الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٤ الصفحة 4

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٤

يَكُونَ الْمَحَل آمِنًا، فَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ عَدُوٍّ يَغْتَالُهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي حَاجَتَهُ قَرِيبًا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيَّةِ: الْكَلاَمُ حَيْثُ أَمْكَنَ الْبُعْدُ، وَسَهُل عَلَيْهِ، وَأَمِنَ، وَأَرَادَهُ، وَإِلاَّ سُنَّ لِغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ الْبُعْدُ عَنْهُ بِقَدْرِ بُعْدِهِ عَنْهُمْ (١) .

اجْتِنَابُ الدُّخُول بِمَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى:

٢٩ - يُكْرَهُ الدُّخُول إِلَى الْخَلاَءِ بِشَيْءٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: كَانَ إِذَا دَخَل الْخَلاَءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ (٢) وَقَال الشِّيرَازِيُّ: كَانَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُول اللَّهِ. وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ إِلاَّ قَوْلًا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ تَفْصِيلاَتٍ نُورِدُهَا فِيمَا يَلِي:

لَمْ يُفَرِّقِ الْجُمْهُورُ بَيْنَ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِهِ فِي أَنَّ الْحُكْمَ الْكَرَاهَةُ بَل نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ حَمْل الْمُصْحَفِ مَكْرُوهٌ لاَ حَرَامٌ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمُصْحَفِ خَاصَّةً: إِنَّ تَنْحِيَتَهُ وَاجِبَةٌ وَالدُّخُول بِهِ حَرَامٌ فِي غَيْرِ حَال الضَّرُورَةِ بِخِلاَفِ غَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ قُرْآنٌ أَوْ ذِكْرٌ، قَال

_________

(١) الخرشي ١ / ١٤٤، وبلغة السالك ١ / ٣٦، وشرح البهجة ١ / ١١٤، ١١٥، ومطالب أولي النهى ١ / ٦٦، والمغني ١ / ١٥٥، وحاشية القليوبي ١ / ٤٠.

(٢) حديث: " كان النبي ﷺ إذا دخل الخلاء وضع خاتمه ". أخرجه أبو داود (١ / ٢٥)، والنسائي (٨ / ١٧٨) من حديث أنس، وقال النسائي: " هذا حديث غير محفوظ " كذا في التلخيص لابن حجر (١ / ١٠٧) .

الْعَدَوِيُّ: يَجِبُ تَنْحِيَةُ مُصْحَفٍ وَلَوْ مَسْتُورًا، وَيُكْرَهُ الدُّخُول بِشَيْءٍ فِيهِ قُرْآنٌ أَوْ ذِكْرٌ غَيْرُ مَسْتُورٍ وَقَال: فَالدُّخُول بِبَعْضِ الْقُرْآنِ لَيْسَ كَالدُّخُول بِكُلِّهِ، وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى نَحْوِ صَحِيفَةٍ فِيهَا آيَاتٌ، لاَ مِثْل جُزْءٍ، فَإِنَّهُ يُعْطَى حُكْمَ كُلِّهِ. ا. هـ.، وَقَال الْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَحْرُمُ الدُّخُول بِمُصْحَفٍ إِلاَّ لِحَاجَةٍ وَقَال: لاَ شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ قَطْعًا وَلاَ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا عَاقِلٌ (١) .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَلْفُوفًا فِي شَيْءٍ فَلاَ بَأْسَ كَذَلِكَ، وَالتَّحَرُّزُ أَوْلَى (٢) .

