الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٤ الصفحة 3

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٤

د - التَّبَوُّل فِي مَكَانِ الْوُضُوءِ وَمَكَانِ الاِسْتِحْمَامِ:

٢٠ - كَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنْ يَبُول الإِْنْسَانُ فِي مَوْضِعٍ يَتَوَضَّأُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ يَغْتَسِل فِيهِ، لِمَا وَرَدَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُل يَوْمٍ أَوْ يَبُول فِي مُغْتَسَلِهِ (١) .

وَيُضِيفُ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّ مَحَل الْكَرَاهَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْفَذٌ يَنْفُذُ فِيهِ الْبَوْل وَالْمَاءُ.

وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّ مَوْضِعَ الْكَرَاهَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ غَيْرَ مُقَيَّرٍ أَوْ مُبَلَّطٍ، قَال: فَإِنْ بَال فِي الْمُسْتَحَمِّ الْمُقَيَّرِ أَوِ الْمُبَلَّطِ أَوِ الْمُجَصَّصِ، ثُمَّ أَرْسَل عَلَيْهِ الْمَاءَ قَبْل اغْتِسَالِهِ فِيهِ - قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: إِنْ صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَجَرَى فِي الْبَالُوعَةِ - فَلاَ بَأْسَ، لِلأَْمْنِ مِنَ التَّلْوِيثِ، وَمِثْلُهُ الْوُضُوءُ (٢) .

هـ - قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي الْمَسْجِدِ:

٢١ - يَحْرُمُ بِالاِتِّفَاقِ الْبَوْل وَالتَّغَوُّطُ فِي الْمَسْجِدِ، صِيَانَةً لَهُ وَتَنْزِيهًا وَتَكْرِيمًا لِمَكَانِ الْعِبَادَةِ، وَإِذَا كَانَ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ

_________

(١) (١) حديث رجل من الصحابة: " نهى رسول الله ﷺ أن يمتشط أحدنا كل يوم. . . ". أخرجه أبو داود (١ / ٣٠)، والحاكم (١ / ١٦٨) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

(٢) ابن عابدين ١ / ٢٣٠، والفتاوى الهندية ١ / ٥٠، وشرح البهجة ١ / ١٢١، وكشاف القناع ١ / ٥٢.

النَّهْيُ عَنِ الْبُصَاقِ فِيهِ (١) فَالْبَوْل وَالتَّغَوُّطُ أَوْلَى، وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَال فِي الْمَسْجِدِ فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: دَعَوْهُ: فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ زَادَ: " ثُمَّ إِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ دَعَاهُ فَقَال لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْل وَلاَ الْقَذِرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ ﷿ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (٢) .

أَمَّا لَوْ بَال فِي الْمَسْجِدِ فِي إِنَاءٍ وَتَحَفَّظَ مِنْ إِصَابَةِ أَرْضِ الْمَسْجِدِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ أَيْضًا، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لأَِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا، وَهُوَ مِمَّا يَقْبُحُ وَيَفْحُشُ وَيُسْتَخْفَى بِهِ، فَوَجَبَ صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ، كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبُول فِي أَرْضِهِ ثُمَّ يَغْسِلَهُ.

وَالْقَوْل الآْخَرُ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ ذَلِكَ بِشَرْطِ التَّحَرُّزِ، جَاءَ فِي نَوَازِل الْوَنْشَرِيسِيِّ مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ: أَجَازَهُ صَاحِبُ الشَّامِل، وَقَال الزَّرْكَشِيُّ مِنَ

_________

(١) (١) حديث: النهي عن البصاق في المسجد، ورد في قوله ﷺ: " البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٥١١)، ومسلم (١ / ٣٩٠) .

(٢) (٢) حديث: " أن أعرابيًا بال في المسجد. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ١ / ٣٢٣)، ومسلم (١ / ٢٣٦)، والرواية الأخرى لمسلم (١ / ٢٣٧) .

