الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٠ الصفحة 8

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٠

اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُل الْحَدِيثَ (١) . وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ ﵃ قَال: " تَزَوَّجْتُ فَحَضَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَحُذَيْفَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ ﷺ ﵃ فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَقَدَّمُوهُ فَصَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَصَل رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خُذْ بِرَأْسِ أَهْلِكَ فَقُل: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي أَهْلِي، وَبَارِكْ لأَِهْلِي فِي، وَارْزُقْهُمْ مِنِّي وَارْزُقْنِي مِنْهُمْ، ثُمَّ شَأْنُكَ وَشَأْنُ أَهْلِكَ.

ضَرْبُ الدُّفُوفِ فِي الْعُرْسِ:

٧ - قَال الْفُقَهَاءُ: يُسْتَحَبُّ إِعْلاَنُ النِّكَاحِ، وَضَرْبُ الدُّفُوفِ فِيهِ حَتَّى يَشْتَهِرَ وَيُعْرَفَ وَيَتَمَيَّزَ عَنِ السِّفَاحِ (٢)؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ، وَلْيُولِمْ أَحَدُكُمْ وَلَوْ بِشَاةٍ، فَإِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً وَقَدْ خَضَّبَ بِالسَّوَادِ فَلْيُعْلِمْهَا، وَلاَ يَغُرَّهَا وَفِي رِوَايَةٍ: أَعْلِنُوا النِّكَاحَ

_________

(١) حديث: " إذا تزوج أحدكم امرأة. . . ". أخرجه أبو داود (٢ / ٦١٧) من حديث عبد الله بن عمرو، وقد جود إسناده العراقي في تخريجه لأحاديث علوم الدين (١ / ٣٣٨ بهامش الإحياء) .

(٢) شرح السنة للبغوي ٩ / ٤٦، سبل السلام ٣ / ٢٤٨، حاشية ابن عابدين ٢ / ٢٦١، ٥ / ٢٢١ - ٢٢٣، جواهر الإكليل ١ / ٣٢٦، مواهب الجليل ٤ / ٦، مغني المحتاج ٤ / ٤٢٩، المغني لابن قدامة ٦ / ٥٣٧، كشاف القناع ٥ / ٢٢، ١٨٣.

وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَال (١) . أَيِ: الدُّفِّ.

وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَا فَعَلَتْ فُلاَنَةُ؟ لِيَتِيمَةٍ كَانَتْ عِنْدَهَا، فَقُلْتُ: أَهْدَيْنَاهَا إِلَى زَوْجِهَا، قَال: فَهَل بَعَثْتُمْ مَعَهَا جَارِيَةً تَضْرِبُ بِالدُّفِّ وَتُغَنِّي؟ قَالَتْ: تَقُول مَاذَا؟ قَال: تَقُول:

أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ

فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ

لَوْلاَ الذَّهَبُ الأَْحْمَرُ

مَا حَلَّتْ بِوَادِيكُمْ

لَوْلاَ الْحِنْطَةُ السَّمْرَا

مَا سَمِنَتْ عَذَارِيكُمْ

(٢)

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتًا أَوْ دُفًّا، قَال: مَا هَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا: عُرْسٌ أَوْ خِتَانٌ صَمَتَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِمَا عَمِل بِالدِّرَّةِ

وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (غِنَاء، شِعْر، وَلِيمَة) .

قَسْمُ الْعَرُوسِ:

٨ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ

_________

(١) حديث: " أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد. . . ". أخرجه الترمذي بعضه (٣ / ٢٩٠)، وأخرجه البيهقي (٧ / ٢٩٠)، بتمامه من حديث عائشة. وأعله الترمذي والبيهقي براو ضعيف فيه، وأخرج الرواية الأخرى البيهقي (٢ / ٢٩٠) من طريق آخر، وأعله كذلك براو ضعيف آخر.

(٢) حديث عائشة: " أن النبي ﷺ قال: ما فعلت فلانة. . . ". أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٢٨٩) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه رواد بن الجراح، وثقه أحمد وابن معين وابن حبان، وفيه ضعف.

وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى: أَنَّ صَاحِبَ النِّسْوَةِ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَدِيدَةً وَأَعْرَسَهَا قَطَعَ الدَّوْرَ، وَأَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا إِنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَثَلاَثًا إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَتَكُونُ السَّبْعُ وَالثَّلاَثُ مُتَتَالِيَاتٍ، وَلاَ يَقْضِيهَا لِزَوْجَاتِهِ الْبَاقِيَاتِ، ثُمَّ يَعُودُ لِلدَّوْرِ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَال: " مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُل الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاَثًا ثُمَّ قَسَمَ (١)، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَإِسْحَاقُ

وَقَال الْجُمْهُورُ: إِنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ بِسَبَبِ الزِّفَافِ، وَإِنَّ الثَّيِّبَ الْعَرُوسَ إِذَا شَاءَتْ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا فَعَل، وَقُضِيَ لِلْبَوَاقِي مِنْ ضَرَّاتِهَا؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاَثًا وَقَال: إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي. وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِنْ شِئْتِ زِدْتُكِ وَحَاسَبْتُكِ بِهِ، لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلاَثٌ وَفِي لَفْظٍ: إِنْ شِئْتِ أَقَمْتُ مَعَكِ ثَلاَثًا خَالِصَةً لَكِ، وَإِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ ثُمَّ

_________

(١) حديث أنس: " من السنة إذا تزوج الرجل البكر. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٩ / ٣١٤)، ومسلم (٢ / ١٠٨٤) واللفظ للبخاري.

سَبَّعْتُ لِنِسَائِي. (١)

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى: أَنَّهُ لاَ فَضْل لِلْجَدِيدَةِ فِي الْقَسْمِ عَلَى الْقَدِيمَةِ؛ لإِطْلاَقِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُل الْمَيْل﴾ (٢) وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (٣) .

وَقَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَنَافِعٌ وَالأَْوْزَاعِيُّ: لِلْبِكْرِ ثَلاَثٌ وَلِلثَّيِّبِ لَيْلَتَانِ (٤)

وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (قَسْمٌ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ) .

_________

(١) حديث أم سلمة: " أن النبي ﷺ لما تزوجها أقام عندها. . . ". أخرجه مسلم (٢ / ١٠٨٣)، واللفظ الأخير أخرجه الدارقطني (٣ / ٢٨٤) .

(٢) سورة النساء / ١٢٩.

(٣) سورة النساء / ١٩.

(٤) حاشية ابن عابدين ٢ / ٤٠٠، جواهر الإكليل ١ / ٣٢٧، مواهب الجليل ٤ / ٩، مغني المحتاج ٣ / ٢٥٦، المغني لابن قدامة ٧ / ٤٣، كشاف القناع ٥ / ٢٠٧، سبل السلام ٣ / ٣٤١، شرح السنة للبغوي ٩ / ١٥٤.

عَرْصَةٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - عَرْصَةُ الدَّارِ فِي اللُّغَةِ: سَاحَتُهَا، وَهِيَ الْبُقْعَةُ الْوَاسِعَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ. وَالْجَمْعُ عِرَاصٌ وَعَرَصَاتٌ، وَقِيل: هِيَ كُل مَوْضِعٍ وَاسِعٍ لاَ بِنَاءَ فِيهِ (١) .

وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْعَرْصَةِ بِالْمَعْنَيَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي اللُّغَةِ:

أ - الْمَعْنَى الأَْخَصُّ، وَهُوَ أَنَّ الْعَرْصَةَ: اسْمٌ لِسَاحَةِ الدَّارِ وَوَسَطِهَا، وَمَا كَانَ بَيْنَ الدُّورِ مِنْ خَلاَءٍ، فَقَدْ قَال الدُّسُوقِيُّ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ: لاَ شُفْعَةَ فِي عَرْصَةٍ، وَهِيَ سَاحَةُ الدَّارِ الَّتِي بَيْنَ بُيُوتِهَا، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْحَوْشِ (٢)، وَفِي حَاشِيَةِ الْقَلْيُوبِيِّ: الْعَرْصَةُ اسْمٌ لِلْخَلاَءِ بَيْنَ الدُّورِ (٣) .