وَهَذَا قَوْل الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا، كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ، فَلاَ يَحْرُمُ الدُّخُول بِمُصْحَفٍ، وَلاَ يُكْرَهُ الدُّخُول بِمَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ إِلاَّ فِي غَيْرِ حَال سَتْرِهِ، وَفِي اعْتِبَارِ الْجَيْبِ سَاتِرًا قَوْلاَنِ، وَذَلِكَ لِكَوْنِهِ ظَرْفًا مُتَّسِعًا (٣)، لَكِنْ عِنْدَ الْعَدَوِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّ حَمْل الْمُصْحَفِ خَاصَّةً فِي تِلْكَ الْحَال مَمْنُوعٌ وَلَوْ كَانَ مَسْتُورًا (٤)، وَقَدْ أَطْلَقَ مَنْ سِوَاهُمُ الْقَوْل، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمَسْتُورِ وَغَيْرِهِ فِي الْحُكْمِ، فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ، بَل صَرَّحَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الأَْنْهُرِ بِقَوْلِهِ: لاَ يَدْخُل وَفِي كُمِّهِ

_________

(١) العدوي على الخرشي ١ / ١٤٥، والقليوبي ١ / ٣٨، والمهذب ١ / ٣٢، وكشاف القناع ١ / ٤٩، والإنصاف ١ / ٩٤.

(٢) شرح منية المصلي ١ / ٦٠.

(٣) بلغة السالك ١ / ٣٧.

(٤) العدوي على الخرشي ١ / ١٤٥.

مُصْحَفٌ إِلاَّ إِذَا اضْطُرَّ (١) .

وَلَمْ يُفَرِّقِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي مُعْتَمَدِهِمْ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ خَاتَمًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ غَيْرَهُ فَرَأَوُا الْكَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ الشِّيرَازِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ حَدِيثَ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا دَخَل الْخَلاَءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ وَقَال: وَإِنَّمَا وَضَعَهُ لأَِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ " مُحَمَّدٌ رَسُول اللَّهِ (٢) ".

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ التَّابِعِينَ فَرَأَوْا أَنْ لاَ كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ، نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ: ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ فِيمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَأْنِ الْخَاتَمِ (٣) كَمَا خَالَفَ فِيهِ أَيْضًا مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَتْبَاعِهِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ.

أَمَّا الاِسْتِنْجَاءُ وَفِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ مَنْقُوشٌ عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى أَوِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوِ اسْمُ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَل الْفَصَّ فِي كُمِّهِ إِذَا دَخَل الْخَلاَءَ وَأَنْ يَجْعَلَهُ فِي يَمِينِهِ إِذَا اسْتَنْجَى (٤) .

وَلِلْمَالِكِيَّةِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِعْلِهِ، وَالْكَرَاهَةُ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ مَالِكٍ كَمَا فَهِمَهُ ابْنُ

_________

(١) مجمع الأنهر ١ / ٦٧.

(٢) المهذب للشيرازي ١ / ٣٢.

(٣) المجموع ٢ / ٧٣ - ٧٤.

(٤) حاشية ابن عابدين ٥ / ٢٣٠.

رُشْدٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَالتَّحْرِيمُ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ (١) .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ حَمْل مَا عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى الْخَلاَءِ مَكْرُوهٌ تَعْظِيمًا لِلذِّكْرِ وَاقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ ﷺ فَإِنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَل الْخَلاَءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ، وَكَانَ نَقْشُهُ (مُحَمَّدٌ رَسُول اللَّهِ) قَال الإِْسْنَوِيُّ: وَمَحَاسِنُ كَلاَمِ الشَّرِيعَةِ يُشْعِرُ بِتَحْرِيمِ بَقَاءِ الْخَاتَمِ الَّذِي عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْيَسَارِ حَال الاِسْتِنْجَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إِذَا أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى تَنْجِيسِهِ (٢) .

وَقَال الْمِرْدَاوِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: حَيْثُ دَخَل الْخَلاَءَ بِخَاتَمٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى جَعَل فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ وَإِنْ كَانَ فِي يَسَارِهِ أَدَارَهُ إِلَى يَمِينِهِ لأَِجْل الاِسْتِنْجَاءِ (٣) .

وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى دُخُول الْخَلاَءِ بِمَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ جَازَ لَهُ إِدْخَالُهُ، وَلَمْ يُكْرَهْ، نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحْرُمُ وَلاَ يُكْرَهُ، وَاكْتَفَى الْحَنَابِلَةُ بِأَنْ تَتَحَقَّقَ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ (٤) .

