الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٥
وُجُوبًا إِنْ رُجِيَ إِسْلاَمُهُ، وَإِنْ لَمْ يُرْجَ إِسْلاَمُهُ فَيُنْدَبُ ذَلِكَ.
قَال الْجَمَل: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُلَقَّنُ إِنْ رُجِيَ إِسْلاَمُهُ وَإِنْ بَلَغَ الْغَرْغَرَةَ وَلاَ بُعْدَ فِيهِ، لاِحْتِمَال أَنْ يَكُونَ عَقْلُهُ حَاضِرًا وَإِنْ ظَهَرَ لَنَا خِلاَفُهُ وَإِنْ كُنَّا لاَ نُرَتِّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ (١) .
وِلاَيَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَوِلاَيَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ
١٩ - لاَ يُعْتَبَرُ الْكَافِرُ مِنْ أَهْل الْوِلاَيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ يَجْعَل اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ (٢)، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ وِلاَيَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَافِرِ إِلاَّ بِالسَّبَبِ الْعَامِّ كَوِلاَيَةِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ (٣) . وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:
أ - لاَ يَجُوزُ لِلْكَافِرِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الْمُسْلِمَةَ، وَلاَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الْكَافِرَةَ لأَِنَّ الْمُوَالاَةَ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَهُمَا (٤) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (٥)، وقَوْله تَعَالَى
_________
(١) حاشية الجمل ٢ / ١٣٦.
(٢) سورة النساء / ١٤١.
(٣) الدر المختار وحاشية ابن عابدين ٢ / ٣١٢، والمهذب ٢ / ٣٧، والمغني ٦ / ٤٧٢.
(٤) حاشية ابن عابدين ٢ / ٣١٢، والمهذب ٢ / ٣٧، والمغني ٦ / ٤٧٢، والدسوقي ٢ / ٢٢١، والخرشي ٣ / ١٨١ - ١٨٢.
(٥) سورة التوبة / ٧١.
: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (١) .
ب - الْقَضَاءُ مِنَ الْوِلاَيَاتِ الْعَامَّةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وَلاَ يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْكَافِرِ الْقَضَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ يَجْعَل اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ تَوْلِيَةُ الْكَافِرِ الْقَضَاءَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، أَمْ بَيْنَ أَهْل دِينِهِ.
وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَتَوَلَّى الْكَافِرُ الْقَضَاءَ بَيْنَ أَهْل دِينِهِ (٢) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (قَضَاءٌ ف ٢٢) .
أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ:
٢٠ - أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ وَيُقَرُّونَ عَلَيْهَا إِنْ أَسْلَمُوا، أَوْ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا فِي الْحَال، وَلاَ يُنْظَرُ صِفَةُ عَقْدِهِمْ وَكَيْفِيَّتُهُ، وَلاَ يُعْتَبَرُ لَهُ شُرُوطُ أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ وَصِيغَةِ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
قَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إِذَا أَسْلَمَا فِي الْحَال مَعًا أَنَّ لَهُمَا الْمَقَامَ عَلَى نِكَاحِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ وَلاَ رَضَاعٌ، وَقَدْ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي عَهْدِ رَسُول
_________
(١) سورة الأنفال / ٧٣.
(٢) بدائع الصنائع ٧ / ٣، والدسوقي ٤ / ١٢٩، والمهذب ٢ / ٢٩١، وكشاف القناع ٦ / ٢٩٥، والأحكام السلطانية للماوردي ص ٦٥.
اللَّهِ ﷺ، فَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ وَلاَ كَيْفِيَّتِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ عُرِفَ بِالتَّوَاتُرِ وَالضَّرُورَةِ فَكَانَ يَقِينًا، وَلَكِنْ يُنْظَرُ فِي الْحَال فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى صِفَةٍ يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا أُقِرَّ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لاَ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا كَإِحْدَى الْمُحَرَّمَاتِ بِالنَّسَبِ أَوِ السَّبَبِ أَوِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لَمْ يُقَرَّ (١) .
وَإِنْ أَسْلَمَ الْحُرُّ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ وَيُفَارِقَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لأَِمْرِ النَّبِيِّ ﷺ لِغَيْلاَنَ لَمَّا أَسْلَمَ عَلَى تِسْعِ نِسْوَةٍ: أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا (٢) .