ب - الْمَعْنَى الأَْعَمُّ، وَهُوَ: أَنَّ الْعَرْصَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْقِطْعَةِ مِنَ الأَْرْضِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بَيْنَ الدُّورِ أَمْ لاَ.

جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَوْ قَال: بِعْتُكَ

_________

(١) المصباح المنير ولسان العرب.

(٢) حاشية الدسوقي ٣ / ٤٨٢.

(٣) حاشية القليوبي ٣ / ٧٩.

هَذِهِ الأَْرْضَ أَوِ السَّاحَةَ أَوِ الْعَرْصَةَ أَوِ الْبُقْعَةَ، وَفِيهَا بِنَاءٌ، يَدْخُل فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ قَال الشَّبْرَامُلْسِيُّ: الْفُقَهَاءُ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا الْعَرْصَةَ وَالسَّاحَةَ فِي مَعْنَاهُمَا اللُّغَوِيِّ، بَل أَشَارُوا إِلَى أَنَّ الأَْلْفَاظَ الأَْرْبَعَةَ (الأَْرْضَ - السَّاحَةَ - الْعَرْصَةَ - الْبُقْعَةَ) عُرْفًا بِمَعْنًى وَهُوَ: الْقِطْعَةُ مِنَ الأَْرْضِ لاَ بِقَيْدِ كَوْنِهَا بَيْنَ الدُّورِ (١)

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْحَرِيمُ:

٢ - الْحَرِيمُ لُغَةً: مَا حَرُمَ فَلاَ يُنْتَهَكُ، وَهُوَ أَيْضًا فِنَاءُ الدَّارِ أَوِ الْمَسْجِدِ، وَيَأْتِي كَذَلِكَ بِمَعْنَى الْحِمَى (٢) .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: حَرِيمُ الشَّيْءِ: مَا حَوْلَهُ مِنْ حُقُوقِهِ وَمَرَافِقِهِ، وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِتَمَامِ الاِنْتِفَاعِ، وَإِنْ حَصَل أَصْل الاِنْتِفَاعِ بِدُونِهِ (٣) .

ب - الْفِنَاءُ

٣ - فِنَاءُ الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ: مَا اتَّصَل بِهِ مُعَدًّا لِمَصَالِحِهِ، وَقَال الْكَفَوِيُّ: فِنَاءُ الدَّارِ هُوَ:

_________

(١) نهاية المحتاج ٤ / ١١٥ - ١١٦.

(٢) لسان العرب، والمصباح المنير.

(٣) ابن عابدين ٥ / ٢٧٩، نهاية المحتاج ٥ / ٣٣٤ ط مصطفى الحلبي.

مَا امْتَدَّ مِنْ جَوَانِبِهَا، أَوْ هُوَ مَا اتَّسَعَ مِنْ أَمَامِهَا (١) .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: نَقَل الْحَطَّابُ عَنِ الأَْبِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْفِنَاءُ: مَا يَلِي الْجُدْرَانَ مِنَ الشَّارِعِ الْمُتَّسِعِ النَّافِذِ (٢) .

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَرْصَةِ مِنْ أَحْكَامٍ:

يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَرْصَةِ مِنْ أَحْكَامٍ فِي عِدَّةِ أَبْوَابٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَأْتِي:

أ - الْبَيْعُ:

٤ - لَوْ قَال شَخْصٌ لِغَيْرِهِ: بِعْتُكَ هَذِهِ الأَْرْضَ أَوِ السَّاحَةَ أَوِ الْعَرْصَةَ أَوِ الْبُقْعَةَ وَفِيهَا بِنَاءٌ وَشَجَرٌ، فَإِنَّهُ يَدْخُل فِي الْبَيْعِ بِلاَ ذِكْرٍ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَذْهَبِ، لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ أَوْ عُرْفٌ، فَإِذَا وُجِدَ شَرْطٌ أَوْ عُرْفٌ عُمِل بِهِ، وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الشَّجَرَ بِالنَّابِتِ الرَّطْبِ.