الشَّافِعِيَّةِ: الثَّانِي أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، قَال: وَفِي كِتَابِ الطَّهُورِ لأَِبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّهُ أَبْصَرَ أَبَا وَائِلٍ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ فِي الْمَسْجِدِ يَبُول فِي طَسْتٍ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ (١)، وَوَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعَتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي (٢) .

وَفِي حُكْمِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي رِحَابِ الْمَسْجِدِ، الَّتِي لاَ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ، قَوْلاَنِ:

الأَْوَّل: أَنَّهُ حَرَامٌ، اسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَال: يَجِبُ الْجَزْمُ بِهِ إِذَا كَانَتْ مَطْرُوقَةً.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ. وَأَضَافُوا: وَمُصَلَّى الْعِيدِ، أَيْ إِذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا الشَّافِعِيَّةُ (٣) .

و قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي الْبِقَاعِ الْمُعَظَّمَةِ:

٢٢ - قَال الرَّمْلِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: ذَكَرَ الْمُحِبُّ

_________

(١) رد المحتار ١ / ٤٤١، ونوازل الونشريسي ١ / ٢٠، والمجموع ٢ / ٩٢، وإعلام الساجد بأحكام المساجد ص ٣١٠، والمغني ٣ / ٢٠٤.

(٢) (٢) حديث عائشة: " اعتكفت مع رسول الله ﷺ امرأة مستحاضة من أزواجه. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٤ / ٢٨١) .

(٣) كنز الدقائق ١ / ٢٥٦، والفتاوى الهندية ١ / ٥٠، وإعلام الساجد ص٣١٠.

الطَّبَرِيُّ الْحُرْمَةَ - أَيْ فِي التَّخَلِّي - عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوْ قُزَحٍ، وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ مَحَل الرَّمْيِ، وَإِطْلاَقُهُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَلَعَل وَجْهَهُ أَنَّهَا مَحَال شَرِيفَةٌ ضَيِّقَةٌ، فَلَوْ جَازَ ذَلِكَ فِيهَا لاَسْتَمَرَّ وَبَقِيَ وَقْتَ الاِجْتِمَاعِ فِيهَا، فَيُؤْذِي حِينَئِذٍ، قَال: وَيَظْهَرُ أَنَّ حُرْمَةَ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْحُرْمَةِ فِي مَحَل جُلُوسِ النَّاسِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُرَجَّحَ الْكَرَاهَةُ، أَمَّا عَرَفَةُ وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنًى فَلاَ يَحْرُمُ فِيهَا لِسَعَتِهَا، وَلَكِنْ جَزَمَ الْقَلْيُوبِيُّ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ الْقَوْل بِالْحُرْمَةِ مَرْجُوحٌ، وَقَال بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ حَتَّى فِي مُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَسَائِرِ أَمَاكِنِ اجْتِمَاعِ الْحَاجِّ.

وَقَال الزَّرْكَشِيُّ: تَوَرَّعَ بَعْضُهُمْ عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ يَتَأَوَّل أَنَّهَا مَسْجِدٌ، وَقَال: هَذَا التَّأْوِيل مَرْدُودٌ بِالنَّصِّ وَالإِْجْمَاعِ، وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ وَالسَّلَفُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ تُؤَيِّدُ هَذَا التَّوَرُّعَ، مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَتِهِ إِلَى الْمُغَمَّسِ (١) وَهُوَ مَكَانٌ عَلَى نَحْوِ الْمِيلَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (٢) .

_________

(١) حديث: " أن النبي ﷺ كان يذهب لحاجته إلى المغمس ". أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (١ / ٢٠٣) وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات من أهل الصحيح.

(٢) نهاية المحتاج ١ / ١٢٥، إعلام الساجد ص١٣٤.

ز - قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ:

٢٣ - جَاءَ فِي مَوَاهِبِ الْجَلِيل لِلْحَطَّابِ الْمَالِكِيِّ نَقْلًا عَنِ الْمَدْخَل لاِبْنِ الْحَاجِّ: يَجْتَنِبُ (الْمُتَخَلِّي) بِيَعَ الْيَهُودِ وَكَنَائِسَ النَّصَارَى، لِئَلاَّ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِنَا، كَمَا نُهِيَ عَنْ سَبِّ الآْلِهَةِ الْمَدْعُوَّةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ لِئَلاَّ يَسُبُّوا اللَّهَ تَعَالَى (١) .

