الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٤
الْفَوَائِتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالذِّمَّةِ فِي الْجُمْلَةِ (١)، قَال السُّيُوطِيُّ: كُل مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَفَاتَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ اسْتِدْرَاكًا لِمَصْلَحَتِهِ (٢) .
وَقَال صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: كُل عِبَادَةٍ وَاجِبَةٍ إِذَا تَرَكَهَا الْمُكَلَّفُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ أَوِ الْكَفَّارَةُ، إِلاَّ وَاحِدَةً، وَهِيَ الإِْحْرَامُ لِدُخُول مَكَّةَ إِذَا أَوْجَبْنَاهُ فَدَخَلَهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ، لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ، لأَِنَّ دُخُولَهُ ثَانِيًا يَقْتَضِي إِحْرَامًا آخَرَ، فَهُوَ وَاجِبٌ بِأَصْل الشَّرْعِ لاَ بِالْقَضَاءِ، نَعَمْ لَوْ صَارَ مِمَّنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الإِْحْرَامُ كَالْحَطَّابِ قَضَى لِتَمَكُّنِهِ (٣) .
وَجَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَالْقَضَاءُ فَرْضٌ فِي الْفَرْضِ، وَوَاجِبٌ فِي الْوَاجِبِ، وَسُنَّةٌ فِي السُّنَّةِ (٤) .
أَنْوَاعُ الْعِبَادَاتِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْقَضَاءِ بِهَا:
٥ - الْعِبَادَاتُ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى مَا يُقْضَى فِي جَمِيعِ الأَْوْقَاتِ، وَمَا لاَ يُقْضَى إِلاَّ فِي مِثْل وَقْتِهِ، وَإِلَى مَا يَقْبَل الأَْدَاءَ وَالْقَضَاءَ، وَمَا يَتَعَذَّرُ وَقْتُ قَضَائِهِ مَعَ قَبُولِهِ لِلتَّأْخِيرِ، وَإِلَى مَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ مُتَرَاخِيًا، وَمَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ عَلَى
_________
(١) الإفصاح لابن هبيرة ١ / ١٤٩ ط. المؤسسة السعيدية، والمجموع ٣ / ٦٨ - ٦٩.
(٢) الأشباه والنظائر ص٤٠١
(٣) المنثور في القواعد للزركشي ٣ / ٧٥ - ٧٦.
(٤) الفتاوى الهندية ١ / ١٢١.
الْفَوْرِ (١)، وَإِلَى مَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَمَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ (٢) .
فَأَمَّا مَا يُقْضَى فِي جَمِيعِ الأَْوْقَاتِ، فَكَالضَّحَايَا وَالْهَدَايَا الْمَنْذُورَاتِ، وَأَمَّا مَا لاَ يُقْضَى إِلاَّ فِي مِثْل وَقْتِهِ فَهُوَ كَالْحَجِّ.
وَأَمَّا مَا يَقْبَل الأَْدَاءَ وَالْقَضَاءَ فَكَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ (٣)، فَإِنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ هِيَ مُخْتَصَّةُ الأَْدَاءِ بِالأَْوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ جَائِزَةُ الْقَضَاءِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الأَْدَاءِ، كَمَا أَنَّ الصِّيَامَ الْوَاجِبَ هُوَ مَخْصُوصٌ بِشَهْرِ رَمَضَانَ قَابِلٌ لِلْقَضَاءِ (٤) .
وَأَمَّا مَا يَقْبَل الأَْدَاءَ وَلاَ يَقْبَل الْقَضَاءَ فَكَالْجُمُعَاتِ، فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِوَقْتِ الظُّهْرِ لاَ تَقْبَل الْقَضَاءَ (٥) .
وَأَمَّا مَا لاَ يُوصَفُ بِقَضَاءٍ وَلاَ أَدَاءٍ مِنَ النَّوَافِل الْمُبْتَدَآتِ الَّتِي لاَ أَسْبَابَ لَهَا، فَكَالصِّيَامِ، وَالصَّلاَةِ الَّتِي لاَ أَسْبَابَ لَهَا وَلاَ أَوْقَاتَ، وَكَذَا الْجِهَادُ لاَ يُتَصَوَّرُ قَضَاؤُهُ، لأَِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَضْرُوبٌ لاَ يَزِيدُ وَلاَ يَنْقُصُ، وَالْحُكْمُ وَالْفُتْيَا لاَ يُوصَفَانِ بِقَضَاءٍ وَلاَ أَدَاءٍ، وَالأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَكَذَلِكَ
_________
(١) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ١ / ٢٠٥.
(٢) أصول البزدوي مع كشف الأسرار ١ / ١٤٩.
(٣) قواعد الأحكام ١ / ٢١٦.
(٤) قواعد الأحكام ١ / ٢٠٢.
