الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٤
الْوَقْتُ، بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الأُْولَى (١) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ بَعْدَ أَنْ نَسَبَ إِلَى مَالِكٍ الْقَوْل بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ مَعَ النِّسْيَانِ: وَلَعَل مَنْ يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ أَبِي جُمُعَةَ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَجْمُوعَتَيْنِ (٢) .
وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَال: لاَ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِالنِّسْيَانِ (٣) .
ج - الْجَهْل:
٢٢ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الآْمِدِيِّ: أَنَّ مَنْ جَهِل فَرْضِيَّةَ التَّرْتِيبِ لاَ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ، كَالنَّاسِي (٤) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُعْذَرُ فِي تَرْكِ التَّرْتِيبِ بِالْجَهْل بِوُجُوبِهِ، لأَِنَّ الْجَهْل بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْعِلْمِ لاَ يُسْقِطُ أَحْكَامَهَا، كَالْجَهْل بِتَحْرِيمِ الأَْكْل فِي الصَّوْمِ (٥)، وَهَذَا رَأْيُ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَنْ جَهِل وُجُوبَ تَرْتِيبِ الْحَاضِرَتَيْنِ فَبَدَأَ بِالأَْخِيرَةِ جَهْلًا بِالْحُكْمِ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ الأَْخِيرَةَ أَبَدًا بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الأُْولَى (٦) .
_________
(١) الخرشي ١ / ٣٠١، والشرح الصغير ١ / ٣٦٦.
(٢) المغني ١ / ٦٠٩.
(٣) الإنصاف ١ / ٤٤٥.
(٤) البناية ٢ / ٦٢٩، والمغني ١ / ٦١٣، والإنصاف ١ / ٤٤٥.
(٥) الإنصاف ١ / ٤٤٥، والمغني ١ / ٦١٣.
(٦) الخرشي ١ / ٣٠١.
د - كَثْرَةُ الْفَوَائِتِ:
٢٣ - ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَإِنْ كَثُرَتْ (١) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوِ الْحُكْمِيَّةِ (٢)، لأَِنَّ اشْتِرَاطَ التَّرْتِيبِ إِذْ ذَاكَ رُبَّمَا يُفْضِي إِلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ، وَهُوَ حَرَامٌ (٣)، وَالْمُعْتَبَرُ خُرُوجُ وَقْتِ السَّادِسَةِ فِي الصَّحِيحِ، لأَِنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُول فِي حَدِّ التَّكْرَارِ، وَرُوِيَ بِدُخُول وَقْتِ السَّادِسَةِ (٤) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ كَمَا سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِيمَا بَيْنَ الْكَثِيرَةِ وَالْحَاضِرَةِ سَقَطَ فِيمَا بَيْنَ أَنْفُسِهَا عَلَى الأَْصَحِّ (٥) .
وَلاَ يَعُودُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَوَائِتِ الَّتِي كَانَتْ كَثِيرَةً بِعَوْدِهَا إِلَى الْقَلِيلَةِ بِقَضَاءِ بَعْضِهَا، لأَِنَّ السَّاقِطَ لاَ يَعُودُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (٦) .
وَقَال بَعْضُهُمْ: يَعُودُ التَّرْتِيبُ، وَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْل الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَفِي الْهِدَايَةِ: هُوَ الأَْظْهَرُ، لأَِنَّ عِلَّةَ السُّقُوطِ الْكَثْرَةُ وَقَدْ
_________
(١) المغني ١ / ٦٠٧، والشرح الصغير ١ / ٣٦٧.
(٢) البناية ٢ / ٦٢٩، ومراقي الفلاح ص٢٤١.
(٣) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص٢٤١.
(٤) مراقي الفلاح ص٢٤١.
(٥) مراقي الفلاح ص٢٤١.
(٦) مراقي الفلاح ص٢٤١، والبناية ٢ / ٦٣٧.
زَالَتْ (١) .
وَلاَ يَعُودُ التَّرْتِيبُ أَيْضًا بِفَوْتِ صَلاَةٍ حَدِيثَةٍ بَعْدَ نِسْيَانِ سِتٍّ قَدِيمَةٍ، فَتَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِ الْحَدِيثَةِ لِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَهُمْ (٢) .
