الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٤
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الْمَقْضِيَّةُ إِنْ فَاتَتْ فِي الْحَضَرِ وَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ لَمْ يَقْصُرْ خِلاَفًا لِلْمُزَنِيِّ، وَإِنْ شَكَّ هَل فَاتَتْ فِي السَّفَرِ أَوِ الْحَضَرِ؟ لَمْ يَقْصُرْ أَيْضًا، وَإِنْ فَاتَتْ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِيهِ أَوْ فِي الْحَضَرِ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
أَظْهَرُهَا: إِنْ قَضَى فِي السَّفَرِ قَصَرَ وَإِلاَّ فَلاَ.
وَالثَّانِي: يُتِمُّ فِيهِمَا، وَالثَّالِثُ: يَقْصُرُ فِيهِمَا، وَالرَّابِعُ: إِنْ قَضَى ذَلِكَ فِي السَّفَرِ قَصَرَ، وَإِنْ قَضَى فِي الْحَضَرِ أَوْ سَفَرٍ آخَرَ أَتَمَّ (١) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا نَسِيَ صَلاَةَ الْحَضَرِ فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ فَعَلَيْهِ الإِْتْمَامُ، لأَِنَّ الصَّلاَةَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا أَرْبَعًا، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ النُّقْصَانُ مِنْ عَدَدِهَا كَمَا لَوْ سَافَرَ، وَلأَِنَّهُ إِنَّمَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ، وَقَدْ فَاتَهُ أَرْبَعٌ.
وَأَمَّا إِنْ نَسِيَ صَلاَةَ السَّفَرِ فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ فَقَال أَحْمَدُ: عَلَيْهِ الإِْتْمَامُ احْتِيَاطًا، وَبِهِ قَال الأَْوْزَاعِيُّ.
وَإِنْ نَسِيَ صَلاَةَ سَفَرٍ وَذَكَرَهَا فِيهِ قَضَاهَا مَقْصُورَةً، لأَِنَّهَا وَجَبَتْ فِي السَّفَرِ وَفُعِلَتْ فِيهِ (٢) .
صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ:
١٦ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي
_________
(١) روضة الطالبين ١ / ٣٨٩.
(٢) المغني ٢ / ٢٨٢، ٢٨٣.
الْقَوْل الْمُقَابِل لِلأَْصَحِّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ الاِعْتِبَارَ فِي صِفَةِ الْقِرَاءَةِ بِوَقْتِ الْفَوَائِتِ، لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى وَفْقِ الأَْدَاءِ (١)، وَلاَ فَرْقَ عِنْدَ هَؤُلاَءِ بَيْنَ الْمُنْفَرِدِ وَالإِْمَامِ (٢) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الأَْصَحِّ الاِعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْقَضَاءِ، وَيَقُولُونَ: إِنْ قَضَى فَائِتَةَ اللَّيْل بِاللَّيْل جَهَرَ، وَإِنْ قَضَى فَائِتَةَ النَّهَارِ بِالنَّهَارِ أَسَرَّ، وَإِنْ قَضَى فَائِتَةَ النَّهَارِ لَيْلًا أَوْ عَكَسَ، فَالاِعْتِبَارُ بِوَقْتِ الْقَضَاءِ عَلَى الأَْصَحِّ (٣) .
قَال النَّوَوِيُّ: صَلاَةُ الصُّبْحِ وَإِنْ كَانَتْ نَهَارِيَّةً فَهِيَ فِي الْقَضَاءِ جَهْرِيَّةٌ، وَلِوَقْتِهَا حُكْمُ اللَّيْل فِي الْجَهْرِ وَإِطْلاَقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُسِرُّ فِي قَضَاءِ صَلاَةِ جَهْرٍ كَعِشَاءٍ أَوْ صُبْحٍ قَضَاهَا نَهَارًا، وَلَوْ جَمَاعَةً اعْتِبَارًا بِزَمَنِ الْقَضَاءِ، كَصَلاَةِ سِرٍّ قَضَاهَا وَلَوْ لَيْلًا اعْتِبَارًا بِالْمَقْضِيَّةِ، وَيَجْهَرُ بِالْجَهْرِيَّةِ كَأُولَيَيِ الْمَغْرِبِ إِذَا قَضَاهَا لَيْلًا فِي جَمَاعَةٍ فَقَطْ، اعْتِبَارًا بِالْقَضَاءِ وَشَبَهِهَا بِالأَْدَاءِ، لِكَوْنِهَا فِي جَمَاعَةٍ، فَإِنْ قَضَاهَا مُنْفَرِدًا أَسَرَّهَا، لِفَوَاتِ شَبَهِهَا بِالأَْدَاءِ (٤) .