(٥) قواعد الأحكام ١ / ٢٠٢، ٢١٦
افْتِتَاحُ الصَّلاَةِ، وَالأَْذْكَارُ الْمَشْرُوعَاتُ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ.
وَأَمَّا مَا يَتَعَذَّرُ وَقْتُ قَضَائِهِ مَعَ قَبُولِهِ لِلتَّأْخِيرِ. فَكَصَوْمِ رَمَضَانَ، لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إِلَى دُخُول رَمَضَانَ ثَانٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مَعَ جَوَازِ قَضَائِهِ مَعَ قَضَاءِ رَمَضَانَ آخَرَ.
وَأَمَّا مَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ مُتَرَاخِيًا، فَكَقَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَصَلاَةِ النَّاسِي وَالنَّائِمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَأَمَّا مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ، فَكَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِذَا فَسَدَا أَوْ فَاتَا (١) .
(وَانْظُرْ: صَوْمٌ ف ٨٦) .
وَأَمَّا مَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ، فَكَقَضَاءِ الصَّوْمِ بِالصَّوْمِ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ فَمِثْل الْفِدْيَةِ فِي الصَّوْمِ، وَثَوَابِ النَّفَقَةِ فِي الْحَجِّ بِإِحْجَاجِ النَّائِبِ، لأَِنَّا لاَ نَعْقِل الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ، لاَ صُورَةً وَلاَ مَعْنًى، فَلَمْ يَكُنْ مِثْلًا قِيَاسًا (٢) .
مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ:
٦ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلاَةِ الْفَائِتَةِ عَلَى النَّاسِي وَالنَّائِمِ (٣)، كَمَا يَرَى
_________
(١) قواعد الأحكام ١ / ٢١٦ - ٢١٧.
(٢) أصول البزدوي مع كشف الأسرار ١ / ١٤٩ - ١٥٠.
(٣) بداية المجتهد ١ / ١٨٢ ط. دار المعرفة.
الْفُقَهَاءُ وُجُوبَ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ عَلَى السَّكْرَانِ بِالْمُحَرَّمِ (١) .
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ لاَ يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْكَافِرِ الأَْصْلِيِّ إِذَا أَسْلَمَ (٢) .
٧ - وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى تَارِكِ الصَّلاَةِ عَمْدًا، وَالْمُرْتَدِّ، وَالْمَجْنُونِ بَعْدَ الإِْفَاقَةِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالصَّبِيِّ إِذَا بَلَغَ فِي الْوَقْتِ، وَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ.
٨ - فَأَمَّا الْمُتَعَمِّدُ فِي التَّرْكِ، فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْفَوَائِتِ، وَمِمَّا يَدُل عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ الْمُجَامِعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا مَعَ الْكَفَّارَةِ (٣) أَيْ بَدَل الْيَوْمِ الَّذِي أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ عَمْدًا، وَلأَِنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى التَّارِكِ نَاسِيًا فَالْعَامِدُ أَوْلَى (٤) .
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٥١٢، وحاشية الدسوقي ١ / ١٨٤، ومغني المحتاج ١ / ١٣١، والمهذب ١ / ٥٨، وروضة الطالبين ١ / ١٩٠، وفتح الغفار ٣ / ١٠٧، المغني ١ / ٤٠١.
(٢) الفتاوى الهندية ١ / ١٢١، والاختيار ١ / ٢٧ - ٢٨، والشرح الصغير ١ / ٣٦٤، والمهذب ١ / ٥٧ - ٥٨، والمغني ١ / ٣٩٨.
(٣) حديث: " أمره ﷺ المجامع في نهار رمضان. . . ". أخرجه البيهقي (٤ / ٢٢٦) من حديث أبي هريرة وجوَّد إسناده النووي في المجموع (٣ / ٧١) .
(٤) البناية ٢ / ٦٢٣، والمجموع ٣ / ٧١، والشرح الصغير ١ / ٤٩٦، والمغني ١ / ٦١٣ ط. مكتبة ابن تيمية.
وَيَرَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَدَمَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ فِي التَّرْكِ، قَال عِيَاضٌ: وَلاَ يَصِحُّ عِنْدَ أَحَدٍ سِوَى دَاوُدَ وَابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ (١) .
٩ - وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَدَمَ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلاَةِ الَّتِي تَرَكَهَا أَثْنَاءَ رِدَّتِهِ، لأَِنَّهُ كَانَ كَافِرًا وَإِيمَانُهُ يَجُبُّهَا (٢) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَلأَِنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالإِْسْلاَمِ فَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ بِالْجُحُودِ كَحَقِّ الآْدَمِيِّ (٣) .
وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلاَ عَنْ أَحْمَدَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُرْتَدِّ رِوَايَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: لاَ يَلْزَمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَعَلَى هَذَا لاَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي حَال كُفْرِهِ، وَلاَ فِي حَال إِسْلاَمِهِ قَبْل رِدَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ قَدْ حَجَّ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ، لأَِنَّ عَمَلَهُ قَدْ حَبِطَ بِكُفْرِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي حَال رِدَّتِهِ وَإِسْلاَمِهِ قَبْل رِدَّتِهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الْحَجِّ، لأَِنَّ الْعَمَل إِنَّمَا يَحْبَطُ بِالإِْشْرَاكِ مَعَ الْمَوْتِ (٤) .
_________
(١) الشرح الصغير ١ / ٣٦٤، وانظر البناية ٢ / ٦٢٣، والقوانين الفقهية ص (٧٢) .
(٢) الفتاوى الهندية ١ / ١٢١، والشرح الصغير ١ / ٣٦٤، والخرشي ٨ / ٦٨.
(٣) مغني المحتاج ١ / ١٣٠.
(٤) المغني ١ / ٣٩٨ - ٣٩٩.
وَفِي الإِْنْصَافِ: وَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا فَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَقْضِي مَا تَرَكَهُ قَبْل رِدَّتِهِ، وَلاَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ (١) .
١٠ - وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِأَدَاءِ الصَّلاَةِ فِي حَال جُنُونِهِ.
(ر: جُنُونٌ ف ١١) .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بَعْدَ الإِْفَاقَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ قَضَاءَ عَلَى مَجْنُونٍ حَالَةَ جُنُونِهِ لِمَا فَاتَهُ فِي حَالَةِ عَقْلِهِ، كَمَا لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ عَقْلِهِ لِمَا فَاتَهُ حَالَةَ جُنُونِهِ، هَذَا إِذَا اسْتَمَرَّ جُنُونُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ لِلْحَرَجِ، وَإِلاَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ (٢) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَقَدْ بَقِيَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ خَمْسُ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ وَثَلاَثٌ فِي السَّفَرِ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ، وَإِنْ بَقِيَ أَقَل مِنْ ذَلِكَ إِلَى رَكْعَةٍ وَجَبَتِ الْعَصْرُ وَحْدَهَا، وَإِنْ بَقِيَ أَقَل مِنْ رَكْعَةٍ سَقَطَتِ الصَّلاَتَانِ، وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إِنْ بَقِيَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْجُنُونِ خَمْسُ رَكَعَاتٍ وَجَبَتِ الصَّلاَتَانِ، وَإِنْ بَقِيَ ثَلاَثًا سَقَطَتِ الْمَغْرِبُ، وَإِنْ بَقِيَ أَرْبَعٌ فَقِيل: تَسْقُطُ الْمَغْرِبُ، لأَِنَّهُ أَدْرَكَ قَدْرَ الْعِشَاءِ
_________
(١) الإنصاف ١ / ٣٩١.
(٢) الفتاوى الهندية ١ / ١٢١، وحاشية ابن عابدين ١ / ٥١٢.
خَاصَّةً، وَقِيل: تَجِبُ الصَّلاَتَانِ، لأَِنَّهُ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ كَامِلَةً وَيُدْرِكُ الْعِشَاءَ بِرَكْعَةٍ (١) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ قَضَاءَ عَلَى ذِي جُنُونٍ غَيْرِ مُتَعَدٍّ فِيهِ، وَيُسَنُّ لَهُ الْقَضَاءُ، أَمَّا الْمُتَعَدِّي فَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ زَمَنَ ذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ (٢) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْمَجْنُونَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَلاَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي حَال جُنُونِهِ، إِلاَّ أَنْ يُفِيقَ فِي وَقْتِ الصَّلاَةِ، لأَِنَّ مُدَّتَهُ تَطُول غَالِبًا، فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ يَشُقُّ، فَعُفِيَ عَنْهُ (٣) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي أَثَرِ الْجُنُونِ فِي سُقُوطِ الصَّلاَةِ
(ر: جُنُونٌ ف ١١) .
١١ - وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلاَةِ إِلاَّ أَنْ يُفِيقَ فِي جُزْءٍ مِنْ وَقْتِهَا وَلَمْ يُؤَدِّهَا، وَهَذَا قَوْل الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ بِإِغْمَائِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ (٤) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مُغْمًى عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إِذَا زَادَتْ
_________
(١) القوانين الفقهية ص٥١ ط. دار الكتاب العربي.
(٢) مغني المحتاج ١ / ١٣١.
(٣) المغني ١ / ٤٠٠، وكشاف القناع ٢ / ٢٥٩.
(٤) الشرح الصغير ١ / ٣٦٤، ومغني المحتاج ١ / ١٣١، والإنصاف ١ / ٣٩٠.
الْفَوَائِتُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (١) .
وَيَقُول الْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ: إِنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّائِمِ، لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَلَى النَّائِمِ كَالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ (٢) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي أَثَرِ الإِْغْمَاءِ فِي الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ (ر: إِغْمَاءٌ ف ٧ - ١٢) .
