الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٤
قَضَاءُ الْفَوَائِتِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ:
٢٩ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ الْفَائِتَةِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَغَيْرِهَا (١) .
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا (٢)، وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ ﵁: إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَل الصَّلاَةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلاَةِ الأُْخْرَى، فَمَنْ فَعَل ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا (٣) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ عَدَمَ جَوَازِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَوَقْتَ الزَّوَال، وَوَقْتَ الْغُرُوبِ، لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِلْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا نَامَ عَنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَخَّرَهَا حَتَّى ابْيَضَّتِ الشَّمْسُ (٤) وَلأَِنَّهَا صَلاَةٌ، فَلَمْ تَجُزْ فِي هَذِهِ الأَْوْقَاتِ كَالنَّوَافِل (٥) .
_________
(١) الشرح الصغير ١ / ٢٤٢، وروضة الطالبين ١ / ١٩٣، والمغني ٢ / ١٠٧ - ١٠٨.
(٢) حديث: " من نسي صلاة أو نام عنها. . . ". أخرجه مسلم (١ / ٤٧٧) من حديث أنس بن مالك.
(٣) حديث: " إنما التفريط على من لم يصل الصلاة. . . ". أخرجه مسلم (١ / ٤٧٣) .
(٤) حديث: " أن النبي ﷺ لما نام عن صلاة الفجر. . . ". أخرجه مسلم (١ / ٤٧٥) .
(٥) الفتاوى الهندية ١ / ١٢١، وابن عابدين ١ / ٢٤٨، والمغني ٢ / ١٠٨.
وَلِلتَّفْصِيل (ر: أَوْقَاتُ الصَّلاَةِ ف ٢٤) .
قَضَاءُ الزَّكَاةِ:
٣٠ - مَنْ تَرَكَ الزَّكَاةَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إِخْرَاجِهَا حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يُوصِ بِإِخْرَاجِهَا أَثِمَ إِجْمَاعًا.
(ر: زَكَاةٌ ف ١٢٦) .
ثُمَّ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَائِهَا فَلَمْ يَفْعَل حَتَّى مَاتَ وَجَبَ قَضَاءُ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ، لأَِنَّهُ مَتَى لَزِمَ فِي حَال الْحَيَاةِ لَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ، كَدَيْنِ الآْدَمِيِّ.
وَلِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلٌ قَال الدُّسُوقِيُّ: زَكَاةُ الْعَيْنِ فِي عَامِ الْمَوْتِ لَهَا أَحْوَالٌ أَرْبَعَةٌ:
أ - إِنِ اعْتَرَفَ بِحُلُولِهَا وَبَقَائِهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَأَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا، فَمِنْ رَأْسِ الْمَال جَبْرًا عَلَى الْوَرَثَةِ.
ب - وَإِنِ اعْتَرَفَ بِحُلُولِهَا وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِبَقَائِهَا وَلَمْ يُوصِ بِإِخْرَاجِهَا، فَلاَ يُجْبَرُونَ عَلَى إِخْرَاجِهَا، لاَ مِنَ الثُّلُثِ وَلاَ مِنْ رَأْسِ الْمَال، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُونَ مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ، إِلاَّ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْوَرَثَةُ عَدَمَ إِخْرَاجِهَا فَتُخْرَجُ مِنْ رَأْسِ الْمَال جَبْرًا.
ج - وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِبَقَائِهَا وَأَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا، أُخْرِجَتْ مِنَ الثُّلُثِ جَبْرًا.
د - وَإِنِ اعْتَرَفَ بِبَقَائِهَا وَلَمْ يُوصِ بِإِخْرَاجِهَا، لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِمْ بِإِخْرَاجِهَا، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُونَ بِغَيْرِ
جَبْرٍ، لاِحْتِمَال أَنْ يَكُونَ أَخْرَجَهَا، فَإِنْ عَلِمُوا عَدَمَ إِخْرَاجِهَا أُجْبِرُوا عَلَيْهَا مِنْ رَأْسِ الْمَال (١) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَحُمَيْدٌ الطَّوِيل وَالْمُثَنَّى وَالثَّوْرِيُّ أَنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَال، وَلاَ تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ، لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَهُوَ النِّيَّةُ (٢) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاةٌ ف ١٢٦) .
قَضَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ:
٣١ - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ مَنْ أَخَّرَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِخْرَاجِهَا أَثِمَ، وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ (٣) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ التَّأْخِيرِ (٤)، إِلاَّ أَنَّ وَقْتَ أَدَاءِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عِنْدَهُمْ مُوَسَّعٌ لاَ يَضِيقُ إِلاَّ فِي آخِرِ الْعُمُرِ (٥) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي سَبَبِ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ
_________
(١) حاشية الدسوقي ٤ / ٤٤١، والمجموع ٦ / ٢٣١ - ٢٣٢، والمغني ٢ / ٦٨٣.
(٢) ابن عابدين ٢ / ٢٨، والمجموع ٦ / ٢٣٢، والمغني ٢ / ٦٨٣ - ٦٨٤.
(٣) الزرقاني ٢ / ١٩٠، وحاشية العدوي مع كفاية الطالب الرباني ١ / ٤٥٢ نشر دار المعرفة، ومغني المحتاج ١ / ٤٠٢، والمغني ٣ / ٦٧.
(٤) مراقي الفلاح ص٣٩٥.
(٥) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص٣٩٥، والفتاوى الهندية ١ / ١٩٢.
وَوَقْتِ وُجُوبِ أَدَائِهَا (ر: زَكَاةُ الْفِطْرِ ف ٨ - ٩) .
قَضَاءُ الصَّوْمِ الْفَائِتِ مِنْ رَمَضَانَ:
٣٢ - مَنْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ قَضَى بِعِدَّةِ مَا فَاتَهُ، لأَِنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِعِدَّةِ مَا فَاتَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ (١) .
وَلِلتَّفْصِيل فِيمَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ انْظُرْ (صَوْمٌ ف ٨٦) .
قَضَاءُ الاِعْتِكَافِ:
٣٣ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الاِعْتِكَافَ إِذَا فَسَدَ، فَالَّذِي فَسَدَ لاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، وَهُوَ الْمَنْذُورُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا يَقْضِي إِذَا قَدَرَ عَلَى الْقَضَاءِ، إِلاَّ الرِّدَّةَ خَاصَّةً، لأَِنَّهُ إِذَا فَسَدَ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ، فَصَارَ فَائِتًا مَعْنًى، فَيَحْتَاجُ إِلَى الْقَضَاءِ جَبْرًا لِلْفَوَاتِ، وَيَقْضِي بِالصَّوْمِ، لأَِنَّهُ فَاتَهُ مَعَ الصَّوْمِ فَيَقْضِيهِ مَعَ الصَّوْمِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ إِنْ كَانَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، يَقْضِي قَدْرَ مَا فَسَدَ لاَ غَيْرُ، وَلاَ يَلْزَمُهُ الاِسْتِقْبَال، كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ إِذَا أَفْطَرَ يَوْمًا، أَنَّهُ يَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَلاَ يَلْزَمُهُ الاِسْتِئْنَافُ، كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، وَإِذَا كَانَ
_________
(١) سورة البقرة / ١٨٥.
اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ يَلْزَمُهُ الاِسْتِقْبَال، لأَِنَّهُ يَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا فَيُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ التَّتَابُعِ، وَسَوَاءٌ فَسَدَ بِصُنْعِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، كَالْخُرُوجِ وَالْجِمَاعِ وَالأَْكْل وَالشُّرْبِ فِي النَّهَارِ، إِلاَّ الرِّدَّةَ، أَوْ فَسَدَ بِصُنْعِهِ لِعُذْرٍ، كَمَا إِذَا مَرِضَ فَاحْتَاجَ إِلَى الْخُرُوجِ فَخَرَجَ، أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ رَأْسًا، كَالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ وَالإِْغْمَاءِ الطَّوِيل، لأَِنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ جَبْرًا لِلْفَائِتِ، وَالْحَاجَةُ إِلَى الْجَبْرِ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الأَْحْوَال كُلِّهَا، إِلاَّ أَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ فِي الرِّدَّةِ عُرِفَ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ (١)، وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الإِْسْلاَمُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ (٢)، وَالْقِيَاسُ فِي الْجُنُونِ الطَّوِيل أَنْ يَسْقُطَ الْقَضَاءُ، كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، إِلاَّ أَنَّ فِي الاِسْتِحْسَانِ يَقْضِي، لأَِنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إِنَّمَا كَانَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ، لأَِنَّ الْجُنُونَ إِذَا طَال قَلَّمَا يَزُول، فَيَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ، فَيُحْرَجُ فِي قَضَائِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يَتَحَقَّقُ فِي الاِعْتِكَافِ، وَأَمَّا اعْتِكَافُ التَّطَوُّعِ إِذَا قَطَعَهُ قَبْل تَمَّامِ الْيَوْمِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الأَْصْل، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَقْضِي، بِنَاءً عَلَى
_________
(١) سورة الأنفال / ٣٨.
(٢) حديث: " الإسلام يجب ما قبله ". أخرجه أحمد (٤ / ١٩٩) بهذا اللفظ من حديث عمرو بن العاص ﵁ مرفوعًا.
أَنَّ اعْتِكَافَ التَّطَوُّعِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ.
وَأَمَّا حُكْمُهُ إِذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ لَهُ، بِأَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، أَنَّهُ إِذَا فَاتَ بَعْضُهُ قَضَاهُ لاَ غَيْرُ، وَلاَ يَلْزَمْهُ الاِسْتِقْبَال، كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَإِنْ فَاتَهُ كُلُّهُ قَضَى الْكُل مُتَتَابِعًا، لأَِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ صَارَ الاِعْتِكَافُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَنْشَأَ النَّذْرَ بِاعْتِكَافِ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى قَضَائِهِ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالْفِدْيَةِ لِكُل يَوْمٍ طَعَامَ مِسْكِينٍ، لأَِجْل الصَّوْمِ، لاَ لأَِجْل الاِعْتِكَافِ، كَمَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَمْ يَعْتَكِفْ، فَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ صَحِيحًا وَقْتَ النَّذْرِ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا وَقْتَ النَّذْرِ فَذَهَبَ الْوَقْتُ وَهُوَ مَرِيضٌ حَتَّى مَاتَ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَحَّ يَوْمًا وَاحِدًا يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِالإِْطْعَامِ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لاَ يَلْزَمُهُ إِلاَّ مِقْدَارُ مَا يَصِحُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ.
وَإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، فَجَمِيعُ الْعُمُرِ وَقْتُهُ، كَمَا فِي النَّذْرِ بِالصَّوْمِ فِي وَقْتٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّى كَانَ مُؤَدِّيًا
لاَ قَاضِيًا، لأَِنَّ الإِْيجَابَ حَصَل مُطْلَقًا عَنِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ إِذَا أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالْفِدْيَةِ كَمَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ الْمُطْلَقِ، فَإِنْ لَمْ يُوصِ حَتَّى مَاتَ سَقَطَ عَنْهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى لاَ تُؤْخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ الْفِدْيَةُ إِلاَّ أَنْ يَتَبَرَّعُوا بِهِ (١) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْعُذْرَ الَّذِي يَقْطَعُ الاِعْتِكَافَ إِمَّا إِغْمَاءٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ أَوْ مَرَضٌ، وَالاِعْتِكَافُ إِمَّا نَذْرٌ مُعَيَّنٌ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ نَذْرٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَفِي كُلٍّ إِمَّا أَنْ يَطْرَأَ الْعُذْرُ قَبْل الاِعْتِكَافِ، أَوْ مُقَارِنًا لَهُ، أَوْ بَعْدَ الدُّخُول فِيهِ.
فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَوَانِعُ فِي الاِعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ الْمُطْلَقِ أَوِ الْمُعَيَّنِ مِنْ رَمَضَانَ، فَلاَ بُدَّ مِنَ الْبِنَاءِ بَعْدَ زَوَالِهَا، سَوَاءٌ طَرَأَتْ قَبْل الاِعْتِكَافِ وَقَارَنَتْ، أَوْ بَعْدَ الدُّخُول.
وَإِنْ كَانَ نَذْرًا مُعَيَّنًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ طَرَأَتْ خَمْسَةُ الأَْعْذَارِ قَبْل الشُّرُوعِ فِي الاِعْتِكَافِ، أَوْ مُقَارِنَةً، فَلاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ.
وَإِنْ طَرَأَتْ بَعْدَ الدُّخُول، فَالْقَضَاءُ مُتَّصِلًا.
وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلاَ قَضَاءَ، سَوَاءٌ طَرَأَتِ الأَْعْذَارُ الْخَمْسَةُ قَبْل
_________
(١) بدائع الصنائع ٢ / ١٠٤ - ١١٧ - ١١٨.
الشُّرُوعِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مُقَارِنَةً لَهُ.
وَبَقِيَ حُكْمُ مَا إِذَا أَفْطَرَ نَاسِيًا، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَقْضِي، سَوَاءٌ كَانَ الاِعْتِكَافُ نَذْرًا مُعَيَّنًا مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَ نَذْرًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، أَوْ كَانَ تَطَوُّعًا مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ (١) .
وَأَمَّا إِنْ أَفْطَرَ فِي اعْتِكَافِهِ مُتَعَمِّدًا فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ اعْتِكَافَهُ، وَكَذَلِكَ يَبْتَدِئُ اعْتِكَافَهُ مَنْ جَامَعَ فِيهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا أَوْ مُتَعَمِّدًا (٢) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا نُظِرَ فَإِنْ كَانَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، سَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرُ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا، لأَِنَّ الشَّهْرَ عِبَارَةٌ عَمَّا بَيْنَ الْهِلاَلَيْنِ تَمَّ أَوْ نَقَصَ، وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ نَهَارَ الشَّهْرِ، لَزِمَهُ النَّهَارُ دُونَ اللَّيْل، لأَِنَّهُ خَصَّ النَّهَارَ، فَلاَ يَلْزَمُهُ اللَّيْل، فَإِنْ فَاتَهُ الشَّهْرُ وَلَمْ يَعْتَكِفْ فِيهِ، لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ مُتَتَابِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، لأَِنَّ التَّتَابُعَ فِي أَدَائِهِ بِحُكْمِ الْوَقْتِ، فَإِذَا فَاتَ سَقَطَ، كَالتَّتَابُعِ فِي يَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُتَتَابِعًا لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا، لأَِنَّ التَّتَابُعَ هَاهُنَا وَجَبَ لِحُكْمِ النَّذْرِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ (٣) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا ثُمَّ
_________
(١) الشرح الصغير ١ / ٧٣٨.
(٢) كفاية الطالب الرباني ١ / ٤١١ - ٤١٢ ط. دار المعرفة.
(٣) المهذب مع المجموع ٦ / ٤٩٢.
أَفْسَدَهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ نَذَرَ أَيَّامًا مُتَتَابِعَةً فَسَدَ مَا مَضَى مِنَ اعْتِكَافِهِ وَاسْتَأْنَفَ، لأَِنَّ التَّتَابُعَ وَصْفٌ فِي الاِعْتِكَافِ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، فَلَزِمَهُ، وَإِنْ كَانَ نَذَرَ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً كَالْعَشَرَةِ الأَْوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَبْطُل مَا مَضَى وَيَسْتَأْنِفُهُ، لأَِنَّهُ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا فَبَطَل بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، كَمَا لَوْ قَيَّدَهُ بِالتَّتَابُعِ بِلَفْظِهِ.