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الْقَطْعُ بِعَدَمِ الدُّخُول، لِخُرُوجِهَا عَنْ مُسَمَّى الأَْرْضِ وَلاَ دَلِيل عَلَى تَبَعِيَّتِهَا لَهَا مِنْ عُرْفٍ وَلاَ غَيْرِهِ، فَلاَ وَجْهَ لِلدُّخُول.

_________

(١) التعريفات للجرجاني، والكليات لأبي البقاء الكفوي ٣ / ٣٥٨.

(٢) مواهب الجليل ٥ / ١٥٧ - ١٥٨.

وَأَلْحَقَ الْفُقَهَاءُ بِالْبَيْعِ كُل مَا يَنْقُل الْمِلْكَ، مِنْ نَحْوِ هِبَةٍ وَوَقْفٍ وَوَصِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ (١) .

وَمَنْ بَاعَ دَارًا تَنَاوَل الْبَيْعُ بِنَاءَهَا وَفِنَاءَهَا؛ لأَِنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْبِنَاءِ وَالأَْرْضِ.

قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَالأَْصْل أَنَّ الْعَرْصَةَ أَصْلٌ فِي الدَّارِ؛ لأَِنَّ قَرَارَ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا دَخَل الْبِنَاءُ وَمَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْبِنَاءِ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لاِتِّصَال الْبِنَاءِ بِالْعَرْصَةِ اتِّصَال قَرَارٍ، فَيَكُونُ تَبَعًا لَهَا (٢) .

ب - الشُّفْعَةُ:

٥ - يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي الْعَرْصَةِ، تَبَعًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِيمَنْ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ فِي الشُّفْعَةِ، وَفِيمَا تَكُونُ فِيهِ الشُّفْعَةُ.

وَمِنْ تَرْتِيبِ الْحَنَفِيَّةِ لِمَرَاتِبِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ يَتَبَيَّنُ اسْتِحْقَاقُ الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي الْعَرْصَةِ الْمَبِيعَةِ، أَوِ التَّابِعَةِ لِمَا هُوَ مَبِيعٌ.

قَال الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: الشُّفْعَةُ تُسْتَحَقُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا بِثَلاَثَةِ مَعَانٍ: بِالشَّرِكَةِ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْبَيْعِ، أَوْ بِالشَّرِكَةِ فِي حُقُوقِ

_________

(١) ابن عابدين ٤ / ٣٥، وفتح القدير٥ / ٤٨٣ - ٤٨٥، والدسوقي ٣ / ١٧٠ - ١٧١، والشرح الصغير ٢ / ٨١ - ٨٢ ط الحلبي، ونهاية المحتاج ٤ / ١١٥ - ١١٧، ومغني المحتاج ٢ / ٨٠، وكشاف القناع ٣ / ٢٧٤ - ٢٧٥، ومنتهى الإرادات ٢ / ٢٠٧.

(٢) فتح القدير ٥ / ٤٨٣ - ٤٨٤، والدسوقي ٣ / ١٧٠ - ١٧١ ومغني المحتاج ٢ / ٨٤ والمغني ٤ / ٨٨ وكشاف القناع ٣ / ٢٧٤، ومنتهى الإرادات ٢ / ٢٠٦.