ح - قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي الْمَقَابِرِ:

٢٤ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُكْرَهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي الْمَقَابِرِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لأَِنَّ الْمَيِّتَ يَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ الْحَيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَالتَّحْرِيمُ هُوَ أَيْضًا قَوْل الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، إِلاَّ أَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا تَبَوَّل عَلَى الْقَبْرِ، أَمَّا إِنْ بَال بِقُرْبِ الْقَبْرِ كُرِهَ وَلَمْ يَحْرُمْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرَ نَبِيٍّ فَيَحْرُمُ، وَالْحُرْمَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ هِيَ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا صَاحِبُ كَشَّافِ الْقِنَاعِ، وَفِي الإِْنْصَافِ: لاَ يُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ - يَعْنِي الإِْمَامَ أَحْمَدَ -: يُكْرَهُ (٢) .

وَتَعَرَّضَ الشَّافِعِيَّةُ لِلْمَقْبَرَةِ إِذَا كَانَتْ مَنْبُوشَةً فَرَأَوْا تَحْرِيمَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهَا لِمَا فِيهِ

_________

(١) مواهب الجليل ١ / ٢٧٧.

(٢) رد المحتار ١ / ٢٢٨، والمجموع ١ / ٩٢، ونهاية المحتاج ١ / ١٢٤، وكشاف القناع ١ / ٥٣، ومنار السبيل ١ / ٢٠، والإنصاف ١ / ٩٩.

مِنْ تَنْجِيسِ أَجْزَاءِ الْمَيِّتِ (١) .

ط - قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي ثَقْبٍ أَوْ نَحْوِهِ:

٢٥ - يُكْرَهُ التَّبَوُّل فِي ثَقْبٍ أَوْ سَرَبٍ (٢)، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ يُبَال فِي الْجُحْرِ (٣) وَلأَِنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ عَلَيْهِ مِنَ الْجُحْرِ مَا يَلْسَعُهُ، أَوْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْبَوْل، قَال النَّوَوِيُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ (٤)، وَقَال الْبُجَيْرِمِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يَظْهَرُ تَحْرِيمُهُ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِهِ حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا يَتَأَذَّى أَوْ يَهْلِكُ بِهِ (٥) .

قَال ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: وَهَذَا - يَعْنِي كَرَاهَةَ الْبَوْل فِي الثُّقُوبِ - فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ، كَبَالُوعَةِ فِيمَا يَظْهَرُ (٦)، وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ لِلْحَنَابِلَةِ: يُكْرَهُ وَلَوْ كَانَ فَمَ بَالُوعَةٍ (٧)، وَفِي التُّحْفَةِ وَحَاشِيَةِ الشِّرْوَانِيِّ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: الْبَالُوعَةُ قَدْ يَشْمَلُهَا الْجُحْرُ، وَقَدْ

_________

(١) القليوبي ١ / ٤١.

(٢) السّرب ما كان مستطيلًا، والثقب ما استدار (المجموع للنووي ٢ / ٨٥ - ٨٦) .

(٣) (٣) حديث: " عبد الله بن سرجس أن رسول الله ﷺ نهى أن يبال في الجحر ". أخرجه أبو داود (١ / ٣٠)، وأشار ابن حجر في التلخيص (١ / ١٠٦) إلى انقطاعه بين عبد الله بن سرجس وبين الراوي عنه وهو قتادة.

(٤) المجموع ٢ / ٨٥ - ٨٦.

(٥) حاشيته على شرح المنهج ١ / ٦٣.

(٦) رد المحتار ١ / ٢٢٩.

(٧)

١ / ٥٢.

يَمْنَعُ الشُّمُول أَنَّ الْبَالُوعَةَ فِي قُوَّةِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ (يَعْنِي فَلاَ يُكْرَهُ) (١) .