١٢ - وَأَمَّا الصَّبِيُّ، فَلاَ تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (٣)، وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ (٤)، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ كَانَ مُمَيِّزًا فَتَرَكَهَا ثُمَّ بَلَغَ أُمِرَ بِالْقَضَاءِ بَعْدَ الْبُلُوغِ نَدْبًا، كَمَا كَانَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَدَاؤُهَا (٥) .
وَفِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُضْرَبُ عَلَى الْقَضَاءِ (٦) .
وَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِل (٧) .
_________
(١) الفتاوى الهندية ١ / ١٢١.
(٢) المغني ١ / ٤٠٠، والإنصاف ١ / ٣٩٠.
(٣) ابن عابدين ١ / ٢٣٤ - ٢٣٥، والشرح الصغير ١ / ٢٥٩، وروضة الطالبين ١ / ١١٠، والمغني ١ / ٣٩٨، والإنصاف ١ / ٣٩٦.
(٤) المراجع السابقة.
(٥) المنثور في القواعد ٣ / ٧٠.
(٦) أسنى المطالب ١ / ١٢١، وحاشية الجمل ١ / ٢٨٨.
(٧) المغني ١ / ٣٩٩.
وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَلْزَمُ الصَّبِيَّ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ: إِنَّ الصَّلاَةَ تَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَ عَشْرًا، وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَى الْمُرَاهِقِ، وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَى الْمُمَيِّزِ (١) .
وَعَلَى قَوْل الْجُمْهُورِ إِذَا بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ بَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ فَعَلَيْهِ إِعَادَتُهَا (٢) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا صَلَّى الصَّبِيُّ وَظِيفَةَ الْوَقْتِ، ثُمَّ بَلَغَ قَبْل خُرُوجِ الْوَقْتِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا، وَلاَ تَجِبُ الإِْعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ (٣) .
١٣ - أَمَّا مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَتَرَكَ صَلَوَاتٍ أَوْ صِيَامًا لاَ يَعْلَمُ وُجُوبَهُ، لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ وَإِطْلاَقَاتِ الْمَالِكِيَّةِ (٤) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُعْذَرُ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُصَل وَلَمْ يُزَكِّ وَهَكَذَا، لِجَهْلِهِ الشَّرَائِعَ (٥)، جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: لاَ قَضَاءَ عَلَى مُسْلِمٍ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُصَل مُدَّةً لِجَهْلِهِ بِوُجُوبِهَا (٦) .
_________
(١) الإنصاف ١ / ٣٩٦، والمغني ١ / ٣٩٩.
(٢) المغني ١ / ٣٩٩، وروضة الطالبين ١ / ١٨٨.
(٣) روضة الطالبين ١ / ١٨٨.
(٤) حاشية الدسوقي ١ / ١٨٣، وحاشية الجمل ١ / ٢٨٦، والمغني ١ / ٦١٥.
(٥) مراقي الفلاح ص٢٤٣.
(٦) الفتاوى الهندية ١ / ١٢١.
١٤ - وَأَمَّا فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ، فَقَدْ قَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ أَوِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِمَا كَالْمُكْرَهِ وَالْمَرْبُوطِ، وَلاَ يَقْضِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ إِنْ تَمَكَّنَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ (١) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ فَقَطْ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَتَشَبَّهُ بِالْمُصَلِّينَ احْتِرَامًا لِلْوَقْتِ، فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إِنْ وَجَدَ مَكَانًا يَابِسًا، وَإِلاَّ فَيُومِئُ قَائِمًا، وَيُعِيدُ الصَّلاَةَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَلِلتَّفْصِيل (ر: فَقْدُ الطَّهُورَيْنِ ف ٢) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ مَنْ زَال عَقْلُهُ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ يُقَاسُ عَلَى الْمَجْنُونِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ (٢) .
صِفَةُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ:
١٥ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّ الْفَائِتَةَ تُقْضَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي فَاتَتْ إِلاَّ لِعُذْرٍ وَضَرُورَةٍ، فَيَقْضِي الْمُسَافِرُ فِي السَّفَرِ مَا فَاتَهُ فِي الْحَضَرِ مِنَ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ أَرْبَعًا، وَالْمُقِيمُ فِي الإِْقَامَةِ مَا فَاتَهُ فِي السَّفَرِ مِنْهَا رَكْعَتَيْنِ (٣)
_________
(١) الشرح الصغير ١ / ٢٦٢.
(٢) ابن عابدين ١ / ٥١٢، والشرح الصغير ١ / ٣٦٤، والمهذب ١ / ٥٨.
(٣) الفتاوى الهندية ١ / ١٢١، والشرح الصغير ١ / ٣٦٥، والمغني ٢ / ٢٨٢.