_________
(١) الفتاوى الهندية ١ / ١٢١، والشرح الصغير ١ / ٣٦٥، وروضة الطالبين ١ / ٢٦٩، والمغني ١ / ٥٧٠.
(٢) المغني ١ / ٥٧٠.
(٣) روضة الطالبين ١ / ٢٦٩.
(٤) كشاف القناع ١ / ٣٤٣ - ٣٤٤.
التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَفَرْضِ الْوَقْتِ:
١٧ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَبَيْنَ فَرْضِ الْوَقْتِ وَاجِبٌ (١)، وَبِهِ قَال النَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَيَحْيَى الأَْنْصَارِيُّ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ مَا يَدُل عَلَيْهِ (٢)، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا (٣)، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَوَقْتُهَا إِذَا ذَكَرَهَا (٤)، فَقَدْ جَعَل وَقْتَ التَّذَكُّرِ وَقْتَ الْفَائِتَةِ، فَكَانَ أَدَاءُ الْوَقْتِيَّةِ قَبْل قَضَاءِ الْفَائِتَةِ أَدَاءً قَبْل وَقْتِهَا، فَلاَ يَجُوزُ (٥) وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: إِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلاَّ وَهُوَ مَعَ الإِْمَامِ فَلْيُصَل مَعَ الإِْمَامِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ فَلْيُصَل الصَّلاَةَ الَّتِي نَسِيَ، ثُمَّ لِيُعِدْ صَلاَتَهُ الَّتِي صَلَّى مَعَ الإِْمَامِ (٦)، وَرَوَى أَحْمَدُ أَنَّهُ ﷺ عَامَ
_________
(١) البناية ٢ / ٦٢٣، وبدائع الصنائع ١ / ١٣١، والشرح الصغير ١ / ٣٦٧ - ٣٦٨، ومطالب أولي النهى ١ / ٣٢١.
(٢) البناية ٢ / ٦٢٣.
(٣) حديث: " من نسي صلاة أو نام عنها. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٢ / ٧٠)، ومسلم (١ / ٤٧٧) من حديث أنس، واللفظ لمسلم.
(٤) رواية: " من نسي صلاة ". أخرجها الدارقطني (١ / ٤٢٣) من حديث أبي هريرة، وأعله ابن حجر في التلخيص (١ / ١١٥) بتضعيف أحد رواته.
(٥) بدائع الصنائع ١ / ١٣١ - ١٣٢.
(٦) حديث ابن عمر: " إذا نسي أحدكم صلاته. . . ". أخرجه الدارقطني (١ / ٤٢١) وصوب وقفه على ابن عمر.
الأَْحْزَابِ صَلَّى الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَال: هَل عَلِمَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنِّي صَلَّيْتُ الْعَصْرَ؟ قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، مَا صَلَّيْتَهَا، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلاَةَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَعَادَ الْمَغْرِبَ (١)، وَقَدْ قَال: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي (٢) وَكَالْمَجْمُوعَتَينِ (٣) .
وَوُجُوبُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ الْفَوَائِتُ يَسِيرَةً، فَيَجِبُ تَقْدِيمُ يَسِيرِ الْفَوَائِتِ عَلَى الْحَاضِرَةِ (٤)، وَيَسِيرُ الْفَوَائِتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا دُونَ سِتِّ صَلَوَاتٍ (٥) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَسِيرُ الْفَوَائِتِ خَمْسٌ فَأَقَل، وَقِيل: أَرْبَعٌ فَأَقَل، فَالأَْرْبَعُ يَسِيرٌ اتِّفَاقًا، وَالسِّتَّةُ كَثِيرٌ اتِّفَاقًا، وَالْخِلاَفُ فِي الْخَمْسِ (٦) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاجِبٌ وُجُوبًا غَيْرَ شَرْطٍ، وَأَمَّا
_________
(١) حديث: " هل علم أحد منكم أني صليت. . . ". أخرجه أحمد (٤ / ١٠٦) من حديث حبيب بن سباع، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (١ / ٣٢٤): رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف.
(٢) حديث: " صلوا كما رأيتموني أصلي ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٢ / ١١١) من حديث مالك بن الحويرث.
(٣) مطالب أولي النهى ١ / ٣٢١.
(٤) مراقي الفلاح ص٢٣٩، والشرح الصغير١ / ٣٦٧.
(٥) مراقي الفلاح ص٢٣٩.
(٦) الشرح الصغير ١ / ٣٦٨.
التَّرْتِيبُ بَيْنَ مُشْتَرَكَتَيِ الْوَقْتِ فَوَاجِبٌ وُجُوبَ شَرْطٍ (١)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ بَيْنَ فَرِيضَةِ الْوَقْتِ وَالْمَقْضِيَّةِ مُسْتَحَبٌّ، فَإِنْ دَخَل وَقْتُ فَرِيضَةٍ وَتَذَكَّرَ فَائِتَةً، فَإِنِ اتَّسَعَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ اسْتُحِبَّ الْبَدْءُ بِالْفَائِتَةِ، وَإِنْ ضَاقَ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْحَاضِرَةِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ الْفَائِتَةَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْحَاضِرَةِ أَتَمَّهَا، ضَاقَ الْوَقْتُ أَمِ اتَّسَعَ، ثُمَّ يَقْضِي الْفَائِتَةَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ الْحَاضِرَةَ بَعْدَهَا (٢) .
التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَوَائِتِ نَفْسِهَا:
١٨ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ تَرْتِيبَ الْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا وَاجِبٌ، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، فَيُقَدَّمُ الظُّهْرُ عَلَى الْعَصْرِ، وَهِيَ عَلَى الْمَغْرِبِ، وَهَكَذَا وُجُوبًا (٣) .
وَتَرْتِيبُ الْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ، فَمَنْ أَخَل بِهَذَا التَّرْتِيبِ وَنَكَّسَ صَحَّتْ صَلاَتُهُ، وَأَثِمَ إِنْ تَعَمَّدَ، وَلاَ يُعِيدُ الْمُنَكِّسُ، وَقِيل: إِنَّهُ وَاجِبٌ شَرْطًا (٤)، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ إِذْ
_________
(١) الشرح الصغير ١ / ٣٦٧.
(٢) الشرح الصغير ١ / ٣٦٧، وروضة الطالبين ١ / ٢٦٩ - ٢٧٠.
(٣) الشرح الصغير ١ / ٣٦٧، والمغني ١ / ٦٠٧.
(٤) الشرح الصغير ١ / ٣٦٧.
قَالُوا: لأَِنَّهُ تَرْتِيبٌ وَاجِبٌ فِي الصَّلاَةِ، فَكَانَ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا، فَمَنْ أَخَل بِهَذَا التَّرْتِيبِ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ (١) .
وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفَوَائِتِ نَفْسِهَا، إِلاَّ أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتِّ صَلَوَاتٍ، فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فِيمَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ نَفْسِهَا كَمَا يَسْقُطُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَقْتِيَّةِ، وَحَدُّ الْكَثْرَةِ عِنْدَهُمْ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا. بِخُرُوجِ وَقْتِ الصَّلاَةِ السَّادِسَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِدُخُول وَقْتِ السَّابِعَةِ فِي الأَْغْلَبِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اعْتَبَرَ دُخُول وَقْتِ السَّادِسَةِ، قَال الْمَرْغِينَانِيُّ: وَالأَْوَّل هُوَ الصَّحِيحُ، لأَِنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُول فِي حَدِّ التَّكْرَارِ، وَذَلِكَ فِي الأَْوَّل (٢)، فَإِذَا دَخَل وَقْتُ السَّابِعَةِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إِذَا دَخَل وَقْتُ السَّادِسَةِ (٣) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَلاَ يَجِبُ (٤) .
فَوْرِيَّةُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ:
١٩ - صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِوُجُوبِ فَوْرِيَّةِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا (٥) فَأَمَرَ بِالصَّلاَةِ عِنْدَ الذِّكْرِ،
_________
(١) المغني ١ / ٦٠٨.
(٢) الهداية مع البناية ٢ / ٦٣١ - ٦٣٦.
(٣) البناية ٢ / ٦٣٥.
(٤) روضة الطالبين ١ / ٢٦٩.
(٥) حديث: " فليصلها إذا ذكرها ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٢ / ٧٠)، ومسلم (١ / ٤٧٧) من حديث أنس واللفظ لمسلم.
وَالأَْمْرُ لِلْوُجُوبِ (١)، وَالْمُرَادُ بِالْفَوْرِ الْفَوْرُ الْعَادِي، بِحَيْثُ لاَ يُعَدُّ مُفَرِّطًا، لاَ الْحَال الْحَقِيقِيُّ (٢)، وَقَيَّدَ الْحَنَابِلَةُ الْفَوْرِيَّةَ بِمَا إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ فِي بَدَنِهِ أَوْ فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا، فَإِنْ تَضَرَّرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ سَقَطَتِ الْفَوْرِيَّةُ (٣) .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ، فَقَال النَّوَوِيُّ: مَنْ لَزِمَهُ صَلاَةٌ فَفَاتَتْهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا، سَوَاءٌ فَاتَتْ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهَا بِعُذْرٍ كَانَ قَضَاؤُهَا عَلَى التَّرَاخِي، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى الْفَوْرِ.
قَال صَاحِبُ التَّهْذِيبِ: وَقِيل: يَجِبُ قَضَاؤُهَا حِينَ ذَكَرَ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَل إِذَا ذَكَرَهَا (٤)، وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الأَْصْحَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا، لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ﵁ قَال: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَإِنَّا أُسْرِينَا، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْل وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ،. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ ﷺ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي
_________
(١) الشرح الصغير ١ / ٣٦٥، وكشاف القناع ١ / ٢٦٠.
(٢) الشرح الصغير ١ / ٣٦٥.
(٣) الإنصاف ١ / ٤٣٣.
(٤) حديث أنس: " من نسي صلاة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٢ / ٧٠)، ومسلم (١ / ٤٧٧) واللفظ للبخاري.
أَصَابَهُمْ قَال: لاَ ضَيْرَ - أَوْ لاَ يَضِيرُ - ارْتَحِلُوا فَارْتَحَل فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نَزَل، فَدَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ، وَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ (١) وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ.
وَإِنْ فَوَّتَهَا بِلاَ عُذْرٍ فَوَجْهَانِ:
أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ، وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ، كَمَا لَوْ فَاتَتْ بِعُذْرٍ، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ: أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ، وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، وَنَقَل إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الأَْصْحَابِ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، لأَِنَّهُ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِهَا، وَلأَِنَّهُ يُقْتَل بِتَرْكِ الصَّلاَةِ الَّتِي فَاتَتْ، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي لَمْ يُقْتَل (٢) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ جَوَازَ التَّأْخِيرِ وَالْبِدَارِ فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ (٣) .
سُقُوطُ التَّرْتِيبِ:
يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ لِلأَْسْبَابِ الآْتِيَةِ:
أ - ضِيقُ الْوَقْتِ:
٢٠ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَالأَْوْزَاعِيُّ
_________
(١) حديث عمران بن حصين: " كنا في سفر مع النبي ﷺ. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٤٤٧) ومسلم (١ / ٤٧٤ - ٤٧٥) واللفظ للبخاري.