ذَلِكَ، أَوْ بِالْجِوَارِ الأَْقْرَبِ فَالأَْقْرَبِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ: دَارٌ بَيْنَ قَوْمٍ فِيهَا مَنَازِل لَهُمْ فِيهَا شَرِكَةٌ بَيْنَ بَعْضِهِمْ، وَفِيهَا مَا هِيَ مُفْرَدَةٌ لِبَعْضِهِمْ، وَسَاحَةُ الدَّارِ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَهُمْ يَتَطَرَّقُونَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ فِيهَا، وَبَابُ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْمَنَازِل فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ، فَبَاعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي الْمَنْزِل نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ، أَوْ مِنْ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ بِحُقُوقِهِ مِنَ الطُّرُقِ فِي السَّاحَةِ وَغَيْرِهَا، فَالشَّرِيكُ فِي الْمَنْزِل أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنَ الشَّرِيكِ فِي السَّاحَةِ، وَمِنَ الشَّرِيكِ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي فِيهِ بَابُ الدَّارِ، فَإِنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ فِي الْمَنْزِل الشُّفْعَةَ فَالشَّرِيكُ فِي السَّاحَةِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ.

وَإِنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ فِي السَّاحَةِ فَالشَّرِيكُ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي لاَ مَنْفَذَ لَهُ الَّذِي يَشْرَعُ فِيهِ بَابُ الدَّارِ أَحَقُّ بَعْدَهُ بِالشُّفْعَةِ مِنَ الْجَارِ الْمُلاَصِقِ (١) .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَإِنَّهُمْ يَبْنُونَ حُكْمَ الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي الْعَرْصَةِ عَلَى إِمْكَانِ قِسْمَتِهَا أَوْ عَدَمِهِ، وَعَلَى إِمْكَانِ إِيجَادِ الْبَدِيل إِذَا بِيعَتِ الدَّارُ الَّتِي تَتْبَعُهَا الْعَرْصَةُ، كَمَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، إِذْ لاَ شُفْعَةَ إِلاَّ لِلشَّرِيكِ عِنْدَهُمْ، وَعَلَى هَذَا فَلاَ

_________

(١) حاشية الشلبي بهامش تبيين الحقائق ٥ / ٢٤٠ وتكملة فتح القدير ٨ / ٣٠٠ - ٣٠١.

شُفْعَةَ فِي الْعِرَاصِ الضَّيِّقَةِ الَّتِي لاَ تَنْقَسِمُ إِذَا بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ نَصِيبَهُ فِيهَا، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ شُفْعَةَ فِي فِنَاءٍ وَلاَ طَرِيقٍ وَلاَ مُنَقَّبَةٍ (١) . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ فِيهَا الشُّفْعَةَ لِعُمُومِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ (٢)؛ وَلأَِنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ لإِزَالَةِ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ، وَالضَّرَرُ فِي هَذَا النَّوْعِ أَكْثَرُ؛ لأَِنَّهُ يَتَأَبَّدُ ضَرَرُهُ، أَمَّا مَا أَمْكَنَ قِسْمَتُهُ، بِحَيْثُ إِذَا قُسِمَ لَمْ يَسْتَضِرَّ بِالْقِسْمَةِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ فِيهِ.

٦ - وَإِذَا بِيعَ بَيْتٌ مِنْ دَارٍ لَهَا صَحْنٌ، وَلاَ طَرِيقَ لِلْبَيْتِ إِلاَّ مِنْ هَذَا الصَّحْنِ، فَلاَ شُفْعَةَ فِي الصَّحْنِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالْمُشْتَرِي، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْمُضِرُّ بِنَفْسِهِ.

وَإِنْ كَانَ لِلْبَيْتِ بَابٌ آخَرُ يُسْتَطْرَقُ مِنْهُ، أَوْ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ يُفْتَحُ مِنْهُ بَابٌ إِلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِنْ كَانَ الصَّحْنُ لاَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فَلاَ شُفْعَةَ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ

_________

(١) حديث: " لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة ". ذكره ابن قدامة في المغني (٥ / ٣١٣) وعزاه لأبي الخطاب في رؤوس المسائل، وذكره أبو عبيد في غريب الحديث (٣ / ١٢١) .

(٢) حديث: " الشفعة فيما لم يقسم " أخرجه البخاري (فتح الباري ٤ / ٤٣٦) بلفظ " قضى النبي ﷺ بالشفعة في كل ما لم يقسم ". وأخرجه مسلم (٣ / ١٢٢٩) من حديث جابر.