وَقِيل: لاَ تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ، وَيُجْعَل الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ زَجْرًا لَهُ، وَصَحَّحَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (٣) .
وَيَقُول الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ بِوُجُوبِ تَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ تَرْتِيبًا غَيْرَ شَرْطٍ، فَيُقَدِّمُ الظُّهْرَ عَلَى الْعَصْرِ، وَهِيَ عَلَى الْمَغْرِبِ وَهَكَذَا، وُجُوبًا، فَإِنْ نَكَّسَ صَحَّتْ، وَأَثِمَ إِنْ تَعَمَّدَ وَلاَ يُعِيدُ الْمُنَكَّسَ (٤) .
هـ - فَوَاتُ الْجَمَاعَةِ:
٢٤ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي قَضَاءِ فَائِتَةٍ وَأُقِيمَتِ الْحَاضِرَةُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لاَ يَقْطَعُ، أَمَّا إِذَا أُقِيمَتِ الْجَمَاعَةُ فِي ذَلِكَ الْفَرْضِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَقْتَدِي (٥) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أُقِيمَتْ صَلاَةٌ لِرَاتِبٍ بِمَسْجِدٍ وَالْمُصَلِّي فِي فَرِيضَةٍ غَيْرِ
_________
(١) البناية ٢ / ٦٣٧، ومراقي الفلاح ص٢٤١.
(٢) البناية ٢ / ٦٣٦، ومراقي الفلاح ص٢٤١.
(٣) مراقي الفلاح ص٢٤١.
(٤) الشرح الصغير ١ / ٣٦٧، والخرشي ١ / ٣٠١.
(٥) حاشية الطحطاوي على الدر المختار ١ / ٢٩٧ - ٢٩٨.
الْمُقَامَةِ، قَطَعَ صَلاَتَهُ وَدَخَل مَعَ الإِْمَامِ إِنْ خَشِيَ بِإِتْمَامِهَا فَوَاتَ رَكْعَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَخْشَ فَوَاتَ رَكْعَةٍ مَعَ الإِْمَامِ أَتَمَّ صَلاَتَهُ (١) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ قَلْبُ الْفَائِتَةِ نَفْلًا لِيُصَلِّيَهَا جَمَاعَةً فِي فَائِتَةٍ أُخْرَى أَوْ حَاضِرَةٍ، إِذْ لاَ تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ حِينَئِذٍ خُرُوجًا مِنْ خِلاَفِ الْعُلَمَاءِ، فَإِنْ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ فِي تِلْكَ الْفَائِتَةِ بِعَيْنِهَا جَازَ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ لاَ يُنْدَبُ (٢) .
وَلِلْحَنَابِلَةِ فِيمَنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ وَخَشِيَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ، لأَِنَّهُ اجْتَمَعَ وَاجِبَانِ: التَّرْتِيبُ وَالْجَمَاعَةُ، وَلاَ بُدَّ مِنْ تَفْوِيتِ أَحَدِهِمَا، فَكَانَ مُخَيَّرًا فِيهِمَا.
وَالثَّانِيَةُ: لاَ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ، لأَِنَّهُ آكَدُ مِنَ الْجَمَاعَةِ، بِدَلِيل اشْتِرَاطِهِ لِصِحَّةِ الصَّلاَةِ بِخِلاَفِ الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ (٣) .
قَضَاءُ صَلَوَاتِ الْعُمُرِ:
٢٥ - قَال أَبُو نَصْرٍ الْحَنَفِيُّ فِيمَنْ يَقْضِي صَلَوَاتِ عُمُرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فَاتَهُ شَيْءٌ، يُرِيدُ الاِحْتِيَاطَ، فَإِنْ كَانَ لأَِجْل النُّقْصَانِ وَالْكَرَاهَةِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ لَمْ
_________
(١) الشرح الصغير ١ / ٤٣١.
(٢) أسنى المطالب ١ / ٢٣١، وانظر المجموع ٤ / ٢١٠ - ٢١١.
(٣) المغني ١ / ٦١٢.
يَفْعَل، وَجَاءَ فِي الْمُضْمَرَاتِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ إِلاَّ بَعْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَقَدْ فَعَل ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ لِشُبْهَةِ الْفَسَادِ (١) .