هَذَا وَقَدْ فَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنَ الثَّقْبِ، فَيُكْرَهُ الْبَوْل فِيهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا، فَفِي قَوْلٍ يُكْرَهُ، خِيفَةَ حَشَرَاتٍ تَنْبَعِثُ عَلَيْهِ مِنَ الْكُوَّةِ، وَقِيل: يُبَاحُ لِبُعْدِهِ مِنَ الْحَشَرَاتِ إِنْ كَانَتْ فِيهَا (٢) .

الْبَوْل فِي الآْنِيَةِ:

٢٦ - قَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ بَأْسَ بِالْبَوْل فِي إِنَاءٍ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ ﵂ قَالَتْ: يَقُولُونَ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ، لَقَدْ دَعَا بِالطَّسْتِ لِيَبُول فِيهَا، فَانْخَنَثَتْ نَفْسُهُ (٣)، وَمَا أَشْعُرُ، فَإِلَى مَنْ أَوْصَى (٤) . وَلِحَدِيثِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رَقِيقَةَ ﵂ قَالَتْ: كَانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ (٥)، يَبُول فِيهِ وَيَضَعُهُ تَحْتَ السَّرِيرِ (٦) .

وَكَرِهَهُ الْحَنَابِلَةُ إِذَا كَانَ بِلاَ حَاجَةٍ، قَال فِي

_________

(١) المدخل لابن الحاج ١ / ٢٩.

(٣) انخنث أي انكسر وانثنى لاسترخاء أعضائه عند الموت، (النهاية في غريب الحديث ٢ / ٨٢) .

(٤) حديث عائشة: " يقولون إن النبي ﷺ. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٥ / ٣٥٦)، والنسائي (١ / ٣٢ - ٣٣)، واللفظ له.

(٥) (عيدان) أي نخل (القاموس المحيط) .

(٦) (٦) حديث أميمة بنت رقيقة: " كان للنبي ﷺ قدح من عيدان. . . ". أخرجه أبو داود (١ / ٢٨)، والحاكم (١ / ١٦٧)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

مَنَارِ السَّبِيل: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَإِنْ كَانَتْ حَاجَةٌ كَالْمَرَضِ لَمْ يُكْرَهْ، لِحَدِيثِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رَقِيقَةَ (١)، وَفِي قَوْلٍ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الإِْنْصَافِ فِي أَصْل الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ (٢) .

وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ الْكَرَاهَةَ - كَمَا فِي مَوَاهِبِ الْجَلِيل - بِالآْنِيَةِ النَّفِيسَةِ، لِلسَّرَفِ، قَالُوا: وَيَحْرُمُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لِحُرْمَةِ اتِّخَاذِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا (٣) .

الاِسْتِتَارُ عنِ النَّاسِ:

٢٧ - يُسَنُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِقَاضِي الْحَاجَةِ أَنْ يَسْتَتِرَ عَنِ النَّظَرِ (٤)، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَل فَقَدْ أَحْسَن، وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ (٥) .

وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَال: كَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ (٦) وَالْحَائِشُ هُوَ الْحَائِطُ.

_________

(١) الإنصاف ١ / ٩٩.

(٣) مواهب الجليل ١ / ٢٧٧، وانظر أيضًا المدخل ١ / ٢٩.

(٤) مطالب أولي النهى ١ / ٦٦.

(٥) (٥) حديث أبي هريرة: " من أتى الغائط فليستتر. . . ". أخرجه أبو داود (١ / ٣٣ - ٣٤)، وفي إسناده جهالة كما في التلخيص لابن حجر (١ / ١٠٣) .