وَالثَّانِي: لاَ يَبْطُل، لأَِنَّ مَا مَضَى مِنْهُ قَدْ أَدَّى الْعِبَادَةَ فِيهِ أَدَاءً صَحِيحًا، فَلَمْ يَبْطُل بِتَرْكِهَا فِي غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالتَّتَابُعُ هَاهُنَا حَصَل ضَرُورَةَ التَّعْيِينِ، وَالتَّعْيِينُ مُصَرَّحٌ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الإِْخْلاَل بِأَحَدِهِمَا، فَفِيمَا حَصَل ضَرُورَةً أَوْلَى، وَلأَِنَّ وُجُوبَ التَّتَابُعِ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ لاَ مِنْ حَيْثُ النَّذْرُ، فَالْخُرُوجُ فِي بَعْضِهِ لاَ يُبْطِل مَا مَضَى مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا يَقْضِي مَا أَفْسَدَ فِيهِ فَحَسْبُ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، لأَِنَّهُ تَارِكٌ لِبَعْضِ مَا نَذَرَهُ (١) .
قَضَاءُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ:
٣٤ - تَرْكُ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَانِعٍ قَاهِرٍ يَمْنَعُ الْمُحْرِمَ مِنْ أَرْكَانِ النُّسُكِ، وَيُعَبِّرُ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ بِالإِْحْصَارِ، أَوْ يَكُونَ بِغَيْرِ مَانِعٍ قَاهِرٍ، وَيُعَبِّرُ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ بِالْفَوَاتِ.
_________
(١) المغني ٣ / ٢٠٠.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُحْصَرِ قَضَاءُ النُّسُكِ الَّذِي أُحْصِرَ عَنْهُ إِذَا كَانَ وَاجِبًا كَحَجَّةِ الإِْسْلاَمِ، وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْمَنْذُورَيْنِ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، وَكَعُمْرَةِ الإِْسْلاَمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَلاَ يَسْقُطُ هَذَا الْوَاجِبُ عَنْهُ بِسَبَبِ الإِْحْصَارِ.
وَلِلتَّفْصِيل فِي أَحْكَامِ قَضَاءِ النُّسُكِ الْوَاجِبِ الَّذِي أُحْصِرَ عَنْهُ الْمُحْرِمُ، وَقَضَاءِ نُسُكِ التَّطَوُّعِ وَمَا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ فِي الْقَضَاءِ
(ر: إِحْصَارٌ ف ٤٩ - ٥١) (وَحَجٌّ ف ١٢١ - ١٢٣) .
وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَتَحَلَّل بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ (١) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُزَنِيُّ، أَنَّهُ يَمْضِي فِي حَجٍّ فَاسِدٍ وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ أَفْعَال الْحَجِّ، لأَِنَّ سُقُوطَ مَا فَاتَ وَقْتُهُ لاَ يَمْنَعُ مَا لَمْ يَفُتْ (٢) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي صُوَرِ فَوَاتِ الْحَجِّ، وَتَحَلُّل مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَكَيْفِيَّةِ التَّحَلُّل (ر: فَوَاتٌ) .
قَضَاءُ الأُْضْحِيَّةِ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا:
٣٥ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنَّ التَّضْحِيَةَ
_________
(١) الفتاوى الهندية ١ / ٢٥٦، والقوانين الفقهية ص١٣٩ نشر دار الكتاب العربي، والمهذب ١ / ٢٤٠، والمغني ٣ / ٥٢٧ - ٥٢٨.
(٢) المغني ٣ / ٥٢٧، والمهذب ١ / ٢٤٠.