وَقَال الْحَطَّابُ: الشَّكُّ الَّذِي لاَ يَسْتَنِدُ لِعَلاَمَةٍ لَغْوٌ، لأَِنَّهُ وَسْوَسَةٌ، فَلاَ قَضَاءَ إِلاَّ لِشَكٍّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَقَدْ أُولِعَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْتَمِينَ لِلصَّلاَحِ بِقَضَاءِ الْفَوَائِتِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْفَوَاتِ أَوْ ظَنِّهِ أَوْ شَكٍّ فِيهِ، وَيُسَمُّونَهُ صَلاَةَ الْعُمُرِ، وَيَرَوْنَهَا كَمَالًا، وَيُرِيدُ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي نَافِلَةً أَصْلًا، بَل يَجْعَل فِي مَحَل كُل نَافِلَةٍ فَائِتَةً لِمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ نَقْصٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ جَهْلٍ، وَذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ حَال السَّلَفِ، وَفِيهِ هِجْرَانُ الْمَنْدُوبَاتِ وَتَعَلُّقٌ بِمَا لاَ أَجْرَ لَهُ، وَقَدْ سَمِعْتُ شَيْخَنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ السَّنُوسِيَّ ثُمَّ التِّلِمْسَانِيَّ يَذْكُرُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ فَحَنِقْتُهُ عَلَيْهِ، فَقَال: نَصَّ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، نَعَمْ، رَأَيْتُ لِسَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبِلاَلِيِّ فِي اخْتِصَارِ الإِْحْيَاءِ عَكْسَهُ (٢) .
قَضَاءُ السُّنَنِ:
٢٦ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ: أَنَّ السُّنَنَ - عَدَا سُنَّةِ الْفَجْرِ - لاَ تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ (٣) .
_________
(١) الفتاوى الهندية ١ / ١٢٤
(٢) مواهب الجليل ٢ / ٨.
(٣) الهداية والعناية ١ / ٢٤٣ ط. بولاق، والشرح الصغير ١ / ٤٠٨ - ٤٠٩، والإنصاف٢ / ١٧٨.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي قَضَاءِ هَذِهِ السُّنَنِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ، فَقَال بَعْضُهُمْ: يَقْضِيهَا تَبَعًا، لأَِنَّهُ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلاَ يَثْبُتُ. قَصْدًا.
وَقَال بَعْضُهُمْ: لاَ يَقْضِيهَا تَبَعًا كَمَا لاَ يَقْضِيهَا مَقْصُودَةً، قَال الْعَيْنِيُّ: وَهُوَ الأَْصَحُّ، لاِخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ (١)، وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ: مَا سِوَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ مِنَ السُّنَنِ إِذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ يَقْضِي عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ كَالأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ، وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ لاَ يُقْضَى (٢) .
وَأَمَّا سُنَّةُ الْفَجْرِ فَإِنَّهَا تُقْضَى تَبَعًا لِلْفَرْضِ إِلَى وَقْتِ الزَّوَال عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، سَوَاءٌ كَانَ قَضَى الْفَرْضَ بِالْجَمَاعَةِ، أَوْ قَضَاهُ وَحْدَهُ (٣)، وَقَال مُحَمَّدٌ: تُقْضَى مُنْفَرِدَةً بَعْدَ الشَّمْسِ قَبْل الزَّوَال (٤)، فَلاَ قَضَاءَ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ مُنْفَرِدَةً قَبْل الشَّمْسِ وَلاَ بَعْدَ الزَّوَال بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ، وَسَوَاءٌ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ (٥) .
ثُمَّ اخْتَلَفَ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فِي قَضَاءِ
_________
(١) البناية ١ / ٦١٢ - ٦١٣، وانظر الهداية مع العناية ١ / ٣٤٢ ط. بولاق.
(٢) البناية ٢ / ٦١٣.
(٣) البناية ٢ / ٦١٢، وانظر الهداية مع فتح القدير ١ / ٣٤٠ - ٣٤١ ط. بولاق.
(٤) مراقي الفلاح ص٢٤٦.
(٥) مراقي الفلاح ص٢٤٦.
