ الْخَوْفِ مِنْ حَيْفٍ.
وَقَال الْفُقَهَاءُ لَيْسَ لَهُ الْتِقَاطُ - أَيْ قَطْعُ - أَصَابِعِ الْجَانِي لأَِنَّ هَذَا غَيْرُ مَحَل الْجِنَايَةِ فَلاَ يَجُوزُ الاِسْتِيفَاءُ مِنْ غَيْرِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَحَل الْجِنَايَةِ، وَمَهْمَا أَمْكَنَهُ الْمُمَاثَلَةَ فَلَيْسَ لَهُ الْعُدُول عَنْهَا.
قَال الشَّافِعِيَّةُ: حَتَّى لَوْ طَلَبَ قَطْعَ أُنْمُلَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَل وَقَطَعَ الأَْصَابِعَ عُزِّرَ لِعُدُولِهِ عَنِ الْمُسْتَحَقِّ وَلاَ غُرْمَ لأَِنَّ لَهُ إِتْلاَفَ الْجُمْلَةِ فَلاَ يَلْزَمُهُ بِإِتْلاَفِ الْبَعْضِ غُرْمٌ.
وَالأَْصَحُّ أَنَّ لَهُ قَطْعَ الْكَفِّ بَعْدَ ذَلِكَ (١) .
سَادِسًا: دِيَةُ الْكَفِّ
٨ - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ نِصْفِ دِيَةٍ فِي قَطْعِ الْيَدِ مِنْ مَفْصِل الْكَفِّ الصَّحِيحِ إِذَا
_________
(١) البدائع ٧ / ٢٩٧، و٢٩٨، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٥٩، ومغني المحتاج ٤ / ٢٥ - ٢٩، والمغني لابن قدامة ٧ / ٧٠٨.
كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا، وَعُفِيَ عَنِ الْقِصَاصِ أَوْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ لِحَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ﵁ قَال: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ (١) الْحَدِيثَ، وَلِمَا وَرَدَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ ﷺ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ﵁: وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ مِنَ الإِْبِل (٢) .
وَالْمُرَادُ مِنَ الْيَدِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ الْوَارِدَةُ فِي الْحَدِيثَيْنِ هِيَ الْكَفُّ، لأَِنَّ اسْمَ الْيَدِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهَا بِدَلِيل: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَال: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ (٣) كَانَ الْوَاجِبُ قَطْعُهُمَا مِنَ الْكُوعِ، وَلأَِنَّ فِيهِمَا جَمَالًا ظَاهِرًا وَمَنْفَعَةً كَامِلَةً، وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِنْ جِنْسِهِمَا غَيْرُهُمَا، فَكَانَ فِيهِمَا الدِّيَةُ كَالْعَيْنَيْنِ، وَلأَِنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ فِي الْيَدِ مِنَ الْبَطْشِ وَالأَْخَذِ وَالدَّفْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ تَتِمُّ بِالْكَفِّ، وَمَا زَادَ تَابِعٌ لِلْكَفِّ (٤) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (دِيَاتٌ ف ٤٣) .
_________
(١) حديث: " وفي اليدين الدية ". أورده الزيلعي في نصب الراية (٤ / ٣٧١) من حديث سعيد بن المسيب، وقال: " غريب ".
(٢) حديث: " وفي اليد خمسون من الإبل ". أخرجه النسائي (٨ / ٥٩)، ونقل ابن حجر في التلخيص (٤ / ١٧ - ١٨) تصحيحه عن جماعة من العلماء.
(٣) سورة المائدة / ٣٨.
(٤) البدائع ٧ / ٣١٤، والقوانين الفقهية ص ٣٤٤، ومغني المحتاج ٤ / ٦٥، والمغني ٨ / ٢٧.
سَابِعًا: قَطْعُ كَفِّ السَّارِقِ
٩ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ يَدَ السَّارِقِ تُقْطَعُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ السَّرِقَةِ مِنْ مَفْصِل الْكَفِّ وَهُوَ الْكُوعُ لِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ مِنَ الْمَفْصِل (١)، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ ﵄ أَنَّهُمَا قَالاَ: " إِذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَمِينَهُ مِنَ الْكُوعِ "، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ ﵄: أَنَّهُمَا قَطَعَا الْيَدَ مِنَ الْمَفْصِل.
قَال الْكَاسَانِيُّ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ مِنْ مَفْصِل الزَّنْدِ، فَكَانَ فِعْلُهُ بَيَانًا لِلْمُرَادِ مِنَ الآْيَةِ الشَّرِيفَةِ، كَأَنَّهُ نَصَّ ﷾ فَقَال: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا مِنْ مَفْصِل الزَّنْدِ، وَعَلَيْهِ عَمَل الأُْمَّةِ مِنْ لَدُنْ رَسُول اللَّهِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا (٢) .
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ يَدَ السَّارِقِ تُقْطَعُ مِنَ الْمِرْفَقِ، وَقَال بَعْضُهُمْ: تُقْطَعُ مِنْ مَنْبَتِ الأَْصَابِعِ.
وَقِيل: تُقْطَعُ مِنَ الْمَنْكِبِ، وَأَدِلَّةُ هَؤُلاَءِ جَمِيعًا ظَاهِرُ آيَةِ السَّرِقَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ الآْيَةَ، قَالُوا: إِنَّ اسْمَ الْيَدِ يَقَعُ عَلَى هَذَا الْعُضْوِ إِلَى
_________
(١) حديث: " أن رسول الله ﷺ قطع يد سارق من المفصل ". أخرجه البيهقي (٨ / ٢٧١) من حديث جابر بن عبد الله
(٢) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ٧ / ٨٨.
الْمَنْكِبِ بِدَلِيل أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ ﵄ فَهِمَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ (١)، فَمَسَحَ بِالتُّرَابِ إِلَى الْمَنْكِبِ، وَلَمْ يَخْطَأْ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ (٢) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (سَرِقَةٌ ف ٦٥ و٦٦) .
ثَامِنًا: قَطْعُ كَفِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ
١٠ - ذَهَبَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ يَدَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ الَّذِي تَتَوَفَّرُ فِيهِ شُرُوطُ الْقَطْعِ تُقْطَعُ مِنْ مَفْصِل الْكَفِّ (٣) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حَدٌّ ف ٣٣) .
_________
(١) سورة المائدة / ٦.
(٢) تفسير القرطبي ٦ / ١٧١، وأحكام القرآن للجصاص ٢ / ٥١٠، والبدائع ٧ / ٨٨، جواهر الإكليل ٢ / ٢٨٩، ومغني المحتاج ٤ / ١٧٨، والمغني لابن قدامة ٨ / ٢٥٩.
(٣) أحكام القرآن للجصاص ٢ / ٤٩٣، وتفسير القرطبي ٦ / ١٤٧، والبدائع ٧ / ٩٦، ومغني المحتاج ٤ / ١٨٠، والمغني لابن قدامة ٨ / ٢٨٦.