اجْتِنَابُ حَمْل مَا فِيهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى:

٣٠ - قَال ابْنُ عَابِدِينَ وَلَوْ نَقَشَ اسْمَهُ تَعَالَى

_________

(١) الحطاب ١ / ٢٧٤ - ٢٧٥.

(٢) مغني المحتاج ١ / ٤٠.

(٣) الإنصاف ١ / ٩٥.

(٤) شرح منية المصلي ص٦٠، ومجمع الأنهر ١ / ٦٧، وبلغة السالك مع الصاوي ١ / ٣٧.

أَوِ اسْمَ نَبِيِّهِ - أَيْ عَلَى خَاتَمِهِ - اسْتُحِبَّ أَنْ يَجْعَل الْفَصَّ فِي كُمِّهِ إِذَا دَخَل الْخَلاَءَ وَأَنْ يَجْعَلَهُ فِي يَمِينِهِ إِذَا اسْتَنْجَى (١) .

وَجَاءَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَحَاشِيَتِهِ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: يَجْتَنِبُ الدَّاخِل إِلَى الْخَلاَءِ حَمْل مَكْتُوبٍ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْمُ النَّبِيِّ ﷺ، قَال: وَلَعَل الْمُرَادَ الأَْسْمَاءُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ تَعَالَى وَبِرَسُولِهِ مَثَلًا دُونَ مَا لاَ يَخْتَصُّ كَعَزِيزٍ وَكَرِيمٍ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ كَقَوْلِهِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ: ﷺ نَبَّهَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي تَنْقِيحِهِ، وَيَجْتَنِبُ كُل اسْمٍ مُعَظَّمٍ كَالْمَلاَئِكَةِ (٢) وَأَلْحَقَ الرَّمْلِيُّ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ أَسْمَاءَ الأَْنْبِيَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا، وَأَسْمَاءَ الْمَلاَئِكَةِ (٣)، وَلَكِنْ وَجَدْنَا فِي بِلُغَةِ السَّالِكِ لِلْمَالِكِيَّةِ. يُنَحِّي (اسْمَ نَبِيٍّ)، وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ لِلْحَنَابِلَةِ: يَتَوَجَّهُ أَنَّ اسْمَ الرَّسُول كَذَلِكَ (٤) .

مَا يَقُولُهُ إِذَا أَرَادَ دُخُول الْخَلاَءِ:

٣١ - وَرَدَتْ أَحَادِيثُ بِأَذْكَارٍ مُعَيَّنَةٍ يَقُولُهَا الإِْنْسَانُ إِذَا أَرَادَ دُخُول الْخَلاَءِ، مَضْمُونُهَا تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَالاِسْتِعَاذَةُ بِهِ مِنَ

_________

(١) حاشية ابن عابدين ٥ / ٢٣٠.

(٢) شرح البهجة وحاشية ابن قاسم ١ / ١٢٢، ونهاية المحتاج ١ / ١١٧.

(٣) نهاية المحتاج ١ / ١١٨.

(٤) بلغة السالك ١ / ٣٦، وكشاف القناع ١ / ٤٩.

الشَّيَاطِينِ، فَاسْتَحَبَّ الْفُقَهَاءُ قَوْلَهَا:

مِنْهَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ (١) وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، قَال الْخَطَّابِيُّ: الْخُبُثُ بِضَمِّ الْبَاءِ جَمْعُ الْخَبِيثِ، وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ الْخَبِيثَةِ، يُرِيدُ ذُكُورَ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثَهُمْ (٢) .

وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا: سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيَنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَل أَحَدُهُمُ الْخَلاَءَ أَنْ يَقُول: بِسْمِ اللَّهِ (٣) .

وَمِنْهَا مَا نَقَلَهُ ابْنُ قُدَامَةَ (٤) أَيْضًا، أَنَّ النَّبِيَّ قَال: لاَ يَعْجِزْ أَحَدُكُمْ إِذَا دَخَل مِرْفَقَهُ أَنْ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ، الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ، الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٥) .