(٢) المجموع ٣ / ٦٩.
(٣) شرح مسلم الثبوت ١ / ٣٨٧.
وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ، أَنَّهُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِضِيقِ وَقْتِ الْحَاضِرَةِ، لأَِنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ آكَدُ مِنْ فَرْضِ التَّرْتِيبِ (١) .
وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْمُرَادِ بِالْوَقْتِ الَّذِي يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِضِيقِهِ.
قَال الطَّحَاوِيُّ: عَلَى قِيَاسِ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْعِبْرَةُ لأَِصْل الْوَقْتِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْل مُحَمَّدٍ الْعِبْرَةُ لِلْوَقْتِ، الْمُسْتَحَبِّ، بَيَانُهُ: أَنَّهُ إِذَا شَرَعَ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ وَهُوَ نَاسٍ لِلظُّهْرِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ الظُّهْرَ فِي وَقْتٍ لَوِ اشْتَغَل بِالظُّهْرِ يَقَعُ الْعَصْرُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ، فَعَلَى قَوْل الشَّيْخَيْنِ يَقْطَعُ الْعَصْرَ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ، وَعَلَى قَوْل مُحَمَّدٍ: يَمْضِي فِي الْعَصْرِ، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ (٢) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ مَعَ ذِكْرٍ - لاَ شَرْطًا - تَرْتِيبُ يَسِيرِ الْفَوَائِتِ أَصْلًا أَوْ بَقَاءً إِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْحَاضِرَةِ، فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا، وَتُنْدَبُ عِنْدَهُمُ الْبُدَاءَةُ بِالْحَاضِرَةِ مَعَ الْفَوَائِتِ الْكَثِيرَةِ إِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ، وَإِلاَّ وَجَبَ (٣) .
وَقَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ وَضِيقِهِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتَارَهَا
_________
(١) البناية ٢ / ٦٢٨، والمغني ١ / ٦١٠، والإنصاف ١ / ٤٤٤.
(٢) البناية ٢ / ٦٢٨ - ٦٢٩، ومراقي الفلاح ص٢٤٠.
(٣) شرح الخرشي ١ / ٣٠١.
الْخَلاَّل وَصَاحِبُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَاللَّيْثِ (١) .
وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: إِنْ كَانَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ يَتَّسِعُ لِقَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَجَبَ التَّرْتِيبُ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَتَّسِعُ سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِي أَوَّل وَقْتِهَا (٢) .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلاَ يَجِبُ التَّرْتِيبُ عِنْدَهُمْ أَصْلًا.
ب - النِّسْيَانُ:
٢١ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ بِالنِّسْيَانِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (٣)، وَلأَِنَّ الْمَنْسِيَّةَ لَيْسَتْ عَلَيْهَا أَمَارَةٌ تَدْعُو لِتَذَكُّرِهَا فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهَا النِّسْيَانُ، كَالصِّيَامِ (٤) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجِبُ مَعَ الذِّكْرِ ابْتِدَاءً وَفِي الأَْثْنَاءِ عَلَى الْمَعْرُوفِ تَرْتِيبُ الْحَاضِرَتَيْنِ، كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، أَوِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَيُقَدَّمُ كَالظُّهْرِ عَلَى الْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبَ عَلَى الْعِشَاءِ، فَلَوْ بَدَأَ بِالأَْخِيرَةِ نَاسِيًا لِلأُْولَى أَعَادَ الأَْخِيرَةَ مَا دَامَ
_________
(١) المغني ١ / ٦١٠، والإنصاف ١ / ٤٤٤.
(٢) المغني ١ / ٦١٠.
(٣) حديث: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان. . . ". أخرجه ابن ماجه (١ / ٦٥٩) من حديث ابن عباس، وحسنه ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم (٢ / ٣٦١) .
(٤) البناية ٢ / ٦٢٩، ومراقي الفلاح ص٢٤١، والمغني ١ / ٦٠٩.