سُنَّةِ الْفَجْرِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ فِيمَا بَعْدَ الزَّوَال، فَقَال بَعْضُهُمْ: تُقْضَى تَبَعًا، وَقَال بَعْضُهُمْ: لاَ تُقْضَى تَبَعًا وَلاَ مَقْصُودَةً (١) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ يُقْضَى نَفْلٌ خَرَجَ وَقْتُهُ سِوَى سُنَّةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهَا تُقْضَى بَعْدَ حِل النَّافِلَةِ لِلزَّوَال سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا الصُّبْحُ أَوْ لاَ (٢) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ النَّوَافِل غَيْرَ الْمُؤَقَّتَةِ كَصَلاَةِ الْكُسُوفَيْنِ وَالاِسْتِسْقَاءِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لاَ مَدْخَل لِلْقَضَاءِ فِيهَا، وَأَمَّا النَّوَافِل الْمُؤَقَّتَةُ كَالْعِيدِ وَالضُّحَى، وَالرَّوَاتِبِ التَّابِعَةِ لِلْفَرَائِضِ، فَفِي قَضَائِهَا عِنْدَهُمْ أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا: أَنَّهَا تُقْضَى، وَالثَّانِي: لاَ، وَالثَّالِثُ: مَا اسْتَقَل كَالْعِيدِ وَالضُّحَى قُضِيَ، وَمَا كَانَ تَبَعًا كَالرَّوَاتِبِ فَلاَ.
وَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّهَا تُقْضَى، فَالْمَشْهُورُ: أَنَّهَا تُقْضَى أَبَدًا، وَالثَّانِي: تُقْضَى صَلاَةُ النَّهَارِ مَا لَمْ تَغْرُبْ شَمْسُهُ، وَفَائِتُ اللَّيْل مَا لَمْ يَطْلُعْ فَجْرُهُ فَيَقْضِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ مَا دَامَ النَّهَارُ بَاقِيًا، وَالثَّالِثُ: يَقْضِي كُل تَابِعٍ مَا لَمْ يُصَل فَرِيضَةً مُسْتَقْبَلَةً، فَيَقْضِي الْوِتْرَ مَا لَمْ يُصَل الصُّبْحَ، وَيَقْضِي سُنَّةَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُصَل الظُّهْرَ، وَالْبَاقِي عَلَى هَذَا الْمِثَال، وَقِيل: عَلَى هَذَا
_________
(١) البناية ٢ / ٦١٢.
(٢) حاشية الصاوي مع الشرح الصغير ١ / ٤٠٨ - ٤٠٩ ط. دار المعارف، وانظر الخرشي ٢ / ١٦.
الاِعْتِبَارِ بِدُخُول وَقْتِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، لاَ بِفِعْلِهَا (١) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ سُنَّ لَهُ قَضَاؤُهَا، وَعَنْ أَحْمَدَ: لاَ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا، وَعَنْهُ: يَقْضِي سُنَّةَ الْفَجْرِ إِلَى الضُّحَى، وَقِيل: لاَ يَقْضِي إِلاَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ إِلَى وَقْتِ الضُّحَى وَرَكْعَتَيِ الظُّهْرِ (٢) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ التَّطَوُّعُ بِالشُّرُوعِ مُضِيًّا وَقَضَاءً، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ فِيهِ حَتَّى إِذَا أَفْسَدَهُ لَزِمَ قَضَاؤُهُ (٣) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: نَفْلٌ) (وَصَلاَةُ الْعِيدَيْنِ ف ٧ - ٩) (وَأَدَاءٌ ف ٢٠) (وَتَطَوُّعٌ ف ١٨) .
الأَْذَانُ وَالإِْقَامَةُ لِلْفَوَائِتِ:
٢٧ - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ سُنَّ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلأُْولَى، ثُمَّ يُقِيمَ لِكُل صَلاَةٍ إِقَامَةً.
وَأَضَافَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ إِنْ وَالَى بَيْنَ الْفَوَائِتِ، فَإِنْ لَمْ يُوَال بَيْنَهَا أَذَّنَ وَأَقَامَ لِكُلٍّ (٤) .