هَذَا وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْبَسْمَلَةَ عَلَى التَّعَوُّذِ، وَيُخَالِفُ هَذَا

_________

(١) حديث: " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٢٤٢)، ومسلم (١ / ٢٨٣) من حديث أنس بن مالك.

(٢) رد المحتار ١ / ٢٣٠، والقليوبي ١ / ٤٢، وبلغة السالك ١ / ٣٤.

(٣) حديث: " ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم. . . ". أخرجه الترمذي (١ / ٥٠٤) من حديث علي بن أبي طالب وقال: " إسناده ليس بذاك القوي ".

(٤) المغني ٢ / ١٢٩.

(٥) حديث: " لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس. . . ". أخرجه ابن ماجه (١ / ١٠٩)، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (١ / ٩١) .

التَّعَوُّذُ فِي الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ (١) .

وَنَصَّ الْقَلْيُوبِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى كَرَاهِيَةِ إِكْمَال التَّسْمِيَةِ، بَل يُكْتَفَى بِبِسْمِ اللَّهِ، وَلاَ يَقُول: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَال النَّوَوِيُّ: قَال أَصْحَابُنَا: هَذَا الذِّكْرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَقُول الذِّكْرَ الْوَارِدَ قَبْل الْوُصُول إِلَى مَحَل الْحَدَثِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْضِعُ مُعَدًّا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَمْ لاَ، فَإِنْ فَاتَهُ أَنْ يَقُول ذَلِكَ قَبْل وُصُولِهِ إِلَى الْمَحَل قَالَهُ بَعْدَ وُصُولِهِ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَحَل مُعَدًّا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَقَبْل جُلُوسِهِ، لأَِنَّ الصَّمْتَ مَشْرُوعٌ حَال الْجُلُوسِ، أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَحَل مُعَدًّا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلاَ يَقُول الذِّكْرَ فِيهِ وَيَفُوتُ بِالدُّخُول (٢)، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَقُولُهُ فِي نَفْسِهِ (٣) .

وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ بِأَذْكَارٍ أُخْرَى يَقُولُهَا الإِْنْسَانُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ، فَرَأَى الْفُقَهَاءُ أَنَّ قَوْلَهَا مُسْتَحَبٌّ، مِنْهَا مَا جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ، يَقُول إِذَا خَرَجَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي، وَأَبْقَى فِي مَا يَنْفَعُنِي (٤) .

_________

(١) المجموع ٢ / ٧٤، والأذكار ص٢٨، والفتاوى الهندية ١ / ٥٠.

(٢) الحطاب ١ / ٢٧١ - ٢٧٢.

(٣) حاشية القليوبي ١ / ٤٢.

(٤) ورد في ذلك حديث ابن عمر أن النبي ﷺ كان إذا خرج من الخلاء قال: " الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه ". أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص١٥)، وضعف إسناده ابن حجر في نتائج الأفكار (١ / ٢٢٠ - ٢٢١) لانقطاع فيه.

وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ صِيَغًا أُخْرَى مِنْهَا: غُفْرَانَكَ (١) قَال الْقَلْيُوبِيُّ: وَيُكَرِّرُهَا ثَلاَثًا، وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا (٢) .

وَمِنْهَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَْذَى وَعَافَانِي (٣) .

تَقْدِيمُ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى فِي الدُّخُول:

٣٢ - صَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ يُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الدُّخُول، وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوجِ، عَكْسُ الْمَسْجِدِ فِيهِمَا، لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ: أَنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيفِ وَالتَّكْرِيمِ يُنْدَبُ فِيهِ التَّيَامُنُ، وَمَا كَانَ بِضِدِّهِ يُنْدَبُ فِيهِ التَّيَاسُرُ (٤) .