(٦) حديث عبد الله بن جعفر: " كان أحب ما استتر به النبي ﷺ. . . ". تقدم فقرة ١٨.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ مَحَل عَدِّ ذَلِكَ مِنَ الآْدَابِ، أَيِ الْمُسْتَحَبَّاتِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ مَنْ يَرَى عَوْرَتَهُ مِمَّنْ لاَ يَحِل لَهُ نَظَرُهَا، أَمَّا بِحَضْرَتِهِ فَيَكُونُ سَتْرُهَا وَاجِبًا، إِذْ كَشْفُهَا بِحَضْرَتِهِ حَرَامٌ، وَاعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذَاهِبِ الثَّلاَثَةِ الأُْخْرَى، وَزَادَ الرَّمْلِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَلَوْ أَخَذَهُ الْبَوْل وَهُوَ مَحْبُوسٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ، جَازَ لَهُ التَّكَشُّفُ، وَعَلَيْهِمُ الْغَضُّ (١) .

هَذَا وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَبَيَّنَ الْمَوَّاقُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ عِنْدَهُمْ لِمُرِيدِ الْبَوْل أَنْ يَسْتُرَ عَنِ النَّاسِ عَوْرَتَهُ فَقَطْ، لاَ أَنْ يَسْتَتِرَ بِشَخْصِهِ، أَمَّا مُرِيدُ الْغَائِطِ فَيَبْتَعِدُ وَيَسْتَتِرُ بِحَيْثُ لاَ يُرَى لَهُ شَخْصٌ، وَقَال الْمَازِرِيُّ: السُّنَّةُ الْبُعْدُ مِنَ الْبَائِل إِذَا كَانَ قَاعِدًا بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَانَ قَائِمًا (٢) .

وَفِي كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا: أَنَّ التَّسَتُّرَ يَحْصُل بِمُرْتَفِعٍ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرُ، إِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلاَثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَل، إِنْ كَانَ بِفَضَاءٍ أَوْ بِنَاءٍ لاَ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ، فَإِنْ كَانَ بِبِنَاءٍ مُسَقَّفٍ أَوْ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ حَصَل التَّسَتُّرُ بِهِ، وَلَمْ يَحُدَّ غَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ حَدًّا فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ.

_________

(١) نهاية المحتاج ١ / ١٢٣.

(٢) التاج والإكليل بهامش الحطاب ١ / ٢٧٥.

وَلَوْ تَعَارَضَ التَّسَتُّرُ وَالإِْبْعَادُ، قَال فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ: الظَّاهِرُ رِعَايَةُ التَّسَتُّرِ (١) .

الاِبْتِعَادُ عَنِ النَّاسِ فِي الْفَضَاءِ:

٢٨ - ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِقَاضِي الْحَاجَةِ إِذَا كَانَ بِالْفَضَاءِ التَّبَاعُدُ عَنِ النَّاسِ، لِحَدِيثِ: كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ (٢) .

وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ لِذَلِكَ أَنْ لاَ يَجِدَ مَا يَسْتُرُهُ عَنِ النَّاسِ، فَإِنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُهُ عَنِ النَّاسِ كَفَى الاِسْتِتَارُ عَنِ الْبُعْدِ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ صَرَّحُوا بِأَنَّ الاِسْتِتَارَ لاَ يُغْنِي عَنِ الاِبْتِعَادِ إِذَا كَانَ قَاضِي الْحَاجَةِ فِي الْفَضَاءِ.

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي تَحْدِيدِ مَدَى الاِبْتِعَادِ: إِلَى حَيْثُ لاَ يُسْمَعُ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ وَلاَ يُشَمُّ لَهُ رِيحٌ، وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: حَتَّى لاَ يُسْمَعَ لَهُ صَوْتٌ وَلاَ يُرَى لَهُ عَوْرَةٌ، قَالُوا: وَأَمَّا فِي الْكَنِيفِ فَلاَ يَضُرُّ سَمَاعُ صَوْتِهِ وَلاَ شَمُّ رِيحِهِ لِلْمَشَقَّةِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَبْتَعِدُ فِي الْبُنْيَانِ أَيْضًا، إِلاَّ إِنْ كَانَ الْمَحَل مُعَدًّا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ.

وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِلاِبْتِعَادِ أَنْ

_________

(١) شرح البهجة ١ / ١١٦.

(٢) حديث: " كان إذا ذهب المذهب أبعد ". أخرجه أبو داود (١ / ١٤)، والحاكم (١ / ١٤٠) من حديث المغيرة بن شعبة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.