_________
(١) روضة الطالبين ١ / ٣٣٧ - ٣٣٨.
(٢) الإنصاف ٢ / ١٧٨.
(٣) الاختيار ١ / ٦٦، وحاشية ابن عابدين ١ / ٤٦٣.
(٤) مراقي الفلاح ص١٠٨ - ١٠٩، وأسنى المطالب ١ / ١٢٦، والمغني ١ / ٤١٩.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الأَْكْمَل فِعْلُهُمَا فِي كُلٍّ مِنْهَا (١)، كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ حِينَ شَغَلَهُ الْكُفَّارُ يَوْمَ الأَْحْزَابِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ: الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَقَضَاهُنَّ مُرَتَّبًا عَلَى الْوِلاَءِ، وَأَمَرَ بِلاَلًا أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ لِكُل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ (٢) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهِيَةِ الأَْذَانِ لِفَائِتَةٍ (٣) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي الْمَسَائِل الْمُتَعَلِّقَةِ بِالأَْذَانِ لِلْفَوَائِتِ (ر: أَذَانٌ ف ٤٣ - ٤٤) .
قَضَاءُ الْفَوَائِتِ فِي جَمَاعَةٍ:
٢٨ - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ جَوَازَ الْجَمَاعَةِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ (٤)، وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِسُنِّيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَقْضِيَّةِ، وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ السُّنِّيَّةَ بِكَوْنِهَا فِي الْمَقْضِيَّةِ الَّتِي يَتَّفِقُ الإِْمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِيهَا، بِأَنْ يَكُونَ قَدْ فَاتَهُمَا ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ مَثَلًا (٥)، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَوْمَ
_________
(١) مراقي الفلاح ص ١٠٩.
(٢) الشرح الصغير ١ / ٢٤٨.
(٤) المجموع ٤ / ١٨٩.
(٥) الزرقاني ٢ / ٢، وأسنى المطالب ١ / ٢٠٩، وكشاف القناع ١ / ٢٦٢، والمغني ١ / ٦١٤ - ٦١٥، وانظر بدائع الصنائع ١ / ١٥٤.
الْخَنْدَقِ " فَاتَهُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ فَقَضَاهُنَّ فِي جَمَاعَةٍ " (١)، وَقَدْ رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ ﵁ قَال: سَرَيْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْل عَرَّسْنَا - أَيْ نَزَل بِنَا لِلاِسْتِرَاحَةِ - فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى حَرِّ الشَّمْسِ فَجَعَل الرَّجُل مِنَّا يَقُومُ دَهِشًا إِلَى طَهُورِهِ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: أَنْ يَسْكُنُوا، ثُمَّ ارْتَحَلْنَا فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، تَوَضَّأَ ثُمَّ أَمَرَ بِلاَلًا فَأَذَّنَ ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْل الْفَجْرِ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّيْنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، أَلاَ نُعِيدُهَا فِي وَقْتِهَا فِي الْغَدِ لِوَقْتِهَا؟ قَال: أَيَنْهَاكُمْ رَبُّكُمْ ﵎ عَنِ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ؟ (٢) .
وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ السُّنِّيَّةَ بِكَوْنِهَا فِي الْمَقْضِيَّةِ الَّتِي يَتَّفِقُ الإِْمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِيهَا بِأَنْ يَكُونَ قَدْ فَاتَهُمَا ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ مَثَلًا (٣) . وَحُكِيَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مَنْعَ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ فِي جَمَاعَةٍ (٤) .
وَلِلْفُقَهَاءِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ فِي الْقَضَاءِ خَلْفَ الأَْدَاءِ، وَالأَْدَاءِ خَلْفَ الْقَضَاءِ، وَقَضَاءِ صَلاَةٍ خَلْفَ مَنْ يَقْضِي غَيْرَهَا، يُنْظَرُ فِي (اقْتِدَاءٌ ف ٣٥) .
_________
(١) الحديث سبق تخريجه ف ٢٧.
(٢) حديث عمران بن حصين: " سرينا مع رسول الله ﷺ. . . ". أخرجه أحمد (٤ / ٤٤١) .
(٣) أسنى المطالب ١ / ٢٠٩.
(٤) المجموع ٤ / ١٨٩.