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَلَمْ يُسْلِمِ الآْخَرُ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَ الآْخَرُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (نِكَاحٌ وَإِسْلاَمٌ ف ٥) .
نِكَاحُ الْمُسْلِمِ كَافِرَةً وَنِكَاحُ الْكَافِرِ مُسْلِمَةً:
٢١ - يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِمَّنْ لاَ كِتَابَ
_________
(١) بدائع الصنائع ٢ / ٣١٠، والدسوقي ٢ / ٢٦٧، ٢٦٩، والمهذب ٢ / ٥٣، والمغني ٦ / ٦١٣.
(٢) المهذب ٢ / ٥٣، والمغني ٦ / ٦٢٠، والبدائع ٢ / ٣١٤، والدسوقي ٢ / ٢٧١ - ٢٧٢. وحديث: " أمر النبي ﷺ لغيلان. . . ". أخرجه البيهقي (٧ / ١٨٣) وقال ابن حجر في التلخيص (٣ / ١٦٩): رجال إسناده ثقات
لَهَا مِنَ الْكُفَّارِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ (١)، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ (٢) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ فِي تَحْرِيمِ نِسَائِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ.
وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ - كَمَا يَقُول الْكَاسَانِيُّ: إِنَّ ازْدِوَاجَ الْكَافِرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ مَعَهَا مَعَ قِيَامِ الْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ لاَ يَحْصُل السَّكَنُ وَالْمَوَدَّةُ الَّتِي هِيَ قِوَامُ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ (٣) .
٥٠
٢٢ - وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ زَوَاجُ الْحَرَائِرِ مِنْ نِسَاءِ أَهْل الْكِتَابِ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ (٤)، وَلأَِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ تَزَوَّجُوا مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ فَتَزَوَّجَ عُثْمَانُ ﵁ نَائِلَةَ بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ الْكَلْبِيَّةِ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ وَأَسْلَمَتْ عِنْدَهُ، وَتَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِيَهُودِيَّةٍ مِنْ أَهْل الْمَدَائِنِ (٥) . وَإِنَّمَا جَازَ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ لِرَجَاءِ إِسْلاَمِهَا،
_________
(١) سورة البقرة / ٢٢١.
(٢) البدائع ٢ / ٢٧٠، والدسوقي ٢ / ٢٦٧، والمهذب ٢ / ٤٥، والمغني ٦ / ٥٩٢.
(٣) بدائع الصنائع ٢ / ٢٧٠.
(٤) سورة المائدة / ٥.
(٥) بدائع الصنائع ٢ / ٢٧٠، والدسوقي ٢ / ٢٦٧، والمهذب ٢ / ٤٥، والمغني ٦ / ٥٨٩.
لأَِنَّهَا آمَنَتْ بِكُتُبِ الأَْنْبِيَاءِ وَالرُّسُل فِي الْجُمْلَةِ (١) .
وَمَعَ الْحُكْمِ بِجَوَازِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الزَّوَاجُ مِنْهَا، لأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ يَمِيل إِلَيْهَا فَتَفْتِنَهُ عَنِ الدِّينِ، أَوْ يَتَوَلَّى أَهْل دِينِهَا، فَإِنْ كَانَتْ حَرْبِيَّةً فَالْكَرَاهِيَةُ أَشَدُّ، لأَِنَّهُ لاَ تُؤْمَنُ الْفِتْنَةُ أَيْضًا، وَلأَِنَّهُ يُكْثِرُ سَوَادَ أَهْل الْحَرْبِ، وَلأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ يُسْبَى وَلَدُهُ مِنْهَا فَيُسْتَرَقُّ.
وَقَدْ قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ لِلَّذِينَ تَزَوَّجُوا مِنْ نِسَاءِ أَهْل الْكِتَابِ: طَلِّقُوهُنَّ فَطَلَّقُوهُنَّ إِلاَّ حُذَيْفَةُ ﵁، فَقَال لَهُ عُمَرُ: طَلِّقْهَا قَال: تَشْهَدُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ قَال: هِيَ خَمْرَةٌ (٢) طَلِّقْهَا، قَال: تَشْهَدُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ قَال: هِيَ خَمْرَةٌ، قَال: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهَا خَمْرَةٌ، وَلَكِنَّهَا لِي حَلاَلٌ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ طَلَّقَهَا، فَقِيل لَهُ: أَلاَ طَلَّقْتَهَا حِينَ أَمَرَكَ عُمَرُ؟ قَال: كَرِهْتُ أَنْ يَرَى النَّاسُ أَنِّي رَكِبْتُ أَمْرًا لاَ يَنْبَغِي لِي (٣) .
وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ أَيْضًا مَالِكٌ لأَِنَّهَا تَتَغَذَّى بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَتُغَذِّي وَلَدَهُ بِهِمَا، وَهُوَ يُقَبِّلُهَا وَيُضَاجِعُهَا وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ التَّغَذِّي، وَلَوْ تَضَرَّرَ بِرَائِحَتِهِ، وَلاَ مِنَ الذَّهَابِ لِلْكَنِيسَةِ، وَقَدْ تَمُوتُ وَهِيَ حَامِلٌ
_________
(١) بدائع الصنائع ٢ / ٢٧٠.
(٢) وفي بعض النسخ " جمرة ".
(٣) المهذب ٢ / ٤٥، والمغني ٦ / ٥٩٠، والدسوقي ٢ / ٢٦٧.
فَتُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَهِيَ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ (١) .
٢٣ - وَلاَ يَجُوزُ لِلْكَافِرِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُسْلِمَةً لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ (٢)، وَلأَِنَّ فِي نِكَاحِ الْمُؤْمِنَةِ الْكَافِرَ خَوْفُ وُقُوعِ الْمُؤْمِنَةِ فِي الْكُفْرِ، لأَِنَّ الزَّوْجَ يَدْعُوهَا إِلَى دِينِهِ، وَالنِّسَاءُ فِي الْعَادَاتِ يَتْبَعْنَ الرِّجَال فِيمَا يُؤْثِرُونَ مِنَ الأَْفْعَال وَيُقَلِّدْنَهُمْ فِي الدِّينِ، وَقَدْ وَقَعَتِ الإِْشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ الآْيَةِ بِقَوْلِهِ ﷿: ﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ (٣)، لأَِنَّهُمْ يَدْعُونَ الْمُؤْمِنَاتِ إِلَى الْكُفْرِ، وَالدُّعَاءُ إِلَى الْكُفْرِ دُعَاءٌ إِلَى النَّارِ، لأَِنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ النَّارَ، فَكَانَ نِكَاحُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَةَ سَبَبًا دَاعِيًا إِلَى الْحَرَامِ فَكَانَ حَرَامًا، وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الْمُشْرِكِينَ لَكِنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ الدُّعَاءُ إِلَى النَّارِ تَعُمُّ الْكَفَرَةَ أَجْمَعَ، فَيَعُمُّ الْحُكْمُ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ (٤) .
٢٤ - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زَوَاجِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْمَجُوسِيَّةِ بِاعْتِبَارِ شَبَهِهَا بِأَهْل الْكِتَابِ.
كَمَا اخْتَلَفُوا فِي الزَّوَاجِ مِنَ السَّامِرَةِ وَالصَّابِئَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيِّ الْكَافِرَةِ
_________
(١) الدسوقي ٢ / ٢٦٧.
(٢) سورة البقرة / ٢٢١.
(٣) سورة البقرة / ٢٢١.
(٤) بدائع الصنائع ٢ / ٢٧١ - ٢٧٢.
كِتَابِيًّا وَالآْخَرُ وَثَنِيًّا.
وَكَذَلِكَ فِيمَا إِذَا تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً فَانْتَقَلَتْ إِلَى دِينٍ آخَرَ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْل الْكِتَابِ،. وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (نِكَاحٌ) .
وَصِيَّةُ الْكَافِرِ وَالْوَصِيَّةُ لَهُ
٢٥ - إِسْلاَمُ الْمُوصِي لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِاتِّفَاقٍ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنَ الْكَافِرِ بِالْمَال لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، لأَِنَّ الْكُفْرَ لاَ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ التَّمْلِيكِ، وَلأَِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ فَكَذَا وَصِيَّتُهُ.
وَكَمَا جَازَتِ الْوَصِيَّةُ مِنَ الْكَافِرِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ لَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ فِي الْجُمْلَةِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وَصِيَّةٌ) .