قَضَاءُ الْحَقِّ

انْظُرْ: أَدَاءٌ

_________

(١) ورد فيه حديث عائشة قالت: " كان النبي ﷺ إذا خرج من الخلاء قال: " غفرانك ". أخرجه الترمذي (١ / ١٢) وقال: حديث حسن غريب.

(٢) الهندية ١ / ٥٠، والمدخل ١ / ٢٨، والمجموع ٢ / ٧٦، والأذكار ص٢٨، ومنتهى الإرادات ١ / ١٤.

(٣) حديث: " الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ". أخرجه ابن ماجه (١ / ١١٠) من حديث أنس بن مالك، وضعفه البوصيري في مصباح الزجاجة (١ / ٩٢) .

(٤) ابن عابدين ١ / ٢٣٠، وحاشية الجمل ١ / ٨٢، ٨٣، والمغني ١ / ١٦٧.

قَضَاءُ الْفَوَائِتِ

التَّعْرِيفُ:

١ - مِنْ مَعَانِي الْقَضَاءِ فِي اللُّغَةِ: الْحُكْمُ وَالأَْدَاءُ (١) .

وَاصْطِلاَحًا: قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الْقَضَاءُ فِعْل الْوَاجِبِ بَعْدَ وَقْتِهِ (٢) .

وَالْفَوَائِتُ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ فَائِتَةٍ، مِنْ فَاتَهُ الأَْمْرُ فَوْتًا وَفَوَاتًا: إِذَا مَضَى وَقْتُهُ وَلَمْ يُفْعَل (٣) .

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَقَضَاءُ الْفَوَائِتِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: قَال الدَّرْدِيرُ: اسْتِدْرَاكُ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ (٤)

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الأَْدَاءُ.

٢ - الأَْدَاءُ لُغَةً: الإِْيصَال.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال الْحَصْكَفِيُّ: الأَْدَاءُ

_________

(١) المصباح المنير، ودستور العلماء ٣ / ٧٢ - ٧٣ نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.

(٢) حاشية ابن عابدين ١ / ٤٨٧.

(٣) المعجم الوسيط.

(٤) الشرح الصغير ١ / ٣٦٣ - ٣٦٤.

فِعْل الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ (١) .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الأَْدَاءِ وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ هِيَ أَنَّ كِلَيْهِمَا مِنْ أَقْسَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ (٢)، وَيَخْتَلِفُ الْقَضَاءُ عَنِ الأَْدَاءِ فِي أَنَّ الأَْدَاءَ يُخْتَصُّ بِفِعْل الْعِبَادَةِ فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ لَهَا، وَأَنَّ الْقَضَاءَ يُخْتَصُّ بِفِعْل الْعِبَادَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا الْمُحَدَّدِ لَهَا.

ب - الإِْعَادَةُ:

٣ - الإِْعَادَةُ فِي اللُّغَةِ: رَدُّ الشَّيْءِ ثَانِيًا، وَمِنْهُ: إِعَادَةُ الصَّلاَةِ (٣) .

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ: قَال الْحَصْكَفِيُّ: الإِْعَادَةُ فِعْل مِثْل الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ (٤) .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَبَيْنَ الإِْعَادَةِ هِيَ: أَنَّ الْقَضَاءَ لِمَا لَمْ يَسْبِقْ فِعْلُهُ فِي وَقْتِهِ، وَالإِْعَادَةُ لِمَا سَبَقَ فِعْلُهُ فِي وَقْتِهِ بِخَلَلٍ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

٤ - الْعِبَادَاتُ الْمُحَدَّدَةُ بِوَقْتٍ تَفُوتُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ لَهَا مِنْ غَيْرِ أَدَاءٍ، وَتَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ إِلَى أَنْ تُقْضَى.

(ر: أَدَاءٌ ف ٧) .

وَالْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ

_________

(١) الدر المحتار ١ / ٤٨٥.

(٢) حاشية ابن عابدين ١ / ٤٨٥.

(٣) المصباح المنير.

(٤) الدر المختار ١ / ٤٨٦، والتلويح على التوضيح ١ / ١٦١.