الإِْجَارَةُ وَالاِسْتِئْجَارُ مِنَ الْكَافِرِ:
٢٦ - قَال الْكَاسَانِيُّ: إِسْلاَمُ الْعَاقِدِ فِي الإِْجَارَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَصْلًا، فَتَجُوزُ الإِْجَارَةُ وَالاِسْتِئْجَارُ مِنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ لأَِنَّ هَذَا مِنْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَاتِ فَيَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ جَمِيعًا كَالْبِيَاعَاتِ (١) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (إِجَارَةٌ ف ٩٨) .
_________
(١) بدائع الصنائع ٤ / ١٧٦.
٢٧ - أَمَّا اسْتِئْجَارُ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ فَإِنْ كَانَ فِي عَمَلٍ مُعَيَّنٍ فِي الذِّمَّةِ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَقِصَارَتِهِ جَازَ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: بِغَيْرِ خِلاَفٍ نَعْلَمُهُ، لأَِنَّ عَلِيًّا ﵁ أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ يَسْقِي لَهُ كُل دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ وَأُخْبِرَ النَّبِيُّ ﷺ بِذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ " (١) .
أَمَّا إِجَارَتُهُ لِخِدْمَتِهِ فَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الأَْثْرَمِ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ، لأَِنَّهُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ حَبْسَ الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْكَافِرِ وَإِذْلاَلَهُ لَهُ وَاسْتِخْدَامَهُ (٢) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (إِجَارَةٌ ف ١٠٤) .
الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ
: ٢٨ - أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الشَّرِكَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَتَصَرَّفَ الْكَافِرُ إِلاَّ بِحُضُورِ شَرِيكِهِ الْمُسْلِمِ، لأَِنَّ ارْتِكَابَهُ الْمَحْظُورَاتِ الشَّرْعِيَّةَ فِي تَصَرُّفَاتِهِ لِلشَّرِكَةِ يُؤْمَنُ حِينَئِذٍ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى الْجَوَازِ أَيْضًا لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لأَِنَّ الْكَافِرَ لاَ يَهْتَدِي إِلَى وُجُوهِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الإِْسْلاَمِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: لاَ تَجُوزُ
_________
(١) حديث: " أن عليًا أجر نفسه من يهودي. . . ". أخرجه ابن ماجه (٢ / ٨١٨)، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (٢ / ٥٣) .
(٢) المغني ٥ / ٥٥٤.
الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، لأَِنَّ الْكَافِرَ يَسَعُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَيَبِيعَهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسْلِمُ. وَالتَّفْصِيل فِي (شَرِكَةٌ ف ٤١) .
الاِسْتِعَانَةُ بِالْكَافِرِ فِي الْجِهَادِ:
٢٩ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِسْتِعَانَةُ بِالْكَفَّارِ فِي الْجِهَادِ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ (١) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُول اللَّهِ ﷺ قِبَل بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بَحْرَةُ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ ﷺ حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَال لِرَسُول اللَّهِ ﷺ: جِئْتُ لأَِتْبَعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَتُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَال: لاَ، قَال: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ، قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُل فَقَال لَهُ كَمَا قَال لَهُ أَوَّل مَرَّةٍ، فَقَال لَهُ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا قَال أَوَّل مَرَّةٍ: قَال: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَال: ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ، فَقَال لَهُ كَمَا قَال أَوَّل مَرَّةٍ: تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَال: نَعَمْ، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: فَانْطَلِقْ (٢) .
_________
(١) المغني ٨ / ٤١٤ - ٤١٥، والمهذب ٢ / ٢٣١، وحاشية ابن عابدين ٣ / ٢٣٥، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٢ / ١٧٨.
(٢) حديث عائشة: " خرج رسول الله ﷺ قبل بدر. . . ". أخرجه مسلم (٢ / ١٤٤٩ - ١٤٥٠) .
وَأَمَّا إِذَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الاِسْتِعَانَةِ بِالْكَافِرِ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (اسْتِعَانَةٌ ف ٥، أَهْل الْكِتَابِ ف ١١، جِهَادٌ ف ٢٦) .
الْوَقْفُ مِنَ الْكَافِرِ وَلَهُ:
٣٠ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ وَقْفِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَغَيْرِ الْمُسْلِمِ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي مَعْصِيَةٍ.
كَمَا يَجُوزُ وَقْفُ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ (١) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وَقْفٌ) .
_________
(١) حاشية ابن عابدين ٣ / ٣٦١، حاشية الدسوقي ٤ / ٧٨، المهذب ١ / ٤٤٨ وشرح منتهى الإرادات ٢ / ٤٩٣.